مع استمرار الضغط على حكومة اليسار/ قراءة لآخر التطورات في اليونان


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 5440 - 2017 / 2 / 22 - 00:38
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     


من جديد يخير وزير المالية الألماني شويبله حكومة اليسار في اليونان بين الاستمرار في تنفيذ وصفة المراكز المالية او مغادرة منطقة اليورو، واكد شويبله الذي يعد من ابرز صقور منطقة اليورو، ان اليونان لم يتعاف بعد،"ولذلك يجب استمرار الضغط عليه لتنفيذ الاصلاحات، ويكون قادرا على التنافس. وبدون ذلك لا بقاء في منطقة اليورو". ويرفض وزير المالية الألمانية فكرة الغاء جزء من ديون اليونان جملة وتفصيلا. ويزعم بانه ليس هناك الغاء لديون بلد يتمتع بعضوية الاتحاد النقدي. ولهذا يشترط على اليونان الخروج من منطقة اليورو اولا. والمشكلة الأكثر خطورة بالنسبة له، هي أن اليونان يعيش بمستوى اعلى من امكاناته . ويدعي شويبله ان الراتب التقاعدي في اليونان اعلى من معدله في بلدان منطقة اليورو. ولكن الحقيقة عكس ذلك، اذ ان نسبة الانفاق الاجتماعي الى الناتج الاجمالي المحلي تبلغ في اليونان 65 في المائة من معدله في بلدان الاتحاد الأوربي الأخرى. وبهذا الصدد يقول وزير المالية اليوناني تاسكالتوس: "ان المعاشات التقاعدية في اليونان ليست بهذا السخاء، بل الحقيقة هي العكس".

ابتزاز اليونان مستمر

والزعم الاخر هو ان اليونان لا ينفذ الاجراءات التي اتفق عليها، وبهذا يعيق انهاء عمليات التحقق واعطاء الضوء الآخر لتقديم الدفعة التالية من القروض. ومعلوم ان اليونان يحتاج في تموز المقبل قرضا جديدا لكي يتمكن من دفع الاقساط المستحقة للبنك المركزي الأوربي، وبما وإذا لم يتمكن من التسديد، وبالتالي اخراجه من منطقة اليورو.
وبهذه الطريقة يريد صندوق النقد الدولي وصقور مجموعة اليورو اجبار اليونان على تنفيذ المزيد من اجراءات التقشف القاسية، وهم متفقون على ذلك، على الرغم من وجود تباين بينهم بشأن شروط تقديم القرض. والى جانب المزيد من تقليص الرواتب التقاعدية، تطالب المراكز المالية فرض ضرائب جديدة على الرواتب التقاعدية للملايين ،التي تعرضت إلى العديد من التخفيضات .ويبلغ حاليا الحد الأعلى للاعفاءات الضريبية للدخل السنوي 8500 يورو. ويطالب صندوق النقد الدولي تخفيضه الى 6 الاف يورو، لجباية الملايين والاستمرار في تسديد الديون، وبالمقابل يطالب بخفض الضرائب المفروضة على الشركات لجذب الاستثمارات.
وفي الوقت الذي يوظف فيه الدائنون عامل الزمن، لفرض تخفيضات حادة، وكذلك للتأثير على الانتخابات في هولندا وفرنسا والمانيا،فهم لا يهتمون بالكيفية التي تستطيع بها ام يونانية توفير الغذاء لاطفالها، او كيف يستطيع المرضى توفير ادويتهم، او كيف يسدد متقاعد فاتورة الكهرباء.
وبالضبط انهم يستخدمون فاقة الناس ويأسهم لتفقد حكومة اليسار الدعم الشعبي، والوصول في اقرب وقت الى تغيير حكومي.

