لا حلول لحماية البيئة من دون اسقاط نمط الإنتاج الرأسمالي


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 5348 - 2016 / 11 / 21 - 09:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يؤكد الرفيق لينين على أن لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، فبالنسبة للينين لا يمكن ابداع أي فعل ثوري من دون تخطيط ثوري نظري مسبق. ولا يمكننا أن نفهم من مقولة لينين أنه يغلب الفكر على الواقع مما يجعل منه منظرا مثاليا، بل على العكس من ذلك، فلينين الديالكتيكي المادي يعتبر أن الفكر هو انعكاس للواقع، وأن بلورة أية نظرية انما تتم من خلال استقراء التجارب التاريخية الواقعية وفصل ما هو جوهري عن ما هو شكلي وبالتالي استخلاص القوانين التي يمكن الانطلاق منها لوضع مخططات ثورية مستقبلية.

إن استقراءنا للواقع البيئي المحلي والدولي يجب ينطلق من التحليل الملموس للواقع الملموس وبالتالي التعرف على سيرورة الأسباب والنتائج التي قادت العالم اليوم نحو مرحلة الكارثة البيئة. وبنظرة بسيطة إلى الانقلاب الكبير الذي حدث مقارنة بالماضي سنكتشف سريعا أنه منذ ظهور نمط الإنتاج الرأسمالي أواخر القرن الخامس عشر، تسارع تدمير البيئة الحيوية القابلة لحياة الانسان والحيوان والنبات والتي يمكن قياسها بخمسة كلومترات تحت الأرض وستين كيلومتر فوق الأرض.

إن الإقرار بأن الكارثة البيئية تتسارع مع تطور نمط الإنتاج الرأسمالي كافي لجعل نمط الإنتاج الرأسمالي هو المسؤول الرئيسي عن ما يحدث من احترار عالمي. والمسؤولية عن فعل الاحترار له ضحاياه وهم جماهير العمال والفلاحين الفقراء.

ونظرا لأن نمط الإنتاج الرأسمالي هو أداة مراكمة البرجوازية لرؤوس الأموال فإنها ستسعى بكافة الوسائل لحماية نموذجها هذا والبحث يكافة الوسائل لابعاد المسؤولية عنها وتسويق عدد من الأوهام حتى تتمكن من الاستمرار في مراكمة رؤوس الأموال هلى حساب تدمير أكبر وأسرع لأسباب وجود الحياة على الأرض.

الإشكالية إذن تتراوح ما بين الصراع الرئيسي بين البرجوازية وضحاياها من الطبقات الشعبية المسحوقة وحيث يقوم الصراع على واجهتين، واجهة الصراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج والذي بلغ التناقض بينهما اليوم حدوده القصوى بين قوى انتاج جد متقدمة وعلاقات انتاج جد متخلفة مما يفتح المجال أمام الثورات الاجتماعية الحادة الى درجة الأزمة الثورية الحادة. والمستوى الثاني من الصراع وهو الصراع الأيديولوجي بين نمط التفكير البرجوازي السائد والذي يسوغ استمرار نمط الإنتاج القائم في مواجهة نمط التفكير البروليتاري الرافض لاستمرار هيمنة هذا النمط من التفكير.

فالصراع الميداني بين البرجوازية والبروليتارية يهيمن عليه الصراع الأيديولوجي بين التفكير البيئي البرجوازي السائد التفكير البيئي البروليتاري القائم أساسا على الوعي الطبقي. تلك إذن هي الإشكالية التي أحاول معالجتها من خلال هذه الورقة.

أولا: نمط التفكير الايكولوجي البرجوازي الامبريالي ونمط التفكير الايكولوجي البروليتاري

1 – الفكر الايكولوجي الامبريالي والهيمنة الأيديولوجية:

يقول كارل ماركس في مؤلفه الى جانب فردريك انجلز الايديولوجيته الألمانية أن "الأيديولوجية المهيمنة هي أيديولوجية الطبقات المهيمنة"، وليس في الأمر غرابة، فالطبقة المتحكمة في دواليب الاقتصاد هي نفسها المتحكمة في أجهزة الدولة السياسية والقانونية والبوليسية وعبر هذا التحكم تفرض اختياراتها بما يخدم مصالحها حتى وان كانت متعارضة مع مصالح أغلبية الطبقات الشعبية المسحوقة. لذلك فإن نمط التفكير البيئي البرجوازي يخضع لمصالح هذه الطبقة والعمود الفقري لنمط الإنتاج الرأسمالي هي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ومن خلال ذلك وبواسطة رؤوس الأموال المتراكمة تتملك البرجوازية المهيمنة الأراضي والجبال والسهول سواء بشكل مباشر أو عبر سلطة الدولة كأداة طبقية في متناولها وبواسطة أجهزتها القمعية.

إن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج تعتبر في اطار النظام الرأسمالي من المبادئ المقدسة التي يستحيل المساس بها لكونها أساس التراكم الرأسمالي ومن خلالها تستبيح البرجوازية البيئة الحيوية لحياة الانسان والحيوان والنبات وتهمل على تسليعها المكتف لتلبية حاجيات سبعة مليارات من سكان الأرض بشكل مضاعف بخمسين مرة. فهذا الاستغلال الوحشي للموارد الأولية هو الذي يسرع من وثيرة الكارثة البيئية الكوكبية.

2 – الفكر الايكولوجي البروليتاري والصراع الطبقي:

تقف في مواجهة هذه الأيديولوجية البرجوازية الوعي الطبقي البروليتاري الذي عليه أن يدرك مدى خطورة استمرار نمط الإنتاج الرأسمالي على أسس الحياة على الكوكب وعلى حياة البروليتاريا على الخصوص. وأن البروليتارية تحمل على عاتقها مسؤولية جسيمة وهي ضرورة تدمير نمط الإنتاج الرأسمالي لانقاد الحياة نفسها.

هكذا إذن يختلف نمط التفكير البيئي البروليتاري جذريا عن نمط التفكير البيئي البرجوازي بل يتناقض معه، ويسعى الى تدميره للحفاظ على بقاء الانسان والحيوان والنبات الحياة على سطح الكوكب. كما أن أي تأخر للبروليتاريا في ادراك كنه هذا الصراع الفكري القاتل بين البروليتاريا والبرجوازية الا ويدعم استمرار نمط التفكير البرجوازي الهدام وفي استمرار هيمنته وتدميره المنهجي للحياة على الكوكب.

قضية البيئة إذن ليست ترفا فكريا، أو تشويها للفكر الطبقي ولفت انتباه الطبقات الشعبية المسحوقة نحو موضوع خاص بالبرجوازية المهيمنة، بل هو موضوع يدخل في صميم الصراع الطبقي والسياسي بين الطبقتين الأساسيتين في المجتمع: البرجوازية والبروليتاريا.
ففهم الصراع الطبقي السياسي بين الطبقتين الأساسيتين يشمل الأخذ بعين الاعتبار كامل قوة وضعف العدو الطبقي. ومن أجل ابراز بشاعة نمط الانتاج الرأسمالي للبروليتاريا لا بد من التأكيد على الكيفية التي تعمل بواسطتها البرجوازية على تدمير أساسات البقاء على قيد الحياة للانسان والحيوان والنبات على سطح الكوكب الأرضي. فالعناصر المكونة للكوكب وهي الهواء والماء والتربة، هي التي تنبثق عن تفاعلاتها الديالكتيكية الحياة بكافة تجلياتها. وها هي الشروط الأساسية للحياة توجد اليوم، نتيجة كيفية عمل نمط الانتاج الرأسمالي وما يؤدي إليه من احتباس حراري وتلويث مدمر لمكونات الحياة الأساسية الثلاثة، من انتقال نحو وضع كارثي، يتطلب اتخاذ قرار ثوري عاجل من أجل إسقاط نمط الانتاج الرأسمالي لأنه لا حلول لانقاد البيئة من دون اسقاط هذا النمط.

