الوجود المادي ومعضلة الزمن في الكون المرئي


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 5344 - 2016 / 11 / 15 - 16:28
المحور: الطب , والعلوم     

الوجود المادي ومعضلة الزمن في الكون المرئي
د جواد بشارة

في يوم من الأيام، في بدايات القرن المنصرم، القرن العشرين، صرح آينشتين أن الزمن مجرد وهم تعودت عليه حواسنا، وتبعه كثير من العلماء رغم عدم هضمهم لهذه الأطروحة وتقبلوا مفهوم مبسط للزمن لايعدو كونه سهم أو اتجاه من الماضي نحو المستقبل مروراً بالحاضر، وبالتالي هو ليس سوى وهم ناجم عن التقلبات والتحولات والحركات التي تملأ العالم المادي، وهو صورة أخرى غير مألوفة للمكان، و لا وجود لما شاع بين الناس للزمن المطلق. وبعد مرور قرن يأتي عالم أمريكي هو لي سمولن Lee Smolin ليقول أن الزمن موجود وليس وهم. ولقد فاجأ صاحب نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية لي سمولن في كتابه الأخير المعنون :" الزمن يولد من جديد Time Reborn – Le Temps Renait " الوسط العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية عام 2013 إذ أن هذه المقاربة الجديدة للزمن من شأنها إنقاذ الفيزياء من الجمود الذي وقعت فيه مؤخراً والمساعدة على صياغة نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية la gravité quantique التي ستمثل الخطوة الأولى حسب لي سمولن للتوصل إلى النظرية النهائية الشاملة والجامعة والموحدة لكل نظريات الفيزياء.

كان الزمن وما يزال يشكل معضلة للفيزيائيين منذ إطاحته من عرشه على يد آينشتين إلى عودته متوجاً على يد لي سمولن حيث استمرت الفيزياء استخدام مقاديره وقيمه الرياضياتية رغم عجزها عن تحديد وتعريف ماهيته بدقة علمية قاطعة ونهائية. فهو موجود وبإمكانه أن يحدد لنا تأرخة أحداث، وتحديد مدد أو مديات، وفهم حقيقة وقوع حدثين في آن واحد، أي وضع نوع من التعاقبية أو التسلسلية للأحداث التاريخية التي تحدث في عمر الوجود. النقطة الأهم في هذا الطرح الجديد هو أن الزمن نفسه يمنعنا من السفر للماضي أو للمستقبل، مما يمنع أي فرد، لو قيض له أن يعود للماضي، من قتل جده ومنع ولادة أمه وبالتالي ولادته هو منها، في حين هو موجود لأنه هو الذي يقوم بعملية قتل الجد وهذه مفارقة. بينما لا تمنع نظرية النسبية، نظرياً على الأقل، إمكانية السفر عبر الزمن والعودة للماضي أو الذهاب للمستقبل. فالزمن وفق هذا المفهوم الجديد يحمي مبدأ السببية principe de causalité الذي يحتم أسبقية السبب للنتيجة والعلة للمعلول، وهو نفس المفهوم الذي تبناه إسحق نيوتن الذي قال بأن الزمن سيرورة تمضي على نحو متسق ومنتظم ومتماثل ومطلق يمتد من الماضي إلى المستقبل، وهو نفسه موجود في أي مكان في الكون، أما الزمن الحسي أو الحدسي فهو ذلك الذي نتشاطره بيننا جميعاً والذي يوائم الحياة اليومية. فالزمن من وجهة نظر غاليلو مثلاً هو علاقة بين شيئين وليس شيئاً موجوداً على نحو مستقل، مما يعني أن الزمان والمكان متداخلين وليسا جوهرين منفصلين.

ويعارض العالم آلكسي دو سان أورس Alexis de saint-ours من مختبر العلوم الفلسفية والتاريخ في جامعة باريس ديدرو هذا الطرح، آخذا بالاعتبار المستوى ما دون الذري في فيزياء الجسيمات، حيث يقول :" في الحقيقة إن الزمان والمكان ماهيتين أو جوهرين متمايزين substantiels وهما بمثابة مسرح أو حلبة أو محتوى، أو بعبارة أدق هو وعاء بلا جدران تحتل الأشياء فيه أماكنها وتتوالى فيه الأحداث. فالجسم المادي الموجود بداخله لا يغير شيئاً من صفات وخصائص المكان والزمان مثلما يكون الحال عندما يتم نقل الأثاث داخل غرفة والذي لايغير من حجم الغرفة أو زوايا الجدران فيها، وبالتالي لو كان الزمان والمكان متداخلين فسوف لن يكون هناك محتوى بل فقط أشياء وأجسام مادية وإن وهم الزمان والمكان المعطى لنا ناجم عن العلاقة القائمة بين تلك الأشياء أو الأجسام المادية. وهكذا، لو نقلنا أو غيرنا مكان طاولة تبعد مترين عن مدفأة فإن الفضاء القائم بينهما لن يبقى ثابتاً بسبب عدم وجود المحتوى أو الوعاء الافتراضي ولو أخرجنا الأثاث فلن يعد هناك شيء موجود، لا زمان ولا مكان، فبدون الأحداث والعلاقات بين الأشياء، أي الحركة، يختفي الزمن لأننا لايمكننا تحديد تاريخ لحدث إلا بالمقارنة بآخر أو بعلاقته بحدث آخر. هذا ما لخصه آينشتين بوصفه للزمن في نظريته النسبية العامة. فتوزيع الكتل يغير بلا توقف الزمكان، وإن الزمان والمكان غير صحيحين إلا محلياً أو موضعياً وفق تواجد الأشياء وعلاقاتها ببعض وما تقوم به من حركات، إذ أن كل شيء في الكون يتحرك، وبالتالي فإن التجديد الثوري الذي أضفاه آينشتين هو إختفاء الزمن بمعناه التقليدي، وإن استمرار شعورنا بوهم الزمن هو نتيجة لجهلنا تفاصيل العالم وإدراك أسراره، كما يقول آينشتين ومن يتبعه من العلماء. يتمرد لي سمولن على هذه المسلمة التي دامت حوالي القرن من الزمن لأنه يريد أن يخرج الفيزياء من مأزقها الذي وقعت فيه فهو يعتقد أن نسبية آينشتين لم تأخذ بالاعتبار المستوى ما دون الذري échelle subatomique الذي وصفته بدقة الفيزياء الكمومية أو الكوانتية وإذا رغب العلماء في صياغة نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية، في العقود القادمة، فلا بد لهم من كسر هذا الحاجز النظري الآينشتيني بغية التمكن من الجمع بين النسبية العامة والفيزياء الكمومية وتوحيدهما. لذلك يعتقد لي سمولن أن النجاح في الوصول إلى هذه النظرية الفيزيائية الجديدة يتطلب عودة الزمن لا سيما في مجال علم الكون الكوسمولوجيا الذي يميزه عن باقي علوم الفيزياء، لأن من سمات علم الكون هو وصف الكون بشموليته وكليته، أي برمته في حين إننا نطبق عليه فيزياء تصلح فقط لجزء فقط من الفضاء ونهتم بقطعة محددة من الزمكان حيث تتكون الطبيعة فيه من جملة من الجسيمات ذات خصائص مستقلة عن الزمن. وهذا ما قادنا للطريق المسدودة في الفيزياء السائدة اليوم ولا بد من إعادة ولادة الزمن إذ أن قوانين الفيزياء لم تتمكن من البقاء ثابتة غير متغيرة منذ لحظة ولادة الكون إلى اليوم، وبذلك يلتقي لي سمولن بما سبق أن تقدم به في السنوات الأولى من القرن العشرين علماء فطاحل كانوا على خلاف مع آينشتين من أمثال العالمين بول ديرك ونيلس بور Niels Bohr,Paul -dir-ac إلا أن هناك عدد من العلماء المعاصرين مترددين ويشككون في صحة هذا الطرح وصلاحيته ويتساءلون: أي زمن نختار؟ هل هو الذي يمر بالقرب من الشمس أم ذاك الذي يمر بالقرب من ثقب أسود؟ والمعروف علميا، حسب آينشتين، أن الزمن يتمدد ويتقلص ويتباطأ كلما اقترب من الثقب الأسود أو كلما زادت سرعة الشيء المتصل به ويصبح صفراً عند وصول الشيء إلى سرعة الضوء، لذا من الصعب إعادة النظر والتخلي عن السمة النسبية والمحلية للزمن كما حددها آينشتين وبنيت عليها الفيزياء المعاصرة.

كان الإغريق يعتقدون وينظرون بوجود زمن لا نهائي ذو بعد واحد مستقل عن أية ظاهرة يمكنها أن تقيسه، أي لا يوجد بالنسبة لهم زمن يعود القهقري أي ما يسمى بالعد العكسي للزمن ولا وجود لزمن متوازي. وأقصى ما قدموه من وصف أن الزمن يتمتع ببنية رياضية مثل المسافة بالنسبة للمكان، والمقصود بهذه البنية هي المدى الزمني أو المدة durée.

هيمنت هذه الأطروحة لقرون طويلة لغاية بداية القرن العشرين. ففي سنة 1922 جاء آينشتين في زيارة إلى باريس والتقى بأمير الفلاسفة آنذاك وهو هنري بيرجسون الذي كان ينظر حول مرور الزمن والتدفق الزمني، أي الزمن كمعطى آني للوعي، وهي الصيغة المنمقة للفهم العام للزمن باعتباره مدة. وبعد النقاشات بين العالم والفيلسوف، بقي كل منهما متمسكاً بموقفه وبقي الزمن حبيساً بينهما، أي بين الزمن الفلسفي والزمن العلمي، الزمن كما يدركه الفيلسوف والزمن كما يدركه العالم الفيزيائي. بيد أن الصحافة لم تفهم شيئاً مما دار بينهما ولم تقتطع سوى جملة مشوهة من الحوار بين الرجلين وضعتها على لسان آينشتين وهي :" الزمن غير موجود " في حين إن ما قاله آينشتين حينذاك بالضبط هو :" بالنسبة لنا نحن الفيزيائيين بالأعماق، فإن الفصل والتمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل لا يحتفظ سوى بقيمة الوهم مهما كانت شدته. فالزمن لا بداية له ولا نهاية ولا حركة. فهو ليس شخصاً وليس له كينونة. فنحن لا نراه، بل نرى تأثيراته، وهو ليس بعداً ولا معطى. فلو كان بعداً لأمكن قياسه على نحو تقليدي بعلاقته بالظواهر مثل حركة الأجرام السماوية التي هي من تأثيرات الزمن، أو الأصح الزمكان، لكن الزمن نفسه لا يخضع لأية مقاربة أو تعاطي من أي نوع كان.

في ربيع عام 2006 جاء العالم البريطاني الفذ ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking في زيارة إلى باريس بمناسبة افتتاح مختبر الجسيمات الفلكية والكوزمولوجيا في جامعة باريس السابعة وتقديمه للمكتبة الوطنية في فرنسا مختارات من النصوص الرياضية الكبيرة التي حققها وعلق عليها ستيفن هاكوينغ. وكان هذا العالم الإنجليزي المتميز أول من اخترع مفهوم الزمن الخيالي.، وعلينا ألا ننسى أن الأعداد الخيالية هي وراء كل التقدم التكنولوجي الذي نشاهده ونتمتع به اليوم ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين فالهواتف المحمولة والسمارتفون أو الهواتف الذكية والحواسيب أو الكومبيوترات المكتبية أو المحمولة والتلفزيونات والمحطات الفضائية والستلايت أو القمار الصناعية والألياف الضوئية وغيرها ما كان يمكن أن تظهر وتتطور بدون الأعداد الخيالية. لذلك، وخلال مؤتمر صحفي نظم لستيفن هاوكينغ طرح عليه سؤال: هل يمكن لستيفن هاوكينغ أن يعتبر الزمن الخيالي الشكل الأكثر جوهرية للزمن الواقعي الذي نعرفه؟ بعد صمت أجاب هاوكينغ المشلول عبر حاسوبه الذي يترجم أفكاره إلى أصوات عبر نظام تفكيك الشفرات الذي يتيح للعالم الإنجليزي العبقري التواصل لغويا مع العالم الخارجي، :" نعم يمكننا اعتبار ذلك".

يمكننا مقارنة الزمن الخيالي بزمن خالي من المدة أو بالزمن المتجمد حيث تكون فيه اللحظات والماضي والحاضر والمستقبل متداخلة فوق بعضها البعض ومنطوية على بعضها البعض. من الصعب تصور أو إدراك ذلك، لكنه ستيفن هاكوينغ قرب الصورة للأذهان وضرب مثالا مألوفا شبهه بالزمن المتخيل أو الخيالي، وهو بكرة الفيلم السينمائي التي يمكنها أن تعطي فكرة عما يمثله الزمن الخيالي. فالشريط الملفوف على البكرة يحتوي على صور ولقطات ومشاهد الفيلم وكل قصته وأحداثه والحال إن هذه القصة تتواجد في حيز مكاني هو شريط الفيلم الملفوف على البكرة. فطالما كان الشريط ملفوفاً ومحفوظاً في علبته فإن الفيلم لا يوجد في الزمن الواقعي، رغم وجود سيناريو الأحداث لكنه غير مدرج في سياق المدة فهو كله بمجموعه قابع في الزمن الخيالي ولا يدخل الفيلم في الزمن الواقعي إلا عندما يوضع على جهاز العرض ويعرض أمام الجمهور فيكون قد دخل في زمنين، وهما: زمن أو مدة العرض وزمن وقوع أحداث الفيلم التي قد تستعرض حوادث قرون عديدة في ساعتين. عندها ستخلق هذه العملية، أي عملية الانتقال من الزمن الخيالي إلى الزمن الواقعي، الذكرى وانتظار المستقبل.

