حول مؤتمر حوار بغداد!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 20:38
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

[email protected]
قال همام حمودي، نائب رئيس البرلمان، وراعي مؤتمر "حوار بغداد" الذي يعقد في بغداد الان( 14 و15 من شهر كانون الثاني)، والذي كان يجري التحضير له لمناقشة مرحلة ما بعد داعش، بأن المؤتمر يعقد لانه يؤمن بأن "الحــوار" هو المنهج الأنسب والأقوم في "فهم بعضنا الآخر". مؤكدا على ان بحث المؤتمر موجه الى دراسة (خيــارات ما بعـد الانتصـار)، وستقدم الابحاث بـ"روحية المنتصر" التي هي أكثر دقة من قراءة "المهزوم".
اذا عرف شيء عن العراق منذ عام 2003، ومنذ تولي احزاب الاسلام الشيعي مقاليد الحكم في العراق فهو لغة السلاح والرصاص وليس الحوار. الشروع بالحرب الطائفية ولاول مرة ومنذ تأسيس هذه الدولة في عشرينات القرن المنصرم، والقتل على اساس الهوية، بحيث قسمت مدينة مثل بغداد الى مناطق شيعية واخرى سنية، هي ما يسجل لاحزاب الاسلام السياسي الشيعي. ان لغة الاحزاب الاسلامية الشيعية الحاكمة هي لغة الميلشيات وقنونة الميلشيات. وما تصريحات المرجع الديني محمد تقي المدرسي اليوم، التي تقول بان السلاح اصبح له اهمية تضاهي اهمية الغذاء، ماهي الا تعبير عن الحد الذي وصلت فيه سياسة عسكرة المجتمع، وتحويله الى مجتمع يقاتل، مجتمع في حالة حرب، مجتمع معسكر، تحت حكم احزاب الاسلام السياسي الشيعي.
اي انتصار واي حوار يتحدث عنه همام حمودي، اليوم اعلنت مدينة الموصل عن مقتل عدد من العلماء تحت القصف الجوي للاحياء ولجامعة الموصل ومسحت مراكز الابحاث مسحا مع الارض، ولم يتمكنوا حتى من فرز الجهات التي قامت بالقصف فيما اذا كانت طائرات عراقية، امريكية، او داعشية بدون طيار! ثلاثة ملايين ونصف نازح يعيشون في العراء في البرد القارص. ولما يزل، ليس في الافق ما يشير الى هزيمة داعش. فان فككت اركان دولة الخلافة الاسلامية، فها هم يذهبون الى الاعمال الارهابية في المدن.
ان لم يكن قصد همام حمودي، هو الخضوع صاغرين الى سياسة حزبه واحزابهم الاسلامية الشقيقة، باعتبارهم "منتصرين" فيما بعد خروج داعش من الموصل، فان المنتصرين هم لوردات الحروب، وتجار السلاح، وقادة الميلشيات، والقادة العسكريين. والا ليس هنالك من منتصر في هذا الوضع المعسكر في العراق.
لقد اختفت ملامح الدولة في العراق نتيجة تلك الحروب والصراعات والمنافسات العسكرية والسياسية. وتم نتيجة لهذه السياسة الطائفية العسكرية، احتلال 1/3 اراضي "دولة" العراق في سابقة لم تحدث ومنذ تأسيس دولة العراق في العشرينات من القرن المنصرم، من قبل دولة "خلافة اسلامية سنية" لمدة تقارب لثلاثة سنوات، ثلاث سنوات من دماء وكوارث قلما شهدتها البشرية في القرنين الاخيرين!!
سياسة الحرب الطائفية التي انتهجتها احزاب الاسلام السياسي الشيعي التي يتحدث فيها راعي مؤتمر "حوار بغداد" كذبا عن "بنـاء الدولـة على أساس المواطنة وسيادة القانون"، قتل فيها270 الف انسان منذ تسنموا مقاليد الحكم، شبان قضوا نحبهم في الحرب ضد داعش، وماقبل داعش، والمناوشات بين الاحزاب الشيعية - الشيعية ذاتها، بينهم نساء واطفال وشيوخ، والحبل على الجرار، محولين مقبرة وادي السلام في النجف الى اكبر مقبرة في العالم. ناهيك عن المواطنين من خلفيات دينية اخرى، الذين دفنوا في مدن اخرى في العراق.
البطالة وصلت الى اعداد صاروخية، واصبح علاج البطالة هو زجها في الميلشيات، مشاريع قتل، وللحصول على فرص عمل. لا مستشفيات ولا خدمات صحية في العراق، وليست المدارس مدارسا في العراق، فمدارس التعليم الاهلي تكتسح مدارس التعليم الحكومي. والناس تعالج بنفسها انابيب تصريف المياه، وتشتري كهربائها من "اصحاب المولدات" والمشاكل الاجتماعية تحل عن طريق "قضاء العشائر"، والرعاية الاجتماعية تتكفلها الاسرة من المهد الى اللحد. فليست هنالك دولة لتنتصر. بل هنالك ميلشيات تتقاسم ثروات وسلطات وقوة، ومؤسسات اسمها وزارات الدولة.
كل ما سودوا من اوراق، اخرها وليس اخيرها "التسوية التاريخية" التي طرحها عمار الحكيم، والعشرات من الوثائق، والاتفاقيات والمؤتمرات والتسويات تحطمت كلها على صخرة الحصول على "فائض القيمة"، وتوزيع الارباح من عوائد النفط او المصادر الاخرى من الصفقات التجارية والمواقع الحكومية. بل وتحطيم كل شكل من اشكال الدولة كان النتيجة لذلك الصراع على الثروات والحصص والسلطة.
فاي حوار ذلك الذي سيجري ليؤمن للدولة "هيبتها" ويفعل دورها بخلق "الامان" والصراعات تدور بين الميلشيات كما صرح حمودي، وكل يبحث له حصة في محاصصة ما بعد داعش؟ اي حوار سيجري ليرد الميلشيات على اعقابها، والبرلمان والحكومة شرعت لهم قانونا للعمل وللقيام بنشاطاتهم؟ اي حوار سيجري الذي سينزع من العشائر قوتها العسكرية والمادية والاجتماعية؟ ان العشائر لديها من القوة ما يمكنها من اسقاط محافظات باكملها ان شاءت بين ليلة وضحاها.
اي حوار سيجري بامكانه ان ينتشل المجتمع في العراق من هذا الجحيم الذي سيق له 35 مليون انسان في دولة اقل ما يقال عنها انها منهارة! وانها فسحت المجال واسعا لشتى اشكال البربرية لترفع رأسها. ان ما يردده اي مواطن الان هو انه قبل عام 2003 كان هنالك رأس افعى واحدة تتطلع الناس الى مقارعتها، الان، رؤوس الافاعي تتفرع، ولا تعرف اي هو رأس الدولة، لتستطيع التوجه اليه ومقارعته.
ان دولة تقوم على اسس طائفية، والصراعات على النهب، لن يكتب فيها للناس الانتصار، ولن تكون مؤتمرات الحوار، الا فرصا للاستهلاك الاعلامي. فتحت حكم هذه الاحزاب يدفع المجتمع من اوضاع انهيار الى انهيار اخر. وسيبقى اولئك السراق واللصوص والنهابون هم "المنتصرين" الوحيدين. اما الملايين المبتلاة بحكم هذه الاحزاب تحتاج من اجل تحقيق انتصار"ها" هي الى تحديد اجندة عمل اخرى ومختلفة تماما.