أخطاء القرآن 5: الإبهام


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5345 - 2016 / 11 / 16 - 20:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هذه هي الحلقة الخامسة عن اخطاء القرآن واليوم سوف نتكلم عن الإبهام. وتعتمد أساسا على مقدمة وهوامش طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي المتوفرة مجانا من موقعي http://goo.gl/OOyQRD وورقيا من امازون https://goo.gl/nKsJT4). ومن يهمه الأمر يمكنه الاستماع لحلقتي عن هذا الموضوع في قناة الجهر بالإلحاد يوم الأحد 20 نوفمبر 2016 الساعة الخامسة مساء بتوقيت لندن، الساعة 12 ظهرا بتوقيت نيويورك.
.
يقول القرآن: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ» (112-5: 15)؛ «تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ» (48-27: 1)؛ «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» (47-26: 195).
.
ولكن هذا مخالف للحقيقة بشهادة السيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن»: «فهذه الصحابة وهم العرب العرباء وأصحاب اللغة الفصحى ومن نزل القرآن عليهم وبلغتهم توقفوا في ألفاظ لم يعرفوا معناها فلم يقولوا فيها شيئًا [...] فعن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر وفاكهة وأبا (24-80: 31) فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ثم رجع إلى نفسه فقال إن هذا لهو الكلف يا عمر [...]. وعن عكرمة عن ابن عباس قال كل القرآن أعلمه إلا أربعًا غسلين (78-69: 36) وحنانًا (44-19: 13) وأواه (52-11: 75) والرقيم (69-18: 9)». وهناك كلمات استعصى فهمها وبذل اللغويون والفقهاء والمفسرون المسلمون قديمًا وحديثًا جهدًا كبيرًا لمناقشتها وألُّفوا فيها كتبًا أطلقوا عليها عامةً تعبير غريب القرآن. وبعض هذه الكلمات غريبة على اللغة العربية ولا يمكن فهمها إلا بالرجوع إلى اللغات التي أخذت منها. ويقدر البعض أن القرآن اخذ ما بين 6% و10% من كلماته من اللغات السامية الأخرى، وخاصة اللغة السريانية. وقد أشرنا إلى ذلك في الهوامش.
.
اذا انت تكلمت مع شخص ونطق بأمور غير مفهومة لك، سوف تظن بادئ الأمر انك لم تسمعه جيدا، فتطلب منه الإعادة. فيعيد الأمر عليك وفي نفس الطريقة غير المفهومة. فتسأل من بجوارك هل فهموا ما يقوله المتكلم؟ فتجد انهم أيضا لم يفهموا شيئا.
عندها تدخل مرحلة الشك: هل الشخص المتكلم يتكلم اللغة الصينية. فتسأله: من اين أتيت يا صاحبي وتحاول الإستفسار منه بكل اللغات المتاحة لديك. ويؤكد لك المتكلم بأنه من العرب الأقحاح وأنه يتكلم العربية. عندها تحك رأسك وتبدأ الشك في سلامة عقل المتكلم. فتسأل ما اذا كان قد شرب مسكرا أو تعاطى الحشيش أو اي نوع آخر من وسائل الهلوسة. فيؤكد لك بأنه سليم العقل.
عندها تشك انت في سلامة عقلك. ولكن كل من حولك يؤكد لك بأن كلام الشخص المذكور غير مفهوم. اما المتكلم فهو يدعي بأنه يتكلم العربية وان ما يقوله قمة في البلاغة، ويحضر لك اتباعه الذين يشهدون لصالحه بأنه فعلا بليغ وأن لغته العربية لا غبار عليها. فتسألهم: ممكن تشرحوا لي ما يقول صاحبكم؟ فتقع على تفاسير متضاربة، وفي نفس الوقت كلهم يؤكدون لك بأن ما يقوله المتكلم هو في قمة البلاغة. فتحتار من امرك وتشك في سلامة عقول اتباع المتكلم وفي نزاهتهم. فتجري عملية تحري فتجد انك امام وضعين لا ثالث لهما:
- تم برمجة غالبية اتباع المتكلم منذ صغرهم بحيث يكررون كلاما مثل الببغاوات دون ان يفهموا معناه. وإن لا تتفق معهم يرمونك بكلمات مثل اعجاز لغوي وبلاغة وغيرها من الحجج. وهذا ما يطلق عليه بصورة عامة غسيل المخ.
