ملاحظات سريعة حول الوضع في تونس الآن


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 5404 - 2017 / 1 / 16 - 01:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بعد ست سنوات على اندلاع الانتفاضة التونسية تبدو حصيلة المكاسب السياسية والاجتماعية هزيلة فباستثناء الحريات العامة لا شئ تحقق من المطالب الاستراتيجية التى رفعها الشعب خلال مظاهراته العارمة عشية هروب بن على فالنظام السياسي والاقتصادي ظل على حاله وحتى الحريات العامة فان اكثر المنتفعين بها هم اصحاب المال والإعلام الذين يسيطرون على عشرات الاذاعات والقنوات التلفزيونية والصحف ويستعملونها لصالح اهداف ترتبط عامة بترميم النظام القديم .
لقد ظلت التناقضات التى فجرت الانتفاضة على حالها وازدادت الازمة السياسية والاجتماعية حدة خاصة بعد ان انضاف اليها عامل الارهاب التكفيري واشتداد ساعد الاسلام السياسي المدعوم عربيا ودوليا وسيطرته على مفاصل اساسية في الدولة والمجتمع .
ومع احتداد الازمة يتراجع الاهتمام بما اصطلح عليه بالانتقال الديمقراطي وينعكس ذلك على ارجاء الانتخابات البلدية مثلا وتندلع الاحتجاجات الشعبية بين الاونة والأخرى فالانسداد التاريخى في الوضعين السياسي والاجتماعي فاقم من معاناة اولئك الذين حلموا بتغيير احوالهم نحو الافضل وتبدو ملامح المستقبل في تونس سوداء فالنظام السياسي والاجتماعي يعانى من ازمة عميقة و قد برهن مرارا على عجزه عن تجاوزها بما يفتح المجال امام حلول أخرى قد تكون دراماتيكية .
م
جاءت الانتفاضة لكى تحل أزمة استمرت عقودا ولكنها عوض حلها زادتها حدة واليوم هناك صراع بين قوى مختلفة في صلة بمسار الانتفاضة والتناقضات التى افرزتها في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وغيرها :
هناك الاسلام السياسي بفروعه المختلفة بما في ذلك أجتحته العسكرية المتمركزة في الجبال وهو يعمل على استثمار مكاسب الانتفاضة خاصة في مجال الديمقراطية السياسية الليبرالية لترسيخ نفوذه السياسي والعقائدي تمهيدا لاسلمة الدولة والمجتمع بشكل كامل ويبدو حتى الان المستفيد الأكبر من الانتفاضة بفضل تنظيمه والدعم الذى لقيه عربيا ودوليا
هناك أيضا الليبرالية الدستورية بمشاربها المختلفة بما فيها تلك الفئات التى ارتبطت بسلطة بن على وتغذت من الامتيازات التى وفرتها لها وتعمل هذه القوة على التقاط الانفاس وترميم النظام بعد الاضرار التى لحقته جراء الانتفاضة وهى أيضا مدعومة من قوى عربية ودولية لها الى هذا الحد أو ذاك مخاوفها من تنامي قوة الاسلام السياسي .
وفي المقابل هناك الشعب بقواه السياسية والنقابية والجمعياتية وغيرها وهو يقف في مواجهة التحالف الاسلامي الدستوري ويقوى لديه ادراك ان مهام الانتفاضة الاساسية لم تتحقق خاصة ما تعلق منها بتغيير النظام السياسي والاقتصادي وضمان الحد الأدنى للتوزيع العادل للثروة والتنمية الجهوية لذلك لا تكاد تتوقف احتجاجاته سواء كانت الحكومة اسلامية او دستورية او خليطا بينهما .
وهذه الصراعات مرشحة للمزيد من التفاقم في المدى المنظور وقد تتحول الى مواجهات مفتوحة لتتخذ شيئا فشيئا شكل مواجهة عسكرية خاصة في علاقة بعودة الالاف من الارهابيين التكفيريين الذين سيغذون الصراع وستعمل قوى محلية وخارجية للافادة منهم .