وغالباً ما يلجأ علماء الفيزياء إلى مفهوم الزمن الخيالي لشرح وتفسير بعض الظواهر الغامضة مثل تأثير النفق L’effet tunnel، وهي ظاهرة فيزيائية سنأتي على عرضها وشرحها لاحقاً، والتي خلالها تبدو بعض الجسيمات وكأنها تقفز لحظياً وآنياً من نقطة إلى أخرى دون أن تندرج تلك القفزات في الزمن الواقعي. وليس هناك ما يثير الدهشة لدى بعض العلماء أن يكون هذا الزمن الغريب والمدهش ـ الخيالي ـ أكثر من مجرد آلية مصطنعة للحسابات المعقدة والمركبة، فهو يتضمن شيئاً عميقاً لم يفهمه أو يدرك أبعاده أحد بعد. فالزمن الخيالي يحتوي في جوهرة وماهيته الحقيقية سراً يستعصي على الكشف وأمراً غامضاً يمكنه أن يعطي فكرة ولو مشوشة عن أصل الكون المرئي. فالزمن الخيالي يخفي أكثر الأسرار قيمة وجوهرية تتعلق بولادة الكون المرئي وما قبلها. فالأمر يتعلق باللحظة التأسيسية الأولية التي انطلق منها الكون المرئي وهي اللحظة صفر وهي تختلف كلياً وجوهرياً عن أية لحظة زمنية أعقبتها، ولشدة غموضها يتساءل البعض هل هي موجودة بالفعل؟ هل هي لحظة متخيلة كما وصفها اللاهوتي سانت أوغسطين على طريقته الخاصة عندما وصفها باللحظة الواقعية لكنها الخالدة والأزلية ؟ وبالنتيجة كل شيء يدور حول هذا المفهوم الغرائبي في الفيزياء. فالتساؤلات عن الأصل والبداية للزمن ليست بعيدة عن هذا المفهوم الميتافيزيقي الذي يبدو مبتعداً عن الحقل العلمي الفيزيائي، وهو الأمر الذي يسمح بالتساؤل هل للكون المرئي معنى، ويضع الله والعدم في حيز واحد، ومهما كانت التساؤلات صعبة وحساسة لكنها مسموحة. وسوف تبقى المسألة مطروحة على العلماء لعقود طويلة قادمة لأنه في الإجابة عليها يقبع الشرح بشأن الأصل الحقيقي للكون المرئي والمنظور. فستيفن هاوكينغ سبق أن صرح قبل أكثر من عقدين من الزمن وبالتحديد سنة 1989، في خاتمة كتابه موجز تاريخ الزمن :" لو اكتشفنا أو توصلنا إلى نظرية كاملة وشاملة وجامعة وموحدة فسوف يتعين عليها أن تكون في يوم ما مفهومة، في خطوطها العامة، من قبل كافة البشر وليس فقط من قبل حفنة من النخبة من العلماء والمتخصصين، وسوف يكون بوسع الفلاسفة والعلماء والعامة من الناس المشاركة في المناقشة حول مسألة معرفة لماذا يوجد الكون ولماذا نحن موجودون. وإذا عثرنا على الإجابة فسوف يكون ذلك بمثابة الانتصار الأقصى والفائق للعقل البشري، عندها سوف نتعرف على تفكير الله" ـ علينا بالطبع أن نأخذ المعنى المجازي لكلمة الله هنا لأن ستيفن هاوكينغ ملحد ويعتقد أن الكون ليس بحاجة إلى خالق لكي يوجد. قد تكون اللحظة قد حانت اليوم لنتساءل علمياً حول بداية العالم المادي الذي نعيش فيها وماذا كان يوجد قبله ومالذي سوف يأتي بعده. وبعد التدقيق في آخر النظريات العلمية السائدة اليوم والتي تدرس في الجامعات ويعمل في إطارها آلاف العلماء والخبراء، وهي نظرية التماثل أو التناظر الفائق La théorie de Supersymétrie ونظرية الأوتار الفائقة La théorie de Supercordes ونظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية la gravité quantique والنظرية أم La théorie M ونظرية كل شيء théorie de Tout التي تجاوزت في خطوطها العامة حدود المعرفة العلمية، والمبنية كلها على دعامتين أساسيتين للفيزياء المعاصرة وهما النسبية العامة والخاصة لآينشتين وميكانيكا الكموم أو الكوانتوم، والتي توصلنا إلى حقيقة باتت شبه بديهية ومتفق عليها بين العلماء وهي أن الكون المرئي الذي نعيش فيها هو جزء من كون أوسع وأكبر، هو الكون المطلق المكون من عدد لا متناهي من الأكوان Univers multiples، وإن الانفجار العظيم الذي حدث وتسبب في ولادة كوننا المرئي ليس حدثاً فريداً من نوعه بل متكرراً وعادياً مبتذلاً يحدث في كل لحظة كونية، و يؤدي كل بيغ بانغ أو انفجار عظيم منها إلى كون آخر إما مشابه أو مختلف عن كوننا المرئي ويسير وفق قوانين فيزيائية ذاتية، إما أن تكون مشابهة لقوانين كوننا المرئي أو مختلفة عنها كلياً، وهي الصيغة التي عرفت بالأكوان الفقاعات des Univers – Bulles كفقاعات رغوة الصابون، وليس كوننا المرئي notre univers observable إلا واحدة منها، أي هو ليس أكثر من إمكانية كوسمولوجية من بين عدد لامتناهي من الإمكانيات، ولكل منها واقعها الخاص، تكون متشابكة ومتداخلة أو متوازية تخضع لقوانينها الخاصة بها، باختصار إن كوننا المرئي ليس هو البداية ولن يكون حتماً هو النهاية. وباعتقادي أن الكون المطلق الممتد من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر يمكن أن يتكون من مجموعة من الأكوان – الجسيمات Univers - particules، فمثلما أن كوننا المرئي مكون من جسيمات لامتناهية في الصغر، وإن أصغر جسيم مكتشف فيها هو البرانات والأوتار التي هي دون الكواركات في الحجم، إلا أن هناك كينونة أصغر في كل جسيم تشبه، إن لم تكن هي ذاتها، النقطة الأولية التي سمتها الفيزياء بالفرادة singularité وهي أصغر من مكان بلانك، وتختزن في جوهرها مادة مكثفة إلى ما لانهاية وكتلة لانهائية ودرجة حرارة مهولة وبأعداد لامتناهية لا تعد ولا تحصى وكل واحدة من هذه الفرادات – الأكوان، يمكن أن تتعرض لتقلبات كوانتية fluctuations quantiques وتصادمات تقود إلى تفجرها كما حدث لفرادة كوننا المرئي وما أعقبها بعد الانفجار العظيم، من توسع وتضخم وتفاعلات قادت إلى تكون الغازات والمجرات والنجوم والكواكب والحياة، فهناك قبلها وبعدها مليارات المليارات المليارات من الحوادث المشابهة والأكوان المتعددة، حيث في داخل كل كون منها مواد وطاقات ومكونات تتدرج هي الأخرى من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر، ففي كل فرادة في اللامتناهي في الصغر هناك كون كامن، وكلها تعوم في الكون المطلق الحي العاقل الذي لا بداية له ولا نهاية ولا حدود، وهو في حالة حركة دائمة وخلق دائم عبر آلية الدوران والتذبذب والتقلبات الكوانتية، داخل الزمن الخيالي الذي يسبق الانفجار العظيم، والذي يولد لنا الزمن الواقعي الخاص بكل كون بعد حدوث البغ بانغ أو الانفجار العظيم الخاص به.
وهكذا فإن نظريات الخيال العلمي بالأمس هي النظريات العلمية اليوم ونظريات الخيال العلمي اليوم هي النظريات العلمية في المستقبل.
ولنسأل مرة أخرى الزّمن، ما هو؟
في استطلاع الرأي الأخير لمشروع "الخيال العلميّ، والحقيقة العلميّة"، أعلن المهتمون أنهم يرغبون بمعرفة ما هو الزمن، وهذه هي إجابة نسبية ناقصة أو قاصرة انبثقت بناءً على مقابلة أُجريت مع بول ديفيز Paul Davies، عالم الفيزياء النّظريّة في جامعة ولاية أريزونا ومدير بيوند BEYOND: مركز المفاهيم الأساسيّة في العلوم. يقول بول ديفز:" يعرف الجميع ما هو الزّمن، ونستطيع فعليًّا أن نشعر بوقع مضيّه، وهو يسير بنفس الاتّجاه باعتياديّةٍ مرعبة. لقد استعبد الزّمن العالم الغربيّ وأصبح سلعتنا الأنفس. لكن، أحِيلِ الأمر إلى علماء الفيزياء، وسيتحوّل ويُعوَجّ بل ويَتقوّض. فما هو الزّمن بالضبط؟
بالنسبة لكثيرٍ من النّاس على مرّ التّاريخ، كان الزّمن سيصبح مرادفًا لإيقاعات الطبيعة، ومرور الفصول ودورات الأجرام السّماويّة. وإذا بدت هذه الفكرة ساذجة اليوم، فذلك ليس فقط لأنّ السّاعات الحديثة أكثر دقة في حفظ الزمن عما كانت عليه الأجرام السماوية (Celestial bodies) في أي وقت، بل إنّها كذلك، أيضًا، لأنّنا أصبحنا نفكّر بالزّمن على أنّه شيءٌ كليّ، شيءٌ سيستمرّ في مسيرته حتى وإن توقّفت كل السّاعات، السّماوية منها وما صنعه البشر على حدٍّ سواء. طبعاً ليس هذا التعريف بالشيء البسيط القابل للفهم والاستيعاب والإدراك وماز لنا نلح بطرح السؤال ما هو الزمن؟
لقد كان تعبير نيوتن عن مفهوم الزّمن المطلق (Absolute time) الذي يمكن قياسه، والذي هو نفسه بالنسبة لكل المراقبين، هو الأكثر إيجازًا ووضوحًا: "إنّ الزّمن المطلق، الحقيقي والآلي، بقدرته الذّاتيّة، ومن طبيعته هو، أنه يتدفّق باطّراد دون علاقةٍ بأيّ شيءٍ خارجيّ". وهذا ليس هو نفسه زمن أينشتاين، فقد يوحي زمن نيوتن المطلق بأنه وصفٌ دقيقٌ للوحش الذي يحكم حياتنا اليوميّة، أمّا في العلم، فقد تحطّمت هذه الفكرة في العام 1905، على يد نظريّة النّسبيّة الخاصّة لأينشتاين، فقد "بيّن آينشتاين عدم وجود وقت كلّي"، كمّا يوضّح ديفيز، "فوقْتك ووقتي ستختلف بهما الخطى إذا ما اختلفت حركتنا." وبعبارة أخرى، فإن المدّة الزّمنيّة بين حدثين، يمكن أن تختلف تبعًا لمدى سرعة حركتك في الفترة التي تفصل بينهما.
تخيّل اثنين من المراقبين، واحد في قطار والثاني ثابت، يُرسل المسافر دفقة ضوء عمودية نحو الأعلى من مصباح يدوي. يَظهر المشهد من موقع المشاهد، على يسار الشكل: الدفقة تنتقل عموديًا إلى الأعلى، ويَظهر المشهد من موقع المراقب الثّابت، على يمين الشكل: يَظهر موقع المصباح اليدوي وسقف القطار في بداية ونهاية رحلة الدفقة باللونين الأسود والأزرق على التوالي. الدفقة تنتقل وهي مائلة قطريًا.
تكمن مسلّمة أينشتاين في جذور هذا الانحناء الغريب للزمن le courbure bizarre du temps (Time warping effect)، وتقول المسلّمة بأن سرعة الضّوء يجب أن تكون هي نفسها بالنسبة لجميع المراقبين، بصرف النظر عن مدى السرعة التي يتحركون بها. تخيل اثنين من المراقبين، أحدهما مسافر على متن قطار، والآخر ثابت على جانب سكّنه، وبينما يمر المراقبان ببعضهما، يطلق المسافر دفقة ضّوئيّة من مصباح يدويّ تشعّ عموديًا نحو الأعلى. سيختلف المراقبان حول المسافة التي قطعتها الدّفقة عندما بلغت سقف القطار، لأن المراقب الثابت أدرك، ليس فقط حركة الدفقة العمودية، بل وحركة القطار الأفقية أيضا.
وبما أنّ كلا المراقبين يقيس نفس سرعة الضّوء، ولما كانت السرعة هي المسافة بالنسبة للوقت، فهذا يفترض أنّهما يجب أن يختلفا أيضًا على الزمن الذي استغرقته الدفقة لقطع هذه المسافة. فالزمن نسبي للمراقب، أو حسب التعبير الذي يفضّله عالم الفيزياء كيب ثورن Kip Thorne، بأنّ الزّمن "شخصي".
نحن لا نلاحظ تمدّد الزّمن هذا في الحياة اليومية، لكنّه ليس من الصغر بحيث لا يمكن قياسه. "لو أنني طرت من فينيكس إلى لندن ثم عدت مرة أخرى، ثم قارنت ساعتي مع تلك التي تركتها في المكتب، فسوف تكونان مختلفتين بمقدار جزءٍ من المليار من الثانية"، كما يقول ديفيز. وهذا مقدار ضئيل بالنسبة للبشر، لكنّه يقع إلى حدّ مناسب في نطاق قدرة السّاعات الحديثة على القياس.
في الواقع، إنّ لتمدد الزّمن تأثيرٌ حقيقيٌّ على النّظام العالميّ لتحديد المواقع (GPS)، الذي أصبح الكثير منّا يعتمدون عليه في ترحالهم حول العالم. "يعمل هذا النظام مع الأقمار الاصطناعية التي تتحرك بسرعة كبيرة في مداراتها"، كما يوضّح ديفيز. و"إذا لم تأخذ بعين الاعتبار تأثير الحركة في تشويش الزّمن، فإنّ جهاز الـ GPS الخاص بك سيبدأ بمراكمة الأخطاء بسرعة كبيرة، إلى حدّ أنّك ستضيع خلال ساعة أو ساعتين. هذا إذن، تأثيرٌ حقيقي، وليس نوعًا من كوابيس عالِم رياضيات مخبول."
تصوّرُ أحد الفنانين للشّمس وهي تحني الزمكان، ومسبار كاسيني الفضائي يفحص النسبية، من خلال قياس مدى تأخر الإشارات بسبب الانحناء. Image courtesy NASA)) لكن الحركة ليست وحدها ما يشوش الزمن، ففي نظريته العامة للنسبية (General theory of relativity)، التي نُشرت في العام 1916، بيّن أينشتاين أن الثّقالة يمكنها أن تبطئ الزمن أيضا. وبدلاً من النّظر إلى الجاذبية كقوّة خفيّة تهبّ عبر الأثير (Ether)، رأى أينشتاين أنّها تأثير الأجسام الضخمة التي تشوّه نسيج المكان ذاته.
ومن التّشبيهات الشّهيرة هنا، مثال كرة بولينغ موضوعة على مِنَطّة (ترامبولين)، ما يؤدّي إلى تشكيل بؤرةٍ يمكن لبِلْيَةٍ قريبة أن تتدحرج إلى داخلها. ووفقًا لنظرية النسبية العامة، فإنّ الأجسام الضخمة مثل النّجوم والكواكب تحني المكان بطريقةٍ مشابهة، وهكذا "تجذب" الأجسام الأخرى التي تمر بالجوار، إلا أنّ أينشتاين أدرك أن الزمن والمكان مرتبطان ارتباطًا لا ينفصم، فيما أسماه الزمكان (Spacetime)، وبالتالي فإن الانحناء جراء الثقالة، لا يؤثر في المكان فقط، بل وفي الزمن أيضا.
يقول بول ديفيز،: "إنّ الثقالة تبطئ الزمن، بحيث يمضي أبطأ قليلاً في سرداب منزلك، منه على السطح". وهذا "تأثيرٌ ضئيل، ولكن بالوسع قياسه، حتى على مسافات بهذا الصغر. وإذا كنت ترغب بانحناءٍ ثقاليٍّ كبيرٍ بحقّ للزمن، فعليك أن تذهب إلى حيث يوجد مجال ثقاليّ كبير جدا.