- تم ممارسة ضغوط على من يشك أو يحاول ان يهرب مما يملى عليه وأن يتخلص من غسيل المخ. فنكون هنا في حالة اكراه. وكل قوانين العالم تعتبر الإكراه عذرا ولا تأخذ بكلام المكره ولا بأفعاله، وتحاكم من مارس الإكراه عليه. وقد نظمت الشريعة الإسلامية اعتمادا على نصوص من القرآن والسنة ما يسمى بالتقية وحالة الضرورة. فيحق لك مثلا ان تسب النبي ان اكرهت على ذلك.
.
المؤمن لا يلاحظ الإبهام
--------------
يصعب عامة على المؤمن بأن القرآن كلام الله ملاحظة الإبهام في النص القرآني. فهو عامة يقرآ النص دون فهم ويتبرك بمجرد قراءته. فقراءة القرآن بحد ذاتها تعتبر تعبدا، فهمته أو لم تفهمه. وهناك اميّون يمررون اصبعهم على أسطر القرآن تبركا به. علما بأن 80% من المسلمين لا يفهمون العربية أو اميون لا يقرؤون ولا يكتبون... وكلهم يدعون ان القرآن كتاب الله وقمة البلاغة. ومن بين 20% المتبقين، أقل من 1% منهم يفهم ملا لا يزيد على 80% من القرآن. وما لا يقل عن 20% من آيات القرآن يخفى معناها على كافة المسلمين مهما كانت درجاتهم العلمية. ونجد التضراب في التفاسير والترجمات فيما يخص هذه النسبة الكبيرة من آيات القرآن. وعندما تعرض آيات مبهمة على المسلمين يبررونها بمقولات غريبة عجيبة، ولا يجرء احد منهم على القول بأن النص القرآني معيب. فالعيب في نظرهم هو دائما عند القارئ وليس في النص لأن اتهام النص بالعيب يعني اتهام لله ذاته وخروج عن ملة الإسلام، ومن يقول بذلك يعتبر مرتدا يحق قتله.
.
الإبهام في النص خطأ
--------------
اذا انت وقعت على نص ولم تفهمه ولم يفهمه غيرك، فأنت امام نص معيب. هناك خطأ في النص وقد يكون سببه:
- ضياع جزء من النص
- استعمال كلمة مكان كلمة اخرى لا معنى لها في سياق النص
- استعمال كلام غير مفهوم اصلا (مثل الأحرف المقطعة)
- خربطة في تنظيم عناصر الجملة
- تفكك اوصال الخطاب والإنتقال من موضوع إلى موضوع (فقدان الوحدة الموضوعية)
.
20% من نصوص القرآن مبهمة
---------------------
كمترجم للقرآن للغة الفرنسية (تم نشرها) والإنكليزية والإيطالية (في مرحلة المراجعة النهائية)، يمكنني ان اقول بأن ما لا يقل عن 20% من آيات القرآن يمكن وصفه بالمبهم. ويرى ليكسنبيرج بأن أكثر من ربع القرآن ما زال مبهما رغم جهود الكثيرين في توضيح معانيه. ودليل الإبهام
- تضارب المفسرين في فهم تلك النصوص
- تضارب المترجمين في ترجمة تلك النصوص. ولمن يهمه الأمر هناك موقع يتضمن اكثر من 40 ترجمة انكليزية http://goo.gl/tORLbz. وموقع أحر يتضمن عدد من الترجمات الفرنسية يمكن تحميلها مجانا http://www.lenoblecoran.fr/
واستعمال كلمات أو عبارات مبهمة يعتبر خطأً إنشائيًا مخالفًا لمبدأ البلاغة التي تهدف إلى توصيل الفكرة إلى المخاطب بصورة واضحة ودون التباس. وكل ما يساعد على إزالة الإبهام هو تصحيح لخطأ، كما فعل المفسرون في تقدير المحذوفات، أي ايجاد حل لنواقص القرآن المختلفة، رغم انهم اختلفوا في تقديراتهم.
.
الأحرف المقطعة
---------------
وأهم المبهمات في القرآن ما يسمى بالأحرف المقطعة أو فواتح السور.
