فكار ما بعد الانقلاب .. عرض لاستراتيجية الحزب الشيوعي في البرازيل


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 5376 - 2016 / 12 / 19 - 01:56
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

ا ..بقلم: والتر سورنتينو* / ترجمة: رشيد غويلب
|
حدثان مواتيان في الوضع الجديد: الأول تظاهرة يوم الأحد 4 ايلول في ساو باولو، التي كانت التظاهرة الكبيرة الثانية منذ بداية النضال ضد الإنقلاب.جموع من العاملين والطلبة، والشبيبة القادمين من الضواحي، والعمال النقابيين، ومعلمو الطبقة الوسطى التقدميون، وأناس في منتصف العمر، كان مطلبهم الأساسي: "الانتخابات فورا"، ليؤشروا مهمة النضال السياسي الملحة "رحيل ثامر" واجندته السياسية الرجعية. وبذلك عكسوا تجاوز الجدل، الذي اشترك فيه جزء من اليسار والذي اقترح إجراء استفتاء عام، متجاوزين في النهاية حتى دليما روسيف ذاتها.
الحدث الثاني: ستة مراكز نقابية وحدت نشاطها للنضال ضد "إصلاح" نظام التقاعد وقوانين العمل. واذا كان هناك حماس لـ"برنامج داخل المصانع" وليس برنامج للتظاهر في الشوارع فقط، فسيكون الإضراب العام جزءا ممكنا من أشكال النضال. وهذا يبين مرة اخرى في النظرية والممارسة: لا شيء يتطور بخط مستقيم وفي مستوى واحد، بل في حركة متناقضة. فهناك تراجع وتقدم باستمرار، مد وجزر.وليس هناك انتصار لا رجعة فيه، او هزيمة كاملة. وليس هناك فعل بلا رد فعل.

البعض يقول ان الإشارة السياسية القادمة من البرازيل: ان دورة التطور استنفذت تاريخيا، وانها سرعان ما تقودنا إلى مفترق الطرق السابق. ونحن نقف اليوم امام مفترق برنامجي اساسي للبلاد.
موقف استراتيجي وتكتيكي دفاعي
لا شك إن الهزيمة الحالية ذات طبيعة إستراتيجية، تغلق الدورة التي ابتدأت في عام 2002 . ان مشروعنا الذي انتصر في أربعة انتخابات رئاسية متتالية، كان في أزمة، وعلى الرغم من النتائج المتحققة، بدا واضحا انه بلغ حدوده الإستراتيجية، بالإضافة إلى أخطاء القيادة السياسية المتعددة. وفي ظل توازن القوى السائد خسرنا دعما اجتماعيا وسياسيا، لتعضيد مشروعنا الوطني والسير به إلى أمام. فالمقاومة الديمقراطية والتقدمية هي بالتأكيد رصيد سياسي، ولكن اليسار تعامل مرة أخرى دون وحدة تكتيكية. وان احد مهامنا هي بالتأكيد المراجعة النقدية الهادفة إلى وضع تكتيك جديد يتلاءم مع الوضع القائم.
وتدعي الطبقة المحافظة الحاكمة ان دورة الدستور الديمقراطي لعام 1988 المشرع للجمهورية الجديدة قد استنفدت. انهم يريدون دفنه. لان برنامجهم "لا يتلاءم مع هذا الدستور، ولهذا يبقى الدستور منطلقا لتكتيك النضال ضد الأنقلاب وضد التراجع. ان لديهم برنامجا للتراجع، برنامجا مضاد للوطنية والشعبية ولا يتمتع بالتأييد في صناديق الإقتراع، ويعتمد الخصخصة، والغاء التأميمات، وتدمير الحماية الإجتماعية، العمل والقوى المنتجة طريقا للخروج من الأزمة. وهم يدينون الدور الذي لعبته الدولة في دعم التنمية، ويريدون بواسطة التعديلات الدستورية تجميد دورها هذا خلال العشرين سنة القادمة. وطبيعي ان هذا البرنامج لا يمثل جوابا على الأزمة الرأسمالية، بل هو تقشف يعمق الأزمة. وهو يحمي ارباح القوى المهيمنة المحلية والعالمية ويحرف البلاد عن توجهها نحو التعددية القطبية في العلاقات الدولية.
وهذا امر سيء، تم بضربة معادية للديمقراطية مثلت نوعا جديدا من الانقلاب احدثت جرحا عميقا سيبقى ماثلا في حياة السياسة الوطنية في البلاد. ومرة أخرى تعاني الديمقراطية من الطبقات الحاكمة القاسية والماكرة، والمعبئة للأجهزة السياسية، الاقتصادية والإعلامية والموظفة لدعم طبقة وسطى متعصبة ومتطرفة.
