جورج حبش .. قائداً ومفكراً ومناضلاً ثورياً .. في ذكراه التاسعة


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 5413 - 2017 / 1 / 26 - 23:07
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     


عند الحديث عن الحكيم في الذكرى التاسعة لرحيله يوم 26/ 1/ 2008 تختلط مشاعر الرهبة والقلق والحزن الممتزجة بمشاعر التفاؤل والاعتزاز والفخر في مرحلة هي الأكثر انحطاطاً وتخلفاً وتعقيداً وخطراً في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني… لكن رؤى الحكيم ومواقفه وأخلاقه تظل بالنسبة لكل الثوريين عموماً والثوريين اليساريين العرب خصوصاً، منارة تضيء ذلك الظلام لمن أراد أن يتحداه.
فجورج حبش، من بين المئات من زملائه ورفاقه في مراكز القيادة في دنيا العرب، ومن بين عشرات الآلاف من مناضلي شعبه على مدى قرن من الزمان، معلمٌ بارز ومنارة متميّزة، بل هو ظاهرة فريدة أضاءت لمرحلة طويلة من تاريخنا القومي، والنضالي بشكل خاص، المعاصر، وبنت حولها هيكلاً شامخاً يلتحق به ويعمّره ويخصّبه ويطوّره كل من استنار بفكر حبش وتدرّب على أسلوبه ودرس تجربته واعتنق دعوته ورفع رايته وشارك في حمل رسالته.
وبالتالي فإن الحديث عن بنية القائد الثوري الراحل جورج حبش الفكرية والسياسية والتنظيمية، هو في الواقع انعكاس لمسيرته ونضاله المتصل على صعيد الممارسة، فمنذ أن كان طالباً في كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت (1944-1951)، كان من الطلاب البارزين في المجال السياسي الذين عملوا من خلال جمعية “العروة الوثقى” التي كان الدكتور قسطنطين زريق محركها الأساسي، ثم من خلال “هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل”، ثم شارك في تأسيس “منظمة الشباب العربي” التي نشأت سنة 1951 وأصدرت نشرة “الثأر” ، وعقدت هذه المنظمة أول مؤتمر لها سنة 1954 برئاسة جورج حبش وانبثق عنها “حركة القوميين العرب” التي عقدت مؤتمرها الأول في 25 كانون الأول 1956 ببيروت، وانتخب المؤتمر قيادة أطلق عليها اسم “اللجنة التنفيذية القومية” التي تألفت من أحد عشر عضواً هم: جورج حبش (فلسطيني) ووديع حداد (فلسطيني) وصالح شبل (فلسطيني) وحامد الجبوري (عراقي) وهاني الهندي (سوري) وأحمد الخطيب (كويتي) والحكم دروزة (فلسطيني) وعدنان فرج (فلسطيني) ومصطفى بيضون (لبناني) وثابت المهايني (سوري) ومحسن إبراهيم (لبناني) وعمر فاضل (ابن مغترب عربي في الكاميرون).
وعلى أثر هزيمة العرب في حزيران 1967، بدأت مرحلة جديدة في مسيرة القائد الراحل، كان عنوانها ومضمونها، رفضه للهزيمة وادواتها الطبقية، إلى جانب تكريس وعيه الوطني والقومي الديمقراطي والتحامه بالرؤية الاممية اليسارية التقدمية، ومن ثم اصراره الثوري –بالمعنى الذاتي والموضوعي– على مواصلة النضال ضد الوجود الصهيوني دون ان يتراجع لحظة واحدة عن قناعاته في دعم ومساندة تأجيج النضال الوطني والصراع الطبقي من خلال حركات اليسار الثوري في البلدان العربية عموماً والأنظمة الرجعية خصوصاً لإسقاطها وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية.
وانسجاماً مع هذه القناعات بدأ مع رفاقه الاعداد لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تم الاعلان عنها في 11 ديسمبر 1967 التي سجلت منذ ذلك التاريخ أروع الامثلة في الممارسة الكفاحية ضد المحتل الصهيوني، وقدمت طوال خمسين عاماً الماضية آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين في مسيرة متصلة حتى اللحظة الراهنة من أجل تحقيق أهداف شعبنا في الحرية وتقرير المصير والاستقلال والعودة.
فإن أردنا أن نتعرف على شخصية وهوية القائد والمفكر جورج حبش، فإننا في الواقع نبحث عن هوية أمة في فكر الرجل، وفي وجدانه وعواطفه، ونبحث أيضا عن إضاءات في ظلام الأمة، وعن حركة قومية تقدمية جسدت خيار وآمال أمة بأكملها في مرحلة سابقة، وبالتالي فإن كل من يسعى في السير على طريق الحكيم، عليه – على الرغم من كل اوضاع التفكك والتخلف والاستبداد والإحباط والصراعات الطائفية-أن يتحمل المسئولية في إعادة إحياء هذه المسيرة الثورية وفق أسسها القومية الديمقراطية التقدمية من جديد في إطار الحركة اليسارية العربية الموحدة، وفاءاً ليس للحكيم فحسب بل أيضاً وفاءاً لرسالته ومسيرته النضالية من أجل التحرر الوطني والقومي وتحقيق الثورة القومية الديمقراطية على طريق إقامة مجتمع اشتراكي عربي موحد.