مؤلف ومصادر القرآن 10 (قصة موسى 1)


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5370 - 2016 / 12 / 13 - 12:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سوف نتكلم في هذا المقال ومقالات لاحقة من سلسلة "مؤلف ومصادر القرآن" عن موسى. ونعتمد أساسا على مقدمة وهوامش طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي المتوفرة مجانا من موقعي http://goo.gl/OOyQRD وورقيا من امازون https://goo.gl/nKsJT4).
.
وفي القرآن موسى شخصية رئيسية جاء ذكره 136 مرة في 34 سورة
1 في 15 سورة
2 مرة في 8 سور
3 مرات في 4 سور
5 مرات في سورة غافر
8 مرات في سورتي يونس والشعراء
13 مرة في سورة البقرة
17 مرة في سورتي طه والقصص
19 مرة في سورة الأعراف
وقصة موسى القرآنية مأخوذة من مصدرين:
- من التوارة: أسفار الخروج واللاويين والعدد وتنثة الإشتراع
- وأساطير اليهود
ولكي تتكون عندنا صورة مكتملة عن شخصية موسى القرآنية يجب دمج السور ببعضها البعض مع حذف المكرر الذي جاء فيها. فهي مبعثرة بصورة كبيرة جدًا في القرآن.
.
وأول مرة ذكر موسى القرآن بالتسلسل التاريخي كان في سورة الأعلى:
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (م8-87: 18-19)
وقد جاء ذكر الصحف في آيات أخرى
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (م23-53: 36-37)
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (م45-20: 133)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (هـ100-98: 1-3)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (م4-74: 52)
وليس هناك ذكر لمثل تلك الصحف في العهد القديم (التوراة)، بينما نجد كتبًا يهودية منتحلة تنسب إلى إبراهيم وموسى. فهناك كتاب يسمى وصية موسى. وكتاب يسمى وصية إبراهيم. وكتاب رؤيا ابراهيم. وتوجد مترجمة بالعربية ضمن كتاب من ثلاث مجلدات: كتابات ما بين العهدين
.
ونبدأ هنا بقصة مولد موسى ورميه في اليم والتقاطه من زرجة فرعون وفقا للتوراة أو بنت فرعون وفقا للقرآن
------------------
وقد جاءت هذه القصة في سورتين:
صورة طه (م45-20: 37-40):
--------
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى
.
سورة القصص (م49-28: 7-13)
----------
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ
وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
.
تعليق على هذه القصة
--------------
نقرأ في التوارة
ومَضى رَجُلٌ مِن آلِ لاوي فتَزَوَّجَ بِابنَةِ لاوي. فحَمَلَتِ المَرأَةُ ووَلَدَتِ اَبنًا. ولَمَّا رأَت أَنَّه جَميل، أَخفَته ثَلاثَةَ أَشهُر. ولَمَّا لم تَستَطِعْ أَن تُخفِيَه بَعدُ، أَخَذَت لَه سَلَّةً مِنَ البَرْدِيّ وطَلَتها بالحُمَرِ والزِّفْت، وجَعَلَتِ الوَلَدَ فيها ووضَعَتها بَينَ القَصَبِ على حافَةِ النَّهر. ووَقَفَت أُختُه مِن بَعيدٍ لِتَعلَمَ ما يَحدُثُ لَه. فنَزَلَتِ آبنَةُ فِرعونَ إِلى النِّيلِ لِتَغتَسِل، وكانت وصائِفُها يَتَمَشَّينَ على شاطِئِ النِّيل. فَرأَتِ السَّلَّةَ بَينَ القَصَب، فأَرسَلَت خادِمَتَها فأَخَذَتها. وفَتَحَها ورَأَتِ الوَلَد، فإذا هو صَبِيٌّ يَبْكي. فأَشفَقَت علَيه وقالَت: هَذا مِن أَولادِ العِبرانِيِّين. فقالَت أُختُه لاَبنَةِ فِرعَون: هَل أَذهَبُ وأَدْعو لَكِ مُرضِعًا مِنَ العِبرانِيَّاتِ تُرضِعُ لَكِ الوَلَد؟ فقالَت لَها آبنَةُ فِرعَون: اِذهَبي. فذَهَبَتِ الفَتاةُ ودَعَت أُمَّ الوَلَد. فقالَت لَها آبنَةُ فِرعَون: اِذهَبي بِهذا الوَلَد فأَرضِعيه لي، وأَنا أُعْطيكِ أُجرَتَكِ. فأَخَذَتِ المَرأَةُ الوَلَد وأَرضَعَته (خروج 2: 1-9)
وقد استبدل القرآن بنت فرعون بامرأة فرعون.
