الخطيئة الامريكية، هل يكفي الاعتراف؟!


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5412 - 2017 / 1 / 25 - 05:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اعترف عديد من المسؤولين الامريكيين بعد جريمة غزو واحتلال العراق بعد افغانستان بارتكابهم خطأ وتوقفوا عند تداعيات الخطأ، من جانبهم، واغلبهم انكر ما اقترفوا من جرائم لا تنسى ولا تغتفر لهم في العراق وافغانستان. حتى مجرم الحرب بوش الثاني الذي قاد الجريمة وتظاهر بها اقر بالكثير مما حصل من جرائم بشعة ضد الشعوب التي ابتليت بسياساتهم وخططهم العدوانية.
لهذا ما اعلنه الرئيس الجديد، الخامس والاربعون، دونالد ترامب في تصريحاته الصحفية حول هذه الجريمة ليس جديدا جدا، بل هو بالاحرى يؤكد المؤكد، ويقر بما اصبح تحصيل حاصل. ماذا يعني ان يقول ان احتلال العراق خطأ في تاريخ الولايات المتحدة؟!. هذا غير كاف قانونيا واخلاقيا وسياسيا. الجريمة اكبر من التصريحات الاعلامية ومشاغلة الراي العام بالكلمات والاقوال. رغم ان كل اعتراف من مسؤول امريكي دليل جديد على الارتكاب، حيث ان الاعتراف سيد الادلة، كما هو معروف. والمفروض ان هذا يترتب عليه مسؤوليات قانونية وسياسية واخلاقية، وهو الذي يضع كل هذه التصريحات والاعترافات على المحك، امام الامم المتحدة، والمحاكم الدولية ومنظمات حقوق الانسان ومحاكمة مجرمي الحرب والعدوان.
لم يكن بوش الابن وحده من اقر بالارتكاب، بل قد تبعه وزراء الحرب في عهده وما تلاه، وقيادات عسكرية وكتاب وباحثون، وليس من حزبه الجمهوري فقط، بل من الحزب الديمقراطي ايضا. وماذا حصل بعد؟!, هنا السؤال والمطلوب.
اذا كان ترامب جديا في موقفه هذا تجاه قرار غزو العراق عام 2003 ومخلصا في وصفه إياه، وادانته هذا القرار، وتاكيده إن الهجوم على العراق ما كان يجب ان يحصل في المقام الاول وإن كل ذلك ما كان يجب أن يحدث، وإنه كان واحدا من أسوأ القرارات، وربما "أسوأ قرار اتخذ في تاريخ بلادنا على الاطلاق"، وقوله، لقد أطلقنا العنان إنه اشبه برمي احجار على خلية نحل، وإنها واحدة من "لحظات" الفوضى العارمة في التاريخ. اذا كان كل هذا معبرا فعلا عن موقف الرئيس الجديد فالمطلوب هو ما بعده، فهذه مسؤوليته وعليه التزام تطبيق ما ينص عليه القانون الدولي وحتى الدستور الامريكي في مثل هذه الاخطاء والجرائم. لاسيما وقد عرف هو ومن كتب له خطابه ان تداعيات ما حصل ونتائجه كانت اكثر من كارثية، ليس على العراق وحده، بل المنطقة والعالم كله. والثمن كان مكلفا كثيرا. ولا تكفي كلمات التوصيف والاعتراف.
