الرقص بين حضارتين-العلاج النفسي الأدبي 9-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5355 - 2016 / 11 / 28 - 00:16
المحور: الادب والفن     

في الحياة ناسٌ يتحكمون بعواطفهم بحكمة.. و العاطفة بلا حكمة هي غريزة…
تتأرجح الجالية العربية في المهجر بين الأخوة و العدواة كما يتأرجح التاريخ بين التزوير و الأمل!

تحمل نساء العرب ثقافتهن و بيئتهن إلى حضن الديمقراطية الغربية، فإما أن يحسنّ استخدام مميزات البساطة في التعامل.. و في الحياة.. و يستفدن من مجالات مفتوحة للعمل و النجاح .. أو يهدرن وقتهن في الغيبة.. النميمة.. المظاهر الزائفة و النفاق…
أما عن رجال الجالية.. فللحديث شجون!

أظنكم جميعاً سمعتم عن عقد النقص.. لكن قلة قليلة سمعت عن اضطرابات الشخصية الكامنة تحتها…
معرفة الذات هي الخطوة الأولى في كسب الأصدقاء في أي بلد على هذه الأرض.. و هذا أساس النجاح…

كيف ترقص بين حضارتين .. دون أن تخسر أياً منهما، بل على العكس تكتسب من الحضارات و الثقافات ما يكفل لك النجاح.. التقدم.. الاندماج في بوتقة الإنسانية.. و الالتزام دون إطار…
****************


1- الرقص بقيادة مشتركة:

كان الشائع أن يقود الرجل المرأة في الرقص .. كما في التانغو مثلاً..

مع تقدم الإنسانية: وجد ما يترجم حرفياً: “الرقص ذو القيادة السائلة”” liquid lead dancing”:
ليلغي سيطرة طرف ما في الرقصة.. حيث يتبادل الراقصان قيادة الرقصة بكلها…
عندما تستقر في مكان جديد.. تذكر أن الشرط الأساس لنجاحك في كلا المكانين : أن تراقصهما بقيادة سلسة.. في قول آخر: ارقص بين الحضارتين و لا تخسر أياً منهما…


حكت لي احدى صديقاتي عن عائلة عربية تعرفت إليها عند وصولها إلى الولايات المتحدة.. صديقتي طبيبة نسائية، جميلة قلباً و قالباً.. قالت لي بتواضع جم:
-لو كنتُ في الأردن لما رافقتهم أبداً.. ليس لفرق في الثقافة و لا في المعتقد لا سمح الله.. بل لملاحظاتي الكثيرة على الأخلاق.. أية أخلاق تحملها و أنت بكل أحاديثك تغتاب صحبتك.. أي أخلاق تحملها و أنت تسمح لغيرتك بتشويه الحسنى و حرق اليد التي امتدت إليك.. أعطيك مثالاً:
-في أحد الأيام و بعد عملي لمدة 14 ساعة متواصلة - تعملين كم هو مرهق عمل الطبيبة النسائية- ذهبت لزيارة مدام ( فلينة) في بيتها بعد اجرائها لعملية جراحية.. كنتُ جائعة و متعبة…
مدام ( فلينة ) اغتنمت فرصة الزيارة لسرد تفاصيل حيوات كل من نعرفهم هنا.. بكل قلة ضمير.. كانت تتحدث كالعالم الخبير بالشيء و بالنوايا.. في قلبها كره كنار .. بياض أو سواد ولا مكان للألوان.. تماماً كما ما تسمونه في الطب النفسي: اضطراب الشخصية الحديّة- و إن كنت لا أشخصها بل استخدم الكناية عزيزتي..

المهم عندما لم أساير غيبتها و نميمتها.. استخدمت خجلها و غضبها لاجراء الفصل بيني و بين زوجي - في الطب النفسي siplitting- …
قالت لي: زوجي إنسان رائع و هي اقنعت زوجها بمرافقتنا لأن زوجي أهلٌ لذلك: “ تعلمين نحن في أمريكا.. و نستطيع التكلم بحرية.. و أنا شخص علماني! .. الجملة اللاحقة كانت:
أنها مستغربة كيف يتحمل زوجي عمل طبيبة نسائية لا تجيد فن التسلية: “ نحن ناس شرقيون، و المرأة بالنهاية لزوجها و بيتها”.

