الأزمة العامة للنظام الامبريالي العالمي


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 5373 - 2016 / 12 / 16 - 11:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لم تشكل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية لسنوات 2008 – 2014، فقط أزمة فاض انتاج دورية، وانما لها دلالات أخرى على مستوى تطور النظام الامبريالي العالمي خصوصا مع الدفعة القوية التي عرفتها عدد من البلدان الامبريالية الجديدة والتي أحدثت انقلابا مهما في السياسة الدولية تدفع نحو تطورات جديدة في الأزمة العامة للنظام الامبريالي بكامله مع تفاوت هائل في موازين القوى.

ويمكن الارتكاز في البداية على مؤشر مهم وهو مقارنة حصص البلدان الامبريالية الصاعدة في خلق القيم الصناعية العالمية.

فحصة الاتحاد الأوروبي تراجعت بين سنة 2000 و2015 من 24,4 الى 18,6 في المائة.

وفي نفس الفترة، تزايدت حصة بلدان البريكس BRICS (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب افريقيا) من 10,8 الى 27,9 في المائة بينما تزايدت حصة بلدان الميست MIST (المكسيك، اندنوسيا، كوريا الجنوبية، تركيا) من 6,2 الى 7 في المائة.

وتجدر الإشارة على أنه عندما نتحدثعن الرأسمال المالي العالمي المهيمن بدون شريك فإنما نقصد الشركات ال 500 الدولية العظمى من الاحتكارات الصناعية والتجارية والمالية والفلاحية، وتتوزع هذه الشركات بين البلدان الامبريالية القديمة وبلدان امبريالية صاعدة.

والملاحظ في هذا الإطار، أن عدد الاحتكارات الدولية العظمى لبلدان البريكس والميست تضاعفت أربع مرات من 32 احتكار سنة 2000 الى 141 احتكار سنة 2015، بينما تعرضت مختلف القوى الامبريالية القديمة الى خسارات في احتكاراتها.

ولا تعتبر دول البريكس ودول الميست بمثابة تكتلات موحدة. كما نأخذ بالحسبان كدول امبريالية صاعدة كل من العربية السعودية وقطر والامارات العربية السعودية نظرا لقوتها المالية والاقتصادية وتواجدها ضمن الرأسمال المالي الدولي المهيمن بدون شريك وتساهم في قراراته الهيمنية.

إن نمو منافسين إمبرياليين جدد يتم على حساب البلدان التابعة للاستعمار الجديد، وعلى الخصوص عبر نهب مواردها وفي ارتباط مع تدمير قواعد الحياة الطبيعية. وللإشارة فإن بعض الدول التابعة للاستعمار الجديد نحولت الى "دول مفلسة" مساهمة في تدفقات المهاجرين عبر العالم.

ان سعر البترول الذي تقلص بشكل مفتعل نتج عن التنافس بين الولايات المتحدة الامريكية والعربية السعودية وايران وهو ما تسبب في حدوث أزمات عميقة في بلدان مثل نيجيريا وفنزويلا كما ارتبط بالهزات السياسية التي عرفتها هذه البلدان.

كذلك الأمر داخل البلدان الامبريالية حيث احتدت التناقضات بين الشركات الصناعة غير الاحتكارية مع الرأسمال المالي الدولي المهيمن بدون شريك. ففي سنة 2015، حدثت 175.000 حالة افلاس في هذه الشركات. ويشكل هذا الحجم 33 في المائة أكبر من الافلاسات التي حدثت قبل الأزمة سنة 2007. ويمكن أن نظيف الى ذلك 2,2 مليون اقفال للشركات المفلسة في أوروبا الغربية والشرقية. وقد شكلت هذه الظاهرة قاعدة مادية لتقوية التيارات السياسية الوطنية المتطرفة والتي بدأت تبرز بشكل منهجي في العديد من هذه البلدان. وتعتبر ظاهرة "البريكسيت" BRIXIT أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي احدى تجلياتها الصارخة.

ان العالم سبق تقسيمه بالكامل تحت الادارة الامبريالية القديمة، لذلك فإن كل غزو لمناطق نفوذ جديدة يستدعي تقديم تفسيرات جديدة حتى بالنسبة للحروب التي تندلع. فالتزايد المهم في عدد الحروب والتفسيرات العسكرية في السنوات الأخيرة كنزاعات سوريا وأكرانيا واليمن، تعتبر ناجمة عن الهجوم العدواني للبلدان الامبريالية الجديدة والى دفاع البلدان الامبريالية القديمة عن مناطق نفوذها السابقة والتي لا تقل عدوانية.

وهذا يفسر كيف أن معدلات النفقات العسكرية في بلدان مثل الصين والعربية السعودية وروسيا والهند وتركيا تعتبر من المعدلات الأكثر ارتفاعا في العالم وحيث توجد ستة دول من بين القوى العسكرية الأكثر أهمية من بين البلدان الامبريالية الجديدة.

لقد كان التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية كامبريالية قديمة والاتحاد السوفياتي كإمبريالية اجتماعية، يهيمن لمدة طويلة على النظام الامبريالي العالمي ويقسم مجمل بلدان العالم بينهما. أما اليوم ومنذ 1991 أصبح العالم يواجه عالما متعدد الأقطاب حيث تتنافس العديد من القوى الامبريالية العالمية من أجل الهيمنة على مناطق نفوذ جديدة كانت تخضع لإحدى الامبرياليتين في السابق وبهذا يتعمق الميل نحو الأزمة العامة للنظام الامبريالي العالمي وتتفاقم مخاطر حرب امبريالية عالمية.