ان حكومة الإنقلاب تملك قوة في الإدارات، و ليس في المجتمع. وهناك تناقضات في توجهاتها السياسية حتى داخل حزب رئيس الإنقلاب ثامر، وكذلك في صفوف المعارضة القديمة التي تختلف بشان آفاق انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2018 . وليس واضحا مسار التطورات. فإذا نفذت الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المقترحة والقاسية، ولم تحقق أي تطور، فان ذلك سوف يدفن برنامج 2018 الانتخابي. عندها سوف لن يكون هناك سبب لخسارة المهمة (رئاسة الجمهورية) لصالح معسكر الانقلاب. وهناك سيناريو ثالث ممكن هو ان يفقد رئيس الجمهورية الحالي منصبه مبكرا بفعل التحقيقات الجارية في اكبر عملية فساد في التاريخ البرازيلي، وكذلك الصراعات الداخلية في معسكره. وعلى اية حال، فان ثامر ليس الشخصية السياسية القادر على إنهاء الأزمة.
وفي إطار نظرة شاملة، نتحرك نحن داخل أزمة رأسمالية هائلة، لا تتضمن مخرجا تقدميا، مع هجوم رأسمالي –امبريالي مضاد، يتجلى اليوم بوضوح في أمريكا اللاتينية. ولهذا السبب نحن في حالة دفاع استراتيجي، جاء عزل روسيف ليعززها ويضعنا في موقف دفاع تكتيكي.
تطوير تكتيكات الدفاع
إن تكتيك الدفاع يفرض النهوض لحماية المنجزات ونقاط القوة، ومكافحة التراجعات، وتجميع القوى وبحث التناقضات – وهذا هو جوهر التكتيك. وفي هذه الأوقات هناك ضرورة لتكتيك جديد. جوهره واضح: ضد البرنامج الليبرالي المتطرف،ومن اجل رحيل رجل الانقلاب ثامر، انتخاب مباشر فوري للرئيس الجديد، وإجراء إصلاحات سياسية وأخيرا الإضراب العام ضد البرنامج المعادي للشعب ومفاتيحه الأساسية هي الضمان الاجتماعي وعلاقات العمل. "العمل الآن" شعار قديم ملائم مرة أخرى في وقتنا الراهن لإزاحة حكومة ثامر ولكي نبين اننا نستطيع ان نقدم 54 مليون صوت لديلما روسيف.
سواء في المدى القصير او البعيد فان احتمال دخول البلاد دورة محافظة سيسود بوضوح، وسيتواصل الصراع في البرازيل حتى انتخابات 2018 . سؤال كيفية جذب وتوحيد وتعبئة القوى التقدمية والديمقراطية، بحيث لا تكون معزولة، ولا تقع عمدا في الانعزالية "اليسارية"، وتستطيع الحفاظ على العلاقات السياسية والمؤسسية كمسرح للنضال.
وبالإضافة إلى المقاومة يجب أن يوفر التكتيك للبرازيل توجها للنضال لا ينحصر في انتخابات 2018، ويكون في حالة تأثير متبادل معها. ومن الواضح أن الصراع الاجتماعي بالنسبة لجميع قوى اليسار يأخذ بعدا سياسيا جديدا في التظاهرات الحاشدة في الشوارع مع "برنامج خاص بالمصانع"(الحركة العمالية) - قادر على النضال من خلال الحس التربوي والسياسي للطبقة العاملة.
والى جانب ذلك هناك حاجة ماسة الى نقد جرئ ونقد ذاتي لمراجعة تجربة الـ 14 سنة الأخيرة، في جميع حملات ونشاطات وجهود اليسار والقوى التقدمية. فالأهم من الأخطاء هو التعلم منها. وإن المحور المركزي لهذا التحليل هو ان نفهم لماذا لا نملك مشروعا وطنيا ولماذا ليست هناك إستراتيجية نظرية وعملية مهيأة، وأننا وعلى الرغم من خبرة الاعوام الـ 14 ليس لدينا برنامج دولة يمكن ان يتفق مع الطريق إلى تأكيد وطني وتعزيز للديمقراطية. فهذه الفجوة تقود إلى جمهورية ليبرالية.
وأكثر من ذلك، إن حدود هيمنة حزب وممارسة السياسية تظهر من خلال مشاريع سلطته التي تحدد مساحة ومدى الجبهات والتحالفات الضرورية لتنفيذ مشروع وطني مستقل، ديمقراطي، شعبي، جنوب أمريكي، واقعي يحقق الاندماج في ظل قيادة تلك الجبهة .
