قحطانيات12: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 15:14
المحور: الادب والفن     

التحليل السردي
في مقالته "الإسلام والقمع وترسيخ الحكم الدكتاتوري"، يعرض القحطاني لعمودي الترغيب والترهيب للإسلام، ويصل إلى نتيجة أن "معضلتنا مع القمع والديكتاتورية في الحقيقة ليست في الحكام بقدر ما هي في النصوص الإسلامية"، فكيف تم ذلك سرديًا؟ نطرح السؤال لنقول إن الحقل السردي هو كل شيء لنا، ومثلما دأبنا عليه في القحطانيات الأخرى نحن لا نناقش أفكار الكاتب، ونترك هذه الأفكار تتناقش وحدها، فما يهمنا نظام هذه الأفكار، وبكلام آخر التصور السردي لها.

المستوى الانتقالي
ينتقل بنا القحطاني من مستوى سردي إلى مستوى سردي سمةً لسرديته (لمقالته)، فهو يبدأ بالباحث "المنصف والعقلاني الذي لا يمكنه أن يتنصل من حقيقة مهمة يتجنب أغلب الباحثين المسلمين عن سبق قصد وتعمد الخوض في غمارها"، ملقيًا إياه –أي الباحث المنصف والعقلاني- في شبكة من العلاقات المجتمعية عندما يقارنه بالباحث غير المنصف وغير العقلاني الباحث المسلم، وهذا هو المستوى الأول الذي دافعه للباحث المنصف والعقلاني عدم التنصل من قول الحقيقة. المستوى الثاني دافعه الخوف المطارِد للباحث المسلم حتى في بيئة حرة عندما نقرأ "حتى وإن كان الباحث المسلم يعيش حرا وبمجتمع حر في أية دولة غربية !" المستوى الثالث دافعه الخوف كذلك، لكنه لم يعد خوف الباحث المسلم ولكن خوف المسلم، "فالخوف من المجهول هاجس المسلم يلازمه من المهد حتى اللحد"، ولماذا من المهد حتى اللحد؟ الجواب يدخلنا في المستوى الرابع، "ومبعث الخوف في قلب المسلم متعدد ويعود في أغلب حالاته إلى أثر ما يُعرف بنصوص الترهيب"، فينتهي الخوف كدافع، ويحل محله الترهيب كدافع، "إذ من المعلوم أن عمودي الإسلام هما الترغيب والترهيب". ونحن ندخل في المستوى الخامس، المستوى السردي الخاص بالترهيب، مواربة، ليس لجسامته كدافع، لجسامة مصدره كعقيدة، لأن "الإسلام في واقع حاله قائم على هذين الركنين الأساسيين –يقول القحطاني- وأعني نصوص الترغيب وهي أقل بالنسبة للركن والعمود الثاني وأعني الترهيب ، إذ أن الأخير سمة أكثر في نصوص الإسلام سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة". ليكون المستوى السادس، وهو في بنية المستويات (الطوابق في البناء السردي) أكثرها ثباتًا بعد أن انتهى التردد المطارِد للسارد، بعد أن انتهى الخوف مما يقول منيعًا بالإسلام نفسه، فهناك الخوف العام كدافع، وهناك خوف الكاتب كدافع، تحت معنى الحذر مما يقول، حتى يصل إلى إثبات فكرته عن الترهيب في الإسلام، فها هو يقول: "وهذه حقيقة ساطعة كسطوع الشمس في رابعة النار ولن يكابر أحد في إنكارها أو مجرد التبرير لها تصريحا أو تلميحا". المستوى السابع لا يمثل أية عقبة في السرد، وعلى العكس يساهم في تدعيم المستويات الأخرى السابقة: "ولهذا فالمسلم يتربى وينشأ في مجتمعه من ولادته حتى مماته على نصوص الترهيب من كل شيء وفي أي شيء يخصه شخصا ويمسه ، أو له علاقة بطريقة مباشرة في حياته أو غير مباشرة ، نعم إن سطوة نصوص الترهيب هي من زرعت ورسخت في وجدان وعقل المسلم الخوف ، وبالتالي الخنوع والاستسلام فالذل وتقبل المهانة والرضى بالقمع والتسلط والديكتاتورية والخنوع والتسليم للقمع والظلم ، بل وتقبل استعباده وسلب كرامته وآدميته ونهب ماله بل ولد ظهره ، ناهيك عن المطالبة بحقوقه أو جزء يسير ونزر أقل منها". أهم ما في هذا المستوى قدرته على تشريح بنية المسلم، وكأننا في قاعة عمليات كل المجتمع الإسلامي: التربية، المنشأ، الوجدان، العقل، الاستسلام، الذل، المهانة، القمع، الظلم، وخاصة التسليم للظلم، ثقافة الظلم مقابل ثقافة الاستعباد وسلب الكرامة، سلب الآدمية، والعجز عن المطالبة بأقل الحقوق.