على سبيل المثال، لو كانت لديك ساعة على سطح نجم نيوتروني، فإنها ستدقّ بما يقارب الـ 70٪ من معدل دقات ساعة على الأرض، أما الانحناء الأقصى للزمن، فيوجد على سطح الثقب الأسود، حيث، وبمعنى ما، يقف الزّمن ثابتًا بالنسبة لزمننا. وإذا ذهبت هناك، فإنك لن تلاحظ أي شيءٍ مميز عن الوقت، ولكنك إذا قارنت السّاعات بين الموقعين، فسيكون عدم التوافق بينها شاسعا" لقد خلص أينشتاين إلى استنتاجٍ مثيرٍ للاهتمام من النتائج التي توصّل إليها عن طبيعة الزّمن. ففي رسالة لعائلة صديقه ميشيل بيسو Michele Besso، الذي توفي مؤخّرا، كتب أينشتاين: "لأننا، نحن علماء الفيزياء، نعتقد أنّ الفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى وهم، إلا أنّه وهمٌ مقنع." ولما كان الزّمن نسبيًّا للمراقب، فإنه من المستحيل تقسيمه إلى ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل بطريقةٍ ذات معنى كلي. إنّ الماضي والحاضر والمستقبل، كلها، بمعنى ما، هناك في آن واحد.
ويضيف بول ديفيز قائلاً: "يُسمى هذا المفهوم أحيانًا كتلة الزمن (Block time)، لكنّي أفضّل أن أسمّيه المنظر الزمني (Timescape)، لأنّه مشابهٌ شيئًا ما للمنظر الطبيعي Landscape. فأنت إذا نظرت إلى خريطة، فستجد المنظر الطبيعي كله أمامك هناك فورا، وإذا أضفت الزمن إلى هذه الخريطة كبعدٍ رابع، فستجد أن الزمن كله هناك فورًا أيضا، وحقيقة عدم وجود شيء في الفيزياء يميّز لحظة محدّدة على أنها "الآن" هي معضلة."
وبالمناسبة، ليس في نظرية أينشتاين ما يحظر السّفر عبر الزمن، سواء كان ذلك إلى المستقبل أو الماضي، إلا أن هذا الأمر هو علبة ديدان لن نفتحها هنا، إذ يمكنكم القراءة عنها في مقالة كيب ثورن هل يجوز السّفر عبر الزمن؟، في مجلة Plus. (أو إقرأوا كتاب ديفيز "كيف تبنى آلة زمن").
سهم الزّمن:
إنّ التفكير في الماضي والمستقبل يقودنا إلى مشكلة أخرى راوغت العلماء والفلاسفة، لماذا يجب أن يكون للزمن أي اتجاه على الإطلاق؟ فمن الواضح جدا، وفي الحياة اليومية، أنّ للزمن اتجاها، وإذا شاهدت فيلمًا يُعرض معكوسًا، فستعرف ذلك فورا، لأنّ معظم الأشياء لها اتجاه زمني مميّز مرتبط بها، أي: سهم زمنيّ.
على سبيل المثال، يمكن للبيض أن يتحول إلى عجّة بسهولة، لكن ليس العكس، ويمكن للحليب والقهوة أن يمتزجا في كوبك، لكنهما لن يعودا للانفصال مجدّدًا أبدا.

المثال الأكثر دراميّة، هو تاريخ الكون كله، الذي، كما يعتقد العلماء، بدأ مع الانفجار الكبير منذ حوالي 13 مليار سنة، وأخذ في التمدد باستمرار منذ ذلك الحين. وعندما ننظر في ذلك التاريخ، والذي يتضمن تاريخنا نحن، فسيبدو الاتجاه الذي يشير إليه سهم الزمن واضحا.
"لكن المعضلة هي أن قوانين الفيزياء لا تُظهر أيّ تفضيلٍ للزمن المتقدّم إلى الأمام أو الزمن المتأخّر إلى الوراء"، كما يقول ديفيز. على سبيل المثال، إذا كنت تستطيع تحريك جسمٍ في اتجاهٍ واحد بتعريضه لقوّة، فحينئذٍ، كما يخبرك قانون نيوتن الثّاني للحركة، سيكون بوسعك أن تجعله يعود أدراجه بتعريضه لنفس القوّة في الاتجاه المعاكس، وبالتالي، فإنّك حين تشاهد فيلمًا يعرض هذه العملية، لن تستطيع التمييز بين ما إذا كان الجسم يتحرك إلى الأمام أو إلى الخلف، لأن كلا الاتجاهين ممكن على حدٍّ سواء.
"ولهذا"، يقول ديفيز: "إنّ المشكلة هي كيف نبرّر تباين الزّمن في الحياة اليومية، في حين أن القوانين التي تحكم جميع الذّرّات، التي تشكّل كلّ شيءٍ من حولنا، متناظرة في الزّمن". لقد بُذل كثيرٌ من الجهد حول هذه المشكلة التي تؤثّر في فيزياء أينشتاين تمامًا كما أثرت في وصف نيوتن الكلاسيكي للعالم.
نظامٌ أم فوضى؟
إلا أنّ العثور على الإجابة لا يمثّل صعوبةً كبيرة، فأكثر العمليات التي نشعر بأنها غير عكوس، هي تلك التي تبدأ "لأي سببٍ كان" في حالة ما من الخصوصية الشديدة والتنظيم العالي - يستخدم ديفيز رزمة من البطاقات كمثال على ذلك. عندما تفتح رزمة لأول مرة، فستكون البطاقات مرتّبة وفقًا للمجموعة والقيمة العددية. وعندما تخلطها لفترة من الوقت، فستفقد ترتيبها، لذلك يبدو أن الأمور ستنتقل دائمًا من النظام إلى الفوضى مع مرور الوقت-. ويضيف ديفيز: أنّنا "قد نعتقد بأنّ هذا أمر غريب جدا، إذ ليس في فعل الخلط شيءٌ يحدّد وجهةً في الزمن، ولكنّنا، على الرغم من ذلك، نرى سهمًا جليّا".

على أية حال، ليس في قوانين الفيزياء ما يمنع فعل الخلط من إنتاج مجموعةٍ مرتبةٍ تمامًا من البطاقات. كل ما في الأمر، هو أن حالة الانتظام هي واحدة فقط مما يبلغ مجموعه 8 × 1067 من الحالات الممكنة، وبالتالي، فإن فرصة مصادفة هذه الحالة ونحن نخلط البطاقات، هي فرصة متناهية الصغر إلى حدّ التلاشي، فهي صغيرةٌ جدًا إلى حدّ أنّها لن تحدث حتى في غضون أعمار عديدة من الخلط.
إن عدم التناظر الظاهر للزمن، إذن، هو في الواقع عدم تكافؤ في الفرصة. والأنظمة ذات العناصر الكثيرة - مثل كوبٍ كاملٍ من جزيئات الحليب والقهوة، أو وعاءٍ مليءٍ بجزيئات البيض - تتحول من النظام إلى الفوضى، ليس لأن عكس الاتجاه مستحيل، بل لأنه مستبعد جدا. هذا، باختصار، هو القانون الثاني للديناميكا الحرارية (Second law of thermodynamics)، الذي ينصّ على أن االإنتروبي (Entropy) - وهو أحد مقاييس الفوضى - في نظامٍ فيزيائيٍّ مغلق لا يتناقص أبدا.
إنه مبدأ إحصائي، وليس قانونٌ أساسيٌّ يصف سلوك ذرّةٍ مفردة. وسهم الزمن الظاهري يبرز كخاصية للنظام العياني، ولكنه غير موجود ضمن القوانين التي تحكم التفاعلات بين الجسيمات المفردة. وبحسب تعبير عالم الفيزياء جون ويلر John Wheeler، "إذا سألت ذرة عن سهم الزمن، فسوف تضحك في وجهك."
إن هذا ينطبق على الكون كله، أيضا. فلقد "بدأ الكون باستواء كبير وأخذ يتوسّع بتجانس"، كما يقول ديفيز. ومن وجهة نظر ثقالية، فإنّ الانفجار العظيم (Big Bang) كان حالة إنتروبي منخفض، ومنذ ذلك الحين يزداد الإنتروبي الخاص بالكون باضطراد، ومن هنا جاء سهم الزمن (Arrow of time).

السؤال الآن هو، لماذا بدأ الكون على هذا النحو الذي بدأ به. "إن سبب انفجار الكون وهو في مثل هذه الحالة المنظّمة، لا يزال لغزًا"، في رأي ديفيز. و"ليست هناك إجابة متّفقٌ عليها حوله، ويعود بسبب ذلك، جزئيًا، إلى عدم توافر نموذج توافقي لعلم الكونيات. فنحن جميعًا نعتقد أن الكون بدأ مع الانفجار العظيم، كما نعلم أنه يتمدد. ولكننا لا نعرف ما إذا كان الانفجار العظيم هو الأصل الأقصى للزمن، أو ما إذا كان هناك زمن قبل ذلك".
الزمن يختفي
لقد أغفلنا، حتى الآن، ذكر شيءٍ واحد، وهو أنّ نظرية أينشتاين، التي تصف العالم العياني وصفًا حسنًا على نحوٍ رائع، لا تنطبق على العالم المجهريّ و ما دون الذري. ولوصف العالم عند المستويات الذّريّة وما تحت الذّريّة، يجب علينا أن نلجأ إلى ميكانيكا الكموم (Quantum mechanics)، وهي نظرية تختلف جوهريًا عن نظرية أينشتاين، ويُعدّ التوفيق بين النظريتين، لتأسيس نظرية الثقالة الكمومية، هو الكأس المقدسة "أو الطموح الأقصى" للفيزياء الحديثة.
عندما صاغ شرودينغر وهايزنبرغ ميكانيكا الكم في عشرينيات القرن الماضي، كانا قد تجاهلا عمل أينشتاين، وعالجا الزمن بروح نيوتن، كشيءٍ مطلق يمضي في خلفية المشهد. وهذا يدلّنا بالفعل إلى سبب صعوبة التوفيق بين النظريتين، كما أنّ مكانة الزمن في ميكانيكا الكم تسبّبت، أيضًا، بمشاكل عميقة داخل النظرية نفسها، وأدّت إلى "عقودٍ من التشويش والغموض"، وفقًا لتعبير بول ديفيز.
لن نتطرّق لهذا التّشويش هنا، لكنّنا سوف نذكر الأحجية التي تتجلى عندما تحاول تطبيق ميكانيكا الكم على الكون ككلّ (وهو نهجٌ مثيرٌ للجدل، ليس كل علماء الفيزياء على اتفاق معه). "إذا حاولت أن تكتب وصفًا للكون كلّه من منظور ميكانيكا الكم، فستجد أن متغير الزمن يسقط فعلاً [من المعادلات]، فهو ليس موجودٌ على الإطلاق"، كما يقول ديفيز، فالزمن يُستبدل بعلاقات تبادلية.
"على سبيل المثال، قد يكون لديك علاقة تبادلية بين حجم الكون وقيمة حقل "مادي" ما، ويمكننا وصف هذه العلاقة التبادلية بقولنا إنه "كما يتطور الكون مع مرور الزمن ويكبر، فإن قيمة هذا الحقل تتغير". ونحن نستخدم هذه اللغة، لكن الواقع هو أنّ كل ما نتحدث عنه هو علاقة تبادلية "بين كميات مادية"، ويمكن أن يُزال الزمن تمامًا".
لقد فسّر البعض هذا ليقولوا بعدم وجود الزمن على الإطلاق، لكن ديفيز يختلف مع هذا التفسير. ويضيف: "أعتقد أن الزمن موجود تمامًا مثل الهواتف. إنّه شيءٌ حقيقيٌّ ويمكننا قياسه، لكن هذا يشير إلى أن الطريقة التي يدخل بها إلى وصفنا للعالم تختلف عن المقادير الأخرى التي اعتدنا عليها".
أحد الاحتمالات هو أن يكون الزمن، والمكان أيضًا، خصائص ناشئة للكون، وهي ليست جزءًا من المستوى الأدنى من الواقع (وهو المستوى الذي يحتوي الأشياء المادية المحسوسة من الواقع) "وبسبب الشروط الصارمة عند وقوع الانفجار الكبير، فلربما كان من الملائم أكثر أن يكون الوصف من حيث متغيرات أخرى. فنحن عندما نرى أنّ العالم ذو زمن ومكان محددين بوضوح "أو الزمكان وفق تعبير أينشتاين"، فإن هذه قد تكون مجرّد حالة خاصة ما للكون، نشأت عن الانفجار العظيم".
يستخدم ديفيز قطعة من المطّاط مثالاً على ذلك: فهي ذات مواصفات ماديّة تخصّها بالذات، مثل مرونتها، إلا أن هذه المواصفات غير موجودة على المستوى الذّريّ، بل هي نتيجةٌ للذرات والقوانين التي تحكم تركيبها بطريقة واحدة بعينها. وبالمثل، فربما حدث وأن أفضى الكون، في أثناء انخفاض حرارته بعد الانفجار العظيم، إلى نشوء الزمكان. وربما لو كانت حرارته قد انخفضت بطريقة أخرى، لما نشأ الزمكان. لكن، إذا لم يكن المكان والزمن أساسيّان، فما هي الخصائص الأساسيّة للكون؟ ليست هناك نظريّة متفّق عليها بين الناس. و"يمكننا ابتكار كلمات لوصفها، وقد فعل الناس ذلك، لكنها ليست أشياء سنلقاها في حياتنا اليومية. لذلك نحن فقط نلجأ إلى "التوصيفات الرياضية". وحتى لو تمكّنا يومًا من وصف الزمن والمكان من حيث شيء آخر، فإن ذلك لن يؤدي إلّا إلى دفع السؤال إلى مستوى آخر، إذ سيتوجب عليك حينها أن تفسّر هذا (الشيء الآخر)".
وهكذا، يبدو أننا لسنا أقرب إلى فهم ما هو الزمن مما كان عليه نيوتن - بل وربما كان فهمنا له أقل من ذلك حتى - لكن، من ناحية أخرى، ربما كان التفسير التّامّ للكون ليس مهمّة العالم، وإنّما مجرّد وصفه. أيّ "أن تفترض نظريةً ما، وعادةً ما تكون على شكل معادلاتٍ رياضية، ثم تختبرها في مقابل الواقع"، كما يقول ديفيز. و"إذا كانت فعّالة، فلا تجادِل حول مصدر تلك المعادلات، إنّها فقط أفضل محاولاتك لوصف العالم".
سواء أكان أساسيًا أو ناشئًا، أو مجرّد مجموعة مموّهة من الارتباطات، فالواقع هو أنّ ما نسميه الزّمن يتجلّى على نحوٍ لا يمكن إنكاره وكلّنا يعرفه، وحسب تعبير أحد أصدقائي، "إذا كنت تريد أن تعرف ما هو الزّمن، أنظر إلى وجهي فقط".
طبيعة الزمن:
ليس هناك ما هو أهم من طبيعة الزمن من بين كل الضغوط التي تواجهنا في حياتنا اليومية. حيثُ تمضي الأيام، والأسابيع، والأشهر، والسنوات قُدماً إلى الأمام، ويتحرك الزمن متجهاً باتجاه واحد دوماً، من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل.
ولكن وفقاً للفيزياء التي تسيّر كوننا، فإن نفس الأشياء ستحدث، بغض النظر عن اتجاه الزمن. والآن، يقترح فيزيائيون أن الجاذبية ليست قوية بما يكفي لتحريك كل شيء في الكون إلى الأمام بشكل دائم.
إذاً، هل الزمن كما نعرفه موجود فعلاً؟ أم أنه مجرد فكرة في أذهاننا؟ بداية، لنسترجعْ معلوماتنا حول ما يُسمى سهم الزمن.