هذه الأحرف موجودة في بداية 29 سورة وهي: 2-68 (ن) و34-50 (ق) و38-38 (ص) و39-7 (المص) و41-36 (يس) و44-19 (كهيعص) و45-20 (طه) و47-26 (طسم) و48-27 (طس) و49-28 (طسم) و51-10 (الر) و52-11 (الر) و53-12 (الر) و54-15 (الر) و57-31 (الم) و60-40 (حم) و61-41 (حم) و62-42 (في آيتين متلاحقتين: حم، عسق) و63-43 (حم) و64-44 (حم) و65-45 (حم) و66-46 (حم) و72-14 (الر) و75-32 (الم) و84-30 (الم) و85-29 (الم) و87-2 (الم) و89-3 (الم) و96-13 (المر). وعدد هذه الأحرف 14 حرفًا، أربعة منها تتكرر في بعض السور، وهي:
سورة الأعراف المص
سورة الرعد المر
سورة مريم كهيعص
سورة طه طه
سورة النمل طس
سورة يس يس
سورة ص ص
سورة الشورى عسق
سورة ق ق
سورة القلم ن
سورة الشعراء، سورة القصص طسم
سورة يونس، سورة هود، سورة يوسف، سورة إبراهيم، سورة الحجر الر
سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة العنكبوت، سورة الروم، سورة لقمان، سورة السجدة الم
سورة غافر، سورة فصلت، سورة الزخرف، سورة الدخان، سورة الجاثية، سورة الأحقاف، سورة الشورى حم
وتسمى السور المفتتحة بـ(طسم) و(طس): الطواسيم أو الطواسين، وتسمى السور المفتتحة بـ (حم): الحواميم.
ولا تُقرأ هذه الحروف كالأسماء مثل باقي الكلمات، بل تقرأ بصورة متقطعة، ومن أجل ذلك سميت بالحروف المقطعة. فننطق (الم) بهذه الكيفية: (ألفْ لامْ ميمْ)، وننطق (طسم) بهذه الكيفية: (طاءْ سينْ ميمْ)، وهكذا بالنسبة للبقية، مع ملاحظة تسكين الأواخر باستمرار.
.
ويعتبر البعض الأحرف المقطعة من المتشابهات التي هي مما استأثر الله بعلمه، مما يضعها في خانة اللهو والعبث. بينما يرى فيها البعض الأخر ضربًا من إعجاز القرآن. وبما انه يصعب قبول فكرة ان هذه الأحرف مجرد لهو وعبث من قِبَل الله، فقد أجهد المفسرون أنفسهم لإيجاد معنىً لها فتضاربت آراؤهم ضمن التفسير الواحد، فتحولت هذه الأحرف إلى معميات وألغاز وطلاسم لا تليق بنص يقول مؤلفه بأنه «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» (47-26: 195). ويكفي الرجوع لموقع التفسير واستعراض تفسير الآية الأولى من سورة البقرة: الم، التي يكرس لها على سبيل المثال الرازي اثنتي عشرة صفحة، وكل من الطبري وابن عاشور عشر صفحات، والزمخشري ثماني صفحات.
.
ويرى مؤلف يهودي حديث ان «الر» تعني «أمر لي ربي»، وأن «الم» تعني «أمر لي موري»، وكلمة «موري» تعني معلم في العبرية. أي ان محمد نقل عن معلمه اليهودي. وقد جاءت الأحرف المقطعة «الم» في بداية ست سور وهي: 57-31، 75-32، 84-30، 85-29، 87-2، 89-3. ويربط Sawma بين هذه الأحرف وكلمة مطابقة جاءت في سفر المزامير 58: 2 باللغة العبرية التوراتية (مخطوطة حلب): א---ל---ם--- بمعني «اصمتوا». ولكن هذه الكلمة ترجمت بالعربية واللغات الأخرى بـ «كلا». وهذه هي الآية: «كَلاَّ! بَلِ السّوءَ في قُلوبِكم تَفعَلون وعُنفَ أَيدِيكم في الأَرضِ تَزِنون». ويرى صلة بين هذه الأحرف وصفة جاءت في سفر أشعيا 53: 7: «عُومِلَ بِقَسوَةٍ فتَواضَع ولم يَفتَحْ فاهُ كحَمَلٍ سيقَ إِلى الذَّبْحِ كنَعجَةٍ صامِتَةٍ נ---א---ל---מ---ה--- أَمامَ الَّذينَ يَجُزُّونَها ولم يَفتَحْ فاهُ».
.
وبخصوص كلمة طه، فهي مكونة من الحرفين ط – هـ. هناك قول بأن النبي محمد كان يصلي ويقرأ القران ويطول في القراءة ويشقي نفسه فيها. وكان من شدة الألم تتورم قدماه وكان يرفعها من على الأرض قليلًا وهو يصلي فنزلت الآية (طه) بمعنى (طأها) أي طأ بقدمك الأرض يا محمد. ومن هنا تكملة النص: ما أنزلنا عليك القران لتشقى. انظر مثلًا تفسير ابن كثير.
.