وجاء في أساطير اليهود:
في وقت ترك الطفل في المياه أرسلَ اللهُ حرارة محرقة لإصابة المصريين، لكي يعانوا كلهم البرصَ والدماملَ المؤلمة. فأرادت ثرموتيس، إبنة فرعون، التخلص من الألم الحارق بحمام في مياه النيل. ولكن عدم الارتياح الجسمانيّ لم يكن سببها الوحيد لتركها قصر أبيها. لقد عزمت على تطهير نفسها أيضًا من نجاسة عبادة الأصنام التي سادت هناك (Ginzberg المجلد الثاني، ص 102).
.
لا ذكر في التوراة لرفض موسى الرضاعة كما في الآية 49-28: 12 بل نجدها في الأسطورة اليهودية التي تقول:
وفي شفقتها عزمت على إنقاذه، فأمرت بجلب امرأة مصرية لإرضاع الطفل، لكن الصغير رفض رضع اللبن من ثديها، كما رفض رضعه من الواحدة تلو الأخرى من النساء اللواتي أُحْضِرْنَ إلى هناك. هكذا كان أمر من قِبَلِ الربِّ، لكي لا تفتخر إحداهنَّ، وتقول: «لقد أرضعتُ الذي يتكلم الآنَ مع السكينةِ». ولا كان الفم المقدر له التكلم مع الرب أن يتنجس بالتغذي من الجسد النجس القذر لامرأة مصرية (Ginzberg المجلد الثاني، ص 102).
.
كلمة تابوت في الأية م45-20: 39 لا معنى لها في هذا السياق. وقد اخذت مباشرة من العبرية ה---ת---ב---ה--- خروج 2: 3 و5. وقد تم ترجمتها بالعربية سلة.
.
قصة قتل موسى اثنين وهروبه من مصر
--------------------------
جاءت في سورتين:
سورة طه (م45-20: 40)
------
وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ
.
سورة القصص (م49-28: 15-21)
----------
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
.
تعليق على هذه القصة
---------------
نقرأ في التوراة:
وكانَ في تِلك الأَيَّام، لَمَّا كَبِرَ موسى، أَنَّه. خَرَجَ إِلى إِخوَتِه ورأَى أَثْقالَهم، ورَأَى رَجُلًا مِصرًّيا يَضرِبُ رَجُلًا عِبْرانِيًّا مِن إِخوَتِه. فاَلتَفَتَ إِلى هُنا وهُناك فلَم يَرَ أَحَدًا فقَتَلَ المِصرِيَّ وطَمَرَه في الرَّمْل. ثُمَّ خَرَجَ في اليَومِ الثَّاني، فإِذا بِرَجُلَينِ عِبْرانيَّينِ يَتَخاصمان، فقالَ لِلمُعتَدي: لِماذا تَضرِبُ قَريبكَ؟ فقال: مَن أَقامَكَ رَئيسًا وحاكِمًا علَينا؟ أَتُريدُ أَن تَقتُلَني كَما قَتَلتَ المِصرِيّ؟ فخافَ موسى وقالَ في نفسِه: إِذَن لَقَد عُرِفَ الخَبَر. وسَمعَ فِرعَونُ بِهذا الخَبَر، فطَلَبَ أَن يَقتُلَ موسى، فهَرَبَ موسى مِن وَجهِ فِرعَونَ (خروج 2: 11-15)
وجاء في أساطير اليهود
تقول اسطورة ان عبريين تظاهرا بالخصام حتى يوقعا بموسى ويفشيا سر موسى الذي قتل المصري. وفعلا تدخل موسى بينهما، فعاتبه أحدهما «أيها الشاب، من جعلكَ قاضيًا علينا، مع أنك لم تصل لسن النضج؟ إننا نعلم جيدًا أنك إبن يوكابد، رغم أن الناس يدعونك إبن الأميرة بيثية، وإن كنتَ ستحاول لعبَ دور سيدنا وقاضينا، سننشر خارجًا الشيءَ الذي قد فعلته للمصريِّ» (Ginzberg المجلد الثاني، ص 107).
والقرآن يذكر في الآية 49-28: 19 أن موسى بعد أن انتصر للإسرائيلي وقتل المصري، أراد أن ينتصر لنفس العبراني ثانية من عدو ثاني. وذلك بعد لومه على عدوانيته وحبه للعراك. وهذا إختلاف مع نص التوراة. فقد جعل المتشاجر مع العبري مصريًا في المرتين، ربما لرفض القرآن أن يتشاجر مؤمن مع مؤمن أو يقتتلا.
.
وسوف نستمر في المقال القادم في سرد قصة موسى ومصادرها.
.
تصبحون على (ا)سلام.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي مجانا من موقعي http://goo.gl/OOyQRD وورقيا من امازون https://goo.gl/nKsJT4
ترجمتي الفرنسية من امازون https://goo.gl/wIXhhN
الترجمتي الإنكليزية من امازون https://goo.gl/wQ6Twq
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb