خمس رسائل


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5442 - 2017 / 2 / 24 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

إلى السيد دونالد ترامب

اسمح لي سيد الرئيس أن أقول لك إنك لم تكذب، لم تبالغ، لم تلعب على الكلام، عندما صرحت بكونك الرئيس الأمريكي الذي سيأتي بأعمال ما لم يأت بها رئيس أمريكي من قبل، فالحمائية التي ستعمل بها نظامًا لحماية الزراعة والتجارة والصناعة من المنافسة الأجنبية بفرض رسوم جمركية عالية على السلع المستوردة يكون مفادها تحديد الاستيراد، ستشجع الاستثمار المحلي، وبالتالي خلق الأعمال، ولكن ليس إلى الأبد، عندما نعلم أن هناك فائضًا للإنتاج بعد إشباع السوق الأمريكي يجب تسويقه، ويجب بالتالي تشجيع التصدير، وهذا لن يتم إلا إذا كان السوق العالمي يقبل بشروط تتعارض مع الحمائية، معيار هذه الشروط التبادل الحر، العادل، فالعولمة نظام حر لكنه غير عادل، خاصة باتجاه البلدان المستهلكة. أضف إلى ذلك سيد الرئيس، أننا نعيش اليوم في قلب ثورة رقمية تجعل من نظام الحمائية نظامًا أكل الدهر عليه وشرب، فالثورة الرقمية في عصرنا تسير على قدم وساق، وهذا يعني "روببة" الصناعة، وفقدان مئات آلاف الأعمال بحدود العام 2025، أي مع انتهاء فترتك الثانية، فكل روبو مقابل ألف عامل كما تعلم. تقارير السي آي إيه عن العالم في عام 2025، 2035، 2040، لا تستمع إليها، لأنها تنهل من استراتيجية عجوز واحدة، وخاصة لأنها من وجهة نظر أحادية، وجهة نظر اليو إس إيه، تركز على الأزمات الاقتصادية والحروب الشرق الأوسطية، وتربط هذه بتلك بحتمية غير منطقية حتمية قدرية، بينما الأزمات الاقتصادية تنتهي بانتهاء الحروب في الشرق الأوسط، الحروب في الشرق الأوسط تحول دون انهيار الاقتصاد العسكري هذا صحيح لكنها لا تحول دون انهيار الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، ما يحول دون انهيارهما بناء الشرق الأوسط، وعن طريق الاستثمار فيه، سنستوعب ملايين العاطلين عن العمل الأمريكيين، لأن اليد العاملة عندنا يد رثة، تحتاج إلى اليد العاملة الماهرة، وأعني هنا مهارة التقنية أول ما أعني، فنحن نعيش –كما قلت- في صميم ثورة رقمية، وهي الطريقة الوحيدة –في رأيي- التي ستكون فيها الرئيس الأمريكي الذي سيأتي بأعمال ما لم يأت بها رئيس أمريكي آخر. لكنك سيد الرئيس ستقول لي "تثوير العالم العربي الرقمي سيصل إما آجلاً أم عاجلاً إلى حد الإشباع وسنعود إلى نقطة الصفر يعني البطالة"، فأجيبك الثورة الرقمية في الشرق الأوسط ستكون على مدى عشرين ثلاثين عامًا، هذه المدة كافية لإشباع نهم الرأسمال العالمي الذي هو الرأسمال الأمريكي، ومن فائض رأس المال سنقيم صندوقًا لتمويل "دخل عام" نقترحه على كل من لا يعمل، ونحن بذلك نحمي الشراء من فقدان قوته، ونحمي الإنسان من فقدان إنسانيته، إنها الحمائية كما أفهم.