إذن فالمتهم الرئيسي بالتدمير التام لشروط الحياة فوق كوكبنا الأرضي هو نمط الانتاج الرأسمالي تحت ادارة القوى الامبريالية المهيمنة بدون شريك. فبأية آليات يمكن مواجهة التدمير الارادي الكارثي لوحدة الانسان والطبيعة في مواجهة الرأسمال المالي العالمي؟. إن الخاسر الأكبر في هذا التدمير الكارثي هي الطبقة العاملة، لذلك لا يمكن معالجة الوضع البيئي بمعزل عن تغيير راديكالي للوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد.

وإذا كانت النظريات البرجوازية والبرجوازية الصغرى تضع الانسان في مواجهة الطبيعة برؤية مثالية رجعية تخفي المنظور العلمي للطبيعة، فإن نمط التفكير البروليتاري المادي الجدلي فينظر الى الانسان كجزء من الطبيعة وأنه منتوجها الأسمى، كما ينظر الى البيئة نفسها على أنها تطورت وتغيرت بتفاعل مع الحياة ومع عمل الانسان. فالمحيط البيئي للكائنات الحية في مرحلتها الحالية أصبحت مطبوعة بشكل حاسم بالتأثير النشيط للإنسان وتشكل القاعدة الطبيعية للوجود الانساني وتطوره نحو مستوى أعلى.

3 – حقيقة بيئة الكائنات الحية ودرجة تأثير الانسان فيها:

تتكون بيئة الكائنات الحية من مجموع الأجسام الأرضية، المغلفة بالمادة الجامدة، والتي توجد في تفاعل في ما بينها بشكل لا نهائي، وتعمل على تشكيلها وطبعها ببصماتها. ويستطيع الانسان تعديل وتحويل مستمر وبشكل عميق مكونات هذه البيئة الحية منها والميتة، العضوية وغير العضوية، كما أنه يتأثر بها. فالإنسان بحد ذاته يشكل جزءا من بيئة الكائنات الحية. ويتضمن هذا التأثير الانساني في البيئة امكانية إدخاله لتعديلات سلبية كبيرة على البيئة الطبيعية، إلى درجة إحداث تشويه كافة الشروط الطبيعية للوجود الانساني وقد يصل الأمر الى درجة تدميره الكامل لهذه الشروط.
إن الانطلاق من هذا الفهم العلمي لبيئة الكائنات الحية ضروري من أجل الدراسة والعمل على تحديد التغيرات التي تطرأ على البيئة. ويدخل في هذا الفهم القيام بتقييم صحيح للسياسة الاجتماعية المعتمدة لأن ذلك يشكل مقتربا علميا لقياس وحدة الانسان والطبيعة. ذلك لأن الانسان لا يواجه الطبيعة كفرد وإنما يواجهها في اطار تكوينه الاجتماعي وأنماطه الاقتصادية المعتمدة والتي تشكل بحد ذاتها تعبيرا أيديولوجيا للطبقة المهيمنة.

4 – دور نمط الإنتاج الرأسمالي في تدمير وحدة الانسان والطبيعة:

إن دراسة السياسة الاجتماعية والاقتصادية في ظل كل نمط اجتماعي واقتصادي طبقي على حدة، تمكننا من التعرف على كيف تتعامل الأنظمة الطبقية خلال كل مرحلة على حدة مع وحدة الانسان والطبيعة. وعلى خلاف كافة أنماط الإنتاج السابقة البدائية والعبودية والاقطاعية يتميز نمط الإنتاج الرأسمالي الذي ظهر أواخر القرن الخامس عشر بخاصيتين رئيسيتين في هذا المجال، الخاصية الأولى وهي تحكمه بشكل مطلق في قوانين الطبيعة عن طريق التحكم في العلوم الطبيعية والصناعة الحديثة ثم ثانيا وعلى عكس ما نادى به الفيلسوف الفرنسي من ضرورة التحكم في قوانين الطبيعة من أجل خدمة سعادة الإنسانية، فإن الطبقة البرجوازية المهيمنة على نمط الإنتاج الرأسمالي جعلت من تحكمها في هذه القوانين عبر قوانين الملكية الخاصة وتملكها الخاص لوسائل الإنتاج ومن خلال ذلك تملك كافة الفضاءات والموارد الطبيعية فوق الأرض وتحت الأرض وتوظيفها من أجل تأويج أرباحها ومراكمة رؤوس أموالها على حساب سعادة الجماهير الشعبية المسحوقة العالمية والتي تم تعميق افقارها وعلى حساب بيئة الكائنات الحية التي عملت على تشويهها وبالتالي تدميرها تدريجيا.

إن هاتين الخاصيتين لنمط الإنتاج الرأسمالي والتي جعلت البرجوازية من جهة، تغرق العالم بإنتاج يفوق سبع مرات حاجيات ساكنة الأرض والتي تصل الى أزيد من سبعة مليارات نسمة، عبر استنزاف غير مسبوق تاريخيا للموارد الطبيعة المتنوعة من أجل رفع معدلات أرباحها، ومن جهة ثانية، قاد هذا النمط الإنتاجي والتوزيعي غير العادل الى تفاوت اجتماعيي صارخ وافقار للملايير من الناس افقارا مدقعا رغم قدرة الإنتاج الرأسمالي الفائض ورؤوس الأموال الزائدة بشكل هائل على القضاء بشكل عملي ومطلق على المجاعات والبؤس المدقع، وهو ما يكرس انانية البرجوازية المهيمنة وقيمها الأخلاقية اللاإنسانية. ثم من جهة ثالثة وصول نمط الإنتاج الرأسمالي نتيجة لما سبق الى سيرورة متصاعدة من التدمير الكارثي الملموس للإنسان والحيوان والنبات والمياه والهواء والتربة، والذي أصبح يتهدد بيئة الكائنات الحية بالفناء المحتوم.

لقد أصبح نمط الإنتاج الرأسمالي والبرجوازية المهيمنة بدون شريك يقف على قاعدة من القيم اللاأخلاقية التي تمارس عمليات إجرامية خسيسة في مواجهة وحدة الانسان والطبيعة. فالقيم الأخلاقية التي ترتكز عليها البرجوازية المهيمنة وتعمل على نشرها وفرضها فرضا على ساكنة العالم هي ان قيمة الانسان تقوم على قداسة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وأن من يملك هو أفضل من لا ملكية له، علما ان من يستطيع التملك هي الأقلية المهيمنة فقط مقابل الملايير من الكادحين الذين يؤمنون بصعوبة قوت يومهم. ومن تم تصبح المنافسة غير الشريفة والاستغلال الوحشي للإنسان والطبيعة من أجل تأويج الأرباح وتملك الثروات حتى وان كان ذلك على حساب الحياة على الأرض.

إن نظاما رأسماليا اقتصاديا واجتماعيا مجرما أخلاقيا يستهدف الاستغلال والتدمير وفناء البشرية لا يمكنه بأي حال من الأحوال ان يكون إنسانيا ويعمل على انقاد بيئة الكائنات الحية، وأن منظوره البرجوازي المهيمن للبيئة هو منظور استغلالي يحاول طمس معالم جرائمه في حق الانسان والطبيعة عبر ما يسمى بالاقتصاد الأخضر أو بالأحرى الغسيل الأخضر والذي بواسطته يتم تبييض الوجه الاجرامي البشع للبرجوازية المهيمنة بدون شريك. وبالتالي فان مؤتمرات الأمم المتحدة حول المناخ التي أصبحت الشركات متعددة الاستيطان تسيطر عليها من خلال التمويلات وارشاء العلماء والمختصين لتغليط الجماهير الشعبية المسحوقة العالمية، لا تنعقد الا لتلميع وجه نمط الإنتاج الرأسمالي المجرم.

إذن، فمن هذا المنطلق تعتبر الايكولوجية البروليتارية أنه لا يمكن إيقاف التدمير الرأسمالي المنهجي لبيئة الكائنات الحية، من دون اسقاط نمط الإنتاج الرأسمالي.