بفضل سهم الزمن المتجه دوماً إلى الأمام، يصبح الشاب عجوزاً، ويتحول الماضي إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل. لن تستطيع أن تعيد البيض المخفوق إلى حالته السابقة، ولن تستطيع أن تتراجع عن كسر أصاب ساقك كما في الحاسوب بضغط Ctrl+Z.
ولكن، لننسَ وجهة نظرنا الخاصة قليلاً، ولنصعدْ إلى الأعلى لنرى الكون ككل، إلى أبعد ما يمكن، ويمكننا أن ندرك أن الشيء الوحيد الذي يحكم سلوك الكون هو قوانين الفيزياء.
تكمن المشكلة في أن جميع هذه القوانين - باستثناء واحد فقط - تعتبر مستقلة عن اتجاه الزمن، أي أن نفس الأثر سيحدث، بغض النظر عما إذا كان الزمن يتجه إلى الأمام أو الخلف.
كتب لي بيلينجز لمجلة ساينتيفيك أميركان: "سواء أكنا نتحدث عن جاذبية نيوتن، أو كهرديناميكية ماكسويل، أو نسبية أينشتاين العامة أو الخاصة، أو الميكانيك الكمومي، فإن أدق المعادلات التي تصف كوننا يمكن تطبيقها بغض النظر عن اتجاه الزمن."
أحد الأمثلة على خاصية "الاستقلال عن اتجاه الزمن" هو مسار كوكب يدور حول نجم، وفقاً لقوة الجاذبية. كما شرح لنا بريندان كول سابقاً هذا العام: "سواء أكان الزمن يتحرك نحو الأمام أو الخلف، فإن المدارات الكوكبية تتبع نفس المسار دائماً، والفارق الوحيد هو اتجاه المدار."
إذاً، هل الزمن قضية ذاتية؟ ربما هذا ما تقوله النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، غير أن هناك شيئاً يجب أن نقف عنده هنا، وهو القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
فوضى الزمن:
وفقاً للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، فإن مقدار الفوضى ـ أو الأنتروبية ـ في الكون سيزداد باستمرار مع مرور الزمن، وهذا يعيدنا إلى البيض المخفوق، فعندما تحل "الفوضى" في البيض، لا يمكن أن نتراجع إلى الخلف ونقلل من كمية الفوضى المطبقة.
يشرح كول قائلاً: "لهذا السبب، فقد قرر الفزيائيون - على مضض - اعتماد القانون الثاني في الديناميكا الحرارية كمصدر لاتجاه سهم الزمن، أي أن مقدار الفوضى يجب أن يزداد دائماً بعد حدوث أي شيء، ما يعني أن الزمن يتحرك في اتجاه واحد فقط."
إنْ بدا لك كل هذا في منتهى الغرابة، فأنت محق تماماً.
بدأ الكثير من الفيزيائيين يشكّون أنه عندما تجبر الجاذبية مقداراً كافياً من الجسيمات الصغيرة على التفاعل مع بعضها، يظهر سهم الزمن المتجه إلى الأمام، وتزداد الأنتروبية. ومن ثم تنقلب القواعد نحو كون أكثر استقلالية عن اتجاه الزمن، فقط ما إن تبدأ هذه الجسيمات الصغيرة بالتفاعل مع أجسام أكبر بكثير.
ولكن حتى ينجح ذلك، يجب أن تزداد الأنتروبية أولا، ما يعني أن الكون في بداية هذه التجربة يجب أن يكون أكثر "ترتيباً" مما أصبح عليه الآن، وهو شيء حاول بعض الفيزيائيين تفسيره باقتراح وجود أكوان موازية يتحرك فيها الزمن إلى الأمام، والخلف، وبشكل جانبي، وبجميع الاتجاهات.
في محاولة لحل إحدى أكبر ألغاز العلم الحديث، قرر فيزيائيان اختبار الفرضية القائلة بأن الجاذبية هي التي تتسبب بكل هذا الجنون.
نظرة جديدة:
تسمى النقطة التي تنتقل عندها الجسيمات من الخضوع لسهم الزمن إلى الخضوع لقوانين الكون المستقلة عن الزمن؛ بنقطة الانفصال.
كما يشرح نيك ستوكتون لمجلة وايرد، فإن أبرز فرضية لتفسير نقطة الانفصال هي معادلة ويلر–ديويت، والتي تتنبأ متى تختفي الحدود بين الميكانيك الكلاسيكي والكمومي بفضل الجاذبية.
إلا أنه، عندما أجريت قياسات على الجاذبية باستخدام معادلة ويلر – ديويت، وذلك من قبل الفيزيائيين ديمتري بودولسكي من جامعة هارفارد، وروبرت لانزا رئيس أستيلاس للطب التجديدي، وجدا أن الحسابات باستخدام هذه المعادلة لا تفسر فعلياً كيفية ظهور الاتجاه الأمامي للزمن.
في الواقع، لقد استنتجا أن تأثير الجاذبية أبطأ من أن يعتبر مقياساً عالمياً لاتجاه الزمن.
يوضح ستوكتون أنه إذا كانت الجاذبية أضعف من أن تحافظ على تفاعل الجسيمات أثناء عبورها نقطة الانفصال نحو شيء أكبر، فمن المستحيل أن تكون قوية بما يكفي لتجبرها جميعاً على التحرك بنفس الاتجاه الزمني.
كتب لانزا لمجلة ديسكوفر: "يظهر بحثنا أن الزمن ليس موجوداً حولنا ببساطة، متجهاً من الماضي إلى المستقبل، ولكنه بالأحرى ظاهرة ناجمة عن قدرة المراقب على حفظ المعلومات حول الأحداث التي اختبرها."
إن هذا يمثل اقتراحاً بأن سهم الزمن أمر ذاتي، ويتم تحديده من قبل المراقب، أي نحن.
قال لانزا لمجلة وايرد: "في أبحاثه عن النسبية، بيّن آينشتاين أن الزمن نسبي بالنسبة للمراقب. وقد انتقلنا إلى ما هو أبعد من ذلك في بحثنا، حيث طرحنا فكرة أن المراقب هو من يتسبب بنشوء الزمن فعلياً".
بالطبع، إن هذه الفكرة مثيرة للجدل، حيث إن ياسونوري نومورا - وهو فيزيائي غير مشترك في الدراسة، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي - يوضح أن الفيزيائيَيْن قد فشلا في أخذ نسيج الزمكان بعين الاعتبار، إضافة إلى أنه يجب عليهما أن يضيفا ميزة ليست موجودة حتى بشكل مؤكد إلى معادلة "زمن المراقب".
يقول نومورا: "تعتمد الإجابة على إمكانية تعريف مفهوم الزمن بشكل رياضي بدون تضمين المراقبين في النظام".
إن أردنا تفسير غرابة الزمن في الكون، فنحن لم نتوصل إلى ذلك بعد، ولكن، كما يقترح لانزا وبودولسكي، ربما قد أغفلنا شيئاً ما. وكما اقترح باحثون في وقت سابق من هذا العام، فقد يكون هذا الشيء هو الطاقة المظلمة.
الزمان اللغز الأهم في الكون المرئي
لا يمر مؤتمر علمي مكرس لعلم الكون، يكون مفتوحاً للجمهور العريض وليس للنخبة العلمية المتخصصة فقط، إلا ويطرح فيه سؤال يتوج باقي الأسئلة ألا وهو: "أين الله من كل ذلك وهل هو خارج الزمن؟" وينتظر الجمهور من العالم المحاضر جواباً شافياً، أو على الأقل معرفة ما إذا كان هذا العالم المحاضر مؤمناً بالله أم لا. وفي أغلب الأحيان يتملص العالم المحاضر من هذا الفخ الذي يتوقعه قبل البدء بمحاضرته، على غرار العالم الشهير الماركيز بيير سيمون لابلاس عندما سأله الإمبراطور نابليون معقباً على بحث لابلاس العلمي حول الكون الذي قدمه لنابليون عندما سأله هذا الأخير: "وأين الله من كل ذلك؟ فأجاب لابلاس: "يا سيدي لست بحاجة إلى هذه الفرضية إن مثل هذا الرد لا يدل على تصريح علني بالإلحاد كما يعتقد كثيرون بل هو مجرد اعتراف باللاأدرية وإن هذا النوع من الأسئلة لا يقع في نطاق الحقل العلمي البحت. فعلم الكون يكتفي بإعادة تشكيل وترتيب الأحداث في الماضي والحاضر في التاريخ الكونيانطلاقاً من الملاحظات والمشاهدات والرصد والتجارب المختبرية والنماذج النظرية المفترض بها أن تقدم أفضل تصور ممكن للكون المرئي في إطار نماذج البغ بانغ ـ الإنفجار العظيم وتحاول أن تقترب أكثر ما يمكن من الظروف التي سبقت ظهور المكان والزمان والمادة إبان وقوع حدث عمم في الماضي ألا وهو حدث الإنفجار العظيم.
إن الصيغة الرياضية لهذا الحدث ـ اي الفرادة، حيث إنحناءة الزمكان تكون لا نهائية، تنطوي على أن الانفجار العظيم لا ينتمي إلى المتغير الهندسي للزمكان، وبالتالي لا يعتبر الكثير من العلماء الانفجار العظيم حدثاً وإنه لم يقع أو لم يحدث ومن هنا فهو يفلت من حقل نظرياتنا الافتراضية. لا ينبغي أن نرى في هذا المصطلح الغامض وغير القابل للاختراق وسبر أغواره وكشف سره مجازاً مرادفاً لعملية الخلق أو صنواً أو تجلياً لتفكير الله حسب تعبير بعض الكتاب. فعلم الفيزياء لا يعمل على كشف مساهمات أو نوايا الخالق بل يوفر وسيلة لفهم الطبيعة والسيطرة عليها من خلال اكتشاف قوانينها المسيرة لها وذلك عبر سيطرتنا على الأحداث والظروف وفق رغباتنا وتمنياتنا.
بيد أن هذا لا يمنع من طرح سؤال كوزمولوجي أصيل وهو:"هل للكون المرئي أو المادة المكونة له بداية أو أصل زمني؟ مع الأسف الشديد حولت هذه المسألة العلمية الشائكة، وبطريقة مشوهة ومزيفة، إلى مشكلة خلق وخالق، أي مشكلة روحانية ثيولوجية وجودية غيبية ماورائية وميتافيزيقية. وإن هذا الانزلاق الخطير يستند على فكرة الخلق بالضرورة إلى تدخل عامل خارجي أو علة من خارج العالم الفيزيائي لذلك استغلت المؤسسات الدينية هذا اللبس، إذ أن نموذج الانفجار العظيم وفرضه لوجود بداية للكون المرئي في زمن محدد في الماضي، توحي لأول وهلة بوجود عملية خلق على يد خالق وبسبب ذلك جاءت ردود فعل عكسية معارضة لهذه الفرضية أو النموذج من قبل علماء مرموقين من جراء الانحرافات الميتافيزيقية لأنصاره ومحاولات التجيير التي قام بها الثيولوجيين ورجال الدين لهذا الموضوع. وسرعان ما تعدت الاعتراضات الإطار العلمي وانحرفت به إلى ما عرف بالجوانب والملامح الفلسفية والدينية للانفجار العظيم.
كان العالم الفيزيائي الشهير الكسندر فريدمان من أوائل من صاغ بعبارات نسبوية مفاهيم الكون المتمدد والفرادة الكونية، لم يمنع نفسه من أن يرى في هذا الحدث تبعات وإسقاطات ميتافيزيقية في الحديث عن خلق العالم من لا شيء. وفي مذكراته نعثر على مسودة لم تنشر وقد ضاعت أصولها، تحمل عنوان:" عملية الخلق، لا أحد يعرف ما هو مضمونها ولكن من المحتمل أن فريدمان، الذي كان مؤمناً متحمساً، قد طور فيها وجهة نظر فقهية ثيولوجية أكثر مما هي علمية في حين تعمد العالم والراهب البلجيكي جورج لوميتر المبتكر الثاني لفرضية الإنفجار العظيم، ووضع فصل حاد وراديكالي بين العلم والدين مؤكداً بأننا لا يمكننا أبداً إختزال الكائن الأعظم "الله" في خانة فرضية علمية. ورغم ذلك لم يحمه موقفه من شكوك آينشتين حيال موضوعيته بخصوص هذه المسألة، أي مسألة الخلق الرباني المستقل والمباشر كما ورد وصفه في الكتب الدينية المقدسة كسفر التكوين.
في سنوات الخمسينات من القرن العشرين المنصرم استخلص عالمان في انجلترا هما إدوارد ميلن وإدموند ويتاكير تداعيات ثيولوجية خطيرة من الكوزمولوجيا النسبية الآينشتينية كما فعل نفس الشيء البابا بي الثاني عشر في 22 نوفمبر سنة 1951 نظرية أو فرضية الانفجار العظيم لدعم تأكيده أمام أكاديمية الفاتيكان ليثبت وجود خالق للكون من خلال تصريحه: "يبدو في الحقيقة أن العلم اليوم يعود القهقري لملايين من القرون، وقد نجح في أن يكون شاهداً على هذا العزم أو القرار الطوعي الرباني الأصلي أو الأساسي، أي لتلك الحقبة التي انبثق فيها الكون من بيد يدي الله الخالق بفعل إرادة ربانبة". إلا أن العالم لوميتر أصر على أن تبقى نظريته الكونية خارج أي مسألة ميتافيزيقية أو دينية إذ أن لهذا التجيير المسيحي لفرضية البغ بانغ الانفجار العظيم تبعات وتأثيرات كارثية في الاتحاد السوفيتي إبان العهد الستاليني حيث كانت العقيدة الرسمية تقول أن الكون لا نهائي في المكان والزمان وبالتالي وجهت أصابع الاتهام لكوزمولوجيا البغ بانغ * باعتبارها انعكاس لنزعة مثالية برجوازية رجعية. وقد أبدى العلماء الروس في ذلك الوقت اشمئزازهم من الانخراط في دراسات كوزمولوجية من هذا النوع. حتى أن مثقفاً علمياً ذو تأثير كبير على الثقافة العلمية باعتباره رئيس تحرير المجلة العلمية ذائعة الصيت وهي مجلة الطبيعة وهو جون مادوكس قد صرح أن كوزمولوجيا الانفجار العظيم غير مقبولة فلسفياً لأنها تبرر وجهات نظر أنصار عملية الخلق الإلهي.
أغلب الأدبيات المكرسة لموضوع الكون والفلسفات التي تتعاطى مع موضوع الكوزمولوجيا تقع في سوء فهم وخلط دائم في تفسير السؤالين الخطيرين التاليين: هل للكون الفيزيائي المرئي أصل زماني؟، وإذا كان الجواب بالإيجاب فماذا تقول لنا الكوزمولوجيا الفيزياء بهذا الصدد؟ وثانياً: "ماذا يقول لنا العلم الحديث بهذا الشأن؟ السؤال الأول علمي قح حتى لو كانت بعض الإجابات ليست كذلك. أما السؤال الثاني فهو ليس علمي بتاتاً بل يتضمن نفحة فلسفية ـ دينية ـ ثيولوجية. فمسألة الخلق تختلف وتتميز عن مسألة الأصل الزماني والمكاني. فليس لأن معرفة الأصل علمياً غير ممكنة في الوقت الحاضر وبالتالي يدعونا ذلك لطرح قضية الخلق الإلهي. فعدم القدرة للتوصل علمياً لمسألة الأصل تترجم حقيقة أنه حتى بوجود أفق لمعارفنا الرصدية ومشاهداتنا فإنه يوجد أفق لمعرفتنا النظرية. لقد اعتقد علماء الفيزياء في الماضي، في سنة 1830، أن علم إسحق نيوتن قادر على كشف ماضي وحاضر ومستقبل الكون وبإمكانه الإجابة على أي سؤال، لكنهم كانوا مخطئين بالطبع. وحتى في زماننا الحالي، وبالرغم من كل التقدم العلمي والتكنولوجي، ما تزال توجد حدود جوهرية للعلم حيث أن البشر لا يكتفون بالمعرفة بل يبغون الوصول إلى اليقين كما قال برتراند رسل.