تحدث ترامب في خطب له سابقة قبل تنصيبه، او وعد بالقضاء على الارهاب، الذي كان من نتائج "الخطأ" في الغزو والاحتلال والحروب الاستعمارية، وسمى تنظيم "داعش"عنوانا له. وكان قد كرر اكثر من مرة ان مكافحة تنظيم "داعش" ستكون أولوية بالنسبة للقوات المسلحة الأمريكية بعد توليه منصب الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة. وبعد تنصيبه حدد أولويات إدارته لجعل "أمريكا أولا" في العالم، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وذلك في خطة نشرها البيت الأبيض الجمعة 20 كانون الثاني/ يناير. ووفقا لخطة "أمريكا أولا"، إن "إدارة ترامب تتعهد بانتهاج سياسة خارجية تركز على المصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي"، مشددة على أن مبدأ "السلام من خلال القوة سيشكل محور هذه السياسة الخارجية". وأشارت الفقرة إلى أن "هزيمة داعش وتنظيمات متطرفة إسلامية إرهابية ستمثل الأولوية الأعلى". وأوضح البيت الأبيض أن إدارة ترامب: "ستقوم بتنفيذ عمليات عسكرية حاسمة ومشتركة في إطار تحالفات، عندما يكون ذلك ضروريا، من أجل هزيمة وتدمير هذه التشكيلات، كما ستعمل إدارة ترامب مع الشركاء الدوليين من أجل منع تمويل التنظيمات الإرهابية وتوسيع عملية تبادل المعطيات الاستخباراتية وإطلاق العمليات العسكرية في المجال الإلكتروني من أجل التصدي للدعاية والتجنيد والقضاء عليهما". فهل سنرى فعلا ذلك؟!.
ذكر ترامب قضية واحدة تمس بلاده حول سرقة الجنود الامريكان، في احتفالية عيد الجيش الأمريكي، حيث وجه اتهامه للجنود الأمريكيين بسرقة أموال تقدر بالملايين من الدولارات من العراق، قائلا ان العراق كان يشتعل كالجحيم، متسائلا ماذا عن جلب السلال من الأموال؟ والملايين من الدولارات وكيف تم تسليمها؟ داعيا الى ضرورة الكشف عن هؤلاء الجنود الذين تولوا هذه المهمة، بغض النظر من يكون هؤلاء، واين ذهبت الملايين والمليارات من الدولارات التي عثروا عليها لحظة اقتحامهم القصور الرئاسية والمصارف الحكومية؟، أريد أن اعرف اين هؤلاء الجنود؟ الذين كانوا في العراق، لأنني اعتقد انهم يعيشون بشكل جيد في الوقت الراهن. ويكون مطالبا اليوم بعد تسلمه منصبه بالوفاء لهذا القول منه، رغم جزئيته، ولو انه اطلق تصريحات كثيرة عن العراق، وكلها تحتاج الى مراجعة مسؤولة وجدية منه ومن الادارة الامريكية وتطابقها مع القانون الدولي والعلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها.
اعتراف الرئيس الامريكي الجديد بالخطأ الامريكي دون متابعة واقعية لما حصل وما نتج عنه، ودون محاكمة قانونية له، وادانة المجرم واتباعه وتحميلهم كامل المسؤولية القانونية والاخلاقية، لا تفيد، بل تزيد الخطأ خطايا اكثر وتحوله الى خطيئة كارثية، عانت منها الشعوب التي ابتليت به وبالتاكيد لن تبقى تداعياته محلية، كما نرى اليوم، من توسع الارهاب، ووصوله الى قرب البيت الابيض الامريكي.
صرخات الضحايا ودماء الشهداء والخراب الكبير في العمران والاثار والتراث الانساني والدمار العام في البلاد لا تكفيها كلمات عابرة، رغم دلالتها او دليلها. وهي تظل وصمة كبيرة في صفحات كل من اشترك في محنتها، سواء من الجانب الامريكي، ومن داعميه وتابعيه، او من المدافعين عن كل ما حصل وجرى، من كل الاطراف، والجهات والاصوات.
واضح للرئيس الامريكي الجديد وادارته، ما حدث وما ارتكب ومن وراؤه او داعمه، دولا وحكاما ومؤسسات، وعليه ان يكون مسؤولا عنها بحكم منصبه، والتزامه بما تقتضي المصالح والتسويات التي ستكون على راس مهامه وادارته، واعطاء كلماته ما يثبت موقعه الرئاسي وليس العكس. رغم ان هناك ما يشير الى ان ترامب في طريقة خطابه واضطراب اقواله ما يؤشر الى ان قادم الايام ستكون حبلى بكثير مما لم يكن منتظرا او مرغوبا به.