إلى السيد بنيامين نتنياهو

أعرف سيد رئيس الوزراء أنك تقرأني مثلك مثل الكثير من السياسيين والمثقفين عندكم، وأعرف كذلك أن خطط السلام التي اقترحتها عليك تدرسها العديد من المؤسسات الرسمية والخصوصية، وكلها تقترح التمهل في الرد، وانتظار الظرف الملائم، فهل هناك اليوم ظرف أكثر منه ملائمة: سلطة فلسطينية متختخة على صورة رئيسها شائخة، رائحتها طالعة، رائحة كريهة والعياذ بالله، لم يعد من الممكن الاعتماد عليها في تنفيذ الأهداف التي جاءت اتفاقات أوسلو بها، نعم حتى التنفيذ وكل أدواتك العسكرية والمخابراتية التي تحت تصرفها، حتى القمع، والقمع في سجونها ومعتقلاتها لم يعد قمعًا "نظيفًا"، وكأنها بيد الاحتلال تلطخ صورة "التعايش" المزعوم في العالم. هذا لا يعني أن سلطة الإخوان في القطاع أحسن بل أوسخ بكثير منها، وعلى أي حال نحن سكان الضفة، من أيام الملك حسين، لم نكن نعتبر غزة فلسطين، إن قَبِلَ الإخوان بالعلمانية تركنا المساجد لهم يسرحون فيها ويمرحون ما شاؤوا، وإن لم يقبلوا فتحنا الحدود لأهالي القطاع ليأتوا الضفة عندنا، هكذا نتركه لمجانين الله يشربونه ويأكلونه مع الله هنيئًا مريئًا! أنت تعرف تمامًا أنني عملي في كل شيء، براغماتي حتى النخاع، أبحث عن الحلول التي ترضي الطرفين دومًا، ولكن أبدًا دون مقابل: تريد السلام والأرض؟ وأنا كذلك. إذن السؤال كيف نريد السلام والأرض؟ الاعتراف المتبادل بدولتين وإبقاء كل شيء على الأرض كما هو، بلد خزق لن نقسمه إلى بلدين خزقين، القدس عاصمة للدولتين تبقى موحدة تحت راية بلديتها، المستوطنون يحملون جنسية مزدوجة، اللاجئون يعودون في قليلهم ويحملون الجنسية المزدوجة، ويعوضون في كثيرهم، وتترك لهم حرية العمل والإقامة أينما يشاؤون، كما هو جارٍ في الاتحاد الأوروبي، حتى في إسرائيل نفسها. رئيس مراحيض رام الله الذي كان بأمركم ولم يزل تزيلونه بقرار، وأنزل بدله بقراري، أقول بقراري لا بقرار يحبك في الدهاليز المعتمة أو من وراء الستائر، لنؤسس مستقبلاً سعيدًا لأطفالنا. أمريكا لن تبقى استراتيجيتها إلى ما لا نهاية استراتيجيتها، على حل شعرك لن تتركك إلى وقت أكثر مما تركتك، ومشاكلها إن لم يستمع دونالد ترامب إليّ ستتفاقم، ثم ستتركك وحدك إلى نهايتك. أنت تعرف هذا جيدًا، ففكر جيدًا فيما أقول. الموقف الذي أريده منك يتطلب القوة والشجاعة والمواجهة، يفرض عليك اختراق كل المعاقل التي تفرق والتي لا تفرق، وأنت بهذا تعيد الأمل إلى شعبك الذي فقده.