الزمان هو اللغز الأهم في الكون:
الزمان الكوني والزمان البشري :Le temps cosmique et le temps humain
قال أحد الحكماء أن أهم وأعقد كائن عضوي في الوجود هو العقل إلا أنه مايزال عاجزاً أمام لغز الزمان. كما سئل أحد كبار فلاسفة الدين المسيحي: "ماذا كان الله يفعل قبل خلق البشر، أجاب الفيلسوف ورجل الدين المسيحي الشهير: "أنه كان يعد جهنم لمن يطرح مثل هذه الأسئلة".
إن مفهوم الزمان في الفيزياء وعلم الكون أمر معقد ومتطور دوماً. فما هو الزمان؟ لم يتمكن، لا الفلاسفة ولا العلماء ولا رجال الدين، من تقديم إجابة شافية وافية ونهائية على هذا السؤال. يمكننا أن نضع تحت المجهر مختلف الرؤى، وعدد كبير من المفاهيم والتعريفات الخاصة بالزمن وفق تعاطي رجال العلم معها عبر مختلف مراحل تطور العلوم والنظريات العلمية. فلقد تطور مفهوم الزمان علمياً منذ عصر نيوتن إلى عصر الكوزمولوجيا الحالي، مروراً بالمفهوم الآينشتين للزمان. يحضرني بهذا الصدد قول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه حينما قال مازحاً: "هل ياترى لدى الزمان ما يكفي من الوقت؟".أي علينا أن نفرق بين الزمان والوقت. فغالباً ما يثير مفهوم الزمان الحيرة لدى البشر. أما كان من الأجدر والأبسط أن يتصرف الزمان على نحو بسيط كما هو حال المكان، ويصبح بإمكاننا وببساطة العودة إلى الوراء في الزمان وتصحيح خطأ ما أو اقتناص فرصة ضاعت علينا؟ ولماذا لانستطيع شراء قطعة من الزمان كما نشتري قطعة من المكان خاصة مع ازدحام المواعيد ومرور الوقت بسرعة مذهلة؟ الحقيقة المرة هي أن الزمان يتحكم بحياتنا. فكل شيء يسير بسرعة دون أن ننتبه أننا نستهلك المستقبل. وبعد أن يعصرنا الزمان ويرغمنا على الاستعجال يمر بنا وهو غير آبه، مستمراً في طريقه بالرغم من كل من يعتمد عليه. هذا هو إحساس كل واحد من البشر ممن يفكرون بالزمان ولو لبرهة قصيرة. ونتساءل لماذا يختلف الزمان عن المكان كما نعتقد في حين أثبتت نسبية آينشتين أن الزمان ملازم للمكان ومندمج به وإن بإمكان أحدهما أن يتحول للآخر، أي أن يصبح الزمان مكان والمكان زمان؟
مفاهيم الزمان
الزمان كما ندركه ونفهمه نحن البشر ونتعاطى معه كل يوم باعتباره الوقت الذي يمر علينا، يتميز بسيره وجريانه الذي لا يقاوم وإن كان بصورة غير منتظمة وإن هذا التقدم باتجاه واحد هو الذي يفصل أو يميز بين الماضي والمستقبل بوضوح. فلدى كل واحد منا ذاكرة وذكرى واضحة عن أحداث الماضي مما يجعلنا حساسين ومدركين لمفهوم المستقبل. فالماضي القريب جداً هو في الحقيقة مستقبل الماضي البعيد. وإن بعض الوقائع والأحداث، مهما كانت عادية وتافهة، إلا أن لها تأثيرات مباشرة مما يجعلنا نشعر وندرك علاقات السببية ويحدونا للتفكير بأن تسلسل الحوادث يمكن أن يتكرر أو يحدث مرة أخرى إما بصورة متطابقة أو مختلفة بشكل طفيف.
كان موضوع الزمان من المحرمات لفترة طويلة لأنه بالضرورة سوف يتطرق لموضوع الله وهل إن هذا الإله قابع خارج الزمان أم داخله؟ وهل الزمان يسبق الوجود الإلهي إذا كانت هناك عملية خلق للوجود؟ وكثير ما طرح الفلاسفة السوفسطائيين في سجالاتهم السؤال المحرم والخطير وهو: "إذا كان الله هو الذي خلق الكون وما فيه فمن الذي خلق الله؟ وبرغم المحذورات والمحظورات الدينية لم يمتنع البشر عن التساؤل دوماً عن مفهوم الزمان الحقيقي، وتكون إجابة الإنسان العادي غير العالم أو غير المتخصص: "أن الزمان هو قياس للمدة أي قياس للتغيير ولما حدث ويحدث بين الماضي والحاضر والمستقبل. وفي هذه الحالة فإن الزمان مشخص من خلال دور الفعل النفسي ـ السايكولوجي للإنسان تجاه العالم المحيط به ويعتمد على الشعور بانقضاء المدة الذي يحس به الكائن البشري داخل وعيه في حين يتمثل الزمان بالنسبة لعالم الفيزياء بأنه مجرد ثابتة محددة تتوقف عليها دالة رياضية من المتغيرات المستقلة أو معيار مفيد لوصف وشرح وتفسير تصرف أو سلوك المادة من المجال الميكروسكوبي اللامتناهي في الصغر إلى المجال الماكروسكوبي أو الكوزمولوجي اللامتناهي في الكبر. أما بالنسبة للفيلسوف فإن الزمن هو بالضرورة أعمق وأعقد بكثير مما يشعر به الإنسان وذلك بفضل التصور والتمثل الذي يقوم به الإنسان تجاه الكون والمكانة أو الموضع والموقع الذي يحتله هو فيه، بينما يعتبر عالم الاجتماع وعالم الانثروبولوجيا الأنسنة أن الزمن ليس سوى وسيلة لقياس مدى تطور المجتمعات البشرية ويمكن لعالم الأحياء البيولوجيا وعالم طبقات الأرض الجيولوجيا توسيع مفهوم الزمن وربطه بتطور الأنظمة الحياتية البيولوجية والجيولوجية أي بما يتعلق بعمر جسدنا البشري وعمر كوكبنا الأرض.
سنعرج خلال هذه الرحلة مع الزمان على مفاهيم، الزمان الذاتي والموضوعي، والزمان الخاص والعام، الزمان النسبي والمطلق، الزمان الحالي والقادم، الزمان المحلي والكوني،، الزمان المنتهي واللامنتهي، الزمان المحدود واللانهائي، الزمان المعنوي والزمان الرياضي، ومفاهيم القبل والبعد والأثناء والخلال التي تتعلق بالوقت، الخ...
هناك تمييز بين مفهومين أوليين للزمان، أحدهما ذاتي والآخر موضوعي فالزمن الذاتي هو وصف لإطار مرجعي يتعلق بموضوع عام في حالة تفاعل مع العالم وهو ليس بالضرورة موضوع بشري. إن الرد الفيزيائي الفوري الناجم عن هذا التحديد بشأن كيان يعتبر جزءاً من العالم المادي مثل الساعة، على سبيل المثال، يتأثر بصيرورة متطورة مثل سريان أو عمل النابض الميكانيكي للساعة الذي هو زمن ذاتي. وعلى العكس فإن القياس الذي نستخدمه لتسهيل التعبير عن مثل هذه الإجابة، مثل خلق ترابط مع سلم الزمن يكون متوازناً ومضبوط عيارياً وهذا ينتمي للزمان الموضوعي. يمكننا أن نتخيل الزمن عبارة عن سلم موجود في مكان غير محدد الأبعاد ــ فراغ ــ لا نعرف بداية ـ أسفله الممتدة في اللانهاية، ولا نعرف له نهاية ـ أعلاه ـ الممتد في اللانهاية أيضاً، أي ممتد من نقطة لا نهائية أو موجودة في حيز لا نهائي إلى نقطة لا نهائية. ويمكننا أن نتخيل إنسان أو شخص يتسلق هذا السلم في موضع ما في هذا السلم حيث يضع قدميه على إحدى درجات السلم ولا نعرف في أية لحظة بدأ التسلق. فالسلم هنا هو التمثيل الكلاسيكي للزمان المطلق والإنسان يتنقل على سلم الزمان الذي يمكن أن يمتد إلى اللانهاية نحو الماضي وإلى اللانهاية نحو المستقبل، أما لحظة وضع قدم الإنسان على درجة السلم فهي لحظة الحاضر. فالزمان المطلق من هذا المنظور هو بحد ذاته كيان أو كينونة موجود ومستقل بذاته سواء تسلقه إنسان أم لا فهو موجود بمعزل عنه.
بلغة الفيزياء، يجري التعبير عن هذين المفهومين كالتالي: بما أن الخصائص الثابتة أو اللامتغيرة للعالم هي موضوعية بطبيعتها فإن الأجوبة المثارة تجاهها بمظاهرها تعتمد أو تتبع للصفات أو الملامح الخاصة للكينونات الفيزيائية التي تجيب. ويمكن لكينونة فيزيائية أن تعبر عن رداتها الذاتية على الخصائص والسمات الموضوعية للعالم وذلك باللجوء إلى لغة يمكنها التعبير شمولياً أو كونياً بصورة تجعل باقي الكينونات الفيزيائية تتفاعل وترد على تلك الخصائص ويمكنها أن تترجم لغاتها داخل هذه اللغة الكونية. وبهذه الطريقة فإن كل واقع قادر على الإجابة أو رد الفعل على خاصية فيزيائية للعالم يمكن أن تتفق بشأن الطبيعة الموضوعية لتلك الخاصية الفيزيائية بمعنى أنها مستقلة عن طبيعة تفاعلاتها مع العالم. يمكننا وضع هذين النوعين من الزمان على علاقة فيما بينهما في ظرف محدد، مثلاً أن نضع الزمان المبرمج على مينا الساعة (الزمان الموضوعي وسير زنبرك أو نابض هذه الساعة الزمان الذاتي) لهذا نتحدث عن الزمان في الحالتين بنفس التعبير. على أنه من المهم عدم الخلط بين المفاهيم المتميزة بعضها عن البعض الآخر. بعبارة أخرى، إن الزمن الموضوعي هو إجراء تجريدي يستخدم لتسهيل التعبير عن قوانين الطبيعة، أما الزمان الذاتي فيتماشى أو يتناسب مع رد الفعل الفيزيائي لجسيم مادي أو التعبير من قبل فرد بطريقته عندما يعي مدة معينة أو فترة زمانية لنمعن بعملية تحدث لنا يومياً وهي أن نقرأ الزمان على ساعة اليد إذ أن ما نلاحظه في واقع الأمر هو الرنين المستمر لزنبرك أو نابض معدني ـ الحلقة المعدنية أو الوشاح وضعت بصورة اصطناعية داخل تشكل أو مظهر أو هيئة للطاقة العالية وهي الممدودة نحو الحد الأقصى المتروكة لنفسها أو السائبة وهي تنحو للعودة إلى حالتها من الطاقة الأدنى ولو ربطنا عجلات مسننة بعقارب بنزبرك أو نابض فإن عقارب الساعة تبدأ الحركة والدوران وتؤشر لمجموعة من الأعداد المرسومة على مينا الساعة بصورة تتقاطع مع رنين النابض على فترات متساوية ومنتظمة، أي أننا اخترعنا سلم اصطناعي للزمن يسمى بسلم الزمن الذي يتيح لنا قياس أو حساب المدة أو الأجل الزماني لصيرورات فيزيائية أخرى بمقارنتها بنبضات النابض وينبغي أن يكون ماثلاً أو شاخصاً و حاضراً في الذهن أن سلم الزمن ما هو إلا اتفاق أو عرف وضع من أجل وصف تطور الصيرورات الفيزيائية. لقد قارنا الزمان الذاتي بتظاهر أو تجلي التفاعلات والتداخلات الفيزيائية وقارنا الزمان الموضوعي باللغة ولكن ما المقصود باللغة؟ اللغة العادية هي عبارة عن مجموعة كلمات مرفقة بقواعد النحوأي بنية منطقية تسمح بالربط بين الكلمات وبدونها لن يكون هناك معنى لمجموعة الكلمات. فالزمان الموضوعي بالنسبة للعلماء هو أيضاً لغة بالمعنى الذي عرضناه أعلاه أي أداة تتكون من النقاط أو النسق والإحداثيات تشبه الكلمات أو تقارن بالكلمات وبحروف الجر والضمائر وبالبنية المنطقية الرابطة ولهذه الأخيرة جزء جبري وجزء هندسي ومحدد للعلاقات والجزء الجدي يسمح بتعداد النقاط الزمانية ويحدد قوانين تركيبتها.
المادة والزمان في الفيزياء الكلاسيكية:
ترجم نيوتن في القرن السابع عشر الزمان الموضوعي باعتباره سلماً مطلقاً ينبغي استخدامه لقياس مدة أو فترة تحد الأشياء واعتبر مثل هذا السلم بمثابة كينونة في الكون حيث أن جميع الأشياء المادية موجودة هي أيضاً داخل هذا الكون. فلو عدنا إلى مثالنا السابق عن الشخص الذي يتسلق سلم الزمان يمكننا أن نحدد أين يوجد بمجرد تشخيص القضيب الذي يشكل العتبة أو الدرجة التي يضع عليها الشخص قدمه والتي وصلها أثناء تسلقه، لكننا نستطيع القول أن السلم موجود هنا بمعزل عن الشخص سواء تسلقه هذا الشخص أم لا، إنه محور للزمن الموضوعي. يمكن أن تكون هناك نقطة إنطلاق على السلم، أي بداية للزمان أو أن نتخيل سلم لا نهائي يمتد بلا حدود وبما لا نهاية نحو الماضي ونحو المستقبل من نقطة ما في الحاضر حيث يقف الشخص.
