المجتمع المدني والتجاذبات السياسية


محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5348 - 2016 / 11 / 20 - 13:32
المحور: القضية الفلسطينية     

المجتمع المدني و التجاذبات السياسية
بقلم / محسن ابو رمضان

تتميز منظمات المجتمع المدني في فلسطين بانها نشأت قبل منشأ السلطة الوطنية و قد لعبت دورا في تعزيز فلسفة التنمية من اجل الصمود، و استكملت ذلك بعد تأسيس السلطة باتجاه البناء و صيانة مضمون البناء باتجاه يرتكز على مفاهيم الديمقراطية و حقوق الانسان.
كانت المنظمات الاهلية و ما زالت من أكثر القوى الاجتماعية تضررا من حالة الانقسام و تعطل عمل المؤسسات التمثيلية الجمعية و في المقدمة منها المجلس التشريعي حيث ادى ذلك الى تحجيم دورها بالضغط و التأثير باتجاه ارساء سياسات و تشريعات تنتصر لمصالح الفقراء و المهمشين الى جانب قيم الديمقراطية و حقوق الانسان، حيث سادت اليات من الادارة المركزية بدلا من المشاركة و المساءلة، الامر الذي ادى الى تقليص المساحة الديمقراطية، و خاصة بعد تبدد الآمال الناتجة عن امكانية نجاح اجراء انتخابات البلديات و ذلك عبر توقفها، حيث كان ينظر لها بانها تشكل خطوة على طريق العودة الى ارادة المواطن و صندوق الاقتراع و باتجاه يساهم في توفير المناخات الرامية لإجرائها لكل من الرئاسة و المجلسين التشريعي و الوطني.
تواجه المنظمات الاهلية العديد من التحديات ابرزها استمرار الاحتلال و الحصار و العدوان، و الذي حول قطاع غزة الى حالة انسانية يعتمد 80% من سكانه على المساعدات الغذائية بالإضافة الى التحديات الناتجة عن الحصار و العدوان في اطار سياسية احتلالية ممنهجة تهدف الى تعثر عملية الاعمار و تخليف قطاع غزة ودفعه القهقري عشرات السنين الى الوراء، خاصة في سياق تدمير البنية التحتية و المرافق الانتاجية و تعطيل ديناميات التنمية والانتاج، الامر الذي فاقم من الازمة الانسانية و الاجتماعية و ادى الى ارتفاع غير مسبوق بنسب الفقر و البطالة خاصة بين صفوف الشباب.
ساهم الانقسام في اضعاف دور المنظمات الاهلية في مجال الضغط و التأثير و صيانة مبادئ التنمية المبنية على الحقوق، الامر الذي ادى الى اضعاف دورها التنموي و الحقوقي و الثقافي و استبداله بالدور الاغاثي و الخدماتي.
لعبت بعض المنظمات الدولية الغير حكومية سواء بشكل مقصود او غير مقصود على اضعاف منظمات العمل الاهلي حيث انتشرت عشرات المنظمات الدولية التي حلت محل دور المنظمات المحلية، علما بأن هناك بعض المنظمات التضامنية ما زالت تعمل مع المنظمات المحلية باتجاه تقويتها و تمكينها.
يشهد المجتمع الفلسطيني و خاصة النظام السياسي حالة من التشرذم الناتجة عن استمرار الانقسام السياسي بين حركتي فتح و حماس و قد تفاقمت هذه الحالة و ازدادت حدتها في اطار الصراع الداخلي في حركة فتح ذاتها الامر الذي سيؤثر على مجمل مسيرة العمل الوطني الفلسطيني خاصة اذا ادركنا قوة و تأثير و نفوذ حركة فتح في بنية النظام السياسي و خاصة لدى كل من السلطة و المنظمة.
و في ظل هذه الاجواء من الاحتقان و التوتر في بنية حركة فتح من جهة و بين حركة فتح و حركة حماس من جهة ثانية، فما هو الدور الذي من الممكن ان تقوم به منظمات العمل الاهلي كجزء من قوى المجتمع؟ ، وهل مطلوب منها ان تنحاز لأياً منها ؟؟
