دعوة فضائية للتعريف بعملاء الإستعمار الفرنسي في الجزائر


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 5441 - 2017 / 2 / 23 - 23:34
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

دعوة فضائية للتعريف
بعملاء الإستعمار الفرنسي في الجزائر

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-


أثار مرور فريال فيرون إحدى حفيدات الباشاغا بن قانة في فضائية جزائرية ردود فعل منددة بذلك، وكأنه تمجيد لهذا العميل للإستعمار، فبن قانة هي عائلة معروفة في الجنوب الجزائري بعمالتها للإستعمار ومواجهتها المقاومات الجزائرية في الجنوب الغربي الجزائري، خاصة مقاومة أحمد باي، كما كانت وراء سقوط مدينة قسنطينة في 1837، كما عرقلت الأمير عبدالقادر في توطيد حدود الدولة الجزائرية في المنطقة، لكن لما الغضب على الذين استضافوا فريال فيرون بن قانة إحدى حفيدات هذه الأسرة، وكأنهم قاموا بعملية تمجيد لها؟، فأنا في رأيي، ويمكن أن أكون مخطأ في ذلك، فإنني أراه عملا يجب التنويه به، لأنه بذلك أعادت عمالة أسرة بن قانة إلى الساحة بعد ما نسيها الجزائريون، فهل يعرف شبابنا وحتى كبار السن خيانات بن قانة؟، وياحبذا لو يتحدثوا أيضا عن الباشاغا بوعلام الذي جند قبائل بأكملها ضد الثورة في جبال الظهرة، والذي كان مؤسسا فعالا ل"جبهة الجزائر الفرنسية" بعد إنقلاب1958 الذي جاء بشارل ديغول إلى الحكم في فرنسا، لما لانتحدث أيضا عن قبائل المخزن ومصطفي بن سماعيل الذي كان يطارد الأمير عبدالقادر في الغرب الجزائري؟، وياحبذا لو نتحدث عن كوبيس وغيرهم من الحركى والخونة الذين كانوا واضحين في مواقفهم وعمالتهم كي يعرفهم الجزائريون؟.
أعتقد أن ما قامت به الفضائية كان له دورا إيجابيا، لأن الجزائريين للأسف الشديد قد دخلوا منذ مدة في حرب ذاكرة فيما بينهم بسبب تخوين المجاهدين بعضهم بعضا بسبب خلافات سياسية أو تصفية حسابات فيما بينهم، حتى كادت أن تخلوا الساحة الجزائرية من رموزنا التاريخية بعد تشويههم جميعا جراء هذه الحرب، ويبدو أن هناك تيارات سياسية وأيديولوجية في الجزائر كانت تعمل من أجل إشعال حرب ذاكرة بين الجزائريين تؤدي إلى ضرب الأسس التاريخية التي قامت عليها الدولة الوطنية، مما سيسمح لهذه التيارات من تهديم الدولة نهائيا من الأساس، ويقيمون دولتهم على أنقاضها وبأسس تاريخية أخرى تخدمهم.
أعتقد انه لو تم إستغلال ما قامت به الفضائية، سيكون في خدمة التاريخ الجزائري الذي سمم وشوهت كل رموزه، أليس من الأفضل الحديث عن العميل مصطفى بن إسماعيل بدل ترديد مقولة أو أكذوبة أن الأمير عبدالقادر "خائن" لأنه في نظرهم "أستسلم"، ولا يعلمون أن الأمير لم يضع السلاح إلا بسبب هذا العميل وقبائل المخزن التي حاصرته، وساعدت الجيش الإستعماري؟، أليس من الواجب علينا تعريف الأجيال الجزائرية بمصطفى بن سماعيل وعمالاته بدل إلحاق الظلم بالأمير عبدالقادر الذي كافح الإستعمار الفرنسي 17سنة؟، أليس من الأفضل أن تعرف الأجيال الجزائرية بن قانة بدل ما نتهم أحمد باي بالخيانة والإستسلام، والذي لم يضع سلاحه إلا تحت ضغوط بن قانة وأمثاله في الشرق الجزائري مثله في ذلك مثل مصطفى بن سماعيل في الغرب؟.
