( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5411 - 2017 / 1 / 24 - 00:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

قال : لا أصدق أن يتعرض نبى من أنبياء الله للقتل .
قلت :إذا كنت تؤمن بالقرآن لا بد أن تصدق بهذا
قال :لماذا ؟
قلت : لأن الله جل وعلا أكّد أكثر من مرة على أن بعض الكافرين من بنى إسرائيل سابقا قتلوا أنبياء ، قال جل وعلا : ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة)
قال : مامعنى ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ) ؟
قلت : أى تحتّم عليهم أن يصبحوا أذلاّء بسبب كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير الحق .
قال : وكيف أصبحوا أذلّاء ؟
قلت : الثابت تاريخيا أن بنى إسرائيل أقاموا لهم مملكة حكمها النبى داود ثم إبنه سليمان عليهما السلام ، والعادة أن تتسلل عقائد الشرك والفساد بعد مُدّة الزمن وبعد موت النبى ، ويرتبط هذا الكفر بآيات الله بالفساد والاعتداء ، وأرسل الله جل وعلا لهم أنبياء فقتلوهم ، فضرب الله جل وعلا عليهم الذلة والمسكنة ، بأن سقط ملكهم ثم إحتل أرضهم غيرهم ، فأذلوهم .
قال : ومن هم اولئك الأنبياء القتلى ؟
قلت : لم يذكر رب العزة أسماءهم ولا إشارات عن قصصهم . وليس لنا أن نتكلم عنهم من خارج القرآن ، لأنه غيب ، ولا يصح لنا أن نتكلم فى غيب لم يذكره الرحمن فى القرآن . هذا يكون تخريفا من ناحية و إجتراءا على علم الله جل وعلا من ناحية أخرى. وهذا مع الأسف هو ما جرؤ عليه أئمة التراث فيما يزعمون أنه الحديث والسنة والتفسير .
قال : أفهم أن مجموعة هى التى قتلت الأنبياء ، فلماذا جاء العقاب شاملا بضرب الذلة والمسكنة على الجميع ؟ هذا يخالف قاعدة ( ألّا تزر وازرة وزر أخرى )
قلت : طالما وقع بهم العقاب فهم شركاء فى الوزر وهو جل وعلا لا يظلم أحدا : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف ) (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت ). والله جل وعلا هو الأعلم بهم وبما كانوا يفعلون ،وقد قال جل وعلا عنهم : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) المائدة )
وقال جل وعلا عنهم أيضا : ( وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) آل عمران )
قال :وما معنى : ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) ؟ هل هناك قتل للنبيين بالحق ؟ هل يمكن لنبى أن يكون مستحقا للقتل ؟ هذا يتناقض مع معتقدات الناس .!
قلت : النبى بشر يخطىء ويصيب ، بل ويمكن أن يقع فى الشرك ، ويمكن أن يقع فى القتل متعمدا . وإذا فعل يكون القصاص منه بالحق ، ويكون قتله بالحق ، والله جل وعلا يقول ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الانعام) (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً (33) الاسراء).
قال : ما مغزى وصفهم بالكفر بآيات الله وبالاعتداء فى قوله جل وعلا : ( كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )؟
قلت : التكذيب بآيات الله والكفر بها يدخل فى الكفر القلبى العقيدى ، وعندما يدفع الكفر القلبى العقيدى الى الاعتداء والقتل يكون كفرا سلوكيا مُركبا من كفر عقيدى وكفر متعد بالسلوك .
قال : لقد قلت فى البداية إن الله جل وعلا أكّد أكثر من مرة على أن بعض الكافرين من بنى إسرائيل سابقا قتلوا أنبياء. هل هناك آيات أخرى فى القرآن الكريم ؟
قلت : نعم . قال جل وعلا عن بنى اسرائيل السابقين : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) النساء )
قال :ما هى الاضافة هنا ؟
قلت :نقض الميثاق الذى أخذه الله جل وعلا عليهم
قال :وما هى بنود هذا الميثاق ؟
قلت : جاءت بنوده فى قوله جل وعلا : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) البقرة ) وقوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) المائدة ) وهى نفس الأوامر لنا ، قال جل وعلا : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) النساء )
قال :كان هذا عن بنى اسرائيل قبل نزول القرآن الكريم . فهل كان منهم فى عهد نزول القرآن من نقض الميثاق مثل أسلافهم ؟
قلت : بنو اسرائيل كان منهم المؤمنون السابقون والمؤمنون المقتصدون وكان منهم الفاسقون المعتدون ( آل عمران 113 : 115 ، 199 )( النساء 162، المائدة 66 )،وهو نفس التقسيم لنا ( فاطر 32 ) وقد أطلق رب العزة على المعتدين منهم إسم : ( اليهود ) ، وقد عمّم المحمديون فى تراثهم مصطلح ( اليهود ) ليشمل كل بنى اسرائيل ، مع أن ( اليهود ) كانوا أقلية معتدية مقاتلة فى عهد النبى محمد عليه السلام ، يؤمنون بالجبت ( الديانة المصرية القديمة ) والطاغوت ( النساء 51 ) ويعبدون (عزير) أو ( اوزيريس ) يزعمون أنه ابن الله ( التوبة 30 ).
قال : وهؤلاء اليهود المعتدون هل كان لهم وجود فى عصر النبى محمد عليه السلام ؟
قلت : نعم . بعد ذكر الميثاق الذى أخذه الله جل وعلا على أسلافهم قال جل وعلا عن عصيانهم :( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة )، تأمل قوله جل وعلا : ( وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ )، يعنى كان منهم أقلية فى عهد النبى محمد عليه السلام .