5 – كيف يتم تدمير وحدة الانسان والطبيعة:

تتحقق وحدة الانسان والطبيعة عن طريق العمل. فالعمل هو الشرط الطبيعي للحياة الانسانية ويشكل بذلك جوهر الكائن الانساني. فمن خلال العمل الإنساني المباشر لتطويع المصادر الطبيعية لإشباع حاجياته تتحقق هذه الوحدة. لكن البرجوازية المهيمنة بدون شريك من خلال قانون الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وهيمنتها على العمل الإنساني المأجور تستغل بعنف الأرض واليد العاملة الإنسانية وتعمل من خلال ذلك على تدمير وحدة الانسان. فالعامل لم يعد ينتج من أجل اشباع حاجياته الأساسية، وانما من أجل اشباع حاجيات البرجوازية صاحبة ملكية وسائل الانتاج. ومن هنا فإن الانسان يصبح مغتربا اتجاه سيرورة العمل واتجاه منتجات عمله. فهذا الاغتراب اتجاه العمل يتحول أيضا إلى اغتراب الإنسان اتجاه الطبيعة، التي أصبح يتملكها أيضا البرجوازي.

ويعكس الاغتراب اتجاه الطبيعة علاقة الاستغلال اللاأخلاقية التي توجد في قاعدة الانتاج الرأسمالي. لأجل ذلك يتكرس باستمرار النهب والتسميم وتشويه الطبيعة في الرأسمالية كظاهرة متلازمة مستمرة لنمط الانتاج الرأسمالي.

وقد قادت الامبريالية عبر تعميمها عبر العالم لنمط الإنتاج الرأسمالي نحو ازمة ايكولوجية شاملة انطلقت منذ سنة 1970.

إلا أن التدمير الهائل في البيئة الطبيعية لم يتجسد بقوة الا مع التراكم المزمن للرأسمال خلال تدويل الانتاج منذ بداية عقد التسعينات. ونتيجة لتعمق أزمة انهيار معدل الربح الرأسمالي بسبب فائض الإنتاج الزائد الذي يستحيل تصريفه بالكامل، أصبح الرأسماليون يدفعون بمستويات عالية من الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية والبيئة، فيعملون على تسميم وتشويه البيئة بهدف انتاج معدلات أرباح قصوى. وقد تسبب هذا الاستغلال المفرط بطبيعة الحال في الانتقال نحو وضعية جديدة. ففي هذه اللحظة بالذات انطلقت الأزمة الايكولوجية الكوكبية. وإذا لم تتوقف هذه السيرورة، فإن الوجود الانساني بكامله، بمعنى الأساسات الطبيعية للوجود الإنساني، أصبحت مهددة.


ثانيا: مؤشرات التدمير الكارثي لبيئة الكائنات الحية على المستوى الكوكبي:

إن المتتبع للآثار المدمرة لنمط الإنتاج الرأسمالي على بيئة الكائنات الحية منذ انطلاق الثورة الصناعية في أوروبا وإلى اليوم سيلاحظ أن هذا التطور يسير نحو كارثة ايكولوجية كوكبية.

وتظهر الكارثة الإيكولوجية الكوكبية عندما تأخذ أشكال تدمير نمط الإنتاج الرأسمالي لسيرورة التفاعل الديالكتيكي للحياة الطبيعية بين التربة والماء والهواء والنبات والحيوان، أحجاما كبرى يختل معها التوازن الايكولوجي ويحدث تدميرا للشروط الأساسية لكل وجود انساني وحيواني ونباتي.
وعلينا أن نفرق هنا بين مرحلتين، المرحلة الأولى هي مرحلة الأزمة الايكولوجية الشاملة، أما المرحلة التي تعقبها تدريجيا فهي مرحلة الكارثة الايكولوجية الكوكبية. فتراكم الاستغلال الرأسمالي الوحشي للموارد الطبيعية الأولية بمختلف أشكالها والانبعاثات الغازية الناتجة عنها أدت إلى الأزمة الايكولوجية الشاملة والتي رصدتها كافة المؤسسات البحثية العالمية منذ بداية عقد السبعينات من القرن العشرين.

لكن أمام تعمد تجاهل الازمة الايكولوجية الشاملة الآخذة في التفاقم منذ عقد السبعينات، وتزايد وتيرة الاستغلال الوحشي الكوكبي والاستغلال المكثف للوقود الاحفوري لضمان المزيد من الأرباح الرأسمالية جعل هذه الأزمة الشاملة تتحول تدريجيا نحو الكارثة الايكولوجية الكوكبية.

إذن فهناك معيار موضوعي يميز بين الازمة الايكولوجية الشاملة والكارثة الايكولوجية الكوكبية. فهو معيار مهم يميز بين هاتين المرحلتين النوعيتين المختلفتين لسيرورة البيئة الطبيعية تحت الاستغلال الوحشي لنمط الإنتاج الرأسمالي.

ومن أجل الادراك الكامل للتطور الحالي الذي تنتقل فيه الأزمة الايكولوجية العامة نحو الكارثة الايكولوجية الكوكبية، يمكن استقراء نوعية الانتقال من ظاهرة الازمة الايكولوجية المعزولة نحو نوعية جديدة معقدة للبيئة والعكس.

ففي بداية عقد التسعينات، برزت الخصائص الاربعة التي سجلت بداية الانقلاب نحو الازمة الايكولوجية الشاملة والتي انطلقت تراكماتها منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:

أولا: تفكك طبقة الأوزون في الفضاء الخارجي المحيط بالكرة الارضية ؛

ثانيا: التدمير التام للغابات والانهار الاستوائية ؛

ثالثا: الاحتباس الحراري، الناجم عن السلوك الانساني؛

رابع: تزايد الكوارث الايكولوجية الجهوية.

وعلى عكس الدعاية البرجوازية المتواصلة حول قدرة التكنولوجيات الحديثة على التحكم في مشاكل البيئة مقارنة مع السابق، فإن جميع هذه عوامل الأزمة تعمقت بشكل هائل.

لكن ما هو جديد وخطير أكثر من ذلك هو انطلاق سيرورة جديدة من تشكل خصائص أخرى رئيسية في التطور المتسارع نحو الكارثة الايكولوجية الكوكبية.

وفيما يلي اشارة سريعة الى هذه الخصائص:

1 – الخطر المهدد بتدمير توازن المحيطات؛

2 – تدمير النظام الايكولوجي الجهوي واختفاء الانواع؛

3 – النهب المتوحش للموارد الطبيعية؛

4 – غزو النفايات، وتسميم وتلويث محيط الكائنات الحية؛

5 – والاستعمال غير المسؤول للطاقة النووية.

إن التطور المتسارع لهذه الخصائص الرئيسية اضافة إلى عوامل أخرى للازمة الايكولوجية، أخذت تهدد بالخطر المحدق شيئا فشيئا، جميع سيرورات الحياة وحياة جميع الكائنات الحية. حينذاك انطلقت سيرورة انقلاب الازمة الايكولوجية الشاملة نحو الكارثة الايكولوجية الكوكبية مرحلة جديدة. فمنذ أكثر من عقدين، لم تعد الانسانية في بداية القفزة النوعية نجو الكارثة الكوكبية، وانما في وسط سيرورة التدمير الذاتي والتفكيك الكلي لوحدة الانسان والطبيعة. إن العالم ينتقل إذن بشكل متسارع نحو كارثة ايكولوجية كوكبية، والمسؤول الرئيسي عن ذلك هو نمط الإنتاج الرأسمالي.
وحسب المعلومات المتوفرة اليوم، تحدث عواقب لا تراجع فيها، تعرض الانسانية لأضرار مستمرة وجودية في جزء كبير منها وتحمل الاجيال المقبلة عواقب خطيرة.

ومن بين السيناريوهات المحتملة المهددة نتيجة دخول الإنسانية مرحلة الكارثة الايكولوجية الكوكبية هناك ما يلي:

• تدمير كامل لطبقة الأوزون؛

• اقتراب الكارثة المناخية الكوكبية؛

• التدمير المتسارع للغابات؛

• تدمير النظام الايكولوجي الجهوي واختفاء الأنواع؛

• خطر انقراض الانسان عبر الكارثة النووية.