تغيير الحكومة

يتزامن التهديد باخراج اليونان من مجموعة اليورو مع استقبال المستشارة الألمانية ميركل، ووزير ماليتها، والكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الحاكم في المانيا، وممثلو الأقتصاد الألماني، كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس حزب "الديمقراطية الجديدة" اليميني المعارض في اليونان، والذي يتقدم في استطلاعات الرأي على حزب اليسار الحاكم، والذي يراهن على عدم قدرة حكومة اليسار مواجهة الضغوط المسلطة عليها، وبالتالي اجبارها على اجراء انتخابات مبكرة.
ولغرض الحصول على دعم برلين وبروكسل استعرض الضيف اليوناني "خطته لمستقبل اليونان". ويعد زعيم المعارضة اليونانية بـ "تسريع وتيرة الاصلاحات"، في حال توليه السلطة. لان عرقلة الاصلاحات من قبل حكومة اليسار، هي التي دفعت الدائنين "إلى المبالغة في شروطهم". ويريد ميتسوتاكيس خصخصة نظام التعليم، و"اصلاح" نظام الإدارة، وخفض الضرائب، وترشيق الدولة. وهكذا ينبغي كسب المستثمرين. وهذا ما يمكن ان يعجب ميركل ووزير ماليتها. وبهذا يمكن ان تكافئ برلين ضيفها، فبدلا من مطالبة اليونان حاليا بفائض موازنة اولي قدره 3,5 في المائة، يقترح ميتسوتاكيس فائض موازنة اولي قدره 2 في المائة، وبالمقابل يقترب اليونان من التصورات الالمانية بشان التخفيف من عبء الديون.
وفي تصريحات له لوسائل الاعلام حول محادثاته مع ميركل قال الضيف اليوناني: "لقد عبرت عن عزمي على جعل اليونان بلدا اوربيا اعتياديا". واضاف بشأن التطورات الجارية في بلاده، واستنادا الى استطلاعات الرأي: "ان عدم كفاءة ودوغمائية موقف حكومة تسيبراس، اوصلا البلاد الى وضع خطر لا يمكن الخروج منه الا باجراء انتخابات مبكرة".

الخلاف بين صندوق النقد ومجموعة اليورو

يتركز الخلاف بين صندوق النقد والمؤسسات الأوربية في تقييم قدرة اليونان على الاستمرار في تسديد الديون. ويصف تقرير سري لصندوق النقد، كشف عنه اخيرا ، ديون اليونان بـ " لايمكن السيطرة عليها"، وفي المدى البعيد "متفجره". ويضيف التقرير "حتى في حالة تنفيذ كامل برامج الاصلاح، فان مديونية الدولة، والحاجة إلى التمويل ستكون في المدى البعيد متفجرة". وعلى خلفية هذا التوصيف يطالب صندوق النقد منذ فترة طويلة بالاقدام على الغاء جزئي للديون. وبالاضافة الى ذلك يعتبر الصندوق مطالبة الدائنين الأوربيين اليونان بتحقيق فائض موازنة اولي قدره 3,5 قي المائة ضربا من الوهم. ويضغط وزير المالية الالماني باعتماد فائض الموازنة الأولي المتفق عليه 3,5 في المائة لعام 2018 ، لعشر سنوات مقبلة. من جانبه ينعت صندوق النقد الدولي هذه المطالبة بالهراء الاقتصادي. ومنذ اندلاع الأزمة المالية العالمية لم يقترب اي من البلدان الاعضاء في مجموعة اليورو من هذه النسبة. ويريد الصنوق خفض هذه النسبة الى 1,5 في المائة، وبعكسه سوف لن يشارك في برنامج الاقراض.
وعجز اجتماع شارك فيه 24 مديرا لصندوق النقد يمثلون 189 بلدا، عقد في بداية شباط، عن التوصل الى اتفاق حول هذه المسألة. ولكن كانت هناك أكثرية ترى ان ديون اليونان لا يمكن تحملها، وفائض اولي بنسبة 3,5 في المائة هو مطلب غير واقعي. ولهذا فستبقى مشاركة الصندوق في برنامج اقراض جديد غير محسومة.