قال : ماذا كانوا يفعلون فى نقضهم الميثاق ؟
قلت : قال جل وعلا يخاطبهم يذكرهم بالميثاق الذى أخذه على أسلافهم : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) البقرة ) ، ثم قال لهم عما يفعلونه من حروب أهلية فيما بينهم وتحويلها الى حروب دينية مذهبية: ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) البقرة ) أى هى حروب كان فيها إخراج المنتصر المهزوم من دياره واسره ، مع إنتحال تبريرات دينية . أى كفر قلبى عقيدى مع كفر سلوكى بالاعتداء والقتال . نفس ما يفعله الوهابيون اليوم .!
قال : لكن ليس هذا مذكورا فى سيرة النبى محمد أنه كانت هناك حروب بين اليهود فى عصره .!
قلت :ابن إسحاق أول من كتب السيرة ، وقد كتبها فى العصر العباسى من دماغه ، فإفترى الكثير ، وتجاهل كثيرا من الأحداث التاريخية التى وقعت فى عصر النبى محمد عليه السلام ، ولولا أن رب العزة أشار اليها فى القرآن ما علمنا بها .
قال : ابن اسحاق ربما لم يُشر الى تلك الحروب لأنها كانت بين اليهود المتحاربين فيما بينهم وبعيدا عن النبى ودولته !
قلت : هذا خطأ ، لأن القرآن الكريم يحتوى على قسم كبير فيه قصص بنى اسرائيل وفيه الخطاب المباشر لهم فى عهد النبى ، والمؤمنين والمعتدين منهم ، أى كانوا جزءا من تاريخ النبى محمد ، ثم من قال لك أنهم لم يحاربوا النبى محمدا معتدين ؟
قال : هل حاربوا النبى معتدين عليه ؟
قلت : نعم . لقد ذكر الله جل وعلا طبيعتهم العدوانية مقترنة بكفرهم وتقولهم الآثم على رب العزة وقتها قال جل وعلا عنهم : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)المائدة ) بعدها دعاهم الى الايمان والتقوى. ( المائدة 65 : 66 ).
قال : ولكن ماذا عن إعتدائهم الحربى بالذات ؟
قلت :تحالف اليهود مع بعض النصارى وشنُّوا هجوما على المدينة ، ونزل التشريع يمنع موالاة أولئك المعتدين ، ومعروف أن الموالاة أو التحالف تكون وقت الحرب ، أى أن تكون مع فريق ضد فريق . ومنافقو المدينة تحالفوا ووالوا اليهود والنصارى المعتدين على المدينة ، وبهذا نزل قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) المائدة ) ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة )
قال :يعنى هى حروب ضمن المسكوت عنه فى سيرة النبى محمد عليه السلام ، والتى لم يذكرها ابن اسحاق .
قلت : نعم . يكفى المؤمن ان رب العزة أشار اليها ليؤمن بحدوثها .
قال :ولكن الوهابيين يتخذون من الآية الكريمة السابقة دليلا على معاداة أهل الكتاب ، ويعلنون هذا فى المساجد وأجهزة الاعلام ، يزعمون أن من يحسن الصلة بأهل الكتاب يكون مواليا لهم .
قلت : واضح أنهم لم يعرفوا أن تعبير الموالاة يكون فى الحرب فقط ، وأنه يحرم موالاة العدو المعتدى على المؤمنين المسالمين مهما كان إسم هذا المعتدى . وواضح أنهم لم يفهموا أن ألاية الكريمة تتحدث عن وضع خاص بمكانه وزمانه فى عهد النبوة ، والآية واضحة فى هذا . وواضح أيضا أنهم لا يؤمنون بقول رب العزة : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ). الوهابية تسير على سُنّة أولئك اليهود المعتدين يكررون ما كانوا يفعله أولئك اليهود الذين كانوا يقولون عزير ابن الله ، تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا .
قال :هل هناك دليل قرآنى أخر عن أولئك اليهود المعتدين فيما يخص موضوع قتل الأنبياء ؟
قلت : نعم . منهم من وقع فى الكفر القلبى متهما رب العزة بما لا يليق، فنزل الرد عليهم من رب العزة جل وعلا يذكرهم بما فعله أسلافهم من قبل من قتل الأنبياء بغير حق ، قال جل وعلا : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181 ) آل عمران )
قال : ما سبق كان عن قتلهم الأنبياء فى تاريخهم القديم ، وتذكيرهم بهذا فى عصر النبى محمد عليه السلام . ماذا عن عهدنا ؟
قلت :قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) آل عمران ).
قال :ما هو الجديد هنا ؟
قلت : إنه خطاب عام لكل زمان ومكان عن الذين يكفرون ويقتلون النبيين ومن يأمر بالقسط من الناس .
قال :ولكن ليس فى عصرنا أنبياء ؟!
قلت : قتل الأنبياء كان فى الماضى ، وبعد موت خاتم النبيين عليهم جميعا السلام يستمر قتل الذين يأمرون بالقسط .
قال : هل كل من يقتل داعية للقسط والعدل ( بغير حق ) يكون جُرمه مساويا لمن يقتل نبيا ( بغير حق )؟
قلت : هذا هو المفهوم من الآية الكريمة. إن إقامة القسط هى الهدف من إرسال كل الرسالات السماوية ، قال جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(25) الحديد )، ثم إن الدعوة الاسلامية الحقة على بصيرة قرآنية مستمرة بعد وفاة خاتم النبيين عليهم جميعا السلام . لقد أمر الله جل وعلا رسوله أن يقول : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف ).
قال : كلمة أخيرة .. ماذا تقول ؟
قلت : أسألك أنا ؟ قال جل وعلا عن اليهود المعتدين فى الماضى : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) المائدة ) ألا ينطبق هذا الآن على الوهابيين من داعش الى الاخوان المسلمين ؟
قال : لن أرد ... أخشى القتل ، فهم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس .!!