أعتقد أن أحد مراكز القوة للمنظمات الاهلية كجزء من نسيج المجتمع المدني تكمن في استقلاليتها و عدم انحيازها لهذا الطرف السياسي أو ذاك و لذلك فعليها عدم التأثر من حالة التجاذبات السياسية الحادة التي يشهدها المجتمع الفلسطيني، حيث سيساهم ذلك في ابقائها قوة معنوية و أخلاقية قادرة على رفع الصوت باتجاه البناء و الوحدة و تصويب المسيرة بما يخدم المصلحة الوطنية.
وعليه فمن الهام العودة الى مبادئ المجتمع المدني كمرتكزات يمكن الاستناد لها في أي جهد او عمل او مسار قد تقدم عليه هذا المنظمات.
والمرتكزات التي يمكن الاستناد لها هي بسيطة و لكنها رئيسية و راسخة و منها الاستناد الى اهمية الوحدة الوطنية ليس فقط كشرط لمواجهة الاحتلال و لكن كضرورة ايضا لتعزيز الشراكة السياسية و اتخاذ القرارات الجماعية لإدارة الصراع الوطني وصولا لتحقيق اهداف شعبنا وفق رؤية استراتيجية متوافق عليها.
ولعل المرتكز الثاني الى جانب الوحدة الوطنية يكمن بالديمقراطية بمعنى ارساء حكم ديمقراطي تعددي يستند الى مبادئ سيادة القانون و الفصل بين السلطات و احترام الحريات و مبادئ حقوق الانسان، الامر الذي يتطلب الدفع باتجاه اجراء الانتخابات الدورية لكل الهياكل و المؤسسات والاطر المجتمعية و كذلك التمثيلية الفلسطينية و بالاستناد الى عقد اجتماعي مبني على فلسفة المواطنة و المساواة و عدم التمييز.
وبالوقت الذي من الهام ان تدفع المنظمات الاهلية باتجاه تحقيق نظام ديمقراطي موحد فإنها يجب ان تتفاعل ايجابيا مع أية مبادرات محلية او عربية قد تساهم في تخفيف الاعباء عن شعبنا في قطاع غزة، الامر الذي سيساهم في تعزيز آليات الصمود و الاندماج في آليات التنمية و في بناء ثقافة قائمة على مفاهيم التسامح و احترام الاخر بما سيعمل على تعزيز السلم الاهلي .
ان تشكيل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها م.ت.ف التي يجب ان يشارك بها الجميع، هي مخرجات هامة للمرتكزات الفكرية التي تستند لها منظمات المجمع المدني، بما يعني ضرورة أن تحافظ على مبدأ استقلاليتها و عدم الانحياز لأي من التجاذبات السياسية التي تعكس استمراريتها أزمة بنيوية حادة لدى النظام السياسي الفلسطيني، لا يمكن الخروج منها بدون تنفيذ اتفاق القاهرة والعودة لصندوق الاقتراع لتجديد الشرعيات و اضفاء الحيوية من جديد على المؤسسات التمثيلية الفلسطينية .
وبالوقت الذي تعتبر منظمات المجتمع المدني قوة اقتراع من خلال حثها على اجراء الانتخابات وثقافة التعددية والمشاركة فإنها تعتبر ايضا قوة اقتراح بمعنى قدرتها على تقديم التصورات لاهم السياسات و البرامج التي تساهم في ترسيخ الوحدة و بناء منظومة الحكم الديمقراطي الرشيد.
ان الاستقلالية و الحيادية في مرحلة تزداد بها حدة التعارضات الداخلية سيحافظ على هذه المنظمات وقدرتها الاخلاقية والمعنوية و سيعزز من فرص قيامها بتقديم المبادرات والاقتراحات التي ربما تساعد في تخفيف حدة الاحتقان واعادة ترميم و بناء النظام السياسي على أسس مبنية على الشراكة و الديمقراطية و تجنب الاقصاء.