هم لايتعلمون


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5347 - 2016 / 11 / 18 - 18:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


منذ ثمانينيات القرن الماضي ونحن نقترض من صندوق النقد وننفذ روشتته (مشروطياته) التي نتوهم دائماً أننا ننفذها بأيدينا بقرار وطني مستقل ، في حين ان العكس صحيح تماماً ...

ففي الحقيقة قد رزقنا بحكام - منذ السادات - يديرون السياسات الإقتصادية بواسطة تلاميذ وخريجي وصبيان المؤسسات المالية الدولية التي من بينها صندوق النقد والبنك الدولي والتي أسست لتكريس هيمنة الدولار الأمريكي علي العالم والتبعية الإقتصادية لقوي المركز الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ اتفاقية ((بيرتون وودز)) التي عقدت في 1944 والتي تمخض عنها تأسيس كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية كمؤسسات دولية وجدت للحفاظ علي ماتم وقتها من اعلان تنصيب الدولار الأمريكي سيداً علي عملات العالم ومعياراً للتبادل النقدي بحيث يمكن أن نلخص ظيفتها الأساسية في عبارة واحدة هي (دولرة اقتصاديات الدول) ومن ثم ربطها بالتبعية الإقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية التي دشنت نفسها كزعيم جديد للمركز الإستعماري العالمي عبر آلية ((بيرتون وودز)) وتلك المؤسسات التي انتجتها وعلي رأسها صندوق النقد الدولي

وبالتالي فإن مانتصور منذ الثمانينيات وحتي اليوم من ان تلك الإصلاحات تتخذ وفقاً للقرار الوطني المستقل لايعبر عن جوهر الحقيقية
فمن يدرس تاريخ نشأة صندوق النقد الدولي والمراحل التي مر بها وطبيعة نشاطه منذ اعلان انشائه في عام 1947 سيعرف أن إحدي آليات هذا الصندوق هو فرض شروطه عبر مفاوضات وتفاهمات تؤدي إلي طريق واحد وهو الموافقة علي مشروطياته عبر اشتراط إصدار تقديم الحكومات المقترضة لخطاب النوايا الذي يتضمن برنامجاً إصلاحياً يفي في جوهره بكل المشروطيات التي توافقت تلك الحكومات عليها مع الصندوق كنوع من استيفاء شرط (الإستعداد الإئتماني) للدولة المقترضة ومن ثم يتحلل الصندوق من مسئولياته الأخلاقية عما يترتب علي تطبيق تلك الإصلاحات من كوارث اجتماعية ووطنية تتحملها الدول المدينة التي غالباً ماينتهي بها الحال إلي ان تذهب إلي نادي باريس لتجلس علي مائدة الأعضاء اللئام ليبيعوا في مقدراتها الوطنية ويشتروا

لقد دفعنا منذ الثمانينيات وحتي الآن الثمن تلو الثمن لبرامج الإصلاح التي تنفذ مشروطيات الصندوق ولم نصل إلا للمزيد من الإفقار لشرائح واسعة من المجتمع المصري وكان آخرها برنامج الإصلاح الذي نفذ في التسعينيات وكانت نتائجه الإقتصادية والإجتماعية من أهم أسباب الإندلاع الشعبي العظيم في يناير 2011
- وللأسف - يبدو أنهم لم نتعلموا الدرس


وصبيان المؤسسات الدولية من اساتذة الإقتصاد المتنفذين اليوم في أروقة الدولة المصرية أو أولئك الذين يمسكون بعصا المايسترو من الخارج يضبطون بها إيقاعات ما يغني بالداخل من عينة يوسف بطرس غالي ومحمود محيي الدين ورشيد محمد رشيد ، وغيرهم وكذلك جوقتهم المنشدة من الشلة الإعلامية إياها من أصحاب نشيد (الدوله تركن علي جنب) يؤمنون إيماناً يشبه الإيمان اللاهوتي بان الإستثمار الأجنبي هو ملازنا ومنقذنا وولي نعمتنا الذي يجب أن نفرج أساريرنا استعداداً لقدومه المبجل،
وهم يعتقدون أنه سيهبط علينا كمطر غزير أو يقبل كسيل جارف لمجرد عقد المؤتمرات الفاخرة للترويج له أو وضع المزيد من التشريعات التي تضمن حرية دخول رؤوس الأموال الأجنبية وخروجها
وهم في ذلك واهمون

والإستثمار الأجنبي ليس جنة الله علي الأرض ولاهو الحل العبقري لأزماتنا الإقتصادية ولا هو منقذنا من عثرتنا ،
وهو إن جاء بالشكل الذي يتوهمونه لن يكون هو سفينة نوح التي ستقلنا إلي حيث تأسيس اقتصاد حقيقي ننطلق به إلي آفاق من التنمية المجتمعية الشاملة

حمدي عبد العزيز
14 نوفمبر 2016