قحطانيات: المقدمة


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5354 - 2016 / 11 / 27 - 14:19
المحور: الادب والفن     

القحطاني والله
رأيي من رأي بازوليني: علم اللاهوت هو أحد فروع الأدب العجائبي، هناك من يقول الأدب الخرافي، هناك من يقول الأدب غير الواقعي، هناك من يقول كما قال بوكاتشي: ليس علم اللاهوت شيئًا آخر غير شِعر الله، فَغَرَفَ القحطاني من هذا الشعر ليسقي فرع الأدب الذي انْتَهَلَ تحليلي من مناهله، وكان للقحطاني الفضل في تأسيس نظرية "قحطانية" تدور حول الفضائل الإلهية، الإيمان والرجاء والمحبة، محورها الإنسان، فأخضع حكمة الفلسفة كما يرى باكون لعلم اللاهوت، ولم ينتج في كل كتاباته غير ما يُملي عليه العقل، وكأنه ينتج علمه الخاص به، فتصارَعَ مع السلف والخلف، الحق والباطل معياره، ولم يتردد عن قول ما لم يقله غيره في الصحابة، في الأئمة، في القساوسة، في فكرة الألوهية، بمعنى في الرب المسيحي قبل الله المسلم، وفي أدوات الحكم.

القحطاني والزنزانة
تهمة القحطاني والحكم عليه وتعذيبه مزحة، والله حلوه هادي! حلوة بالمفهوم الشعبي، التهكمي، وكأني ببطل كافكا يعود حيًا، تهمة عاقِبَتُها مُرَّة، مُرَّة؟ علقمية: ألف جلدة وسنوات طويلة في المعتقل، شيء من الروح الكتابية لفولتير، تمثيلية مضحكة يغلب فيها التهريج القمعي والمرح الدموي، فماذا تعني التهمة وقد تغير معناها مع القحطاني؟ وماذا يعني القانون؟ مأساة القحطاني تعيد إلى النقاش مجددًا مسألة الحرية في السعودية وفي العالم، فصمت العالم تهمة، وبالتالي الحرية ليست حرية، لنجدنا في قلب موضوع الحرية وفلسفة الوجود، لا أحد يمد له يد العون، لا أحد يرى الرجل البريء الذي تم تنفيذ الحكم الجائر فيه، لا أحد يشعر باختناقه في الزقاق الذي يعيش فيه، وكأنه يحمل الزنزانة على كتفيه أينما يذهب، وفي الزنزانة يضع روحه.

القحطاني ورائف بدوي
رائف بدوي يرزح تحت ثقل "الخطايا" في السجن الصغير وعبد الله مطلق القحطاني يرزح تحت ثقل "الخطايا" في السجن الكبير، لأنه لم يزل مطاردًا بجنحة خرافية كما لم يزل رائف بدوي مطاردًا بنفس الجنحة الخرافية، فكلاهما بطل من أبطال الأدب العجائبي الذي ينتمي إليه علم اللاهوت، لهذا تحولت مأساة القحطاني إلى فصل من فصول الكتاب المقدس للقمع كما تحولت مأساة بدوي إلى فصل آخر مضاف إلى هذا الكتاب المقدس للقمع، فصل آخر لا أخير، والجواب على كل هذا؟ إنه القانون! قانون العبث، نعم، عبث الجلاد، المتعة، متعة الجلاد، الجبن، جبن الجلاد، الرعب، رعب الجلاد.

القحطاني والعبودية
لا أريد أن أتكلم عن عبودية الحكم الوهابي، مئات آلاف المقالات كتبت في فضحها، ولم تؤت أُكُلَها. أريد أن أتكلم عن العبودية كأسر، كإكراه، كإخضاع، كتبعية، أريد أن أتكلم عن المستعبَد الذي يقوى كالقحطاني على رفع صوته، والذي لا يقوى على الدفاع عن نفسه، المستعبد كالقحطاني الذي يصبح البؤس والأمل لديه شيئًا واحدًا، الإعاقة والحلم شيئًا واحدًا، الشيء والإنسان شيئًا واحدًا. إنه الشكل المعاصر للعبودية، أعمق من شكلها الإثني، أبعد من بعدها الديني، أفظع من موديلها الهجري، عبودية القحطاني أن يسدد من عمره كل يوم يومًا كمن يبيع ابنًا.

القحطاني والحرية
يريد القحطاني جواز سفر، يريد السفر، يريد الزواج، يريد إطعام الحمام في ستوكهولم، يريد الحديث مع الثلج بدل الرمل ومع الشمس الباردة، يريد البحث عن فيكنج أصله من بلاد الحجاز، فلربما كان أباه، يريد قراءة القرآن باللغة السويدية، يريد الكتابة باللغة السويدية، في اللاهوتيات وفي غيرها، يريد الدخول في عراء الأشياء، يريد التفكير برأسه في السعودية من هناك، من أقصى مكان، ليراها أخرى، فوطنه يبقى شيئًا آخر، يبقى وطنه شيئًا آخر، وطنه يبقى، وطنه أمه، ووطنه يبقى أمه الأميرة.


باريس 2016.11.27


يتبع الله والزنزانة النص الكامل