ومن المحتمل أن تكون الأحرف المقطعة مجرد أرقام للسور وفقًا لحساب الجمل كما هو في العبرية والسريانية واللاتينية. وحساب الجمل يعني إعطاء كل حرف من حروف اللغة رقمًا خاصًا. وما زالت بعض السور تحمل في عنوانها مثل هذه الأحرف وهي سورة طه 45-20 وسورة يس 41-36 وسورة ص 38-38 وسورة ق 34-50 وسورة نون المسماة أيضًا سورة القلم 2-68. وقد يكون أصل الأحرف «المص» والأحرف «الم» «المصحف»، وقد ضاع جزء منها.
.
وهناك من يحاول تفسير الأحرف المقطعة لغايات تبشيرية، كما يفعل على سبيل المثال القمص زكريا بطرس الذي يرى أن بحيرا الراهب علّم النبي محمد القرآن ثم تاب من بعد ذلك وضمَّن العقيدة المسيحية السليمة في هذه الحروف المقطعة لتبقى سرًا يتحققه الفاهمون. وهو يعتمد في ذلك على حديث رواه وضعفه ابن كثير ننقله هنا:
مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: الم ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمدًا يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه الم ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ فقال أنت سمعته قال نعم قال فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك: الم ذلك الكتاب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى. فقالوا: جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال: نعم قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء، ما نعلمه بيّن لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام حيي بن أخطب، وأقبل على من كان معه، فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل مع هذا غيره؟ فقال: نعم، قال: ما ذاك؟ قال: المص قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد سبعون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة. هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: نعم، قال: ما ذاك؟ قال: الر. قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة. فهل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: نعم. قال: ماذا؟ قال: زالمر. قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتان. ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلًا أعطيت أم كثيرًا؟ ثم قال: قوموا عنه، ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين؟ فقالوا: لقد تشابه علينا أمره. فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ» (89-3: 7). فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحًا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم، والله أعلم. وقد جاء ذكر لهذا الحديث في تفسير الطبري.
.
والمسلمون مغرمون بالإعجاز العددي للقرآن إلى حد الهوس، لِذا لجأ بعضهم للأحرف المقطعة لإثبات ان القرآن من عند الله. ويقول أحدهم في مقدمة كتابه:
إن النظام الرقمي المذهل للحروف المقطعة هو برهان مادي ورياضي على أن القرآن كتاب معجزات وليس كتاب أساطير كما يدعي بعض الملحدين عندما يقولون إن القرآن يحوي حروفًا لا معنى لها. ويمكن القول بأن االله تعالى بعلمه المسبق يعلم أنه سيأتي عصر تتطور فيه علوم الرياضيات، ويكثر فيه الملحدون، لذلك فقد أودع في كتابه حروفًا مقطَّعة في أوائل السور، وأخفى إعجازها حتى جاء عصر الرقميات الذي نعيشه اليوم، ليكون التحدي بهذه الحروف أبلغ وأقوى. وهذا شأن المعجزة تأتي بالشكل الذي برع فيه المشككون، لتعجزهم في اختصاصهم، وتبين لهم أن القرآن هو كلام االله الحق.
.
ومن المستبعد أن تكون هذه الأحرف من أصل القرآن. فلو كانت في القرآن بداية، لماذا لم يستفسر أحدٌ النبيَ محمد عن معناها؟ هل لأنهم لم يسمعوا بها إلا بعد وفاة النبي محمد؟ أم أنها أضيفت إلى القرآن بعد وفاته؟ أم لا علاقة للنبي محمد بالقرآن؟ انظر في هذا المجال تفسير جامع البيان للطبري، سورة البقرة، حيث يستعرض مختلف التفسيرات دون ذكر لأي استفسار من النبي. وفي غياب تفسير مقنع لهذه الأحرف يجب ادراجها ضمن ما يسمى «اللغو» الذي يعرفه قاموس لسان العرب: «السَّقَط وما لا يُعتدّ به من كلام وغيره ولا يُحصَل منه على فائدة ولا على نفع». ويلاحظ في هذا المجال أن القرآن ليس الكتاب المقدس الوحيد الذي يتضمن كلمات غير مفهومة المعنى. فعلى سبيل المثال كلمة «سلا» تكررت 71 مرة في سفر المزامير ومرتان في سفر حبقوق (الفصل 3: 3 و9). ولا أحد يعرف معناها الحقيقي. ويذكر يوسف صديق ان كثيرًا من النصوص اليونانية القديمة كانت تتضمن مثل هذه الأحرف، وهذا من مخلفات عادة العرافين، وتعني ان تلك الأحرف تتضمن كلمة بأكملها.