إستناداً لنيوتن يمكن وصف القوانين التي تحكم وتسيير الطبيعة بمعادلات الحركة التي تتيح لنا أن نتنبأ ونتكهن أو نتوقع عمل مختلف الذرات في الكون الواحدة على الأخرى مكملة بشروط على الحدود المفروضة على حلولها أو مخارجها ومفاتيحها، وبأن تلك المعادلات هي التي تتوقع أو تتكهن بمسارات جميع العناصر المكونة للكون بكل ما فيه من مجرات ونجوم وكواكب وغازات كونية وكتل مادية مرصودة في مواقع ما أو أجسام مضيئة ومادة مرئية ومادة سوداء وطاقة ملموسة ومقاسة وطاقة معتمة أو داكنة أو مظلمة وسدم ومواد وطاقات أخرى خفية وغير معروفة أوغير مكتشفة بعد. لو عدنا إلى ما قبل نيوتن بألف عام، في فترة الإغريق القديمة، نجد أن الفيلسوف أرسطو أدخل مفهوم الزمان الموضوعي ولكن بطريقة مختلفة. فالزمان كان مقياس للحركة واعتبرت الحركة ذاتها ككيان مجرد أو تجريدي وأنها تحدد وتوسم قدرة الجسم المادي على الانتقال إذا تعرض لظروف خاصة وإذا تواجد في موقع أو مكان محدد وخاص في المكان أو الفضاء و لا توجد أية صيغة هندسية ترافق هذا المفهوم للزمان وإن تحقق الحركة الكامنة هو الذي يوسم بالتنقل والتحرك فأرسطو يعتقد أن جسم ما يكون في حالة حركة لأنه تلقى تلك الحركة من مصدر خارجي أي أنه لا توجد بداية للحركة مما ينطوي على ذلك مد لا نهائي للزمن نحو الماضي ونحو المستقبل، وفي هذه الحالة يغدو من المنطقي القول أن المادة ـ الكيان المستقل عن الزمان ـ ممكن أن تتشكل في لحظة محددة من الزمان محتوية حركة كامنة تبدأ من الزمان نفسه باعتباره مقياس لهذا الكمون الحركي للجسم المادي يمكنه أن يمتد ويتحرك من لا نهاية الماضي إلى لا نهاية المستقبل. وبعد مرور 1500 سنة في العصور الوسطى عارض الفيلسوف والفقيه الثيولوجي اليهودي الميمون أفكار أرسطو وقال، استناداً إلى مبدأ الخلق من العدم، بتعريف للزمان مخالف لتعريف أرسطو. فبالنسبة للفيلسوف اليهودي إن الزمان ليس سوى تجلي للمادة فعند عدم وجود مادة فلا مجال للحديث عن الزمان لأنه هو أيضاً سيكون غير موجود وحسب النصوص العبرية المقدسة، عندما خلقت الطبيعة من العدم خلق معها الزمان والفرق في مفهوم الزمان بين أرسطو والميموني يشبه الفرق بين التعريف الكلاسيكي للزمان المطلق الذي قدمه نيوتن والتعريف الأحدث الذي قدمه آينشتين وفق معايير نظريته النسبية وهو بالطبع تعريف نسبوي ثوري لأنه أدمجه بالمكان في وحدة عضوية وجعله بعداً رابعاً لشيء جديد أسماه الزمكان في وحدة موضوعية لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى.

العلية والحتمية:
إن العلاقة التضمينية الناجمة عن تعريف الزمان وفق مبدأ العلاقة بين العلة والمعلول والسبب والنتيجة قد نوقشت باستفاضة من قبل علماء ومفكرين منذ الفترة التي سبقت عصر النهضة وبات من البديهي القول آنذاك أن السبب يسبق النتيجة وإن إمكانية التمييز بينهما تفترض وجود نظام ونسق وترتيب في جريان وسريان الزمان إلا أن صعوبات أو معضلات منطقية ظهرت أو برزت عندما حاول البعض تعريف الزمان كاستمرارية من العلامات أو النقاط وإن هذا التعريف الجديد ضروري إذا شئنا وصف الحركة باعتبارها تغير مستمر في عناصر التحديد أوالإحداثيات المكانية بالنسبة للزمن إذا ما تقبلنا أن المكان هو أيضاً استمرارية فالتمييز بين السبب والنتيجة أو العلة والمعلول ينجم عنه إختلاف خفي بين لحظات القبل والبعد والتي تؤشر أو ترسم الحدود الزمنية لتفاعل فيزيائي، في حين إذا كان الزمان مستمر فإننا سنمر بصورة تدريجية من السبب إلى النتيجة واللذين يصبحان أو يغدوان غير قابلين للتشخيص بسهولة. في فيزياء نيوتن يتعين علينا الفصل بين مفهوم الزمان والعلاقة بين السبب والنتيجة لأنه وفق هذه النظرية فإن السبب والنتيجة أو العلة والمعلول يحدثان آنياً وفي زمان واحد على المستوى الجوهري للتفاعل بين العناصر المادية. فالقوة النيوتنية باعتبارها سبب خارجي عن الأجسام، هي التي تنتج الحركات لتلك الأجسام بصفتها نتيجة. فآنية السبب والنتيجة تعود أو تعزى إلى أن التفاعل النيوتني لا يعتمد إلا على المسافة الموجودة بين الأجسام وليس على الزمان. فلو انزاحت الشمس أو ابتعدت عن موقعها الحالي بالنسبة للأرض ولو بألف كيلومتر فإن الأرض ستتبعها بلا أي تأخير. إن مفهوم الفعل من على بعد أو من مسافة ما كان يمثل مشكلة لنيوتن نفسه صاحب النظرية لكنه تقبلها لأنها وفرت له وصفاً جيداً للطبيعة. فحسب مقاربة نيوتن فإن عامل أو دالة الزمان لا يمكن تحديده أو تعريفه نسبة لعلاقة السبب والنتيجة لأن السبب والنتيجة أو العلة والمعلول يتداخلان بل يمكن تحديده وتعريفه نسبة لحركة جسم مادي على امتداد مسار معين مثل المدار الحلزوني أو اللولبي للأرض حول الشمس. فالمسار يحسب ويتوقع بدقة وفق معادلات الحركة. فلو وضعنا على هذا المدار جسم مادي فإن التغييرات في موضعه أو موقعه على طول المنحنى الهندسي الذي يتبعه يمكن أن يشخص بعامل أو دالة هي ما أصطلح على تسميته بالزمان وهذا ما يقودنا إلى أن نشخص مفهومياً الزمان والحتمية. بعبارة أخرى يحدد الزمن نسبة إلى الحالات الممكنة لحركة المادة ضمن الشروط التي تحدد تأثير جسم مادي على جسم مادي آخر حيث يجب أن يكون مسار هذا الجسم الثاني محدد بدقة سلفاً بلا أي غموض وعرفت هذه النظرية بالنظرية الحتمية والتي جاءت نظرية الكوانتا أو الكم لتنسفها من جذورها.
الزمان حسب الميكانيك الكوانتي أو الكمومي ومبدأ اللاحتمية:
بعد ظهور الميكانيك الكوانتي أو الكمومي لم يعد هناك سبب بأن تكون قوانين الطبيعة حتمية. ففي الوقت الذي طبقت فيه قوانين هذه النظرية لوصف تطور الجسيمات الأولية للمادة، فإن الميكانيك الكوانتي أو الكمومي بات يرفض فكرة أن سلوك المادة يمكن أن يكون أو أن يوصف على نحو جوهري وفق المسارات المكانية المحددة سلفاً بدقة لأنها نظرية غير حتمية لذا لم يعد ممكناً في هذا الإطار أن نحدد ونعرف الزمان بواسطة النظرية النيوتنية وبدلاً من ذلك يتم تحديد وتعريف الزمان وذلك بتحديده من بين جميع الخصائص القابلة للقياس في نظام معين، وهي مجموعة من المزايا والخصائص التي تقاس بالتزامن أو في آن واحد. فالمقارنة بين خاصيتين غير محسوبتين آنياً في نفس الوقت أو في آن واحد مثل التموضع أو الموقع وكمية الحركة أو السرعة للإلكترون باتجاه محدد أو معطى يعادل المقارنة بين حالة نظام في لحظتين أو وقتين مختلفين. من هنا جاءت فكرة إدخال وحدة زمنية أو معلومة مبرمجة من الزمن في وصف المادة. إن هذا التحديد أو التعريف يكون في تناقض مطلق مع المفهوم الكلاسيكي الذي يقول أن جميع خصائص المادة مبدئياً خاضعة للقياس التزامني أو الآني وبدقة تقارب ما تصبو إليه. سنعود للاستفاضة في شرح مفهوم الزمن في الميكانيك الكوانتي أو الكمومي لأنه متشعب وفيه البسيط والمركب، الواقعي والمتخيل الخ.. ولنعد إلى الزمن الذي نستخدمه عادة في وصف الكون المرئي الفيزيائي بمجمله ونبحث عن التبعات التي تنطوي عليها المقاربة الحتمية لنيوتن في مجال علم الكون أو الكوزمولوجيا.
الزمان الكوني والزمان المحلي أو المرحلي:
حسب النموذج الكوني الحالي الأكثر شيوعاً، فإن الانفجار العظيم حدث في زمان صفر حين تعرضت مادة الكون المكثفة في نقطة لا متناهية في الصغر ودرجة حرارة مذهلة، إلى تقلبات كمومية أو كوانتية. وبناءاً على هذا المفهوم فإن جميع الحركات اللاحقة لكافة الأجرام والأجسام السماوية مقررة أو محددة سلفاً ، وبالتالي جميع التطورات اللاحقة للمادة من تشكل النوى أو النويات (جمع نواة) والذرات المركبة والخلايا والأنظمة العضوية بما في ذلك الكائنات الحية وبالطبع النجوم والكواكب والمجرات. فإذا كانت جميع حركات الجسيمات المادية معروفة ومحددة سلفاً فهذا سينطبق على الكون المرئي برمته. وفي هذه النظرية لا يحدث أي شيء في سلوك المادة بدون سبب أو علة. فحوادث خاصة تقع في منطقة صغيرة ما في الكون يمكن أن تبدو للمراقب بأنها عفوية مثل التحلل الإشعاعي لعنصر في أحد المختبرات الأرضية على سبيل المثال. إن مثل هذا الاستنتاج لا يعكس سوى الجهل بسلسلة كاملة من الأسباب والعلل المتعلقة بالشيء المرصود أو المراقب وهناك أحداث وحقائق تجريبية كثيرة لتثبت أو تسند وتدعم فرضية أن الكون الحالي في حالة تمدد وتوسع وهي تقودنا إلى تحديد وتعريف ما يعرف بـ " الزمان الكوزمولوجي أو الزمان الكوني " الذي يتيح لنا فرصة وصف تطور الكون المرئي بأكمله، في حين أننا إذا أردنا وصف أي من مكوناته فإننا نلجأ إلى قياس الزمان المحلي أو المرحلي فالمعنى العميق للزمان الكوني ليس هو نفسه للزمان المرحلي أو المحلي، فالأول يرتبط بالزمان المطلق أو الموضوعي ، وهو الزمان الذي يخص الكون بأكمله، ولا يمكنه أن يكون نسبي بالنسبة لأي شيء آخر فبداية الزمان الكوني هو لحظة الزمان صفر وهي لحظة بدء الخلق أو لحظة الانفجار العظيم وهي تتواءم مع المفهوم النيوتني عن الزمان المطلق. ونيوتن نفسه هو الذي ميز وشدد على الاختلاف بين الزمان المحلي النسبي والزمان المطلق الذي يجب أن تقاس أو تحسب كل المدد الزمانية بالنسبة له. وقد تعرض ليبنز الفيلسوف المعاصر لنيوتن لهذه الفكرة بشأن الزمان المطلق واعتبر أنها غير قابلة وغير خاضعة للاختبارات أو التجارب المختبرية وبالتالي غير قابلة للتدقيق مختبرياً ولكن أدواتنا وأجهزتنا ومعداتنا العلمية والتكنولوجية اليوم سمحت لنا بتشخيص الزمان الكوزمولوجي مع تمدد وتوسع الكون المرئي بحيث لو كان ليبنز حياً لتبناه.
الزمان الأنثروبي:
لو عدنا إلى مثالنا في قياس الزمان المحلي بمساعد تفكك أو تحلل إشعاعي لعنصر ما فإن ذلك سيقودنا إلى عملية تأمل إضافية لأننا في هذه الحالة سنكون إزاء ظاهرة إحصائية تضع في موضع الشك والمراجعة عدد كبير من النوى أو النويات فالزمان الملازم أو المميز لهذا التفكك أو التحلل الإشعاعي هو وقت متوسط أو وسطي بعبارة أخرى أن الزمان هنا لا يحدد بتطور جسيم منعزل للمادة و لا بتطور الكون بمجمله. ففي هذا المثال فإن الزمان يعطي تمثل أو تمظهر معياري أو قياسي ثابتي لتطور عدد كبير من الأشياء غير المستقرة ويصف تغييراً نحو حالة أكثر فوضوية أو أكبر من الفوضى أي أن الفوضى القصوى هي الحالة الأكثر إحتمالية. بعبارة أدق إن هذا يعني أننا إذا تركنا نظاماً خاضعاً لتطوره العفوي لفترة من الزمان فسيكون لدينا كحد متوسط من التحريض والتهييج و إحتمالية أكبر للعثور على نواة مؤسسة فاقدة لطاقتها التحريضية لأن نتاجات تفككها وزعت عشوائياً بدلاً من بقائها في حالة استنفار وتهيج أكثر انتظاماً. وهذا التحديد أو التشخيص يطبق على كل الأنظمة التي تحتوي على عدد من الأجسام وبشكل خاص الأعضاء البيولوجية، عندها يغدو الزمان مقياس لصيرورة مستمرة أو متصلة وغير قابلة للارتداد أو الانعكاس لإعادة الانبعاث الخليوي ومن الناحية التقنية فإن الكمومية التي توسم أو تميز درجة الفوضى لنظام تسمى المبدأ الإنسانوي أو الانثروبي. وإن قانون الطبيعة الذي يقول أن نظاماً منعزلاً ما ينحو مع الزمن نحو حالة الأنثروبي القصوى ويسمى هذا القانون بالمبدأ الثاني من الديناميك الحراري أو الترموديناميك.
الزمان في النسبية الخاصة:
فرضت نظرية النسبية لآينشتين في القرن العشرين تغيراً مفهومياً جوهرياً وهاماً فيما يتعلق بتفسير وفهم الزمان. فكل المفاهيم والتعريفات السابقة للمفهوم النسبي التي استعرضناها أعلاه عن الزمان، برغم تنوعها إلا أن لديها نقطة مشتركة وهي أنها تعتبر الزمان كشيء قائم بذاته حتى لو كان مقياساً للمظهر أو الجانب الفيزيائي للمادة. ففي النسبية يكون للزمان والمكان معنى آخر مختلف كلياً، فلا يعودان عبارة عن كيانين أنتولوجيين أي واقعين يتمتعان بوجود مستقل عن المادة. ففي النسبية نجد إن عناوين وإحداثيات المكان والزمان ليست سوى عناصر لغة مخصصة لتسهيل التعبيرعن قوانين الطبيعة، اي التعبير عن نظام تحتي غامض لكنه يظهر في كافة مظاهر الكون الفيزيائي من مجال الجسيمات الأولية إلى المجال الكوزمولوجي الكوني الواسع. إن نظرية النسبية مبنية أو مؤسسة على بديهية أو زعم جازم بسيط يقول أن مبدأ النسبية يؤكد موضوعية قوانين الطبيعة. بعبارة أخرى، كل واحد من هذه القوانين يجب أن يكون مستقلاً عن مرجعية محددة يجري التعبير عنه من خلالها.ومن هذا المنظور فإن هذا أو ذاك من العناصر المتفاعلة فيزيائياً في الطبيعة يمكن وصفها بالمراقب أو الموضوع المرصود أو الشيء. فالتمثيل الكامل لأي قانون يجب أن يبقى ثابتاً لا متغيراً عندما تتبدل وتنقلب أو تنعكس المتغيرات المميزة للمراقب والمشاهد الراصد والشيء المرصود أو المراقب. إذ يجب تأمين موضوعة الوصف وإن التفاعل بين الشمس والأرض يجب أن يتم كما هو الحال في التفاعل بين جهاز القياس في المختبر والإلكترون.
