العاشر من شباط وسجن النقب


محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5430 - 2017 / 2 / 12 - 14:04
المحور: القضية الفلسطينية     

في قسم أ من سجن النقب الصحراوي ، حيث كنا بهذا المعتقل الذي تم الزج به آلاف من خيرة شبابنا بسبب دورهم ونشاطهم الكفاحي ابان الانتفاضة الشعبية الكبرى كنا وقتها نعد العدة لاحياء ذكرى انطلاقة الحزب الشيوعي الفلسطيني والذي أصبح اسمه لاحقاً حزب الشعب .
هذا الحزب الذي لعب دوراً طليعياً بهذه الانتفاضة التي شكلت نقطة ضوء بل شعاعاً رحباً لكفاح شعبنا باتجاه تحقيق أهدافه الوطنية ، وذلك من حيث وضوح الهدف وطابعها الديمقراطي المبنى على المشاركة الشعبية والتي تم التعبير عنها باللجان الشعبية وبمشاركة كافة قطاعات شعبنا وفئاته الاجتماعية والعمرية المختلفة و سياقها الشعبي المستند إلى مبادئ حقوق الانسان و حق الشعوب في تقرير المصير.
كان المعتقلين قد خرجوا للتو من إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على سوء الاوضاع وصلافة إدارة المعتقل والتي تم التعبير عنه بنقص كميات الطعام وردائه نوعيته ، والاغطية ، والاهمال الطبي وغيره من المسائل ، خاصة إذا أدركنا ان إدارة معتقل النقب أرادته انه يكون الاسوء بهدف خلق الصدمة في نفوس المعتقلين ولثنى الشباب من خارجة للاستمرار في مسيرة كفاهم بسبب رهبة هذا المعتقل الصحراوي .
استمر الاضراب ستة ايام متواصلة رغم أن القوام الأعظم من المعتقلين كانوا من الشبان الصغار والاشبال واستجابت به إدارة المعتقل لبعض المطالب ورغم ظروف الانهاك الجسدي التي أثرت على أجسام المعتقلين إلا أننا صممنا أن نقوم بالاحتفال بذكرى احياء إعادة تأسيس الحزب ، حيث كنا نشعر ان الانتفاضة جاءت تعبيراً عن برنامجه ورؤيته المؤمنة بالخيار الجماهيري وبالعمق الديمقراطي ، بما يتضمن الرؤية السياسية المبنية على اقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 ،وبما يضمن حق العودة تنفيذاً للقرار 194 ، حيث جرى التعبير السياسي الجمعي والممأسس عن هذا البرنامج الناتج عن الانتفاضة الشعبية الكبرى في اعلان وثيقة الاستقلال بالجزائر عام 1988.
لقد قامت إدارة المعتقل وبصورة وحشية باقتحام السجن بهدف ارهاب المعتقلين في يوم 9/2/1989 بسبب احتكاك بين بعض المعتقلين وإدارة المعتقل مطلقين رشاشات الغاز والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه ، وذلك بهدف كي الوعي وتقويض أية مطالب من المعتقلين لتحسين شروط الاعتقال وانتقاماً لحالة الاضراب عن الطعام التي نظرت إليها إدارة المعتقل كتحد كبير لها ولسلطتها .
وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة ، حيث الخروج من الاضراب عن الطعام والقمع الوحشي استمرينا بقرارنا وقمنا بإحياء يوم إعادة التأسيس في 10/2/1989 أي باليوم الثاني لعملية اقتحام الإدارة الشرسة بحق الأسرى .
لقد كان عرساً وطنياً طليعياً ، حيث شارك إلى جانب رفاق الحزب ممثلي كافة القوى السياسية المتواجدة بالمعتقل ، وقد شكل الحفل مناسبة لتجديد العهد باستمرار الكفاح والدفع بالانتفاضة إلى الأمام وصولاً لتحقيق أهدافها إلى جانب التأكيد على الوحدة الوطنية والاقرار بأهمية وثيقة الاستقلال ذات المضمون الوطني والديمقراطي .
في هذه الايام تمر ذكرى إعادة التأسيس في العاشر من شباط وقد جرت متغيرات رئيسية و مياه كثيرة سارت بالنهر.
من الهام إعادة تقييم التجربة والوقوف على اسباب تراجع الحزب هو والعديد من قوى اليسار ، حيث تكمن أهمية هذه المناسبة باستخلاص العبر وإجراء مراجعة موضوعية ومهنية بهدف الاستفادة منها ومن أجل الشروع في استنهاض الحزب وتيار اليسار من جديد .
من العناوين الرئيسية التي هي بحاجة إلى المراجعة ، نذكر منها الموقف من أوسلو والسلطة والمشاركة بها ، الرؤية الايديولوجية التي هي بحاجة إلى تجديد باتجاه مفهوم واسع ونوعي لليسار بأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الكونية وتجارب الحكم وعمليات تشكيل حركات اجتماعية تقدمية ذات اختصاص في مجال حقوق الانسان والشباب والمرأة والديمقراطية والعدالة ومناهضة منهجية العولمة المتوحشة وسياسة الليبرالية الجديدة وغيرها من الأمور بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية .
إن الاستقلالية البنيوية إدارياً ومالياً عن تركيبة السلطة وإعادة احياء الحالة الاجتماعية والمؤسسة المبنية على المشاركة يشكل مدخلاً مهماً للمراجعة إلى جانب تعزيز الديمقراطية بالحياة الداخلية وبنية المجتمع هذا بالإضافة إلى إعادة احياء المبادرات بأبعادها الوطنية والاجتماعية وتجديد التحالفات مع القوى الصديقة بالعالم علماً بأن تشكيل تيار يساري ديمقراطي واسع يجب ان يبقى على رأس أجندة عمل الحزب ، وغيره من قوى اليسار.
الحفاظ على تراث الحزب ومسيرته يتطلب المراجعة النقدية الجريئة على طريق بناء تياراً واسعاً منخرطاً مع حركة الجماهير وقادر على التعبير عن أهدافها ومتطلباتها وباتجاه يرسي دعائم القيم والمبادئ الوطنية والديمقراطية والتنويرية بالمجتمع .
انتهى .