.
امثلة على آيات مبهمة في القرآن
-------------------
أية مبهمة في سورة السجدة
23 - وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ
إلى ماذا تشير الهاء في (لقائه)؟ ننقل ما جاء في الدر المصون للحلبي من اقوال:
1) أنها عائدةٌ على موسى. فيكون المعنى: مِنْ لقائِك موسى ليلةَ الإِسراء.
2) أنها عائدةٌ على الكتاب. فيكون المعنى: من لقاءِ الكتاب لموسى، أو : مِنْ لقاءِ موسى الكتاب.
3) أنها عائدةٌ على الكتاب، على حَذْفِ مضاف أي: من لقاءِ مثل كتابِ موسى.
4) أنها عائدةٌ على مَلَكَ الموتِ لتقدُّم ذِكْره.
5) أنها عائدةٌ على الرجوعِ المفهومِ مِن الرجوع في قوله: {الى ربكم تُرْجَعُونَ} أي: لا تَكُ في مِرْيةٍ مِنْ لقاء الرجوع.
6) أنها عائدةٌ على ما يُفهَمُ مِنْ سياقِ الكلام ممَّا ابْتُلِي به موسى مِن البلاء والامتحان. قاله الحسن أي: لا بُدَّ أنَ تَلْقَى ما لَقِيَ موسى من قومه
.
آية مبهمة في سورة هود
27 - فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ
ما معنى عبارة بَادِيَ الرَّأْيِ؟
احتار المفسرون في فهمها. انقل لكم راي الحلبي في كتابه الدر المصون http://goo.gl/nR4Mr0
قرأها البعض "بادِئَ" بالهمز، والباقون بياءٍ صريحةٍ مكانَ الهمزة. فأمَّا الهمزُ فمعناه: بادئَ الرأي، أي: أولَ الرأي بمعنى أنه غيرُ صادرٍ عن رَوِّية وتَأَمُّل، بل من أولِ وَهْلة. وأمَّا مَنْ لم يهمز فيحتمل أن يكونَ أصلُه كما تقدَّم، ويحتمل أن يكونَ مِنْ بدا يَبْدو أي ظهر، والمعنى: ظاهر الرأي دون باطنه، أي: لو تُؤُمِّل لعُرِفَ باطنُه، وهو في المعنى كالأول.
وفي انتصابهِ على كلتا القراءتين سبعةُ أوجه:
1) أنه منصوبٌ على الظرف، وفي العاملِ فيه على هذا ثلاثة أوجه، أحدُها: "نراك"، أي: وما نراك في أول رأينا، على قراءة أبي عمرو، أو فيما يَظْهر لنا من الرأي في قراءة الباقين. والثاني من الأوجه الثلاثة: أن يكونَ منصوباً بـ"اتَّبعك"، أي: ما نراك اتبعك أولَ رأيهم، أو ظاهرَ رأيهم، وهذا يحتمل معنيين، أحدهما: أن يريدوا اتَّبعوك في ظاهر أمرهم، وبواطنهم ليست معك. والثاني: أنهم اتَّبعوك بأول نظرٍ، وبالرأي البادي دون تثبُّت، ولو تثبَّتوا لَمَا اتبعوك. الثالث من الأوجه الثلاثة: أنَّ العاملَ فيه "أراذِلُنا" والمعنى أراذِلُنا بأولِ نظرٍ منهم، أو بظاهر الرأي نعلم ذلك، أي: إنَّ رذالَتَهم مكشوفةٌ ظاهرةٌ لكونهم أصحابَ حِرَفٍ دنيَّة.
ثم القول بكونِ "باديَ" ظرفاً يحتاج إلى اعتذار فإنه اسمُ فاعلٍ وليس بظرفٍ في الأصل، فقال مكي: "وإنما جاز أن يكون فاعِل ظرفاً كما جاز ذلك في فعيل نحو: قريب ومليء، وفاعل وفعيل يتعاقبان كراحِم ورحيم، وعالم وعليم، وحَسُن ذلك في فاعِل لإِضافته إلى الرأي، والرأي يُضاف إليه المصدر، وينتصبُ المصدرُ معه على الظرف نحو: "أما جَهْدَ رأيٍ فإنك منطلقٌ"، أي: في "جَهْد". وقال الزمخشري: "وانتصابه على الظرف، أصلُه: وقتَ حدوثِ أول أمرهم، أو وقت حدوثِ ظاهرِ رأيهم، فَحُذِفَ ذلك وأقيم المضافُ إليه مُقامه".
