قحطانيات9: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5347 - 2016 / 11 / 19 - 18:26
المحور: الادب والفن     

بنية المسألية
المسألية هي علم طرح المسائل، وهي في السياق الذي نحن فيه تدور حول الأرثوذكس، ومما لديهم من مريب ومشكوك فيه، فيركز القحطاني على مسألتين، مسألة التجسد الإلهي، ومسألة الله الكلمة، آتيًا البيوت من أبوابها، عندما ينقل عن الموقع القبطي، موقع الأنبا تكلا، ما يريد أن يدحضه في الفكر الديني المتعلق بالكنائس الشرقية، تحت حكم إشكالي، والحكم الإشكالي هو حكم غير نهائي في علم اللاهوت، عماده الحجج الجدلية.

تصور وسط بين المعنى المجرد والإدراك
فلنقرأ ما ينقله الكاتب عن التجسد الإلهي: "يعني أن الله وهو ملك السموات والأرض قد تنازل وأخذ جسدا إنسانيا !! ، فاتحد بطبيعتنا ، وظهر بيننا على الأرض !! ، وأن الله غير المنظور قد صار منظورا في جسد الإنسان !! ، وأن الله تواضع حبا فينا !! وأخلى ذاته - أخذ صورة عبد صائرا في شبه الناس ! وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه ! وأطاع حتى الموت !!!!! - وأخذ جسدنا !!" ما يهمنا التصور الذي يريد أن يدحضه القحطاني لدى الأرثوذكس الأقباط، والذي يفترض أن للقحطاني تصورًا معارضًا، غير وسط بين المعنى المجرد والإدراك، لا يقوله، لكننا نحدسه، علامات التعجب المضافة إلى النص الأصلي خير دليل على ذلك. وإلى حد الآن، لا يوجد إثبات بالقرائن، لا يوجد نقض كمفهوم في علم المنطق، لا توجد قضية مُسَلَّمة مقابل قضية مُسَلَّمة، يوجد زمن كُمُون، وهي الفترة الفاصلة بين التنبيه والاستجابة في علم النفس. بشكل غير مباشر، ينذرنا النص بما يحمل من كلام، فلا نبتلع ما جاء فيه، ويتركنا قابعين على عتبة الانتقالية، والانتقالية لمن يريد أن يعلم هي صفة ما هو انتقالي.

محور الانتقالية
الوظائف التي تدل على التجسد الإلهي في الاستشهاد السابق: الله يأخذ جسدًا إنسانيًا، الله يصير منظورًا، الله يتواضع حبًا فينا... إلى آخره، لا تتحدد إلا عن طريق الانتقالية كمحور لنفس الوظائف التي تدل على الله الكلمة. فلنقرأ ما ينقله الكاتب عن الله الكلمة: "الله الكلمة أقنوم الابن صار إنسانا وحل بيننا ! وكلمة صار لا تعني هنا الصيرورة أو التحول !! بل هي تعني حرفيا أخذ جسدا !! ، فأقنوم الابن الله الكلمة أزلي لا يتغير ولا يتحول بل هو ثابت !! ، وكل ما حدث هو أنه أخذ جسدا !! ليحل بيننا بصورة حسية فنسمعه ونراه !! وأقنوم الابن لم يتجسد فقط ولكنه تجسد تأنس ، وهذا يعني أنه تجسد في جسم إنساني وأخذ الطبيعة الإنسانية كلها !! ، التجسد الإلهي لا يعني أن الله قد أخلى السماء من وجوده حين نزل على الأرض !! فوجوده يملأ السموات والأرض !! وإنما أخلى ذاته من المجد !!! هذا الأمر دخل في دائرة قدرة الله ! وليس فيه صعوبة أو غرابة !! لأن الذي يملك الأكثر يملك الأقل !!! أليس في قدرة الملك أن يلبس رداء العمال ويجلس بينهم ويتحدث إليهم ؟!! أليس في قدرة المدرس أن ينزل إلى مستوى التلاميذ ويتحدث إليهم !! أليس في إمكان الرجل رفيع الشأن أن يتنازل ويسير مع عامة الناس ؟!!!" في الفلسفة الأقنوم هو الجوهر، الماهية، المادة، وفي علم اللاهوت هو الشخص، ولدى الأقباط الأرثوذكس، هو الله الكلمة شخص الابن. وظيفة الشخص أن يكون هو وأن يكون غيره، الله الكلمة الابن، وهي نفس الوظيفة من نفس الوظائف التي يتشكل منها محور الانتقالية، وكأننا لا ننتقل، أو أننا ننتقل فينا، حتى أن المفردات عن الله الكلمة الابن تكاد تكون واحدة، وهي في أغلبها مترادفات: ظهر بيننا (الله) حل بيننا (الابن)، أو متشابهات: أخذ جسدًا (الله) أخذ جسدًا (الابن)، أو متفارقات: أخلى ذاتًا (الله) أخلى السموات (الله)، هو في الواقع لم يخل السموات، تبرير الصيرورة، تبرير التواضع، تبرير الوجود، تبرير الملكية... إلى آخره.

التجسد كوظيفة فعالة
لماذا التجسد وفق منظور الأرثوذكس؟ سؤال يطرحه القحطاني بلسانهم، ويجيب عليه بلسانهم:
"لم يكن تجسد ابن الله هدفا في ذاته بل كان وسيلة لتحقيق أهداف عظمى وهي :
1 - فداء الإنسان
2 - تجديد خلقة الإنسان
3 - تعليم الإنسان الفضيلة والكمال وتقديم المثل الأعلى
4 - لأن الله غير قابل للموت بلاهوته ، أخذ جسدا قابلا للموت ، فيه ذاق الموت من أجل الجميع !!
إذا لا بد من التجسد لكي يتم الخلاص وفداء الإنسان !!!!!!!!!!!"
يقع التجسد إذن كصيرورة في الجسد لا تعني التحول ولكن التجسد لأجل التجسد، بما أن الله أزلي والابن أزلي، وذلك للمظاهر الأربعة السابقة، والتي هي أبعد ما يكون عليه من الأطوار: فداء، تجديد، تعليم، خلاص وفداء، وظائف تعبيرية ليس إلا، يطرب الأرثوذكسي على سماعها وتردادها كرجع الصوت أو الصدى، وكأنه في قلب التهويم –كل ما سبق أقرب إلى أضغاث أحلام- وبين غاف وصاح يختصر الأرثوذكسي التجسد بالكلمات التالية: "الله بنفسه (اللوغوس) دخل في أحشاء السيدة العذراء !! ونقى لنفسه من لحمها وأنسجتها وكون لنفسه جسدا كاملا !!! وأخذ ينمو نموا كاملا تسعة أشهر حتى ولد ولادة جسدية عادية !!!"

السؤال الإشكالي
"هل يمكن لكم أن تشرحوا لنا طريقة حبل السيدة مريم العذرا ؟!! وفق ما ورد في العهد الجديد الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ؟! لوقا 1 / 35 !!!! وهل أنتم أصلا تعترفون بلفظ الجلالة الله كالمسلمين لتزجوا به بكل واردة وشاردة في عقيدتكم ؟!!!!!" بهذا السؤال ذي الحجج الجدلية يدلل القحطاني ويندد، لأن الوظائف التعبيرية، بمضمونها التعبيري، كما رأينا، كشفت عن العقيدة الأرثوذكسية كونها أضغاث أحلام، وفي هذا ما فيه من تجريد، فنحن لا يمكننا أن نقسمها، فكيف أن نتقاسمها؟

يتبع قحطانيات10