ما هي المخارج المحتملة من الأزمة السورية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 11:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ما هي المخارج المحتملة من الأزمة السورية
منذر خدام
ثلاثة أشهر ونيف من الأيام وتنهي الأزمة السورية عامها السادس، وتدخل في مجاهيل العام السابع، والسوريون يتساءلون ماذا بعد؟!! ألا يوجد نهاية لهذه الكارثة-الأزمة؟!!.
إن نظرة فاحصة وموضوعية إلى مسار الأزمة السورية لا بد أن تلحظ التحولات التي طرأت عليها، والتي كانت تطرح في كل مرحلة من مسارها خيارات محتملة للخروج منها تختلف بحسب اختلاف فرضياتها. فخلال السنة الأولى عندما بدأت الأزمة على شكل تمرد مجتمعي وبدأت تكتسب أكثر فأكثر ملامح انتفاضة جماهيرية واسعة، كان ثمة خيار وحيد متاح حاضر في ساحة وعي "الشارع" السياسي وهو إسقاط النظام بالطرق السلمية الاحتجاجية من أجل بناء نظام ديمقراطي. لكن بعد أن سيطر السلاح "المعارض" على الشارع بقي هدف إسقاط النظام في ساحة الوعي السياسي، لكن بقوة السلاح هذه المرة، وتغير الشق الثاني من الهدف إذ صار بناء نظام حكم إسلامي. وعليه، منذ تلك اللحظة التي بدأ السلاح يرسم ملامح المشهد في سورية، بدأ التحول من احتمالات تحول الانتفاضة الجماهيرية، الآخذة في الاتساع والتجذر، إلى ثورة وطنية ديمقراطية حقيقية تحقق أوسع فضاء ممكن للحرية والعدالة وحكم القانون، إلى وقائع الثورة المضادة، وبذلك صار الصراع في جوهره وشكله بين طرفين استبداديين استبداد النظام " العلماني"المسيطر، والاستبداد " الديني " بل "المذهبي" الطامح إلى السيطرة. من منظور وقائع أواخر عام 2014 وحتى صيف عام 2015 فإن مسار الأزمة السورية كان يعطي ترجيحات لعدد محدود من سيناريوهات محتملة للحل،(انظر مقالتنا: سورية على مفترق طرق) من أهمها وأكثرهما واقعية، كما كان يبدوان في حينه، سيناريوهين اثنين، نظرنا فيهما من زاوية مصلحة الشعب السوري.
أ-سيناريو المشهد الأول( السيناريو الأسوأ): يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- استمرار دعم المعارضة المسلحة بالمال والسلاح وخاصة النوعي منه.
- نجاح المعارضة المسلحة في إسقاط السلطة الحاكمة في نهاية المطاف.
- عدم وجود بديل جاهز ومنظم، ويتميز بالكفاءة لتولي مقاليد الحكم بديلاً عن النظام.
وفق فرضيات هذا السيناريو فإن انهيار الدولة كان حتمياً، وعندئذ سوف تتحول سورية إلى دولة فاشلة ممزقة يحكمها أمراء الحرب، ويصير خيار التقسيم واقعاً.
ب-سيناريو المشهد الثاني( سيناريو سيئ): يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- استمرار الوضع الراهن لسنوات في المستقبل.
- إدارة الصراع المسلح في سورية بحيث يعجز أي طرف عن هزيمة الطرف الآخر.
- إفشال أية مبادرة سياسية لحل الأزمة في سورية.
وفق فرضيات هذا السيناريو كان سيستمر تدمير سورية وتمزيق نسيجها الاجتماعي واستنزاف قدراتها لسنوات قادمة.
لم يكن يلوح في أفق الرؤية، في ذلك الحين أي حل جيد ينهي معاناة السوريين، ويحقق لهم بعض المطالب التي ثاروا من أجلها، وذلك بسبب إصرار النظام والمعارضة المسلحة على هزيمة كل منهما للأخر. ومع أن مشهد الصراع كان يعطي انطباعا بأرجحية تقدم المعارضة المسلحة على الأرض، وخلق موازين قوى في صالحها، حتى أن حصل التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية في شهر أيلول من عام 2015، فأدى إلى حصول تغيرات جوهرية في مسار الأزمة السورية، وخلق مقدمات لسيناريو محتمل جديد وهو أقل سوءا بالموازنة مع السيناريوهين السابقين. يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- استمرار الدعم الإيراني والروسي للنظام وتناميه.
- تراجع دعم المعارضة المسلحة، مع تزايد احتمال التخلي عنها نهائياً.
- نجاح قوات النظام في تغيير موازين القوى بصورة حاسمة لصالحه، واحتمال هزيمة المعارضة المسلحة في نهاية المطاف.