لعب غير مسؤول بالنار

ولا يستغني صقور مجموعة اليورو عن مشاركة صندوق النقد المالية. اذ سبق للصندوق الموافقة على الاسهام في تمويل القروض، وكانت تلك الموافقة احد العوامل التي دفعت البرلمان الألماني إلى التصويت الايجابي حينها. ولذا فان وزير المالية الالماني يحاجج: اذا لم يشارك صندوق النقد، فان برنامج القروض منته. ويجب عليه ان يعرض حزمة تمويل جديد للتصويت عليها في البرلمان الألماني. ولكن هل سيقر البرلمان برنامجا كهذا ، والمانيا تقترب من الانتخابات البرلمانية العامة في الخريف المقبل؟ ان الامر يبدو بعيدا عن الواقع. وهذا يعني ليس هناك المزيد من الأموال لليونان. فيسير البلد مرة أخرى الى الافلاس، وتصبح امكانية رميه خارج مجموعة اليورو قريبة، هكذا يفكر الوزير الألماني.
ان طريقة التفكير السالفة لا تعجب حتى رئيس كتلة الديمقراطيين الاجتماعيين في البرلمان الأوربي غياني بيتليا، الذي عبر عن امتعاضه امام جريدة "تاكس شبيغل" الالمانية بالقول:"يعجب شويبلة اللعب بالنار، عندما يتعلق الأمر باليونان. لقد بذلت اثينا قصارى جهدها. والآن على شركائها في منطقة اليورو الايفاء بالتزاماتهم، وانهاء التحقق ، والإقدام على تخفيف محسوس من عبء الديون. يحاول شويبله باستمرار زعزعة استقرار اليونان، لكسب النقاط في الصراع السياسي داخل المانيا. وهذه سياسة خطرة وغير مسؤوله، وخصوصا عند معاينة الأمر على خلفية هجمات ترامب الكلامية على اوربا".

شويبله لا يقول الحقيقة

والآن جاء دور الخبراء القانونيين في قسم سياسة الاتحاد الأوروبي في البرلمان الألماني ليضعوا حدا لمزاعم وزير المالية بشأن الانهاء التلقائي لبرنامج القروض الثالث، الجاري تنفيذه، في حال ايقاف صندوق النقد الدولي اسهامه فيه، وان على البرلمان الألماني اتخاذ قرار جديد، ويكتبون في رد للخبير المالي لحزب اليسار الألماني أكسل تروست: "في ما يتعلق بالجانب القانوني للمشاركة استنادا الى (قانون تمويل آليات الآستقرار الأوربي، المعني بآليات انقاذ اليورو ) ان عدم مشاركة صندوق النقد لاتعني الزام البرلمان الألماني باتخاذ قرار جديد. .... لقد اعرب بلاغ المجموعة الأوربية في 14 آب 2015، وكذلك قرار البرلمان الالماني في 19 آب 2015 عن توقع سياسي فيما يخص مشاركة صندوق النقد المالية في برنامج الإقراض الحالي.... واذا لم يتحقق البرنامج بسبب قرار رفض من صندوق النقد ، متروك للمجموعة الأوربية وكذلك البرلمان الألماني حرية تحديد الرد المطلوب." اي ان البرلمان الألماني حر وغير مجبر على تحديد موقف جديد.

رئيس الوزراء اليوناني يحذر

ونظرا لتصاعد المواقف، بدت لغة التصريحات بين الحكومة اليونانية واللجنة الثلاثية (صندوق النقد و المفوضية الأوربية، والبنك المركزي الأوربي) خشنة. وانتقد رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس صندوق النقد ووزير المالية الألماني باشد الكلمات، بسبب مسؤوليتهما عن التجميد الحالي للمفاوضات بين أثينا ودائنيها. وقال تسيبراس في اجتماع اللجنة المركزية لحزب اليسار اليوناني الحاكم الذي التأم اخيرا: " لن نناقش مطالب جديدة غير مدعومة بالمعطيات والمنطق" ورد بقوة على تصريحات وزير المالية الألماني ضد اليونان، وتلك التي تدعي ان اليونانين يعيشون فوق ما تسمح به امكاناتهم. وطالب المستشارة الألمانية ميركل بوضع حد لتصريحات وزيرها.
وبخصوص موقف صندوق النقد قال تسيبراس ان على الصندوق ان يكون شجاعا ويتبنى موقفه في مواجهة الدائنين الآخرين، وفرض تخفيف عبء الديون على اليونان. وفي الوقت نفسه يطرح الصندوق مطالب غير واقعية وسخيفة. وان اجراء التحقق وانهاء المفاوضات ليس بالأمر الصعب. ولكن الخلافات بين الدائنين حالت دون تحقيق تقدم.
واضاف بخصوص الاتحاد الأوربي، الذي تؤثر في مواقفه الانتخابات المرتقبة في هولندا، فرنسا، والمانيا: "ان من يراهن على منطقة يورو ذات سرعة ثانية، عبر الانشقاق والتقسيم، فانه يلعب بالنار". وانه لا يتصور ان من مصلحة الحكومة الألمانية، ارسال مشعلي الحرائق وعيدان الثقاب الى مستودع الذخيرة.
وحول المستقبل قال رئيس الوزراء: "نحن نعيش مرحلة انتقالية، يجري فيها التعبير عن التحديات على المكشوف". احد مظاهرها هو تشكيل تحالف بلدان جنوب الاتحاد الأوربي وهنا يقول تسيبراس: " قبل عام ما كان احد يصدق، امكانية الحديث عن تحالف لبلدان جنوب أوربا، وان بلدان هذه المنطقة ستدخل لعبة الاتحادات الأوربية لتعزيز التماسك الاجتماعي وحمايته. ومن المؤكد لم يفكر احد قبل شهرين انه حتى في بلدان الأزمة ، لا تزال اللعبة السياسية مفتوحة".

على المانيا مغادرة منطقة اليورو

يقول نائب وزير البنى التحتية اليوناني نيكوس مافراغنس: " عندما يستمر شويبلة بممارسة هذه السياسة، سيشهد اتفاق بلدان الجنوب على علاقات ثنائية. ان الحوارات الدبلوماسية بين فرنسا، اسبانيا،، واليونان تسير بهذا الاتجاه"، ورؤساء حكومة هذه البلدان وقعوا قبل وقت قصير بيان بلدان الجنوب الأوربي، اتفقوا فيه على: "ان سياسة مختلفة مبنية على احترام كرامة الإنسان" مطلوبة. وبخصوص تصريحات شويبله الداعية الى " منطقة يورو بسرعتين"، قال المسؤول اليوناني: " لا نتنازل عن حقوقنا في اليورو من اجل عيون احد. واذا اراد احدهم مغادرة اليورو فليفعل. واذا تريد المانيا فعل ذلك، فهذا حق لها. اذا ارادت الذهاب، فعليها ان تذهب".

فورافاكس: «ليلقوا بنا خارجا»

عضو كتلة حزب اليسار اليوناني، والنائب السابق لوزير الثقافة نيكوس اكسيادكس، قال انه ليس من الداعين الى الدراخما (العملة الوطنية اليونانية)، ولكن كل الاحتمالات سوف تناقش. وبالنظر إلى المناقشات التي أثارها شويبله، فان امكانية العودة الى الدراخما ليست من المحظورات.
وكتب وزير المالية اليوناني السابق يانس فورافاكس مقالة صحافية اشار فيها الى انه عندما يهدد شويبله اليونان باخراجها من منطقة اليورو، ينبغي على تسيبراس هذه المرة التعامل بشكل مختلف عن 2015 ويجيب باقتضاب: "ليلقوا بنا خارجا". ويرى الوزير السابق أنه ينبغي لليونانيين ان لا يخافوا. وينبغي ان يكون تسيبراس والحكومة " مهيئين للقطيعة". واشار الى ان" خطة نظام التداول المتوازي جاهزة منذ عام 2014". ويقترح فورافاكس ما يلي:
1 - الاستعداد لاعادة جدولة، من جانب واحد للسندات التي بحوزة البنك المركزي الأوربي، والتي سيطلقها في تموز 2017 والأشهر التي تليه.
2 - تهيئة نظام المعاملات الألكتروني عبر Taxisnet، اي توسيع نظام الحوكمة الألكتروني الى نظام للدفع. واشار فورافاكس الى انه خلال توليه الوزارة بدأ بتخطيط وتطبيق هذا النظام وسلمه إلى خلفه في الوزارة ايفكليدس تسكالوتوس.
وحسب فاروفاكس" فإن اعطاء اشارة بسيطة جدا للسيد شويبله: نحن لا نريد الخروج من منطقة اليورو. ونحن لا نهدد به. وسوف لن نسير باتجاهه. ومن جانب آخر لا يفزعنا تهديده باخراجنا من منطقة اليورو، وبهذا سنخفض من جانب واحد فائض الموازنة الأولي الى 1,5 في المائة، وستصبح الضرائب المفروضة على الشركات 20 في المائة، وضريبة القيمة المضافة 20 في المائة وننهي عملية اخلاء المساكن الرئيسة قسرا. اذا كنت تريد اخراجنا من منطقة اليورو ساعة قبل انهيار نظام الحماية الأوربي، وتريد اغلاق مصارفنا ...الخ، اتفق مع السيدة ميركل وواشنطن وصندوق النقد الدولي، وتخذوا قراركم ... متمنين لكم حظا سعيدا".