في النظرية النسبية تكون الأحداث أو المحددات والعوامل أو الدالات ذاتية هي الوحيدة التي تعتبر نسبية والتي هي إحداثيات المكان أو نقاط تعليم وإحداثيات في المكان والزمان. ولكن لا يجب أن نستنتج من ذلك وجود كيانات فيزيائية مشوهة أو قابلة لتشويه المكان والزمان اللذان يتغيران من مراقب لآخر. فالمقصود بالذاتيةهو المرجعية والتي تعني أن مستويات إحداثيات الزمان والمكان يجب أن تتنوع من مرجعية إلى أخرى إذا أردنا أن تحافظ قوانين الطبيعة على موضوعيتها. ومن الناحية المفهومية فإن هذا التغيير في مستوى يشبه ما يحدث عندما نترجم من لغة إلى أخرى للتعبير عن نفس الحقائق أو الحوادث الفيزيائية.
الآنية النسبية : simultanéité relative
في الصيغة الأولى التي أعدها آينشتين * لنظريته اعتبر نظام المرجعية في حالة حركة مستقيمة وموحدة الشكل الواحد بالنسبة للآخر والتي عرفت بـ مرجعية القصور الذاتي وهذا الجزء من النظرية عرف بإسم النسبية الخاصة وفي هذا الإطار ناقش آينشتين مفهوم النسبية الجديدة للآنية وإذا كان هناك مسافة أو بون وفاصل زمني ذاتي أي مرتبط بالإحداثيات المكانية المرجعية المختارة أو المنتقاة عندها فإن حدثان آنيان بالنسبة لمراقب ما موجود داخل هذه المرجعية المكانية و مرجعية مكانية آخرى متحركة أو في حالة حركة منتظمة ومتسقة أو متجانسة مقارنة بالمراقب الأول. إن هذا المستوى من الزمان الذي يتوائم مع لغات مختلفة إلا أنها تعود لنفس الاستنتاجات المتعلقة بالظواهر الفيزيائية المطعون فيها. وعلى الصعيد الفلسفي فإن نسبية الآنية في نظرية آينشتين لا علاقة لها بالنسبويةrelativisme فهذه الأخيرة أي النسبوية تؤكد أن الحقيقة والدافع نسبيان بالنسبة للمشاهد أو المراقب، إذ أن ما هو واقعي وحقيقي بالنسبة لفرد ليس بالضرورة واقعي وحقيقي بالنسبة لفرد آخر، وبالنسبة لآينشتين المقصود هو فقط القبول بنسبية لغات مختلفة، وهي لغات تستخدم للتعبير عن وقائع وحقائق موضوعية على شكل قوانين طبيعية. إن هذه اللغات ليست نسبية إلا بالنسبة للمرجعية المكانية المختارة لصياغة القوانين على العكس من فلسفة النسبوية فإن نظرية النسبية تفترض أو تقتضي وتستلزم التحلي بموضوعية تامة خاصة وإن هذه الأخيرة تتجسد في القوانين العميقة أو الجوهرية للطبيعة وليس في الانطباعات والإدراكات الفورية التي يمتلكها عن الظواهر الطبيعية. فلقد اكتشف آينشتين أن العرض أو التمثيل الموضوعي لقانون فيزيائي يدخل، في بعض المرجعيات المكانية فقط، إحداثيات زمانية تكون ضرورية تتطلب في المرجعية المكانية الثانية أن تكون في حالة حركة بالنسبة للمرجعية المكانية الأولى وذلك باستخدام خليط من الإحداثيات الزمانية والمكانية أوالزمكانية. وبهذا المعنى أدخلت نظرية النسبية تعميمات ينطوي عليها دمج المكان والزمان في كينونة واحدة هي الزمكان L’espace-temps.
إن مفهوم الزمكان شحذ مخيلة كتاب الخيال العلمي عندما تخيلوا إمكانية استخدام الزمن كما نستخدم نحن اليوم المكان أو الفضاء، بعبارة أخرى، بما أننا يمكن أن نسافر في المكان من موضع إلى آخر، يمكننا أن نسافر في الزمان نحو الماضي أو نحو المستقبل ولا ينقصنا سوى تصنيع الآلة التي تحقق لنا هذا الحلم أي السفر عبر الزمان. ولكن، من وجهة النظر العلمية البحتة فإن السفر داخل المكان الفيزيائي أو داخل الزمان الفيزيائي هو عملية تعاقب للتجارب. والحال أنه في النظرية السنبية لا يكون محور الزمانAxe de temps في حد ذاته تعاقب تجارب، إنه فقط لغة تعبر عن قوانين الطبيعة وإن تلك القوانين تمثل علاقات السبب والنتيجة أو العلة والمعلول التي تسمح لنا بالتنبؤ أو توقع وشرح الوقائع الفيزيائية الواقعية.
الزمان في النسبية العامة:
تستخدم نظرية النسبية الخاصة وكذلك الميكانيك الكلاسيكي للتعبير عن قوانين الطبيعة الهندسية الإقليدية وفي هذه الهندسة الإقليدية تكون العلاقات المترية القياسية بين نقاط في الزمكان هي عبارة عن لامتغيرات وفق مبدأ القصور الذاتي الذي وضعه غاليله ونيوتن. والذي يقول: لا يتحرك جسم مادي ساكن في خط مستقيم وبسرعة ثابتة إلا في الفراغ. وإن أي جسم مادي في العالم الفيزيائي في حالة حركة خاضع لعملية تفاعل مع أجسام أو أجزاء من المادة. وحسب نظرية النسبية العامة، فإن منطق الزمكان يمثل بعض العلاقات المتنوعة والمتغيرة للمادة المكونة للكون، وبالتالي من الناحية المبدئية، فإن الهندسة الإقليدية لا تتلائم مع منطق الزمكان الآينشتيني الذي يسمح بوصف الأحداث الفيزيائية. وهذا يجرنا إلى القول بأن النسبية الخاصة لا تسمح بوصف سوى حالات مثالية أو نموذجية لا تنجز في الطبيعة. ورغم ذلك فإن هذه النظرية مفيدة: فمن الناحية الشكلية فإنها مقاربة رياضية لنظرية النسبية العامة. ووفق هذه الأخيرة، فإن الشكل العام لقوانين الطبيعة يجب ألا يكون متغيراً أي غير قابل للتغير ولا تكون موضوعية مهما كانت التحولات الحادثة أو المعمولة بين أنظمة الأبعاد والإحداثيات الزمكانية للمرجعية المكانية التي تنتقل الواحدة إزاء الأخرى بصورة غير منسقة أو غير نسقية. لذا من الضرور استخدام نظام هندسي يسمح بالتنوع والتغير وبالعلاقات القياسية من نقطة إلى أخرى في الزمكان l’espace-temps.
إن الهندسة اللاإقليديةgéométrie non euclidienne التي استخدمها آينشتين في تطبيقاته الأساسية الأولية كان قد وضع أسسها في القرن التاسع عشر العقل المبدع وهو العالم ريمان Riemann فمعادلات الحقل أو المجال التي أعطاها آينشتين تربط بين المحتوى المادي لنظام فيزيائي والعلاقات المترية القياسية والمتغيرات للزمكان الريماني l’espace-temps riemannien.
في الفيزياء الكلاسيكية لا ينتقل الجسم المادي في مسار منحني إلا إذا تعرض لفعل ناجم عن قوة خارجية، ومن جهة أخرى، لاحظنا أن مسار جسم منعزل في مكان ريماني هو أيضاً منحني أو محدب ومن ثم قام آينشتين باستبدال الوصف الكلاسيكي للتفاعل بين جسمين ماديين يؤثران على بعضهما عن بعد في مكان غير إقليدي ملائم أو مكافيء قادر على تمثيل فعل جسم مادي عندما يتسبب أو يكون السبب بحركة جسم مادي آخر وهذا هو مبدأ التكافؤ principe d’équivalence وللتحقق من صلاحية وصحة هذا المبدأ القائل باستبدال المادة بمجال هندسيchamp géométrique لا بد من التحقق من أن المسار المنحني لجسم حر في مثل هذا المكان هو نفسه المرصود تجريبياً مثل مسار أو مدار الأرض حول الشمس ولهذا فإن معادلات الحقل أو المجال الآينشتيني لا تعطي فقط الحلول المتوافقة تماماً مع نظرية نيوتن حول الجاذبية أو الثقالة الكونية gravitation cosmique فحسب، بل وكذلك يتوقع أو يتنبأ ويتكهن بتأثيرات ثقالية فريدة غير مرتبة أو متوقعة من جانب النظرية الكلاسيكية. وهذه التأثيرات تتمثل بانحناء الإشعاعات الضوئية القادمة من النجوم عندما تمر بالقرب من الشمس حيث يحدث إنحراف أو انزياح dérivation في الموجة والتردد المعروف في الفيزياء بـمبادرة الاعتدالين لنقطة الرأس بين كوكب أو مذنب والشمس précession du périhélie الذي يحدث مع انحراف التردد المحسوب لشعاع عندما يخضع الجسم المشع المرسل للشعاع لمتغيرات variations كمون ثقاليpotentiel gravitationnel وهكذا استبدل آينشتين وبنجاح المفهوم النيوتني للفعل عن بعد بمجال هندسي متصل ومستمر يسمح بتمثيل القوى الجاذبة أو القوى الثقالية forces gravitationnelle .
النسبية العامة والنماذج الكوزمولوجية للكون المرئي:
إن نسبية قياسات الزمان والمكان ينبغي أن تفرض رفضاً لكافة النماذج الفيزيائية التي ينطوي عليها أو تتحدث عن مكان وزمان مطلقين لهذا فإن نماذج كوزمولوجية مثل البغ بانغ الانفجار العظيم أو نموذج الحالة الساكنة أو الوضع الساكن والثابت للكون état stationnaire لا تتلائم أو لا تتوافق مع النسبية العامة وهذا ناجم عن الافتراض أو الفرضية الإضافية التي أدخلت للنموذجين المذكورين والتي تقول أن المادة موزعة على نحو منتظم ومتناسق وبتماثل في المكان أو الفضاء وهو المبدأ الكوزمولوجيprincipe cosmologique لنموذج الانفجار العظيم أو حتى داخل الزمان والمكان حسب المبدأ الكوزمولوجي المتقن للحالة المستقرة état stationnaire وفي الحالتين نفترض أن قياس الزمن الكوزمولوجي المتوازن بالمقارنة أو نسبة لسيرورة التوسع أو التمددexpansion للكون تكون مطلقة حيال التحولات التي تتنقل من مرجعية مكانية إلى آخرى حتى وإن كانت المجرات في حالة تحرك أو حركة غير منسقة أو متماثلة بعضها بالنسبة للبعض الآخر وحسب قواعد المصطلحات والمفاهيم لنظرية النسبية يعتبر من الممكن التعبير عن كون في حالة تمدد وتوسع ـ الأمر الذي ثبت بالرصد والمشاهدة والتجربة ـ دون الحاجة للجوء إلى مفهوم الزمن المطلق. فهذا التمدد والتوسع بدا وكأنه بدأ في أزمان مختلفة بالنسبة لمراقبين يتواجدون في مرجعية مكانية مختلفة من الكون إلا أن هذا يتطلب منا أن نتخلى عن فكرة التوزيع المتسق والمتجانس répartition homogène isotorpe للمادة في المكان والزمن.
إن مفهوم الزمان المشترك لدى البشر في الحقيقة غاية في التعقيد والغموض ولا ينبغي خلطه بالزمان الرياضيtemps mathématique الذي يصف الطبيعة باستقلالية عن ذاكرتنا. الزمن يشبه الـ Tops في الفيلم السينمائي أي الذين لا يلعبون أو يؤثرون على سير الأحداث فيه بل يظهرون نظام الأشياء ضمن مبدأ العلية. فنحن نتمثل مواضع الأشياء في الفيزياء الكلاسيكية ونتمثل وظيفة أو دالة الموجة في نظرية الكوانتا أو الكم. نفس الشيء يحدث في النظرية النسبية العامة، وإن كان الزمان فيها يلعب دوراً أكثر فعالية ونشاطاً ويمكن أن يشهد نهاية ما كما يمكنه أن يتحول إلى مكان كما اشرنا أعلاه، وهو لا يخضع إلى التدريج المطلق فهذا يعتمد على المراقب أو الراصد فهو الذي يشير أو يحدد أي الأحداث كانت نتيجة لأحداث أخرى وهو الذي يحدد متى لا تكون هناك صلة سببية أو علية التمثيل الرياضي للزمن مفيد للأبحاث البحتة لكننا نبالغ في تقييمه. لأن ما نراه ليس هو الزمان بل المادة التي تغير موقعها وشكلها. مثل موقع الشمس في السماء أو موقع زنبرك أو نابض ساعة على مينا الساعة. فكل الساعات صنعت من المادة وخاضعة لقوانين الطبيعة ولتأثيرات مواد أخرى. فهناك ساعة جيدة لأنها مصنوعة من مادة جيدة تقاوم التأثيرات أو العوامل الخارجية، إلا أن هذه التأثيرات موجودة دائماً فالزمان المنفصل عن المادة غير واقعي وغير موجود، فالحركة الحقيقية والواقعية تنطوي على علاقات بين العناصر مثل تأرجح رقاص الساعة المرتبط بالنابض في الساعة. لذلك ما نشاهده دائماً هو المادة في تغيرها وليس الزمن. إن لهذه الملاحظات معناها عندما تستخدم في مجال علم الكون الكوزمولوجيا. ففي المراحل الأولى للكون المرئي، ونظراً للكثافة الشديدة التي كانت عليها المادة، فإن كافة العناصر المادية كانت في تفاعل قوي فيما بينها وإن العناصر الوحيدة آنذاك القادرة على قياس الزمن هي عناصر كوزمولوجية مثل حجم الكون وهو في حالة تمدد وتوسع.