2) أن ينتصبَ على المفعول به، حُذف معه حرفُ الجر مثل {واختار موسى قومه} [الأعراف: 155] كذا قاله مكي. وفيه نظرٌ من حيث إنه ليس هنا فعلٌ صالحٌ للتعدي إلى اثنين، إلى ثانيهما بإسقاط الخافض.
3) أن ينتصبَ على المصدر، ومجيءُ المصدر على فاعلِ أيضاً ليس بالقياسِ، والعاملُ في هذا المصدرِ كالعامل في الظرف كما تقدم، ويكون من باب ما جاء فيه المصدرُ من معنى الفعل لا من لفظه، تقديرُه: رؤيةَ بَدْءٍ أو ظهور، أو اتباعَ بَدْءٍ أو ظهور، أو رَذالة بَدْءٍ أو ظهور.
4) أن يكونَ نعتاً لبشر، أي: ما نراك إلا بشراً مثلنا/ باديَ الرأي، أي: ظاهرَه، أو مبتدِئاً فيه. وفيه بُعْدٌ للفصلِ بين النعت والمنعوت بالجملة المعطوفة.
5) أنه حالٌ من مفعول "اتَّبَعَكَ"، أي: وأنت مكشوفُ الرأي ظاهرَ لا قوةَ فيه ولا حصافةَ لك.
6) أنه منادى والمراد به نوحٌ عليه السلام، كأنهم قالوا: يا باديَ الرأي، أي: ما في نفسِك ظاهرٌ لكلِّ أحدٍ، قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء به والاستقلال له.
7) أن العاملَ فيه مضمر، تقديره: أتقول ذلك بادي الرأي، ذكره أبو البقاء، والأصلُ عدم الإِضمار مع الاستغناء عنه، وعلى هذه الأوجهِ الأربعةِ الأخيرة هو اسمُ فاعلٍ من غير تأويل، بخلاف ما تقدَّم من الأوجه فإنه ظرفٌ أو مصدر.
.
آية مبهمة في سورة الأنبياء
105 - وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ
ما معنى العبارة مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ؟
العبارة مغلوطة لأن الذكر يعني هنا القرآن، والزبور جاء قبل القرآن وليس بعده، وقد فهم البعض كلمة بعد بمعنى قبل (السيوطي: الإتقان، جزء 1، ص 420).
وقد فسرها التفسير الميسر: ولقد كتبنا في الكتب المنزلة من بعد ما كُتِب في اللوح المحفوظ،
وفسرها الجلالين: مِن بَعْدِ ٱ---لذِّكْرِ يعنى أُمّ الكتاب الذي عند الله.
وفسرها المنتخب: ولقد كتبنا فى الزبور - وهو كتاب داود - من بعد التوراة
.
آية مبهمة في سورة الأنبياء
104 - يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ
هذه الآية مقطعة الأوصال. وهناك من اقترح ترتيبها كما يلي مع اختلاف:
نعيد الخلق كما بدأنا أول خلق يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب وعدا علينا إنا كنا فاعلين
وما معنى عبارة (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب)؟
فسرها المنتخب: يوم نطوى السماء كما تُطْوى الورقة في الكتاب
بينما فسرها الزمخشري: والسجل ... هو الصحيفة، أي: كما يطوى الطومار [الصحيفة] للكتابة، أي: ليكتب فيه، أو: لما يكتب فيه. ... وقيل ٱ---لسّجِلّ: ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه. وقيل: كاتب كان لرسول الله
وفسرها التفسير الميسر: يوم نطوي السماء كما تُطْوى الصحيفة على ما كُتب فيها
ولكن قد تكون كلمة "لِلْكُتُبِ" دخيلة على القرآن اضيفت كتفسير لكلمة "السِّجِلِّ".
ويتكلم الفقهاء عن نص قطعي الثبوت ونص ظني الدلالة.
.
آية مبهمة في سورة الانفال
5) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ
ما معنى هذه الآية؟
يقول عنها ابو حيان الأندلسي: ما مرّ بي شيء مشكل في القرآن مثل هذا
http://goo.gl/pg6i4s
ويعطي الحلبي 20 وجها لفهمها:
http://goo.gl/ZU5nDg
قوله تعالى: {كَمَآ أَخْرَجَكَ}: فيه عشرون وجهاً:
أحدها: أن الكافَ نعتٌ لمصدر محذوف تقديره: الأنفالُ ثابتةٌ لله ثبوتاً كما أخرجك أي: ثبوتاً بالحق كإخراجك من بيتك بالحق، يعني أنه لا مِرْيَةَ في ذلك.