لشدة تعبي كدتُ اخبرها عن رأي زوجي بها كتافهة.. مبتذلة و قليلة احترام، لكني احترمت دبلوماسيته.. ضحكتُ، ودعتها:الحمد لله علي السلامة!

صدقيني يا عزيزتي.. و بغض النظر عن مبالغة زوجي في توصيف هذه العائلة.. هي نموذج بسيط للضياع بين حضارتين!.

صديقتي الجميلة وضعت يدها على الجرح..
قابلتُ الكثير من الناس في الغربة.. منهم من أصبح راقصاً سلساً.. و منهم من حاول بشتى الطرق إعاقة الرقص لنفسه و للجميع، فأمضى حياته بائساً.. مهاجراً بين الشرق و الغرب في اليوم الواحد مئة مرة…

هذا اللامتأقلم جنى على نفسه و على الحضارتين، فخسر الناس…
النقطة المهمة التي يعرفها أي محترف في أي نوع رقص، هي أن تجد نقطة التوازن.. أن تتوازن بحكمة و دقة.. و يقولون في كل شيء في هذه الحياة هناك نقطة ل الاتزان…
هذا في رقص الحضارات يكون مرتكزاً في قبول الآخر.. و قبول الآخر ليس فقط بعدم محاربته، بل بسنده.. رؤية حقيقته و مساعدته…
كانت ستختلف حياة الجميع.. لو استقبلت مدام ( فلينة) صديقتي بود.. قدمت لها العشاء بعد عمل يوم طويل.. تحدثت معها عن تفاصيل حياتها.. عملها.. أهلها.. حزنها…
كانت ستكسب صديقة حقيقية و اسثنائية لو أجادت الرقص بين الحضارات دون عمه بأدنى أخلاق الاثنتين…
*************

2-الرقص في الطب:
في الكناية: الطب رقص بين الحياة و العلم.. و في التجريد: يعمل الرقص على خلق حالة من الارتياح النفسي و الجسدي…

ظهر حقل طب الرقص في عام 1970كفرع من الطب الرياضي.. وتطور بعد ذلك بخجل…

من شروط النجاح أن تحترم رقص غيرك.. رأي غيرك.. نجاح غيرك…

قابلتُ الكثير من أصحاب الشهادات في الولايات المتحدة.. كانوا كلهم مشاريع نجاح.. لكن قلة منهم نجح.. لماذا؟
-قضى بعضهم وقته في إلغاء شرعية نجاح غيره…

قال لي أحد المحامين الأصدقاء هنا : العرب دائماً ( يخوزقون) بعضهم في الغربة لهذا يفقدون احترام الأجنبي لهم…
أرى ( الخوزقة) كعلامة أخرى على عدم قابلية الرقص (الاندماج) بين حضارتين…

لو اعتبر المهاجر نفسه فرداً بميزة تعدد الثقافات.. لقبل جميع الثقافات بدلاً عن قصقصتها …

صديقة أخرى لي: حكت لي تفاصيل انقلاب صديقتها عليها و حذفها لها من الفضاء الافتراضي بعد حصولها على منحة من الجامعة..
أرسلت صديقتي رسالة تسأل صديقتها: إن كانت أخطأت في حقها…
ماذا فعلت الأخيرة.. ردت على الرسالة بقولها: لم تعودي في حاجتي.. الله يحمي رفاقك!

من وجهة نظر طبيب نفسي، فإن من يحبك بحق يحب نجاحك و يحب أصدقائك.. من تحكمه الغيرة لا الحب.. قد يحبك، لكنه غير متصالح مع ذاته.. و بالتالي توقع أي شيء…
أن تحاول دعم من تحب.. و معرفة أنك ممتن لهذا الشخص و لو بكأس ما هو بداية علاقة سليمة…
غيرتك.. جهلك.. فشلك.. نرجسيتك.. مراحل في حياة كبيرة و مليئة بالحب.. الامتنان.. المودة.. الايثار …
قرر أنت أن تعيش الحياة بكلها أو أن تلتصق بمرحلة واحدة فقط…

الفضاء الافتراضي هو افتراض مهما علا من الشأن.. حذفك لصديق فيه مع أسبابك المتخيلة هو واقع عن وضعك النفسي…
**************


3- حرام و حلال:

مفاهيم يجب أن تحد.. لا يعقل أن تكون أنت و من والى معتقدك ملوك الحلال.. بينما خلق “ الله” مليارات من تسميهم بغباء ( أهل الحرام).. أنت تسيء لله إذا ما اقتنعت بذلك…
حاول أن تفهم الدين كمعاملة.. كأخلاق.. و ليس كموروث و قانون…

قلت لاحدى زميلاتي هنا أن تضع شجرة الميلاد.. كرمز على القوة.. دوام الخضرة.. أمنية ل الفرح و السعادة.. و أمل في البيت…

كان ردها:
-أولادي مسلمين.. يجب أن يتعلموا هذا و يفخروا به.. الشجرة تعني دين مسيحي…

لم تصدمني قلة ثقافتها و حسب - فالشجرة موجودة من العصور الوثنية- و ما فعله المسيحيون هو تحويلها لرمز للأمل.. لكن صدمني حياتها في أمريكا لسنوات دون أن تفلح في الاندماج( الرقص) في حضارة أخرى…

صدمني أنها تخشى على “ إسلام” أطفالها.. كما لو أنه ثوب أبيض قد يتسخ إذا ما جاملوا حضارة بلد استضافهم و أكرمهم!

أن تفخر بمعتقدك و إطارك أياً كان هو حق مشروع.. لكن أن تمنع غيرك من ذاك عيب.. ألا تقدر على التنفس خارج هذا الإطار : قلة عقل، أن تأكل على أرض لا تحترم حضارتها: نفاق…
*****************

4- اشكرْ كي تصبح سعيداً:

صادف أن تكون ذكرى مولدي مع عيد الشكر لهذا العام.. علمتني الحياة أن أبدأ كل صباح بالشكر.. و نقول في الطب النفسي : اشكر كي تحس كم لديك، و تشعر بأنك ممتن هذا يخنق تعاستك و يمنحك سعادة!

أشكرُ كل صباح مذ كنت طفلة صغيرة في طبقة متوسطة.. و الطبقة المتوسطة خير الشاكرين : لأنها تعرف تماماً معنى الجوع و قيمة الشبع…

شكرت الله منذ وقفت يوماً أشاهد أبي المهندس الجميل يخفي حيرته بعد سقوط نظام “ صدام” في العراق.. أبي الذي أمضى حياته يطعمنا و أخوته بملح عرق جبهته.. قال لي:
“دول النفط تسقط بالدور!”…

شكرت الله من يوم علمت أن الأطر هي دِين و هي سياسة و هي قوميّة.، وطن.. لون .. جنس..

الأطر نحن صنعناها.. فإذا ما أردنا التميّز أو حتى الحياة بحق.. علينا أن تفخر بقدرتنا على الالتزام دون إطار.. في المقابل علينا أن نحترم حاجة أي إنسان لأي إطار مهما كان و أياً كان …


عيد الشكر من أجمل الأعياد على الإطلاق.. و أنا شكرة بأني ولدت حوله أو فيه…
يجتمع الناس في كل الولايات المتحدة ليشكروا الله على نعمه الكثيرة…

بدأ الاحتفال بعيد الشكر “ Thanksgiving” في عام 1941( الخميس الذي يأتي قبل السبت الأخير من شهر نوفمبر من كل عام) ، لكن قصته تعود إلى عام 1620:

عندما كانت أمريكا تستقبل المهاجرين من العالم .. وصل مواطنون انكليز إلى ولاية “ ماساتشوستس” .. مكان جديد.. حاولوا الزراعة و بسبب قلة خبرتهم و تعبهم من الرحلة الطويلة غلبهم الموت بأغلبهم..

بعد شهور من الموت المجاني.. تدخل “ الهنود الحمر” و علموهم الصيد و الزراعة.. و كما هي طبيعة الإنسان النقية، و بما أنه من روح الله.. قدّر الانكليز كثيراً ما حدث.. و في أول موسم حصاد أقاموا احتفالاً على شرف الهنود، شكر الجميع فيه الله على:
بعضنا.. صحتنا.. كفاف يومنا.. أمننا و ضعفنا…


يا الله أشكرك على أهلي.. على بساطتي.. على ضيق وقتي.. على قدرتي على السماح و الغفران…
يا الله أشكرك على من صنع مني صانعة قصص - أو ما يسمى كاتبة- من قراء.. أصدقاء.. عقول و أحبة…

أشكر الله، و أشكركم كلكم على كل شيء…


يتبع…