وهناك سيناريو آخر يتم التقليل من شأنه يتمثل في تدمير الحياة في المحيطات

فالمحيطات التي تغطي 71 % من المساحة الارضية وتتضمن 90 % من الكتلة الحيوية للأرض. وتشكل الأنظمة الايكولوجية القريبة من الشواطئ البحرية مثل الشعاب المرجانية أو أشجار المانغروف، حماية طبيعية لتلك الشواطئ. انها بيئات حيوية عالية التخصص الى جانب تعدد كبير في الأنواع الحيوانية والنباتات. أكثر من ذلك، فان المحيطات تشكل محركا قائدا مهما وغطاء عازلا معوضا بالنسبة للمناخ العالمي ... كما تتراكم في عرض المحيطات كميات هائلة من الحرارة والمواد المغذية والتي تنقلها عبر تياراتها حول الكوكب بكامله. وتعيش على طول شواطئ المحيطات نصف الساكنة البشرية تقريبا. وبذلك تشكل موارد المحيطات أساس تغذية لما يزيد عن 3,5 مليار نسمة. وتبرز الأهمية الكبرى للمحيطات كمصدر للمواد الأولية وللطاقة، وكسبيل للنقل أو كمكان للترفيه والاستجمام ...

لكن الارتفاع التدريجي للاحتباس الحراري أصبح مزعجا بشكل انذاري للمحيطات والجهات المحاذية لها. كما أن التلويث المتواصل والذي لا حدود له للهواء بديوكسيد كاربون يزيد من درجة الحموضة بالمحيطات.

وتلعب المحيطات دورا مهما في التقليص من ثان أكسيد كاربون CO2 في دورة الكاربونات العالمية. فحسب المؤشرات الدولية التي قدمها الاتحاد من أجل الطبيعة والموارد الطبيعية (IUCN)، فإن المحيطات تمتص حاليا 25 % من أوكسيد الكاربون الذي ينتجه الانسان. لكن كلما كان هناك ثان أكسيد كاربون OC2 الهوائي الذي يتحلل في مياه البحر ويتحول الى الحامض الكاربوني، كلما أصبحت درجة الحموضة مرتفعة. ومنذ بداية مرحلة التصنيع، أي منذ 250 سنة، تزايدت هذه الحموضة بنسبة 30 %. ومنذ سنة 1750، فان قيمة درجة الحموضة في المياه السطحية للأرض تقلصت ب 0,11 وحدة في المتوسط 8,05.

حسب تحليل قامت به الشركة البريطانية روايال سوسيتي Royal Society بخصوص حموضية المحيطات l acidification des océans فيجب أن ننتظر ان يتقلص معدل درجة الحموضة pH الى 0,54 وحدات أكثر الى غاية 2100.

ومنذ أكثر من 650.000 سنة لم يحدث أن وجد معدل منخفض جدا لدرجة الحموضة pH والذي هو عبارة عن شرط أساسي لكامل كميائية مياه البحر ويؤثر في كامل عمل الأيض لكافة الكائنات الحية في البحر ...

فمن جهة يجب أن يتقلص الاتجاه الذي يدفع نحو سيرورة التكليس calcification لكائنات البحر الحية، بينما يجب من جهة أخرى ان تتزايد سيرورة التعرية...

كذلك أصداف البحر والحلزونات وقنافذ البحر والقناديل البحرية والطحالب الحمراء والتي تشكل شعابا مرجانية وعوالق بحرية كلسية ستكون معنية بالأمر. فها نحن اليوم نلاحظ النقص في تكوين هيكلها.

كما تم أيضا ملاحظة اضطرابات في تطور بيض الأسماك وفراخها. ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة على الحماية الطبيعية للشواطئ وعلى مجموع السلسلة الغذائية البحرية، وأن يؤدي الى عدم الاستقرار وموت الشعاب المرجانية.

هناك انذار آخر يتعلق بعواقب ارتفاع حرارة المحيطات على مكونات بيولوجية (كالعوالق النباتية). التي تشكل طحالب دقيقة تعوم في الماء. وتشكل أساس كامل الهرم الغذائي المحيطي، فهي تؤكل من طرف كائنات بيولوجية كما تتغذى عليها بعد ذلك حيوانات بحرية أكبر. وبسبب كتل احيائية ضخمة وقوتها الكبيرة خلال تكونها فإن المكونات البيولوجية(الطحالب الدقيقة) تشكل احدى المكونات المنتجة الأكثر أهمية للأكسجين في الفضاء الارضي للكائنات الحية. وحسب بعض التقديرات فان حصتها من الانتاج الاجمالي للأكسجين يقع بين 70 و80 %. وتقوم بابتلاع كميات أكبر من ديوكسيد كاربون.

ولا يعود هذا الوضع فقط الى تهديد وجود النظام الايكولوجي للمحيطات مثل الهواء والمناخ.

فارتفاع حرارة الماء على السطح يجعل أكثر صعوبة المزج المنتظم مع شرائح المياه الباردة الغنية بالمواد المغذية لأعماق المحيطات. وتحتاج الطحالب الدقيقة في المقابل الى هذه المواد المغذية لكي تنمو. وإذا حدث نقص في ذلك فإن نموها يتقلص أكثر فأكثر...

كما أن ارتفاع حرارة المحيطات يمكنها ان تؤدي الى اضطرابات واسعة للنظام الشامل للتيارات البحرية. ويؤدي ذلك الى "صعوبة اكبر في انخفاض المياه في المحيط الاطلسي الشمالي، وتكوين المياه العميقة المشار اليها، ويمكن أن يحدث، في أقصى الحالات، منعها بشكل كامل..."

ويتعمق ذلك أكثر من خلال التغذية المتزايدة بالمياه المتأتية من دوبان الثلوج التي تخفض من درجة الملوحة وانطلاقا من ذلك من درجة كثافة الماء.

العواقب المتوقعة هائلة:

• فتيار المحيط الاطلسي الشمالي والجزء الأكبر من الناقل الاطلسي للحرارة يتراجع وهو ما يقود إلى انخفاض سريع للحرارة النسبية لمنطقة المحيط الاطلسي الشمالي بدرجات متزايدة ... أما بالنسبة لنصف الكرة الأرضية الجنوبية فترتفع درجة حرارته بسرعة أكبر؛

• مستوى المحيط الأطلسي الشمالي ارتفع عمليا بسرعة الى متر واحد بينما انخفض بالنسبة للنصف الكرة الارضية الجنوبية؛

• تنتقل أحزمة تساقطات المناطق المدارية، إذا كان توزيع الحرارة مضطربا الى هذه الدرجة بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي...؛

• تراجع انتاج المياه العميقة يحد بشكل محسوس من المواد المغذية من الطحالب الدقيقة في المحيط الاطلسي الشمالي؛

وإذا أصبحت المواد المغذية تصعد أقل فأقل من المياه العميقة نحو السطح، فيمكن أن يحدث – في أقصى الحالات – ضعف في العديد من السلاسل المغذية في المحيط الاطلسي الشمالي؛

• حدوث خليط من تباطؤ شرائح المياه أدى أيضا إلى انخفاض في كثافة اوكسجين المحيطات ...؛

الكتلة الاحيائية لا تموت هكذا فقط، وإنما تتحلل الى مكونات كبريتية عالية التسمم والى مكونات أخرى عضوية وغير عضوية. وإذا انتقلت هذه الاخيرة في الهواء، فإن أساسات وجود الحياة ستعرف تدميرا حتى فوق الارض ...

إن التراكم وانتشار المخلفات البلاستيكية والتي لا تتحلل؛ تتحول الى مشكلة خطيرة تهدد وجود الأنظمة الايكولوجية البحرية. فانتاج اللوازم البلاستيكية تزايد ما بين 1950 و2008 بشكل صارخ بحجم 1,5 مليون طن بمعدل أكثر من 250 مليون طن في السنة ... وحسب مؤشرات السلطات الفدرالية الامريكية المتعلقة بالأرصاد الجوية وعلم المحيطات فهناك مئات الآلاف من السلاحف البحرية، كما أن هناك أكثر من مليون طائر بحري، وأكثر من 100.000 من الثدييات البحرية مثل عجول البحر وسمك الحوت اضافة الى العديد من الأسماك تموت بسبب متلاشيات البلاستيك ...