الثاني: أن تقديره: وأصلحوا ذاتَ بينكم إصلاحاً كما أخرجك. وقد التفت من خطابِ الجماعةِ إلى خطاب الواحد.
الثالث: تقديرُه: وأطيعوا اللهَ ورسولَه طاعةً محققةً ثابتةً كما أخرجك أي: كما أن إخراج الله إياك لا مِرْيَةَ فيه ولا شبهة.
الرابع: تقديرُه: يتوكلون توكلاً حقيقياً كما أخرجك ربك.
الخامس: تقديره: هم: المؤمنون حقاً كما أخرجك فهو صفة لـ "حقاً".
السادس: تقديره: استقرَّ لهم درجاتٌ وكذا استقراراً ثابتاً كاستقرار إخراجك.
السابع: أنه متعلقٌ بما بعده تقديره: يجادلونك مجادلةً كما أخرجك ربك.
الثامن: تقديرُه: لكارهون كراهيةً ثابتة كما أخرجك ربك أي: إن هذين الشيئين: الجدالَ والكراهيةَ ثابتان لا محالة، كما أن إخراجك ثابت لا محالة.
التاسع: أن الكافَ بمعنى إذ، و "ما" مزيدة. التقدير: اذكر إذ أخرجك. وهذا فاسدٌ جداً إذ لم يَثْبُتْ في موضعٍ أن الكاف تكون بمعنى إذ، وأيضاً فإنَّ "ما" لا تُزادُ إلا في مواضعَ ليس هذا منها.
العاشر: أن الكاف بمعنى واو القسم و "ما" بمعنى الذي، واقعةٌ على ذي العلم مُقْسَماً به، وقد وقعت على ذي العلم في قوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3] والتقدير: والذي أخرجك، ويكون قوله "يجادلونك" جوابَ القسم. وهذا قول أبي عبيدة. وقد ردَّ الناس عليه قاطبةً. وقالوا: كان ضعيفاً في النحو، ومتى ثبت كونُ الكافِ حرفَ قسمٍ بمعنى الواو؟ وأيضاً فإن "يجادلونك" لا يَصِحُّ كونُه جواباً؛ لأنه على مذهب البصريين متى كان مضارعاً مثبتاً وَجَب فيه شيئان: اللام وإحدى النونين، نحو {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً} [يوسف: 32]، وعند الكوفيين: إمَّا اللامُ وإمَّا إحدى النونين، و "يجادلونك" عارٍ عنهما.
الحادي عشر: أن الكاف بمعنى على، و "ما" بمعنى الذي والتقدير: امْضِ على الذي أخرجَك. وهو ضعيفٌ لأنه لم يثبتْ كونُ الكاف بمعنى "على" البتةَ إلا في موضعٍ يحتمل النزاع كقوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } [البقرة: 198] أي على هدايته إياكم.
الثاني عشر: أن الكافَ في محل رفع، والتقدير: كما أخرجك ربك فاتقوا الله، كأنه ابتداءٌ وخبر. قال ابن عطية: "وهذا المعنى وَضَعه هذا المفسِّر، وليس من ألفاظ الآية في وِرْدٍ ولا صَدَر".
الثالث عشر: أنها في موضعِ رفعٍ أيضاً والتقدير: لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرة ورزق كريم، هذا وعدٌ حقٌّ كما أخرجك. وهذا فيه حذفُ مبتدأ وخبر، ولو صَرَّح بذلك لم يلتئم التشبيهُ ولم يَحْسُنْ.
الرابع عشر: أنها في موضع رفعٍ أيضاً. والتقدير: وأصلِحوا ذاتَ بينكم ذلكم خيرٌ لكم كما أخرجك، فالكاف في الحقيقة نعتٌ لخبر مبتدأ محذوف. وهو ضعيف لطول الفصل بين قوله: "وأَصْلِحوا" وبين قوله "كما أَخْرَجَك".
الخامس عشر: أنها في محل رفع أيضاً على خبر ابتداء مضمر والمعنى: أنه شبَّه كراهية أصحاب رسول الله عليه السلام لخروجه من المدينة حين تحققوا خروجَ قريشٍ للدفع عن أبي سفيان وحِفْظِ عِيره بكراهيتهم لنزع الغنائم مِنْ أيديهم وجَعْلِها لله ورسوله يَحْكم فيها ما يشاء. واختار الزمخشري هذا الوجهَ وحَسَّنه، فقال: "يرتفع محلُّ الكاف على أنه خبر ابتداء محذوف تقديره: هذه الحالُ كحالِ إخراجك. يعني أن حالَهم في كراهة ما رأيت من تَنْفيل الغزاة مثلُ حالهم في كراهة خروجهم للحرب" وهذا الذي حَسَّنه الزمخشري هو قول الفراء ـ وقد شرحه ابن عطية بنحو ما تقدَّم مِن الألفاظ ـ فإن الفراء قال: "هذه الكاف شَبَّهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال".