سِجِلّ الترهيب
عند هذا المستوى تتميز نبرة السرد بالرفض والتفنيد والاستنكار والإقرار عندما نقرأ: "ولا يمكن بحال من الأحوال أن نقبل مزاعم ودعاوى المتأسلمين بشأن الحكام الديكتاتوريين والفاسدين السارقين طوال تأريخنا الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتى يومنا هذا ، فطرح مثل هذه المزاعم الكاذبة من قبل المتأسلمين لا تستر بوائق وجرائم وقمع الحكام المسلمين قديما وحديثا ، إذ أن نصوص الترهيب إياها كانت هي الأرض الخصبة لبذرة الديكتاتورية وظهور القمع في كل مجتمع مسلم ، فنصوص الترهيب شكلت كل حياة المسلم ومختلف نواح حياة المجتمع الإسلامي منذ صدر الإسلام حتى اللحظة". الرفض: ولا يمكن بحال من الأحوال أن نقبل. التفنيد: مزاعم ودعاوى المتأسلمين. الاستنكار: نصوص الترهيب أرض خصبة لبذرة الدكتاتورية. الإقرار: نصوص الترهيب شكلت كل حياة المسلم.

النصوص الإسلامية
المقصود هنا النصوص الخاصة بالترهيب، وإلا تجاهلنا النصوص الخاصة بالترغيب، ويعي القحطاني هذا في نقده الموضوعي للدين عندما يرى المعضلة في نصوص الترهيب: "وأن معضلتنا مع القمع والديكتاتورية في الحقيقة ليست في الحكام قدر ما هي في النصوص الإسلامية إياها"، ليستنتج: "ولهذا قلنا سابقا ونكرر الإسلام كشريعة وتشريعات ليس صالحا لكل زمان ومكان ! بل وأن أسطوانة الحقوق في الإسلام أسطوانة مشروخة ! إذ في واقع الحال ليست حقوقا قدر ما هي تكاليف وأوامر فحسب ، ولن نقبل أكاذيب المتأسلمين بشأن هذه المزاعم ثانية أبدا ، ولن تنطلي علينا مزجهم وخلطهم للأوراق للهروب يمنة ويسر عوضا عن الهرب إلى الأمام ! ، فالتكاليف أوامر وليست حقوقا في الجوهر والظاهر ، لا حقوق للمحكوم أمام الحاكم في الإسلام قولا واحدا". الإسلام كشريعة ليس صالحًا لكل زمان ومكان، يقول القحطاني، ليكون الطابق الأخير في السرد. الباقي نوافذ في البناء السردي يفتحها: أسطوانة الحقوق، أكاذيب المتأسلمين، مزج الأوراق وخلطها، التكاليف الأوامر، لا حقوق للمحكوم. الآن وقد انتهى البناء السردي، يعود القحطاني إلى أساس هذا البناء، الإسلام، الإسلام كحرية وليس الإسلام كاستعباد، عندما يقول: "والإسلام نفسه كدين ومعتقد لم يتنصل من هذه الحقيقة أو يجملها أو على الأقل يبررها ! ، بل نصوصه صريحة وقاطعة في تأكيدها والأخذ بقوة وشدة على من يخالفها !! ، والأمر الصريح بقطع العنق بحالات كثيرة !! وسبق لنا أن تحدثنا كثيرا عن نصوص السمع والطاعة ونصوص البيعة ونصوص الحسبة ونصوص الترهيب إياها ! فمن له أذنان للسمع فليسمع ! أو يخرس للأبد !!!!!"


يتبع قحطاتيات13