علي هامش مقتل السفير الروسي في تركيا


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5377 - 2016 / 12 / 20 - 21:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الملاحظة الأولي في مشهد اغتيال السفير الروسي في تركيا (اندريه كارلوف) علي يد أحد عناصر الشرطة التركية المجندة لحساب عصابات التأسلم الإرهابي
أن الإغتيال جاء تعبيراً عن رد الفعل للهزيمة الساحقة التي تلقتها عصابات التأسلم السياسي الإرهابية في حلب

ولجوء هذه العصابات إلي عمليات الإغتيال هو تعبير عما تعانيه من يأس وإحباط وهزيمة ثقيلة تضربها في عمق استراتيجياتها سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا وعام 2016 شهد أقسي الهزائم علي هذا المستوي لهذه العصابات الفاشية بعد هزيمتها الثقيلة علي يد الشعب المصري في يونيو 2013

الملاحظة الثانية أن هذا الحادث يقع علي أرض تركيا التي ساهمت - منذ اعتلاء أردوغان قمة السلطة فيها - في دعم ومساندة عصابات التأسلم السياسي في سياق وهم العودة إلي حلم الهيمنة العثمانية علي منطقة الشرق الأوسط وقد بلغ هذا الوهم ذروته وقمة شطحاته المجنونة باستضافة فلول تلك العصابات علي الأراضي التركية والمساهمة في إعادة تدريبها وتسليحها وإدخالها إلي الحدود السورية والعراقية لتشكل إمارات ودول إسلامية مزعومة

ثم كان الإصطدام المروع لهذا الوهم وتلك الشطحات علي الأرض السورية فيما أعقب شطحة إسقاط المقاتلة التركية التي شكلت نقطة فاصلة أدرك فيها الأتراك صعوبة الإستمرار في هذا الوهم بعد رد الفعل الروسي الذكي الذي أغلق علي تركيا خياراتها الإقليمية وجعلها تتراجع وتعرف حجم ومدي مايمكن أن تمارسه من أدوار

ولكن هذا التراجع يصاحب في نفس الوقت - بالتوازي معه - محاولات كسب نفوذ ومساحات آمنة داخل العراق وسوريا وهذا مايجعل الموقف الجيوسياسي التركي نفسه في محنة وتمزق مابين عضويتها في حلف الناتو والذي يرفض أن يتمدد دورها أكثر من حدود التوظف الإقليمي دونما السماح لها بالاندماج داخل العالم الأوربي لأسباب تاريخية وثقافية لاتحتاج جهد إيضاحها
بين ذلك ومابين ضرورة الإقرار بتفاوت موازين القوي مع روسيا وهشاشة الوضع التركي مقابل تزايد قوة ونفوذ الدب الروسي في المنطقة وامتلاكه الكلمة العليا في الوضع السوري إلي جانب وجود مصالح إقتصادية جرب الأتراك طريقة الاستخدام الروسي لها إلي جانب الضغط علي العصب الكردي المكشوف تحت الضروس والأنياب التركية المجوفة كعلقة ساخنة عقب اسقاط الطائرة الروسية آفاق بها أردوغان علي حدود قدراته أمام روسيا ومايمليه ذلك من ضرورة التنسيق مع الجار الروسي القوي وتسوية التناقضات معه سلمياً في إطار مايمكن من تقديم التنازلات مقابل تبادل المصالح في حدود ماتسمح به موازين القوي

وهذا جاء بعد أن تغلغلت عناصر عصابات التأسلم السياسي التي تمكنت من اختراق المؤسسات الأمنية والمخابراتية في تركيا واستطاعت تجنيد عملاء لها داخل أكثر أجهزة الأمن حساسية وهذا ماكشفه اغتيال السفير الروسي في تركيا

والملاحظة هنا أن ماظهر في جريمة مقتل السفير الروسي في تركيا هي فقط تلك القمة العائمة من جبل الإختراقات التي طالت كافة المؤسسات التركية وأجهزة دولتها من عصابات التأسلم الفاشية الإرهابية وهو ماينذر بمعاناة تركية طويلة سيدفع فاتورتها الأمن والإقتصاد التركي وكذلك القدرة علي صياغة موقف إقليمي ودولي مريح يساعد تركيا علي سلامة الخروج من محنتها الجيوسياسية