السادس عشر: أنها صفةٌ لخبر مبتدأ أيضاً/ وقد حُذف ذلك المبتدأ وخبره. والتقدير: قِسْمتك الغنائمَ حقٌّ كما كان إخراجُك حقاً.
السابع عشر: أنَّ التشبيه وقع بين إخراجين أي: إخراج ربك إياك من بيتك وهو مكة وأنت كارهٌ لخروجك، وكان عاقبة ذلك الإِخراج النصرَ والظفرَ كإخراجه إياك من المدينة وبعضُ المؤمنين كارهٌ، يكون عقيبَ ذلك الخروجِ الظفرُ والنصر والخير كما كانت عقيبَ ذلك الخروجِ الأول.
الثامن عشر: أن تتعلق الكاف بقوله "فاضربوا". وبَسْطُ هذا على ما قاله صاحب هذا الوجه: الكاف للتشبيه على سبيل المجاز، كقول القائل لعبده: "كما رَجَعْتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألتَ مدداً فَأَمْدَدْتُك وأَزَحْتُ عِلَلك فَخُذْهم الآن وعاقِبْهم كما أَحْسَنْتُ إليك وأَجْرَيْتُ عليك الرزق فاعملْ كذا واشكرْني عليه، فتقدير الآية: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وغَشَّاكم النعاسَ أمَنَةً منه، وأنزل عليكم من السماء ماءً ليطَهِّرَكم به، وأنزل عليكم من السماء ملائكة مُرْدفين فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلَّ بنان، كأنه يقول: قد أَزَحْتُ عِلَلكم وأَمْدَدْتكم بالملائكة فاضربوا منهم هذه المواضع وهو القتلُ لتبلغوا مرادَ الله في إحقاق الحق وإبطال الباطل. وهذا الوجه بَعْدَ طولِه لا طائل تحته لبُعْده من المعنى وكثرة الفواصل.
التاسع عشر: أن التقدير: كا أخرجك ربك مِنْ بيتك بالحق أي: بسبب إظهار دين الله وإعْزازِ شريعته وقد كرهوا خروجك تهيُّباً للقتال وخوفاً من الموت؛ إذ كانَ أُمِرَ عليه السلام بخروجهم بغتةً ولم يكونوا مستعدِّين للخروج وجادلوك في الحق بعد وضوحه نَصَرَكَ الله وأَمَدَّك بملائكته، ودلَّ على هذا المحذوفِ الكلامُ الذي بعده وهو قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9] الآيات. وهذا الوجهُ استحسنه الشيخ، وزعم أنه لم يُسْبق به، ثم قال: "ويظهر أن الكافَ ليست لمحضِ التشبيه بل فيها معنى التعليل. وقد نصَّ النحويون على أنها للتعليل، وخرَّجوا عليه قولَه تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } [البقرة: 198]، وأنشدوا:
2382ـ لا تَشْتُمِ الناس كما لا تُشْتَمُ
أي: لانتفاء شتم الناس لك لا تشتمهم. ومن الكلام الشائع: "كما تطيع الله يدخلك الجنة" أي: لأجل طاعتك الله يدخلك، فكذا الآية، والمعنى: لأَنْ خرجت لإِعزاز دين الله وقَتْل أعدائه نَصَرك وأَمَدَّك بالملائكة".
العشرون: تقديرُه: وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما إخراجُك في الطاعة خيرٌ لكم، كما كان إخراجُك خيراً لهم. وهذه الأقوال ـ مع كثرتها ـ غالبُها ضعيف، وقد بَيَّنْت ذلك. قوله: {بِالْحَقِّ} فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بالفعل أي بسبب الحق أي: إنه إخراجٌ بسبب حقٍ يظهر وهو علوُّ كلمة الإِسلام والنصرُ على أعداء الله. والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من مفعول "أَخْرَجَكَ" أي: ملتبساً بالحق.
قوله: {وَإِنَّ فَرِيقاً} الواو للحال، والجملة في محل نصب، ولذلك كُسِرت "إنَّ". ومفعول "كارهون" محذوف أي: لكارهون الخروج، وسببُ الكراهة: إمَّا نفرة الطبع ممَّا يُتَوقَّع من القتال، وإمَّا لعدم الاستعداد.