وفق فرضيات هذا السيناريو سوف تتم المحافظة على بقاء الدولة السورية موحدة، لكنها ضعيفة جداً، ومدمرة، يحكمها نظام معزول، إلا من أصدقائه، يواجه مشكلات كبيرة وخطيرة نجمت عن الصراع المسلح، وفي مقدمتها مشكلات إعادة الأعمار، وإعادة الوحدة إلى النسيج الاجتماعي. في وضعية محتملة كهذه سوف تحافظ السلطة على مركزيتها الشديدة، وسوف تزداد تبعيتها للدول الداعمة لها، ورهن مقدرات سورية للخارج لعشرات السنين.
يبدو لي أن الوقائع الجارية على الأرض تدعم هذا السيناريو أكثر فأكثر، ولا يظهر في الأفق القريب ما يشي باحتمال وجود سيناريو أخر بديل يمكن وصفه بالجيد من منظور مصلحة الشعب السوري. وإذا كان النظام، منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، قد اشتغل على سيناريو وحيد وهو حسم الصراع في صالحه، مما يعني عملياً هزيمة المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، وبالتالي المحافظة على سلطته دون تغيرات تذكر، فإن المعارضة المسلحة كانت شريكته على طول مسار الأزمة في الوصول إلى هذه النتيجة من جراء اشتغالها على أوهام إمكانية إسقاطه بالقوة. بدورها مشت المعارضة السياسية الرئيسية على مسار المعارضة المسلحة، تؤمن لها الغطاء السياسي بدون تبصر.
هل من احتمال لمسار سيناريو آخر أفضل من منظار مصلحة الشعب السوري، يمكن أن يرتسم في الأفق قريبا؟ً ومدى واقعيته؟!
رغم الوضوح المتزايد في مشهد الصراع في سورية اليوم، وما يبدو عليه من أرجحية النظام فيه، لكن هذا لا يعني أبدا أن مسار الأزمة السورية بات بلا تعرجات محتملة. الحياة بصورة عامة ومبدئية لا تطرح أبدا احتمالا وحيدا لمسارها في المستقبل، ومهما بدت مسارات الماضي راسخة وقوية، فإن ثمة دائمات احتمالات لمسارات جديدة غير مرئية، أو لم توضح بعض مقدماتها . انطلاقا من ذلك فإنه يمكن الشغل على سيناريو جديد يكون الأفضل من منظار مصلحة الشعب السوري، لكن ذلك يتطلب أولا وقبل كل شيء الشغل في السياسية بأدواتها ومفاهيمها، والحد من تأثير الرغبات والأمنيات عليها.
ث-سيناريو المشهد الرابع( سيناريو أفضل): يقوم هذا السيناريو على الفرضيات الآتية:
- خشية الدول الداعمة للمعارضة من تنامي الإرهاب في سورية والخوف من انتقاله إليها وهذا قد حاصل.
- تفاهم روسي أمريكي على حل الأزمة السورية في مؤتمر دولي وفق القرار 2254، أو أية مبادرة أخرى تتفق عليها الدولتان، وهذا متعثر، لكن ثمة احتمال قوي أن ينشط مع الإدارة الجديدة.
- حاجة النظام إلى كسر الحصار عليه، والبدء بعملية إعادة الأعمار، والمصالحة الوطنية.
- حاجة المعارضة إلى التغيير الجذري والشامل لبنية النظام إلى نظام ديمقراطي، ومما يحقق المطلب الرئيس للشعب السوري، وبالتالي ضرورة التركيز على هذا المطلب.
- ضرورة تخلي المعارضة السياسية عن كثير من أوهامها السياسية( المطالب غير الواقعية)، وفك ارتباطها بالمعارضة المسلحة، واتخاذها موقفا صريحا وحاسما من محاربة الإرهاب والتطرف، وفك علاقات تبعيتها لبعض الدول الإقليمية، وتحسين علاقاتها بروسيا كما بجميع الدول المؤثرة في الأزمة السورية،
- المبادرة فورا لإحياء المفاوضات السياسية وإشراك جميع فصائل المعارضة فيها، على أن تتركز على النظام السياسي المستقبلي لسورية، وتأمينه دستوريا.
وفق فرضيات هذا السيناريو سوف تتم المحافظة على وحدة الدولة السورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تقود البلد إلى نظام ديمقراطي. هذا السيناريو في حال تحققه سوف يمنع تحول سورية إلى مفرخة للإرهاب الدولي، ويخلق مناخاً ملائما للمصالحة الوطنية ولعودة المهجرين، وبناء علاقات سياسية جيدة مع جميع الدول مما يخلق تعاون دولي واسع يساعد في إعادة أعمار البلد.