هناك أيضا العدد المتزايد من الجهات المحيطية القريبة من الشواطئ والتي تسمى "بمناطق الموت". فهي جهات ماتت بها عمليا جميع الأجسام، بسبب نقص الأوكسجين ... فقد بلغ عدد هذه الجهات 50 منطقة موت سنة 1960. وحتى اللحظة الحالية فإن عدد مناطق الموت تضاعف الى 500 منطقة، وتوجد على الخصوص قرب الشواطئ الامريكية والأوربية، ومؤخرا ظهرت قرب شواطئ أمريكا الجنوبية والافريقية ...

وحسب التقدير الانساني الحالي فان حالة الثلوت، والتسمم، وارتفاع الحرارة وارتفاع حموضة المحيطات، بلغت في جزء كبير منها مراحل قصوى نهائية. فلقد دامت على الأقل عشرات الآلاف من السنوات الى غاية المرحلة ما قبل الصناعية حيث اصبحت من جديد مصابة بعواقب نمط الإنتاج الرأسمالي.

وإذا كان توازن المحيطات قد تدهور دون كوابح، فإن لذلك آثارا سلبية على وحدة الانسان والطبيعة وتدخل ضمن عواقب الكارثة الايكولوجية الشاملة.


إن الايكولوجية الامبريالية المهيمنة هو رد رجعي اقتصادي وسياسي وايديولوجي على مقاومة الحركة الايكولوجية البروليتارية في العالم أجمع ضد الأزمة الايكولوجية الكوكبية.

وعن طريق اطلاق حملة ايكولوجية وهمية: من أجل اقتصاد سوق ايكولوجي أخضر – وذلك عبر مؤسسات كبرى للغسيل الأخضر «greenwasher» حيث تم تسويق معامل احراق المتلاشيات كاستعمال حراري كما تم تسويق ذلك ببلادنا في معامل الاسمنت التابعة لشركة لافارج المملوكة من طرف شركة أونا.

كما يتم التباهي بضغط ثان أكسيد كاربون CO2 كعامل من عوامل "حماية البيئة". كما يتم تسويق النفط الفلاحي كنفط بيولوجي وكمصدر للطاقة المتجددة، ثم اللجوء بكثافة الى بيع القواعد النووية كتكنولوجيا انتقالية... الخ.

إن هذه المناورات الامبريالية التي استهدفت التلاعب بالرأي العام العالمي كانت له عدد النجاحات، فقد تقلصت الحركة الايكولوجية البروليتارية اليوم على المستوى الدولي الى درجة العدم. بينما تتجه الاحتكارات الدولية المهيمنة نحو اعتماد انظمتها الدولية لاقتصاد الربح وسياسة القوة الامبريالية مع ما يصاحبها من عواقب الكارثة الايكولوجية الكوكبية التي تقترب.

تلك هي إذن بعض المؤشرات العامة عن اقتراب الكارثة الايكولوجية الكوكبية.

ثالثا: سيرورة التدمير الكارثي لوحدة الانسان والطبيعة على المستوى الوطني:

من المعلوم أن نمط الإنتاج الرأسمالي تم فرضه فرضا عن طريق الاستعمارين الفرنسي والاسباني وحلفائهما من الرجعية المحلية التي سهلت دخولهما. وسواء خلال الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية شكل المغرب موضوعا للاستغلال الرأسمالي الوحشي سواء من طرف الدولتين الاستعماريتين لتعزيز قوتهما العسكرية والحربية ولتغذية ميزانياتهما العمومية، أو من طرف فلول المعمرين الذين استوطنوا المناطق الفلاحية الخصبة وبالمدن الرئيسية وهيمنوا على الأراضي الخصبة وشرعوا في عمليات تصنيع تحويلية مرتبطة بالفلاحة، وبدأوا عمليات استغلال وحشي للإنسان والحيوان والنبات.

كما ساهمت العمليات الحربية الاستعمارية والتي دامت ثلاث عقود في مواجهة الجيوش الامازيغية المقاومة سواء بمنطقة الريف بقيادة الأمير عبد الكريم الخطاب أو منطقة الأطلس بقيادة موحا أو حمو الزياني أو منطقة الشرق بقيادة البطل عسو أوبسلام أو بمنطقة الجنوب بقيادة الهبة ماء العينين، في الحاق دمار كبير بمناطق العمليات الحربية بلغت درجتها بمنطقة الريف مستوى الجرائم ضد العنصر البشري نظرا للجوء القوى الاستعمارية الفرنسية والاسبانية مسنودتين بقوات برتغالية الى أسلحة محرمة دوليا قتلت المئات وأصابت المئات أيضا بالتشوهات الخلقية وحيث لا زالت تعرف المنطقة بمستويات عالية من مرض السرطان.

إن الاستقلال الشكلي وتسليم مفاتيح البلاد الى الاعيان والقوى البرجوازية المحلية سيفتح المجال منذ سنة 1956 المجال أمام صراع طبقي متصاعد بسبب الاستغلال والنهب واضطهاد الطبقات الشعبية المسحوقة من طرف تحالف طبقي متعطش للتراكم البدائي لرأس المال. فطيلة عقد الستينات وعقد السبعينات من القرن الماضي مورست في البوادي المغربية كافة أساليب الاستغلال الفلاحي الهادفة فقط لانتاج فلاحي معدود على عدد الأصابع موجه خصوصا نحو التصدير يتميز بقيمته المضافة المرتفعة.

ويتميز هذا الإنتاج الفلاحي المعدود والموجه نحو التصدير الى الأسواق أوروبا خاصة بتدميره أولا للأمن الغذائي الوطني عبر تقليصه لمساحات الأراضي ذات الإنتاج المتنوع والمخصص للامن الغذائي. كما يتميز هذا الإنتاج بحاجته المكتفة للمياه الجوفية مثل منتجات الحوامض والتي استنزفت الفرشة المائية حد الاتلاف. كما تم اللجوء لتلبية حاجة هذه الزراعات التصديرية الى بناء عدد من السدود على كافة الأنهار المغربية والتي كان لها تأثير خطير على التوازن الايكولوجي والمناخي بالبلاد.

فقطع الأنهار بواسطة السدود أوقف تدفق صبيب الأنهار الطبيعي فوق السهول في طريقه الى البحر، مما تبدلت معه اشكال الحرارة والبرودة والضغط الجوي مما قلص التساقطات المطرية بشكل كبير منذ سنة 1975، أي مع نهاية بناء المجموعة الرئيسية من السدود. وانطلاقا من هذه الظاهرة تعرض الآلاف من الفلاحين الفقراء الى الافقار بسبب ندرة المياه وأيضا بسبب الشروط الفاحشة للقرض الفلاحي التي تتحول الى كوابيس مع توالي سنوات الجفاف وعجز الفلاحين الفقراء عن سداد ديونهم.

كما أنه على الرغم من العائدات المرتفعة من الاستغلال الفلاحي الموجه نحو التصدير فلم يستتمر جزء من هذه العائدات في تشييد البنيات التحتية في العالم القروي بل ظل الفلاحون الفقراء عرضة للجهل والامية وانعدام مصحات العلاج. وقد ظلت البادية المغربية محاصرة بالتهميش والامية والامراض الى يومنا هذا مما رفع معدلات الفقر والامية في العالم القروي.

ان السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في المغرب والتي تقوم على براديغم نمط الإنتاج الرأسمالي والفكر الايكولوجي البرجوازي الذي يجعل بيئة الكائنات الحية موضوعا للاستغلال والاغتناء بشكل لا أخلاقي مدمر لوحدة الانسان والطبيعة. ويكفي الرجوع الى بعض واجهات التدمير الايكولوجي البرجوازي لوحدة الانسان والطبيعة للوقوف على سيرورة هذا التدمير المتجه نحو الكارثة الايكولوجية، رغم كل ما يقال على ان نسبة مساهمة المغرب في الاحتباس الحراري والتلوث لا يتجاوز 4 % .