إلى جلالة سلمان بن عبد العزيز

كل شيء تبدل يا جلالة الملك، لم يعد العالم يركب الجمل، في باريس ولندن ولوس أنجلس تسير "اليوبيريزيشن" على قدم وساق، السيارات دون سائق، والقطارات تقطع مئات الكيلومترات في غمضة عين، لم تعد الحداثة حكرًا على أحد، انظر إلى الحداثة المعمارية في السعودية، ولا تنظر والعياذ بالله إلى وزرائك وممثليك في المؤتمرات العالمية كالبهلوانات في الحطة والعقال والدشداش، وكأنهم آتون من عهد الديناصورات، حطة وعقال ودشداش سيكون منعها من ضمن الحريات التي سيعمل نظامك الجديد بها، وسيكون منع الحجاب قبلها، فأنت تعلم علم اليقين أن الحجاب ليس بشريعة وليس بسنة، ومع ذلك نقول القالب غالب يا جلالة الملك، العقل، العلم، التكنولوجيا، العالم يعيش في عصر التنوير الأخير، عصر الثورة الرقمية، عصر الثورة البيئية، عصر الثورة الحُلمية –هذه الثورة التي أنا من روادها فأنت تعرف فيّ الروائي قبل السياسي- لهذا أنا في هذا المقام لن أكلمك عن الشيخ بن عبد الوهاب، ولا عن الجهاد في سبيل الله، فالشيخ بن عبد الوهاب في زمن اكتشف فيه علماء نازا كواكب سبعة ككوكبنا تدور حول نجمة كشمسنا شيخ عضه الدهر بنيابه، والجهاد في سبيل الله اليوم هو العلم، لن أكلمك عن النفط، وإن كان النفط جنتك وجحيمك، فأنت لن تبقى ما بقي النفط في ظنك، الأمريكان يريدون تبديلك، وتبديلك يعني تبديل نظامك، بحثوا ولم يزالوا يبحثون في تبديلك مع الإيرانيين، بمعنى أن السعوديين سيذهبون من جحيم إلى جحيم، وأن استراتيجية أمريكا في تقطيع أوصال العالم العربي ستبقى، وبيد أصحابها، بيدك يا جلالة الملك تقطيع السعودية كما تم بيدك تقطيع اليمن وبيدك ويد زميلك القطري تقطيع سوريا، تقطيع ليبيا، والحبل على الجرار، مصر السيسي وما أدراك ما السيسي، وجزائر بوتفليقة وما أدراك ما بوتفليقة، حتى المغرب فوق والأردن تحت، فلعلمك، العائلة الهاشمية المالكة لم تهرِّب فقط أموال الدعم السعودي-الخليجي إلى بنوك سويسرا –بنوك بنما أنت تعرفها- بل كذلك أموال صندوق النقد الدولي، والملكة رانية حصلت على وظيفة عارضة أزياء عند "شانيل". أنا بس بدي أحطك في الجو، وأنا كل اللي بدي اياه أن أجعل منك ملكًا للسعوديين لا ملكًا للنفط، لهذا كان كلامي المقنع للرئيس الأمريكي، كي يعمل على تبديل استراتيجية الجنرالات الذين لا يفكرون إلا في الحرب مستلهمين جيوعسكريتهم من الشعار الدميم "الحرب ابنة الدولار". لهذا سنعمل من أجل ألا تكون السعودية تارة الأداة بيد الإرهاب وتارة يد الإرهاب بأوامر أمريكية، ستكون بلدًا متمدنًا متحضرًا بلدًا رقميًا، ونثبت أنه بلد قادر على مواكبة الثورات العلمية المعاصرة، أما شيوخ المزابل وعلماء الرذيلة –هم يقولون الفضيلة- الذين هم أبعد ما يكون عن الفضيلة، فسنؤسس فاتيكان مكة والمدينة لهم، يهرقون فيه كل عقدهم الجنسية إهراق دم العذارى. ستكون الملك الضامن لكافة الحريات، بهيبتك، هيبة ملكة الإنجليز، وبصولجانك، صولجان الملك سليمان، أيها الملك سلمان، فالزمن السياسي تبدل، والأمل كبير في الغد، الإرادة إرادة التقدم، وعلى كل فرد منا أن يلعب الدور الذي هو دوره، دون تحزب، دون تعصب، دون قهر أو إرغام، فالوقت يمضي والمشاكل تبقى، هل تعرف لماذا، لسبب بسيط، ألا وهو تقديم المصالح الشخصية على المصالح العامة ومصادرة هذه المصالح.