إعادة تنظيم اليسار وتطوير كتلة تقدمية
في هذه المناقشة يطرح سؤال بشأن كيف يمكن إعادة تشكيل فوى البرازيل اليسارية والتقدمية لتتبنى المقاربات البرنامجية الجديدة كأساس لاستئناف المشروع الوطني الشعبي والديمقراطي في ظل الظروف الحالية. وتنظيميا أيضا بمعنى تحالف واسع مع طابع تكتيكي واستراتيجي حيث ما امكن.ان تصور ان حزبا بمفرده يدير ويمثل قوى اليسار لا يكفي، على الرغم من ان حزب العمل القوي والبعيد النظر لا غنى عنه. ان البلاد تحتاج تشكيلا سياسيا قائم على التنوع والتعددية، وبهوية برنامجية وثقافية كما كان التحالف التحرير الوطني في عام 1935، والذي امتلك قوة جذب هائلة في حينه.
ان اندماج قوى اليسار السياسية والمجتمعية، والشخصيات التقدمية في القطاعين الثقافي والفكري، وقوى الشبيبة والنساء،الذي يفترض قيام منظمة من طراز افقي من دون مؤشر على تنامي الهياكل المؤسسية للحركات الاجتماعية أو الأحزاب السياسية الأخرى.
وأخيرا، يجب أن يكون هذا التشكيل السياسي قادر على طرح تحديات للمجتمع، وعكس الحس السليم للأغلبية سياسيا وثقافيا، وترجمة الأهداف والتطلعات الحقيقية للجماهير العاملة في المشروع السياسي وجذبهم الى طريق جديد للنضال الديمقراطي والتقدمي.
وبهذا المعنى هنالك خطط لتشكيل كتلة تقدمية متعاطفة مع رايات اليسار. وينبغي ان تكون هذه الكتلة ناتج عن جمع هذه القوى برنامجيا، وموحدة بواسطة قوى اليسار السياسية والمجتمعية، واذا تطلب الأمر اعطاءها بعدا انتخابيا كبديل لسياسة التراجع الديمقراطي لنظام الأحزاب السياسية. لقد كان اليسار البرازيلي مبدعا جدا في مواجهة التحديات. وبهذا المعنى نتعلم من دروس الحكومات اليسارية في العالم، كما هو الحال مع جبهة أمبليو في أوروغواي، و حزب المؤتمر الوطني الافريقي في جنوب أفريقيا، ناهيك عن حالات أخرى في الماضي القريب، مثل الجبهة الساندينية في نيكاراغوا و جبهة فارابوندو مارتي في السلفادور، والوضع الحالي في النيبال وتحت ظروف أخرى تجربة اليسار الهندي.
لقدعمل الحزب الشيوعي في البرازيل بشجاعة وثبات وعزم ضد الانقلاب، وفي سبيل تعزيز مكانة وقوة المقاومة. و يريد الحزب تأكيد هويته السياسية، وإعطاء نضال البرازيليين افاقا جديدة. ويشير الحزب الى محتوى برنامجه واستراتيجيته، المستندة الى برنامج تنمية وطني يعكس الخصائص المذكورة أعلاه. وعلى هذا الأساس تهيئ قوى المقاومة نفسها لبديل تقدمي سياسي للبلاد، وإستراتيجية سياسية تكتيكية تدرس جدوى تجديد الجناح اليساري وإبراز القادة الشيوعيين في انتخابات الرئاسة كوسيلة للتعبير عن مستوى عال للأمل والوحدة في النضال في سبيل الديمقراطية والتقدم الوطني والاجتماعي.
الحزب الشيوعي في البرازيل
تأسس الحزب الشيوعي في البرازيل في آذار 1922، وهو يعتبر نفسه أقدم حزب سياسي في البلاد. وقد اجبر الحزب على ممارسة العمل السري طوال 60 سنة من عمره. وانتقل لأول مرة إلى العمل العلني في أيار 1985 بعد القضاء على الدكتاتورية العسكرية. وبعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي انشق عن الحزب في عام 1960 /1961 الحزب الشيوعي البرازيلي، وهو حزب صغير يعتمد المعارضة الشديدة على طول الخط، وليس ممثلا في البرلمان. ومنذ 2002 دعم الحزب الشيوعي في البرازيل ترشيح "لولا " وبعده روسيف لرئاسة الجمهورية، وشارك في الحكومة في إطار التحالف اليساري الذي قاده حزب العمل. وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة استطاع الحزب زيادة عدد مقاعده في البرلمان من 13 إلى 15 وللحزب مقعدان في مجلس الشيوخ وهو يملك العديد المقاعد في البرلمانات المحلية ويقود بعض البلديات. (المترجم)
ــــــــــــــــــــــــــــ
* نائب رئيس الحزب الشيوعي في البرازيل - كتبت المقالة في 6 أيلول 2016