فهناك الاستغلال الوحشي لمقالع الرمال سواء منها المكشوفة على الأرض والتي تترك ورائها دمارا بيئيا كارثيا لم تسلم منها أية مدينة مغربية، حيث يعلم الجميع بسكان الكاريانات، والتي كانت في الأصل مقالع للرمال والحجارة وتحولت بعد ذلك لاسكان سكان البوادي المهاجرين نحو المدن الكبرى بحثا عن العمل بعدما دمر نمط الإنتاج الفلاحي الرأسمالي قراهم باستنزاف الفرشة المائية وتعاقب سنوات الجفاف التي تسببت فيها سياسة السدود المخصصة لسقي المنتجات الفلاحية التصديرية.

ان امتداد أصحاب رخص مقالع الرمال المستغلة في البناء الى شواطئ المدن، في ما يسمى بعمليات الدراكاج والمتمثلة في بواخر عائمة ترسوا باستمرار في مصب انهار المدن كشاطئ المهدية مثلا، وحيث تشكل تلك البواخر عبارة عن معامل لجرف الاتربة من قاع الشواطئ ، فقد تسببت هذه العمليات في القضاء على العديد من أنواع الأسماك وفراخها حيث هناك باستمرار بقع من الدماء بالقرب من تلك البواخر. وقد أثر هذا الاتلاف البشع للثروات البحرية في مصب الأنهار على مصدر رزق الصيادين الفقراء الذين عاشوا على تلك الشواطئ لقرون، حتى انطلق الاستغلال الرأسمالي الوحشي لمقالع الرمال بشواطئ المدن. بل أصبح شاطئ المهدية مثلا بسبب الحفر العميقة التي تخلفها عمليات الدراكاج يعرفا ارتفاعا متواترا في عدد الوفيات الغرقى نتيجة ظهور تيارات قوية بسبب تلك الحفر.

مظاهر أخرى من التلوث تعرفه شواطئ الجرف الأصفر ومدينة آسفي، فبسبب افراغ أطنان من المواد الكيماوية الناجمة عن تصنيع الفسفاط في البحر حول مدينة آسفي مثلا من مدينة جميلة عريقة بقرية صياديها حيث كان يقصدها المغاربة من كافة المدن لتدوق لذة أسماكها الطرية إلى مدينة شبح تغطيها النفايات وفقر صياديها وتلوت البحر بالمياه العادمة للمكتب الشريف للفسفاط وهو ما طرد الأسماك أو قتلها.

وتدخل المناجم ضمن المناطق البيئية السوداء سواء مناجة جرادة أو جبل عوام أو اميضر حيث يستغل الرأسمليون مالكي تلك المناجم لعقود طويلة بعضها منذ العشرينات من القرن العشرين وحيث تقدر عائداتها بالملايير، الا انها تمتنع امتناعا باتا عن تجهيز المناطق المحيطة بتلك المناجم بالبنيات التحتية الأساسية رغم الاضرار الكبيرة التي تتسبب فيها بسبب المواد الكيميائية التي تستعملها كمناجم ايميضر مثلا.

من الأخطار البيئية الجسيمة التي تتهدد بلادنا ما حدث خلال نفس سنة انعقاد مؤتمر الأطراف 22 بمراكش، فالحدث الأول تمثل في تلك الصفقة التي أجرتها وزيرة البيئة حكيمة الحيطي مع فرنسيين وايطاليين لاحراق الأطنان من العجلات المتلاشية وأطنان من الازبال الإيطالية في معامل الاسمنت بدعوى مستواها الحراري. لكن الامر كما تحدثت عن ذلك جل الصحف يتمثل في احراق ازبال يعتبرها البرلمان الأوروبي مسمومة وتمت بمقابل منح المغرب من طرف الايطاليين ما قدره 181 مليون أورو لاحراق حوالي 6 مليون طن من الازبال الإيطالية المسمومة.
الحدث الثاني هو ابرام الحكومة حوالي ثلاثين اتفاقية مع كبريات الشركات البترولية العالمية من بينها الشركات الصينية للقيام بعمليات التكسير الهدروليكي لاستخراج غاز الشيست علما ان هذه العمليات ستدمر وتلوت بشكل نهائي الفرشة المائية المغربية نظرا لان التكسير الهيدروليكي يحتاج الى استعمال كميات هائلة جدا من المياه الجوفية مخلوطة بحوالي 700 مادة كيماوية قاتلة تسمم المياه والتربة والهواء.

ان مخاطر السياسات البيئية المعتمدة ببلادنا يجعل منها سياسات مجرمة لا أخلاقية تجب مقاومتها بكافة السبل من طرف المنظمات الايكولوجية الجادة إن وجدت.

رابعا: المؤتمرات متعددة الأطراف وتسويق وهم الاقتصاد الأخضر

كما أشرنا الى ذلك أعلاه، يعتمد نمط الإنتاج الرأسمالي على قانون الملكية الخاصة والذي ارتقى به الى مرتبة المبدأ الحقوقي الكوني بل جعلت منه البرجوازية المهيمنة الحق الذي لا يعلو عليه أي حق آخر بحيث أصبح كحق مقدس. فمن خلال هذا الحق تتملك البرجوازية وسائل الإنتاج وأيضا الأرض والمياه والهواء والمصادر الاقتصادية المنبثقة عنها.

ونظرا لأن مصادر الأرباح الرأسمالية تتأتى عن طريق التحكم في قوانين الطبيعة أولا ثم ثانيا عن طريق استغلال قوة العمل الإنساني في تحويل موارد الطبيعة الى سلع تباع وتشترى، فإن تعطش الرأسمالية للأرباح فرض عليها الاستغلال المستمر والمتزايد لهذه الموارد من أجل انتاج السلع وكافة حاجيات الإنسانية بكميات هائلة تقدر اليوم بأربعة عشرة مرة حاجيات سبعة ملايير نسمة.

ولنتخيل حجم التدمير الذي يحدثه هذا النمط الانتاجوي على الطبيعة لمضاعفة الأرباح، وأيضا حجم التلويث وحرمان شعوب بكاملها من المياه والامن الغذائي من أجل الإنتاج الرأسمالي. لكن واقع التدمير البيئي المنهجي الذي تجاوز مرحلة الأزمة الايكولوجية الشاملة وبلغ أواسط مرحلة الكارثة الايكولوجية الكوكبية أثار العلماء والشعوب منذ عقد السبعينات، لذلك كان على الامبريالية أن تلتف على مطالب العلماء والشعوب وتفتح نقاش طويل عبر العديد من المؤتمرات الى غاية الشروع في عقد مؤتمر الأطراف سنة 1996، وقد أثمر التفاف الامبريالية على نقاشات الحكومات والعلماء أن تلك النقاشات لا تتطرق للمسؤولية المباشرة لنمط الإنتاج الرأسمالي وبالتالي تمكنت من تقديم العديد من الحلول الزائفة التي لا ترقى الى إيقاف استمرار عمل هذا النمط الإنتاجي.

وحتى تنشغل الحكومات والمنظمات الايكولوجية عن توجيه الاتهام لنمط الإنتاج الرأسمالي المسؤول الرئيس عن تدمير وحدة الانسان والطبيعة، فقد أبدعت الدوائر الرأسمالية العديد من المشاريع التي تنعت بالخضراء، وعبر هذه المشاريع خلقت الرأسمالية لنفسها مجالات جديدة لتأويج أرباحها دون أن يحدث أي تغيير في اسلوبها الإنتاج.

البنية الهرمية للنظام الإنتاجي الرأسمالي العالمي الجديد أصبح يهيمن على المستويين الاقتصادي والسياسي، ومن خلال هذه الهيمنة يتم الحاق كافة التعبيرات السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية والايكولوجية بنفس الخطاب الايكولوجي البرجوازي الذي ينخرط في دوامة الغسيل الأخضر، بينما مؤشرات الكارثة الكوكبية تتقدم وأصبحت تهدد البشرية بالفناء المحتوم.

