التسوية والمصالحة.. مرة اخرى.. واخرى!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5368 - 2016 / 12 / 11 - 21:44
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

وضعت رئاسة التحالف الوطني بتاريخ 26 اب 2016 وثيقة "التسوية التاريخية" وبالتنسيق مع الامم المتحدة. تستهدف هذه المبادرة حسب مهندسيها هو "الحفاظ على العراق وتقويته كدولة مستقلة ذات سيادة وموحدة وفدرالية وديمقراطية تجمع كافة أبنائها ومكوناتها معا".
الجهة التي تريد اقامة "تسوية سياسية تاريخية" لحد الان ترفع شعارات "يالثارات الحسين" وهي لم تبلى ولم تشفى بعد من جروح عمرها 1400 عام (اضف لها جروح ومجازر صدام حسين). فالى اي حد تاريخي يمكنهم ان يمضوا لنسيان الماضي، والعفو عما مامضى، وبدء صفحة جديدة. وترك الامر برمته (ان كان عليا احق بالسلطة ام ابو بكر"!
كيف سيقومون بالمصالحة من فوق وهم يتصارعون من اسفل على مضامين المناهج الدراسية، واذا كانت تلقن الطالب التاريخ الديني الاسلامي الشيعي ام التعليم القومي العربي للنظام السابق؟ وعلى سن "القوانين الجعفرية"؟ انتهاءا باضافة الصفة القانونية للحشد الشعبي! وهو ميلشيا طائفية من الرأس الى اخمص الاقدام. بل واطلاق العنان له ليتصرف باستقلالية عن الدولة، علما ان الدولة تموله وتتركه طليق السراح، وعلى الضد من كل قوانين الكون: الذي يعطي المال يملي الشروط. الا في الدولة الشيعية في العراق: الدولة تعطي المال وتعطي الحرية ايضا. اي دلال هذا، سوى ان الميلشيا الشيعية والحكومة والدولة بشكل اوسع هي شيء واحد!
التسوية تعني القفز على القانون، والقفز على العدالة، وكأن المسالة مسألة اخلاقية وفوقية وسطحية. وبجرة قلم شقاواتية لومبنية بهلوانية على "تصفير الازمات"؟ كيف سيجري تصفير الازمات؟ ثلاثة عشر عاما من الازمات المتواصل والحرب الطائفية، كيف سيجري تصفيرها! لن يحاكم المالكي، ولن يحاكم احد على الفساد ولا عن تدمير المجتمع.
هذه ليست هي المرة الاولى التي يجري المضي فيها الى الحديث عن المصالحة الوطنية. في صيف عام 2006، تحدثوا عن الصلح الوطني في العراق، بعد ان لاحت ملامح نهاية الحرب الاهلية لعام 2006، وارسلوا همام حمودي وموفق الربيعي الى جنوب افريقيا لتعلم دروس من تلك الدولة في المصالحة الوطنية. لكنهم عادوا خالي الوفاض، لان الافارقة كانوا يقبلون من المخطئين قول الحقيقة والاعتذار عن اخطاء الماضي للشروع بالمصالحة. فهل يجب ان يعتذر سنة العراق بالنيابة عن وعما ارتكبه يزيد بحق "اهل البيت" وما ارتكبه صدام. وان اعتذر هؤلاء هل ستقبل بهذا الاحزاب الشيعية، وتقاسهم السلطة والثروة ومداخيل النفط ضمن توزيعة" تنكه لك وتنكة لي" (اي برميل نفط لك وبرميل نفط لي - لغير الناطقين باللهجة العراقية).
"التسوية التاريخية" هي كلام للاستهلاك الاعلامي. المسالة كلها تدور حول فرض شروط الطرف المنتصر على الطرف المهزوم، مع التحضير لمرحلة ما بعد الانتصار على داعش من قبل الاحزاب الشيعية، يبدأون بفرض شروط الصلح. انه مسعى لفرض ارادة القوي على الضعيف، الى مرحلة جديدة من فرض "عملية سياسية "على "السنة". وهو لتثبيت وتأمين اليد العليا للاحزاب الشيعية في بلد لا صناعة فيه ولا زراعة، بل دولة بأكملها تعيش على ما يطلقوا عليه "مال سائب" وهو النفط، وهو عزيز على القلب وثمين الى حد ما يصعب عليهم ان يشاركوا ويتقاسموه مع احد، لما يوفره من ثروة وسلطة وقوة. ان الاحزاب الشيعية - الشيعية، ستدخل صراعات مع بعضها البعض من اجل حسم من يأخذ ماذا، حتى يتركوا شيئا للـ "سنة" لمشاركتهم به.
الصراع لا يدور حول "السنة او الشيعة" او الثأر للحسين. ان هذه ليست الا دعايات حرب. فهم يقومون بتوظيف الماضي وبعناية وبدقة متناهية من اجل احكام سلطتهم وحصولهم على شرعية للحكم، من هنا تبنى وتوسع وتعمر المراقد الدينية، وتخصص الاموال الهائلة للمناسبات الدينية، ويفتحون الابواب على مصراعيها ويغدقون الاموال على المناسبات الدينية، بل حتى انهم ولزيادة عدد المشاركين في الزيارة الاربعينية، وضعوا نوع من الفيزا في السفارات العراقية اسمها" فيزة الاربعينية".
المسالة كلها تدور حول حماية مصالح طبقة رأسمالية طفيلية تعيش وتحصل على موارد مالية تقدر بمليارات الدولارات سنويا في صناعة لا تكلف اكثر من 30 الف من الايدي العاملة، وهي توفر ميزانية لدولة بكاملها. مسعى الاحزاب الشيعية، هي ادامة سلطتها وحماية ظهيرها ايران. وهما يتطلعان الى تقوية وجودهم ونفوذهم في المنطقة باسم الطائفية. وأن تمكنت لحد الان الاحزاب الشيعية من تعبئة الجماهير والعاطلين عن العمل ضد داعش، انما بنت واستثمرت الشعور الوطني وليس الديني او الطائفي لدى الناس الذين انخرطوا في الحشد الشعبي. فالحركة الوطنية اي بناء الوطن في العراق وعلى صعيد محلي، دفعت ولعقود الانتماءات الدينية والطائفية الى الوراء.
الا ان ما له اهمية قصوى، بالنسبة للطبقة العاملة، والشيوعيين هي فضح وتعرية هذه الدعايات الاعلامية الكاذبة لهذه الطبقة الحاكمة، التي يجب ان تحاكم على اجرامها على تحويل اجزاء من المجتمع في العراق لتعيش في العراء، ولسنين، تعاني الجوع والمرض. في العراق 3 ملايين ونصف نازح، ما يقارب 65 بالمـئة منهم لا يعرفون اين ستكون وجهتهم في الغد، والى اين يمضون. 10 بالمئة من المجتمع في العراق يعيش بحالة لجوء ونزوح، بل بدأوا يتزاوجون ويتناسلون في الخيام، كما زفت لنا الخبر السعيد منظمة البارزاني الخيرية فرحة وسعيدة بتمويلها حفل زفاف في مخيم نازحين على اطراف الموصل.
ليس الوعي الوطني الان ما هو مطلوب بل الوعي الطبقي، والوعي الطبقي لحقيقة هذه القوى الرأسمالية الطفيلية والارهابية، وتنظيم القوى لازاحتها عن قلوب الملايين، الحالمة بالخلاص منها. ليس الدفاع عن الوطن ما هو مطلوب، بل الخلاص من هذه الطبقة المحلية بالدرجة الاولى والاساس هو المطلوب.