كلمة اخرى بصدد مؤتمر اتحاد نقابات العاملين في العراق


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5431 - 2017 / 2 / 13 - 00:11
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


بعد انعقاد المؤتمر الثاني لاتحاد نقابات العاملين في العراق، ارتفعت بعض الاصوات التي تشكك بشرعية المؤتمر، بقيادته، بانتخاباته وبمكتبه التنفيذي الجديد. ومضى بعض المعترضون الى القول بنواياهم بتقديم شكوى الى المنظمات الدولية ضد المؤتمر والاتحاد. من الواضح ان تلك الاعتراضات وصلت الى نهاياتها الان، لكن في هذه السطور اريد الاستفادة من هذه التجربة من اجل التاكيد على مسالة الصلة بين التنظيمات العمالية وقواعدها العمالية، ولماذا يشعر البعض من مسؤولي تلك التنظيمات العمالية بالمسؤولية امام المنظمات الدولية اكثر مما يشعروا انهم محاسبين امام اعضائهم من العمال.
ان الصراعات داخل الاتحادات العمالية في العراق ليست جديدة. ظهرت هذه المشاكل مع تأسيس بعض التنظيمات التي تتحدث عن وباسم العمال منذ عام 2003. يوعز بعض من المنخرطين في خلافات هذه التنظيمات الى انها تعود الى التفرد في اتخاذ القرارات، الاستئثار بالتمثيل امام المنظمات الدولية، السيطرة على مالية الاتحادات او على الاقل عدم شفافيتها، الرغبة في الحصول على بعض الامتيازات من قبيل السفر وحضور مؤتمرات في خارج او داخل العراق. اي بكلمة اخرى، لا تدور تلك الخلافات حول مشاكل العمال انفسهم، والتحديات التي يتعرضون لها، والمطاليب التي يرفعوها، كيفية تنظيمهم، طرق تنظيمهم، والخ..بل الى مسائل متعلقة بالهيئات القيادية لتلك التنظيمات.
من المعلوم ان الطبقة العاملة في العراق وان كانت تعبر عن اعتراضاتها باشكال مختلفة ما قبل 2003، الا انها وتحت ظل هيمنة النظام السابق لم تحظى بحرية تشكيل تنظيماتها. بعد عام 2003 بدأت التنظيمات العمالية بالتشكل، متخذة اسماء من قبيل نقابات او اتحادات او لجان عمالية او مجالس العمالية، او اي كانت الاسماء التي اختاروها لانفسهم.الا ان تشكيل هذه الانواع من التنظيمات قد واجة مشاكل جدية فيما يتعلق بصلتها باعضاءها او اولئك الذين يفترض ان يكونوا اعضاءها.
اولا : بعد حرب 2003، ونظرا لانهيار الدولة في العراق ومؤسساتها، لم يكن هنالك تنظيما للعمال خاصة وهم كانون خارج نطاق العملية الانتاجية. ان الظرف الاستثنائي وغير الطبيعي الذي مر به العراق ولازال يمر به ترك اثارا كبيرة على تنظيم الطبقة العاملة. على سبيل المثال، هنالك الكثير من المؤسسات التابعة للدولة في القطاع الصناعي متوقفة عن العمل تماما، وهي غير منتجة. مع هذا يقوم العمال، الذين يسمون "موظفين" باستلام رواتبهم الشهرية. لذلك ظهر الامر كما يلي: لماذا التنظيم؟ وتنظيم من؟ ان كان العمال والموظفين يتقاضون رواتبا رغم عدم وجود عمل وعدم وجود انتاج؟ ان هذا بحد ذاته اضعف او قضى على ارضية قيام العمال بتنظيم انفسهم في اماكن العمل تلك. بعض الشركات حولت الى التمويل الذاتي، بعد ان اعلنت الدولة عدم قدرتها على تمويلها ماليا.
ثانيا: في القطاعات التي استمرت بالعمل والانتاج، ورغم ان العمال لم يتوقفوا عن الاعتراضات والاحتجاجات والمطالبة بحقوقهم حينما يرون ضرورة لذلك. الا ان هذا لا يعني انضمامهم وانخراطهم في النقابات او التنظيمات او اللجان العمالية. ان هذا النوع من الانضمام كان -ولازال- محفوفا بالمخاطر. فمع استمرار العمل بقوانين حزب البعث في الامور المتعلقة بالطبقة العاملة، وحظر العمل النقابي او التنظيمات النقابية داخل القطاع العام لحد الان، وعدم سن قوانين للعمل في القطاع الخاص الا في عام 2015، قد ترك تأثيره على انضمام العمال لهذا النوع من التنظيم. من هنا، لا تظهر الاتحادات والنقابات وكأنها اطر تنظيمية للعمال ويسهم العمال في انتخابات قيادتها، اقرار سياساتها، لا يقوموا بدفع بدلات الاشتراك لها. ان هذا اسهم ذلك بأيجاد فاصلة بين العمال وبين الاتحادات والنقابات التي يفترض انها تتكلم باسمهم.
ثالثا: مازاد الطين بلة هو وجود منظمات دولية تسبغ الشرعية والرسمية على هذه التنظيمات "العمالية" وكانها ممثلة رسمية للعمال رغم انها لا تتمتع بوجود قواعد عمالية. ان منظمة مثل مركز التضامن العمالي الذي يبدو فاعلا وناشطا بالتنسيق مع اتحادات او نقابات عمالية يبدو انه لا يجد ضيرا في التعامل مع هياكل "قيادية فقط" دون قواعد عمالية على الارض: ينسق معها، يمنحها امتيازات، يرتب لها امور ندوات وورش عمل في داخل العراق وخارجه. لذا فان مشاكل هذه الاطر التنظيمية فيما بينها، ورفعها شكاوى بعضها ضد البعض والطعن بشرعية مؤتمرات بعضهم البعض، ترفع وتقدم الى المنظمات الدولية، او مركز التضامن العمالي مثلا دون اي حساب للعمال. بل يبدو انه طرأ على اذهان المعترضين بالذهاب الى العمال انفسهم الذي يفترض انهم يتحدثون باسمهم ويمثلوهم بالتخاطب مع ما يفترض ان يكون "قواعدهم العمالية" لحل النزاعات. هنا اصبحت الاتحادات العمالية ليست مسؤولة امامها اعضائها من العمال، بل امام المنظمات الدولية. لذلك، لم نعدم ان نجد من العمال من يتسائل "وماذا قدمت لنا تلك النقابات"؟.
ان العمال في القطاعات المختلفة الذين لم توقف اعتراضاتهم يوما لكونهم لا تنظيمات او لا نقابات لديهم، في الحقيقة انما ينظمون انفسهم وفي الحال ورغم وجود تلك الاتحادات والنقابات، وليس بفضل وجود تلك الاتحادات. انهم يعبرون عن احتجاجاتهم انى شعروا بحاجتهم الى رفع مطالبهم، وهم ماضون الى اعتراضاتهم، ومطالباتهم، وتنظيم انفسهم بشكل مباشر وعلى الفور. ما بقي على تلك الاتحادات هو ردم الهوة، وبناء الجسور، وتوحيد الجهود بين العمال وتنظيماتهم حيث ان الهدف هو تحقيق اهداف وتطلعات الطبقة العاملة.|