إلى السيد بشار أسد

منذ بداية حرب تقطيع سوريا يعني منذ سنوات عديدة أتيت بحل يرضيك يا سيد الرئيس ويرضي معارضيك، رغم أنني لم أكن معك، ولم أكن مع معارضيك، حل يفوق الخيال الذي هو خيالي، والذي تعرفه لي: الإبقاء على نظام التوريث، وهذا يعني المجيء بابنك حافظ بشار أسد رئيسًا قبل سن البلوغ، وينتهي الإشكال، أنت والمعارضة كأوصياء تنبثق عنكم لجان تؤسس لنظام علماني ديمقراطي، لكن ما حصل أنك والمعارضة وقعتم فريسة في أيدي الروس والأمريكان، استغلك الروس كما استغل الأمريكان المعارضة لضغط هؤلاء على أولئك وأولئك على هؤلاء في الصراع الدائر بينهما في أوكرانيا، لأن الحل السوري أوكراني، الحل السوري لا يمكن التوصل إليه في جنيف اليوم ولكن في كييف، وذلك برفع الحصار الغربي عن روسيا، والاعتراف بحقوقها في أوكرانيا: ضم وانفصال ولغة روسية. أنت تعرف سيد الرئيس أن أوكرانيا كانت ولم تزل الرئة لروسيا، وهذا القول ليس لي، هذا القول للينين، فما الذي جرى في رأس أمريكا والغرب ليتدخلوا في أوكرانيا، ليدخلوا أوكرانيا، ليخنقوا روسيا؟ لهذا السبب أنصحك بقبول اقتراحي، لأن أمريكا ترامب ستتفاهم مع روسيا بوتين حول أوكرانيا على حسابك، وسيصل الطرفان إلى حل سوري دونك.

إلى السيد إيمانويل ماكرو

سأوجه الكلام إليك كرئيس فرنسي قادم، فصعودك السريع مخطط له من طرف "الدولة العميقة" التي هي أصحاب النفوذ والحكام الحقيقيون، وبالتالي ستكون رئيسًا لفرنسا بعد شهرين، موعد الانتخابات الرئاسية القادمة. أنت أحسن من غيرك، حتى ولو كنت مرشح النقود، فإجراءاتك الاجتماعية شعبية، إجراءات ليست كما أريد لكنها لا تخلو من إنسانية، وطموحاتك السياسية تريد أن تتجاوز ما يُدعى باليسار وما يدعى باليمين تمامًا كما هي طموحاتي، أنت كوريث لهما، فها أنت تضع قدمًا في مركز اليمين بتحالفك مع السيد بايرو وتُبقي قدمًا في المركز اليسار باتخاذك التعددية منهجًا، وأنا كهادم لهما في ورشة الهدم والبناء التي أريد أن يكونها العالم العربي، أنت ضد الأحزاب مثلي لكنك لست مع التنظيمات المدنية التي أريدها بدلها، فحركتك "في السير" تسير في كل الاتجاهات لا تحديد لها ولا حدود، مما يدفع إلى الحذر مما سيقع، وما سيقع ربما لن يكون في مصلحة البلد، أنت مع أوروبا، فهل هي أوروبا القديمة أم أوروبا الجديدة، وأنت مع الحرب على الإرهاب للدفاع عن قيمك كما تقول، فهل هو الإرهاب كما تصنعه وسائل الإعلام أم الإرهاب كما تصنعه أجهزة المخابرات، وهل بالحرب تدافع عن قيمك أم بالسلم مثلما أدافع أنا عن قيمي، كما أنك مع قوة الشراء للأضعف، فأين الأضعف من الأقوى في برنامجك الاقتصادي وأين الأقوى من الأضعف وكيف، كيف كل وعودك عند التطبيق، لأنك الحق يقال تعطي أمثلة حية مثلي وعملية لكنك لا ترسم مثلي آلية التطبيق. ما اقترحته على الرئيس ترامب فوق أقترحه عليك، ففرنسا بلدي مثلما هي بلدك، وإرادتي من إرادتك في الإبقاء على عظمتها التاريخية وتقدمها الذي هو تقدم لكل الإنسانية.