هذا ما يحدث في بلادنا أيضا، فهيمنة الرأسمال المالي العالمي والرأسمال المحلي والذي يمارس تراكمه الرأسمالي البدائي محليا بكل وحشية، استطاع عبر الهيمنة السياسية المطلقة للقصر على مختلف الأحزاب والمركزيات النقابية وبالتالي على الساحتين الثقافية والايكولوجية، تحييد هذه الاشكال وجعلها تقوم بمسرحيات هزلية على شكل أغلبية ومعارضة شكلية وعدم السماح بأية مبادرة سياسية أو نقابية أو ثقافية وايكولوجية مستقلة عن هذه الهيمنة الفوقية.

وقد أحس أعضاء الشبكة الديموقراطية لمواكبة كوب 22 ، بهذه الهيمنة بشكل مباشر منذ شهر يوليوز 2016 حينما استدعى المسؤول عن قطب المجتمع المدني ادريس اليازمي وفدا من الشبكة لكي يطالبهم بشكل صريح ان يغيروا أرضية الشبكة أولا وهي الأرضية التي تشير الى المسؤولية الرئيسية لنمط الإنتاج الرأسمالي عن تدمير وحدة الانسان والطبيعة. ثم طالب الشبكة ثانيا اتخاذها موقفا إيجابيا من نتائج مؤتمر الأطراف 21 المنعقد في باريس شهر نونبر 2015.

إن هذا المثال كاف ليبين كيف أن الرأسمال المالي العالمي والنظام القائم بالمغرب يرفضان رفضا باثا السماح لمنظمات شعبية توجه الاتهام مباشرة لمسؤولية نمط الإنتاج الرأسمالي عن التدمير البيئي. ونظرا للطابع الاستبدادي للنظام القائم في المغرب فقد كان من السهل ابعاد الشبكة عن المشاركة في المنطقة الخضراء حتى لا تنشر افكارها الى جانب المنظمات الأخرى المحلية والعالمية. كما لم يعر الأمين العام للأمم المتحدة أي اهتمام لشكاية الشبكة ضد هذا الاقصاء الاستبدادي للشبكة.


خامسا: رهانات الشبكة الديموقراطية لمواكبة كوب 22

عندما تأسست الشبكة الديموقراطية لمواكبة كوب 22 في شهر ماي 2016، من طرف 20 منظمة محلية ومنظمتين دوليتين، فكان الجميع على وعي تام بخطورة النضال البيئي. وقد ظهرت هذه الخطورة بسرعة مع انفجار فضيحة اتفاقية استيراد 6 مليون طن من النفايات السامة من إيطاليا لإحراقها في معامل الاسمنت المغربية مقابل حوالي 181 مليون أورو. فتأجيج الاحتجاج والرفض لاستيراد النفايات الى المغرب لاجل احراقها أقلق الكثير من الرأسماليون المستفيدون فبدأت بعمليات ومحاولات الالتفاف على الاحتجاجات عبر عقد ندوات تفسيرية وعبر تدخل وزارة الداخلية التي استدعت الشبكة لمحاولة استمالتها للاطروحات الرسمية كما تعرض بعض أعضاء الشبكة لتهديدات مباشرة وغير مباشرة للتوقف عن عرقلة استيراد النفايات الإيطالية.

سطرت الشبكة منذ البداية استراتيجيتها لغزو كوب 22 بأطروحات مناهضة لزيف الحلول التي تقدمها الحكومات خلال انعقاد المؤتمر، لذلك قدمت الشبكة طلبها رسميا شهر يوليوز 2016 للمشاركة في المنطقة الخضراء باثني عشرة أطروحة إكولوجية تقدمها الشبكة من خلال تنظيم اثني عشرة ندوة داخل المنطقة الخضراء. لكن بعد استدعاء اليازمي لوفد من الشبكة ورفض الشبكة شروطه الهيمنية، الغى المنظمون سبعة من ندوات واحتفظ فقط بخمسة مع رفض السماح بالوسائل اللوجستيكية لتنظيم تلك الندوات. ونظرا لعدم قدرة الشبكة الاعتماد على ذاتها لتنظيم تلك الندوات فقد توصل أعضاء الشبكة قبيل انعقاد كوب 22 أي شهر نونبر 2016 الى اتخاذ قرار مقاطعة اشغال المنطقة الخضراء بالمؤتمر وتنظيم ندوة دولية خارج الكوب أي عشية افتتاحه بمراكش يوم الأحد 06 نونبر 2016، وقد أجمعت مختلف الجنسيات المشاركة فيها بالإضافة لمكونات الشبكة على افلاس مؤتمرات الأطراف وعن مسؤولية نمط الإنتاج الرأسمالي عن تدمير وحدة الانسان والطبيعة.

وكانت هذه الخلاصات هي نفسها التي جعلت المسيرة الدولية ليوم الاحد 13 نونبر 2016 تكون صاخبة بأصوات التنديد الجماهيري بفشل مؤتمرات الأطراف الزائفة وبمسؤولية نمط الإنتاج الرأسمالي عن تهديد الحياة على سطح الأرض.

https://www.youtube.com/watch?v=bbiRvgahvGU

لكن التعبئة الجماهيرية ضد مسؤولية نمط الإنتاج الرأسمالي عن تدمير وحدة الانسان والطبيعة لم تبدأ يوم 6 نونبر 2016 مع انعقاد الندوة الدولية بل انطلقت منذ تأسيس الشبكة في 30 مايو 2016، حيث تمكن أعضاء الشبكة من تنظيم ندوات جماهيرية في حوالي 30 مدينة مغربية، مكنت من تأسيس خمسة عشرة شبكة ديموقراطية بيئية محلية. وكانت تقدم في كل مدينة عروضا بيئية مهمة تفتح نقاشات عميقة. وتتمثل العروض التي عمل أعضاء الشبكة على تقديمها في كل مدينة على حدة في المواضيع التالية:

1 – عرض عام لمنسق الشبكة حول مفهوم البيئة وتاريخ الكرة الأرضية وظهور الإنسانية والتهديدات التي عرفتها الكائنات الحية قبل مجيئ نمط الإنتاج الرأسمالي. ومعالم التدمير الذي دشنه نمط الإنتاج الرأسمالي. ثم سيرورة تطور الازمة الايكولوجية الشاملة نحو مرحلة الكارثة الكوكبية. ثم سيرورة ظهور الشبكة الديموقراطية لمواكبة كوب 22.

2 – عرض حول البيئة المحلية بكل مدينة على حدة يقدمها أحد المناضلين المحليين.

3 – عرض لأحد أعضاء السكرتارية الوطنية أو السكرتارية المحلية حول دور نمط الإنتاج الرأسمالي في تدمير وحدة الانسان والطبيعة ومظاهر هذا التدمير.

4 – عرض لأحد أعضاء السكرتارية الوطنية أو المحلية حول سيرورة تطور مؤتمرات الأطراف ومحدودية نتائج هذه المؤتمرات والنضالات التي خاضتها الجماهير في هذا الإطار.

تلك إذن هي طبيعة العروض التي كانت تقدم والتي كانت تسجل على اليوتوب ويمكن لأي مهتم العودة اليها في موقع الشبكة التالي: http://www.redacop22.org، وقد شكلت هذه العروض التي كانت تتكامل فيما بينها أرضية للنقاش مع الجماهير وأسلوب للرفع من مستوى الوعي البيئي والطبقي على حد سواء.

ولا زال كافة أعضاء الشبكة يعترفون بأن العمل الأساسي الذي قامت به الشبكة هي زيارة تلك المدن وتأثير الوعي الطبقي في العديد من المناضلين الذين اصبحوا يدركون رهانات الثورة على النظام الرأسمالي والطي أصبح هو المخرج الوحيد أمام الإنسانية. ونظرا لانفتاح هذه الندوات على الجماهير العريضة من خلال الانترنيت، فقد ترسخت فكرة مواجهة نمط الإنتاج الرأسمالي وأيضا مواجهة الكوب 22 بمراكش.