أليس من الأفضل بدل تخوين ياسف سعدي أو العكس تخوين زهرة ظريف أن نتحدث عن الخونة الذين وضعوا صناديق رسائلهم في يد المخابرات الإستعمارية للتلاعب بقيادات الثورة وزرع الشكوك فيما بينها، فبدل الحديث عن الشهيد سي صالح قائد الولاية التاريخية الرابعة والشك في وطنيته، لأنه أجتهد من أجل إيجاد مخرج للإختناق والحصار الكبير الذي وقعت فيه ولايته التاريخية، فلنتحدث عن الباشاغا بوعلام في الظهرة ومطارداته لثوار هذه الولاية؟، فما العيب لو بيع كتاب الباشاغا بوعلام في الجزائر الذي عنونه "آه وطني فرنسا"، فبدل تخوين مصالي أليس من الأفضل الحديث عن خيانات كوبيس الذي حارب الثورة في الولاية التاريخية الرابعة أيضا، كما لاننسى خونة وعملاء كثر يجب التسليط الضوء عليهم مثل الشريف بن سعيدي في الولاية السادسة الذي وظفه الإستعمار لترويج أفكار جهوية والتحريض ضد مجاهدين جزائريين جاءوا من مناطق اخرى، مما أدى إلى إستشهاد علي ملاح وثلة من إطارات الثورة الكبار.
لا أعلم مالضرر الذي نحدثه لو تحدثنا عن عملاء الإستعمار الفرنسي في الجزائر، والذين اعطوا كل شيء لفرنسا الإستعمارية، بل بالعكس الحديث عنهم سيصحح النقاش التاريخي فيما بين الجزائريين، فنتحدث عن الخونة الحقيقيين الذين لا شبهة حول خيانتهم بدل ترديد تخوين أبطال ومجاهدين ممكن أخطأوا في تقديراتهم أو أختلفوا مع الذين خونوهم، لكن لم يكن إختلافهم حول الجزائر وتحريرها، بل حول طريقة تحقيق ذلك وخدمتها، فهل من المعقول أن نسكت عن بن قانة ومصطفى بن سماعيل وكوبيس والباشاغا بوعلام وغيرهم، ثم نخون مصالي الحاج الذي عارض جبهة التحرير الوطني، وأنشأ تنظيما ثوريا آخر هو "الحركة الوطنية الجزائرية" لمحاربة فرنسا، لكنه لم يخن الجزائر أو يعارض تحريرها، وهو الذي أعطى النفس والنفيس من أجل جزائر حرة مستقلة؟
أننا نستغرب عدم نشر كتب لضباط فرنسيين يفتخرون بجرائمهم، فلو نشرناها في الستينيات، ألا يعلم أبناءنا جرائم هذا الإستعمار بواسطتها؟، أنه من الغباء منع كتب سانت أرنو و بيليسيي آنذاك، فهل نشر كتاب أوساريس في الجزائر أضر بذاكرة الجزائريين أم زادها قوة؟.
ونستذكر القليل من التاريخ فهل إجراء أسبوعية "الجزائر الأحداث" حوارا مع السفاح بيجار في عام 1985 أضرت بالثورة الجزائرية أم زادتها قوة، ومنها البطل الشهيد العربي بن مهيدي؟ ولما لا تحدث حصص كالتي قدمتها هذه الفضائية الجزائرية وثبة لدى الجزائريين، ليكفوا عن حروب الذاكرة فيما بينهم وترديد تخوين مجاهدين غير مسؤولين لبعضهم بعضا، فلنتكلم عن جرائم الإستعمار وعملائهم الذين لاغبار عن عمالتهم إطلاقا مثل بن قانة ومصطفى بن سماعيل والباشاغا بوعلام وغيرهم الكثير، لكن للأسف لا يعرف أبناءنا ولا أحد منهم، ولم يسمعوا إطلاقا ببن قانة إلا بعد حصة الفضائية الجزائرية، الم تؤد هذه الفضائية عملا إيجابيا بإستضافتها إحدى حفيدات الباشاغا بن قانا الذي ألفت عنه كتابا؟.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-