وهذا مايجرنا إلي الملاحظة الثالثة
وهي
علاقات تركيا بروسيا والرد الروسي المتوقع
فروسيا التي لم تنجر إلي دائرة رد الفعل حين اسقطت تركيا المقاتلة الروسية فوق الأراضي السورية وأدارت الأزمة بذكاء حقق مكاسب استراتيجية ضخمة لروسيا أقلها فرض الهيمنة الروسية علي الأجواء والشواطئ السورية واضطرار تركيا إلي الرضوخ نسبياً للاستراتيجية الروسية في سوريا

روسيا بوتن ستتعامل مع حادث مقتل السفير الروسي بهدف تحقيق أقصي مايمكن من مكاسب تتعلق بالموقف التركي من الوضع السوري أو الوضع الإقليمي بالنسبة للروس في اتجاه أقصي مايمكن من خلق مسافة بين تركيا وحلف الناتو وخلخلة علاقتها به قدر الإمكان للوصول إلي توافق تركي إيراني روسي تجاه المواقف الدولية والإقليمية المتنوعة وإقامة منطقة تعاون إقتصادي وتبادل للمصالح تجعل من روسيا قطباً دولياً يمتلك الكثير من مناطق القوة ومساحات المناورة وامتلاك الأوراق في اتجاه أوربا التي كثيراً ماتنزع لأسباب متعددة إلي محاولة الضغط علي روسيا في كثير من المواقف الدولية وأمريكا القطب الذي يقاوم تراجع مركزه الدولي كقطب أوحد ولوجاً إلي عالم متعدد القطبية

وتركيا التي لم تكن قد انتهت بعد من معالجة أزمة اسقاط المقاتلة الروسية وقدمت عبر ذلك الكثير من التنازلات الهامة لروسيا ستجد نفسها مضطرة للمزيد من التطمينات والتأكيدات بالأفعال لا بالتصريحات علي استمرار بناء علاقات تفاهم وتنسيق مشترك مع روسيا في نفس الوقت الذي ستعلوا فيه نبرة التناقضات السياسية داخلها نتيجة التأثيرات الإقتصادية والأمنية للحادث ونتيجة وجود تيار ايديولجي متأسلم داخل تركيا له نفوذه داخل المؤسسة التركية الحاكمة وأجهزتها يري ضرورة عدم الإخلال بالتحالفات مع عصابات التأسلم السياسي وعدم تقديم المزيد من الخطوات تجاه التنسيق مع الجانب الروسي
أمران كلاهما مر علي تركيا الممتحنة دائماً في أوضاعها الجيوسياسية

الملاحظة الرابعة أن هناك حقيقة هامة يشير إليها هذا الحادث هي أنه منذ بداية من تسعينيات القرن الماضي تقريباً وحتي الآن فإن الغالبية الساحقة من العمليات الإجرامية الإرهابية في العالم يرتكبها متطرفون متأسلمون وعصابات ترفع رايات إسلام الحاكمية
وهذا يصاعد (بشكل منطقي) من ردود الفعل المتطرفة العنصرية في أوربا وبقية العالم في مواجهة كل من يمتلك بشرة شرقية وصفة مسلم في أوراقه الثبوتية

وهي ملاحظة لايلتفت إليها هؤلاء المعممون العرب الأزاهر وغير الأزاهر والسلفيين والمتأسلفين الذين أصبح لديهم رد آلي شبه مسجل يتم ترديده عبر كل حادث إرهابي
الإرهاب لادين له
الإسلام برئ من هذا
دونما حرص علي تقديم هذا الإسلام البرئ من الإرهاب والذي يعادي روح العصر ويخلوا تماماً من فكرة الحاكمية وأوهام عودة الخلافة ويقبل الآخر المتنوع أوالمختلف ولايعتبر هذا القبول منة أو واجب والتزام بآداء كرم القبول والحماية لذميين وعجم ويقر بالحق في المواطنة لجميع التنوعات البشرية في بلدانها تحت سقف الدولة المدنية التي لاتفرق بين مواطنيها علي أي أساس من المذهب أو الدين أو العقيدة أو الجنس أو العرق وتضمن للجميع حرية إقامة الشعائر الدينية علي قدم المساواة وكذلك تضمن حق الجميع في إقامة دور العبادة

فلتقدم هذه العمائم الأزهرية وغير الأزهرية برهانها وتقدم الإسلام البرئ من الإرهاب والعنف الطائفي قبل أن تدوسها سنابك البشرية المتمردة علي مفاهيم التمييز الطائفي والفاشية الدينية والقهر والإرهاب الديني الفكري الذي لايحتاج إلا للأحزمة الناسفة والقنابل والعبوات المتفجرة أو المسدسات والخناجر والسكاكين والهراوات ليصبح إرهاباً مادياً

حمدي عبد العزيز
20 ديسمبر 2016