إن السمعة النضالية الجيدة التي اكتسبتها الشبكة الديموقراطية لمواكبة كب 22 لدى المنظمات المحلية والدولية المناضلة هي التي جعلت الجماهير المحتجة خلال المسيرة الدولية بمراكش يوم 13 نونبر يكون لها صوت واحد في التنديد بالنتائج الفاشلة لكوب 22 وما سبقها. كما شكلت هذه السمعة النضالية فرصة لبلورة نداء مراكش والذي وقعت عليه العديد من المنظمات المغربية والدولية. وفي ما يلي مضمون نداء مراكش.

إعلان مراكش

ضد قمة الحلول الزائفة،
من أجل بدائل حقيقية تحافظ على التوازنات البيئية وتضمن العدالة المناخية
ومن أجل مستقبل مستدام وعادل للشعوب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نحن التنظيمات والحركات الاجتماعية، الديمقراطية والتقدمية المحلية والقادمة من مختلف القارات، المناهضة لما تتعرض له البيئة من تدمير متواصل، المتابعة للدورة 22 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، المنعقد بمراكش من 07 إلى 18 نونبر 2016، والذي يعتبره المنظمون “مؤتمرا للعمل” أو “مؤتمرا للزراعة”؛

وبعد تتبعنا لمسار تحضير هذه القمة ووقوفنا على السياق الذي تلتئم فيه، فإننا نسجل ونعلن ما يلي:

انعقاد هذا المؤتمر في سياق دولي مطبوع بالهيمنة الإمبريالية والرأسمالية وهي الهيمنة التي أدت إلى تسييد نمط إنتاج وتوزيع وقيم استهلاك أوصلت الأرض إلى وضع بيئي خطير، تقود الكوكب إلى كارثة محتومة بسبب استمرار ارتفاع درجة حرارته إلى مستوى ينذر بتدمير مقومات استمرار الحياة البشرية.

استمرار هيمنة الشركات الكبرى الملوثة مدعومة بالدول المصنعة وحلفائها التابعين، على سيرورة اتخاذ القرار خلال هذه القمة على غرار سابقاتها، مما سيجعلها مناسبة جديدة لإصدار توصيات وقرارات غير كافية وغير ملزمة وآليات مزيفة هدفها الالتفاف على مطلب إقرار العدالة المناخية الفعلية.


اعتبار مقاربة قمة مراكش لموضوع العدالة المناخية قاصرة عن تفادي سيناريو الكارثة، نظرا لارتهانها لمصالح مجموعات الضغط الهادفة إلى حماية مصالح وأرباح الشركات الكبرى والبلدان الملوثة.

اعتبار عجز المنتظم الدولي عن إصدار قرارات تؤدي إلى الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى مستويات مقبولة، دليلا جديدا على عجزه وعلى وجوب تغيير طرائق عمله وتحريره من قبضة الدول ومجموعات المصالح الدولية التي تتحكم في قراراته بقدر يمنع قيام العدالة المناخية.

اعتبار تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني من استنزاف موارده الطبيعية، واحتلال أراضيه وسرقة مياهه، والتحكم في غذائه من طرف الكيان الصهيوني، دليلا قاطعا على دور الاستعمار في تخريب البيئة وتبديد مقدرات الشعوب. وبهذه المناسبة نساند كفاح الشعب الفلسطيني من أجل استرجاع موارده وأراضيه المحتلة وتقرير مصيره عليها، ونطالب بتعويض كل الشعوب التي عانت من تخريب بيئتها وسرقة مقومات رفاهها في فترات احتلال بلدانها، باعتبار ذلك “دينا اقتصاديا وإيكولوجيا” في ذمة الدول المستعمرة.

لذا فإننا نعتقد بأن البدائل الحقيقية هي تلك التي بإمكانها أن تحافظ على التوازن البيئي، وتحقق رفاه البشرية خارج منطق الربح والنمو الرأسمالي، مما يتطلب:

ربط العدالة المناخية بالعدالة الاجتماعية، مع ضمان كافة حقوق الإنسان وإقرار المساواة الفعلية بين الجنسين.

بدائل تقدمية، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على مبدأ وحدة الإنسان والطبيعة والقطع مع نظام الإنتاج والتوزيع الرأسمالي الباترياركي، وتضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها في كافة المجالات.

تمكين الشعوب من حقها في السيادة على مواردها الطبيعية وحقها في السيادة على الغذاء وعلى سبل ووسائل إنتاجه في إطار إصلاح زراعي شامل وديمقراطي يقوم أساسا على ضمان حق الفلاحين والفلاحين دون أرض في الولوج إلى الأرض والماء….

إقرار قوانين دولية ووطنية قادرة على ردع الحكومات والشركات الملوثة وضمان حقوق كافة المناطق والفئات المتضررة من الآثار المدمرة الناتجة عن الاحتباس الحراري.

وقف استخراج مصادر الطاقة الأحفوري لدورها المؤكد في رفع درجة حرارة الأرض، والتراجع الفوري عن المتاجرة بالكربون التي تشكل غطاء لمواصلة الاجهاز على حقوق شعوب دول الجنوب وخاصة الطبقة العاملة والفلاحين الصغار والنساء والمهاجرين والشعوب الأصيلة.
إننا نحن التنظيمات والحركات الاجتماعية الديمقراطية الموقعة على هذا الإعلان، إذ نعرض لما تقدم، فإننا نعتبر فرض هذه البدائل وغيرها من الحلول التي تقوم على القطع مع المنطق الرأسمالي السائد وجشعه، لا يمكن أن يتأتي إلا من خلال النضال الأممي والمحلي الوحدوي الكفيل بترجيح موازين القوة لصالح الشعوب.

وعليه فإننا ندعو جميع القوى المناهضة لتدمير البيئة ولكافة أشكال الغطرسة الإمبريالية لتشكيل جبهة عالمية موحدة، غايتها مواجهة تداعيات هذه الهيمنة على كافة المستويات والتصدي لآليات تحكمها المالية والاقتصادية والسياسية في القرار الاممي وفي مصير الشعوب؛ ومن أجل فرض الحلول والبدائل الحقيقية التي تشيد عالما بدون متاجرة في الكربون وبدون فقر وبدون استغلال، وتمكن الشعوب من تنمية مستدامة وعادلة.

عاشت الشعوب، موحدة، مكافحة
ومتضامنة من أجل التحرر

مراكش في 17 نونبر 2016

المنظمات المناضلة محليا ودوليا مدعوة للتوقيع على هذا الإعلان عبر ارسال موافقتها الى العنوان الالكتروني التالي: [email protected]



بدلا من الخاتمة:

تلك إذن هي مغامرة النضال البيئي في مواجهة نمط الإنتاج الرأسمالي وفي مواجهة الحكومات والشركات متعددة الاستيطان التي أشرفت ولا زالت تشرف على المؤتمرات متعددة الأطراف من أجل تلغيمها وابعادها عن كل ادانة مباشرة لنمط الإنتاج الرأسمالي حتى يضل الملوثون الكبار مستمرون في جرائمهم.

لقد جربت الشبكة الديموقراطية لمواكبة كوب 22، النضال الايكولوجي البروليتاري في مواجهة الأيديولوجية الايكولوجية البرجوازية، وقد كانت هذه المهمة صعبة على واجهتين، الأولى خطورة النضال الايكولوجي البروليتاري في مواجهة الايكولوجية الامبريالية نظرا لأنه يفضح جرائمه البيئية وبالتالي يصبح الاقصاء والتصدي والتهديدات اليومية واردا بقوة. الواجهة الثانية بعد المناضلين الثوريين عن فهم رهانات النضال البيئي البروليتاري الثوري وإمكانية ادماجه ضمن الصراع الطبقي اليومي للبروليتاريا، وبالتالي جعل هذا العجز عن الفهم الكثير من المناضلين يتحولون الى أعداء مجانيين لنضال الشبكة بل والعمل على تفجيرها بوسائل شتى.