وفي حال تحدثنا عن زمان رياضي أو زمان فيزيائي فإن القوانين الطبيعية تتحكم بالسلوك العام لأي نظام. وإن الشروط العامة هي التي تحدد وتثبت الحالات الخاصة الدقيقة مما يترجم مباشرة بمعادلات تفاضلية تمايزية فلو حددنا وعرفنا مواقع وسرعات أساسية لكوكب في لحظة محددة فإن قوانين النسبية العامة تزودنا باتجاهاتها أو مساراتها حول الشمس والطريقة التي تقطعها في الزمان، عندها لا نتحدث عن ماضي أو مستقبل، فلو أوقفنا الحركة في لحظة من لحظات اتجاه السرعات وعكسنا السرعة فإن النسبية العامة تزودنا بنفس المسارات أو المدارات بالضبط ولكن باتجاهات معاكسة. فكيف يمكننا الحديث عن ذاكرة وتميز الماضي عن المستقبل في مثل هذا العالم؟
إتجاه أو سهم الزمان:La Flèche du temps
كان موضوع اتجاه الزمان أحد أهم ألغاز الفيزياء المعاصرة وعلى نحو خاص في مجال علم الكون أو الكوزمولوجيا. وقد قيل أن مبدأ الأنثروبي هو الأصل أو الأساس لاتجاه الزمان وحسب هذا المفهوم فإن اللانظام أو الفوضى في الكون تتنامى باضطراد والمستقبل يتميز عن الماضي أو العكس، بيد أن تفسير معنى واتجاه الزمن لا يستقيم إذا لم نأخذ بالاعتبار حقيقة أن مشاهداتنا هي جزئياً ميكروسكوبية. وفي الواقع أن الأنثروبي يعتمد على الدقة التي نتوخاها أوالتي نتوسلها في إجراء المشاهدات وعمليات الرصد والمراقبة والطريقة التي ندرج فيها تلك النتائج في إطار وصف نظري وهذا لا يتواءم بالضرورة مع الظواهر العادية أو اليومية المألوفة حيث يدفعنا الزمان بلا انقطاع وبلا هوادة نحو الأمام وبدون استراحة ولا تراجع ممكن نحو الخلف. ولو تمكنا بدقة من تسجيل كل ما يحدث للذرات في الكون فسيكون بإمكاننا العودة في الزمان إلى الوراء حسب مبدأ الإنعكاسية في الفيزياء على المستوى الذري ولكن وحسب مبدأ السهم والاتجاه الزمني لا يمكننا عكس اتجاه الزمان والسؤال هو لماذا لا نستطيع أن نفعل ذلك؟ بغض النظر عن إمكانية السفر داخل الزمان كما تم عرضه في مخيلة كتاب الخيال العلمي وكما هو معشش في مخيلة البشرية، نلاحظ أنه خلال رحلة داخل الزمان بالمعنى التقليدي المعتاد، فإن الزمان لا يجري بالاتجاه المعاكس، وهو لا يتغير إلا بالنسبة لبعض الأشخاص. ففي حالة وجود شخص ما أو مجموعة أشخاص محتجزين داخل حيز مكاني مغلق ومنعزل كلياً عن الخارج، ولنفترض أنه بسبب سيرورة غامضة يجد هذا الشخص أو الأشخاص أنفسهم في الماضي ولكن في نفس الظروف المحيطة بهم قبل حدوث هذه السيرورة نستطيع القول أن الزمان لم يتقهقر أو يعود إلى الوراء لا بالنسبة للأشخاص المحتجزين داخل الحيز المكاني ولا بالنسبة للأشخاص الموجودين خارج ذلك الحيز المكاني ولا حتى بالنسبة للمسافرين داخل الزمان حيث لا يحدث تغيير في أعمارهم، وكل ما حدث هو عزل مجال أو حيز مكاني عن العالم الخارجي وإخضاعه لتطور مختلف للزمان. وبالرغم من إن المسافرين في الزمان المغلق بالظروف المحيطة بهم إلا أن هذه الظروف تستمر في تطورها كما لو أن شيئاً لم يحدث، والمسافرون لا يحتفظون بذاكرة وذكريات عن ماضيهم حيث يوجد جزء منه الآن في مستقبل الظروف المحيطة بهم وهم لا يتحولون إلى شباب ولا يموتون إذا عادوا ووصلوا إلى حقبة زمنية تسبق ولاداتهم. ويبقى السؤال لماذا يكون الزمان، على عكس المكان، ذو اتجاه وحيد؟ وهذا الأمر مستقل عن إمكانية السفر داخل الزمان؟. وعندما تسأل لماذا لا يعود الزمان إلى الوراء فإننا نخطيء باستخدام المفردة التي تخلق سوء الفهم هذا. فالتجربة تبدأ بالحركة، ليس في المكان وحده ولا في الزمان وحده بل في الزمكان الآينشتيني. فلا معنى للحديث عن الحركة في المكان خارج أو بمعزل عن الزمان ولا عن الحركة في الزمان خارج المكان أو بمعزل عنه فالحركة هنا هي عبارة عن تغير في الموضع خلال فترة زمنية معينة معطاة لأن الزمان والمكان مرتبطان عضوياً ولا يمكن الفصل بينهما استناداً للنظرية النسبية. وبالاستقلال عن أية نظرية نسبية فإن أية حركة ستكون مستحيلة إذا قررنا أي اتجاه للمكان وأي اتجاه للزمان بصورة مستقلة أحدهما عن الآخر، فالزمان كما يبدو لنا، إنطلاقاً من الحركة، ومستقلاً عن المفاهيم الأنيقة كمفهوم الذاكرة ، ليس معياراً أو عاملاً جامداً بل طريقة لوصف التغيرات والحركة. غالباً ما نستخدم في الفيزياء صورة صيرورة تحدث على مدى زمن رياضي، وما نقيسه في الحقيقة هي الروابط بين بعض القياسات وغيرها من القياسات. فنحن نقيس الزمhن بواسطة الساعة والقياس الفيزيائي مثلاً يقيم الصلة بين موقع شيء أو جسم أو نابض الساعة على لوحة الأرقام أو مينا الساعة لذا فإن إدخال مفهوم الزمان ليس سوى اتفاق أو تسوية لغوية. نفس الشيء في مجال علم الكون الكوزمولوجيا فنحن لا نقيس التمدد والتوسع للكون وفق الزمان، حتى لو كانت هذه هي نتيجة النسبية العامة، فنحن نقيس مثلاً موقع أو سرعة هروب نجم ما بفضل فارق أو انزياح، تردد طيفه الضوئي المنبعث منه. والبنية العامة هي التي تنتج الربط بين العاملين وترجمتهما بأنهما تمدد وتوسع للكون أثناء أو خلال الزمان ومن ثم وضع المعادلات الرياضية الخاصة بهما.
كانت دراسة وفحص حلول تلك المعادلات فيما يخص عدد من النجوم السعارية السوبرنوفا قد قاد إلى طرح فرضية الطاقة المعتمة أو الداكنةénergie sombre وهذه المقاربة تعتبر أساسية بالنسبة للجاذبية أو الثقالة الكمومية أو الكوانتية gravitation quantique لكنها لا تجيب على سؤالنا بشأن الزمان لأن المكان فيها ذو طبيعة علاقاتية معطاة من قبل قياس المسافات بين الأجسام المادية وإن هذه الطبيعة العلاقاتية أو العلائقية توضح أو تفسر الاختلاف الظاهر أو البادي بين مختلف اتجاهات المكان والزمان الممكنة. قد يبدو ذلك ملفتاً أو مثيراً للدهشة ولكن في علم يلعب فيه المكان والزمان نفس الدور، إما أن يكون الزمن موجه أو يستحيل وجود أية حركة. فمن المستحيل أن يكون لدينا مكان يسمح بالاختيار مسبقاً في المستقبل أو في الماضي، فلا مجال لعدة اختيارات. فماذا سيحدث لو قررنا ركوب الزمانremonter le temps والعودة إلى الوراء. فما حدث لي قبل خمس دقائق هو نتيجة لتأثير العالم على جسدي عندما وجدت في وضع معين يوسم حياتي قبل خمس دقائق. وفي ظرف آخر مختلف سأعاني من الذاكرة أو أتعرض لتأثيرات أخرى لما عرف بتعبير نهر الحياة الجاري لأني أحتفظ بجزء من الأحداث والأوضاع والحالات الماضية. فالزمان بذاته هو عبارة عن معيار تجريدي مجرد أو مقياس أو عامل أختير بالتوافق يفيدنا أو يوظف في وصف الحركات المترابطة ببعضها لأنها علاقاتية ويصف علاقات معقدة بين الأشياء المختلفة وليس بين الشيء أو الجسم والزمن، ونفس الشيء بالنسبة للإدراك السيكولوجي لزمان يعمل على فرض النظام والترتيب في ذكرياتنا بواسطة اتفاق متجذر في العمق في دواخلنا حتمي ولا بد منه أو لا مفر منه لفهم واستيعاب الحركة. فلو يتمكن الزمان من تغيير اتجاهه فإن هذا الاتفاق سيفقد معناه ولا يمكننا أن نقرر تغيير الصلات والروابط أو العلاقات القائمة بين الأشياء حتى لو رغبنا أو تمنينا ذلك.
لو أردنا أن نفسر معنى الزمان فإننا سنقع على مشكلة أقدم من نظرية النسبية ومفهومها عن الزمكان ألا وهي حقيقة أو واقع الحركة والمتغيرات. كان الفيلسوف الإغريقي بارمنيد واعياً لذلك وادعى أن الحل الوحيد الذي وجده هو أنه اعتبر كل حركة ليست سوى وهمillusion وقد اجتازت فرضية الوهم عدة قرون وسادت فيها على العقول رغم مناقضتها للحس العام والمألوف وقد جذبت اهتمام الفيلسوف الإغريقي زينون Zénon ومن بعده الفيلسوف لوسيبleucippe أحد دعاة المذهب الذري ومعه ديموقريطوسDémocrite وصولاً إلى فلاسفة أقرب إلى عصرنا وأحدث عهداً من أمثال شوبنهاورSchopenhauer وعلماء فيزياء مرموقين مثل شرودينيغرSchrödinger. وما زالت هذه المشكلة تحتل اهتمام فلاسفة وعلماء معاصرين إلا أن الأمر تعدى الفيزياء التي من مهامها وصف التغيرات والحركات دون الاعتراض على وجودها.
حاول البعض البحث عن مهرب بشأن موضوع عكس اتجاه الزمان من جانب علم الكون الكوانتي أو الكمومي أي الكوزمولوجيا الكوانتيةcosmologie quantique ، وهنا يغدو من الطبيعي، ولأسباب رياضية أخذ حجم الكون كمعيار لوصف علائقي أو علاقاتيrelationnelle لحالة التغيرات الزمانية.
إن هذا الزمان يتقدم إلى الأمام طالما هناك حالة تمدد وتوسع للكون، ولكن ماذا سيحدث لو توقف التمدد والتوسع الكوني يوماً ما وحل محله انكماش crunch وانهيار وتقلص effondrement؟؟ سيتناقض الحجم ويتقلصrétracterait أو ينكمش وربما سيحصل ذلك للزمان أيضاً وفي آن واحد نظراً للارتباط العضوي بين الزمان والمكان. وكان توماس غولد Thomas Gold قد أدخل هذه النظرية سنة 1958 أي قبل ظهور وتطور علم الكون الكمومي أو الكوزمولوجيا الكوانتية.
نظرية النسبية تسمح بمثل هذا السلوك الذي يتبع الحجم حتى لو كانت المعايير والثوابت والدالات الكوزمولوجية الحالية تجعل هذه الانعكاسات أو العكوسات الزمانية غير ممكنة أو غير قابلة للتصور هل في نقطة الرجوع سينعكس الزمان ليس بفعل وإرادة مراقب بل بسبب تطور العالم نفسه ؟ لا يمكننا استبعاد هذه الإمكانية كلياً، لأن طبيعة الزمان في الجاذبية أو الثقالة الكوانتية لم توضح تماماً الأقرب للتصور هو أن مثل هذا الانعكاس في اتجاه سهم الزمن ليس سوى وهم للنماذج الرياضية. فعندما تتقدم على الأرض صوب القطب الشمالي فإن العرض latitude أو الطول يزداد أولاً ومن ثم عندما نصل للقطب الشمالي ونتجاوزه سينخفض العرض latitude مرة أخرى ولكن ذلك لا يعني أننا نعود القهقهري فكل ما عملناه هو أننا غيرنا العرض latitude نفس الشيء مع عكس تطور حجم الكون ولكن يتعين علينا استخدام معايير أخرى على غرار العرض latitude لتمييز الكون قبل وبعد بلوغه نقطة التوسع والتمدد القصوى extension maximal .
وقد برزت أصوات تنادي بنهاية العالم عند توقف التوسع أوالتمددexpansion وأنتجت نظريات جوهرية وراديكالية كوانتية كنظرية الأوتار ونظرية الأوتار الفائقةthéorie des super cordes، بالرغم من نجاحاتها الباهرة لم تتمكن من الإجابة على سؤال ماهو الزمان بالضبط وهل أن تقدمه avancement إلى الأمام حتمي لايمكن تفاديه أم هو مرتبط بتطور. وكانت هناك نظريات قديمة ربطت بين اتجاه الزمان وتوسع أو تمدد الكون مخاطرة بتوقع إنعكاس الزمان وتنبأت أنه في لحظة توقف التمدد أو التوسع عند ذلك سنتذكر المستقبل ونتوقع الماضي. وإن هذه الرؤية للأشياء والأمور تتركز على بعض المتغيرات للكوزمولوجيا الكوانتية أو علم الكون الكمومي أو الكوانتي ولكن في كون بهذه الشساعة تبقى تأثيرات التمدد والتوسع ضعيفة ولم يتمكن أحد أبداً من التحقق واختبار صحة هذه النظرية أي الثقالة الكوانتية.
إن لغة الزمكان التي نستخدمها اليوم بهدف التعبير عن الطبيعة والواقع، و تسهيل وشرح القوانين الموضوعية للطبيعة، ليست بالضرورة هي الأكثر ملائمة لهذه الغاية. فهناك برأي الكثير من العلماء الفطاحل في أرجاء كوننا المرئي الشاسعة حضارات كونية ومخلوقات أو كائنات فضائية تسبقنا بمئات الآلاف وربما بملايين السنين وهي بالضرورة أكثر ذكاءاً وأكثر تطوراً من الناحية العلمية والتكنولوجية وهي تعيش معنا في مجرتنا وفي كوننا المرئي، ولو أتيح لنا التواصل معهم بشكل مباشر، وهو ما سيحدث حتماً في زمن لاحق، فسوف نكتشف بلا أدنى شك بأنه، لا مداركهم الحسية أو الشعورية، ولا لغاتهم، ولا طرق تفكيرهم، ولا منطقهم، يشبه ماهو موجود عندنا. ومع ذلك لو كانت قوانين الطبيعة التي اكتشفنا بعضها وهو قليل لحد الآن، ما هي إلا تمثلات أو مظاهر خفية sous-jacent موضوعية لجزء من النظام الظاهر من الكون المرئي القابل للرصد والمشاهدة والمراقبة، وسيجد أن الصياغات المعطاة من قبلنا لهذه القوانين ستتوافق بشكل أو بآخر، مع الصياغات التي ستقدمها لنا تلك الكائنات للقوانين المتعلقة بنفس الظواهر الفيزيائية، وهذا هو أهم ما ينطوي عليه مبدأ النسبية.
الإنسان تجلي للكون:
وربما سنطلع، باتصالنا بحضارات ذكية وعاقلة متطورة أخرى في الكون المرئي، على أن تفسيرنا لتطور أجسامنا على الأرض وفي الكون الذي نعيش فيه، من زاوية الزمان أو بصيغة الزمان المدركpercu أمر وهميillusoire ويمكن لعلماء الفلكastronomes أن يدعوا أنهم يرون الزمان الكونيtemps cosmologique يجري تحت ابصارهم عندما يحللون مشاهداتهم باستخدام نموذج الكون المتمدد أو المتوسع والحال أنه وفق منطق نظرية النسبية فإن اي وصف موضوعي حقيقي للكون ككل يجب أن يكون مستقلاً عن اية مرجعية زمكانية خاصة. فالزمن الكوزمولوجي ـ الكوني الذي يستخدمه العلماء والفلكيون يمكن أن يشكل فقط تقدير أو تصور تقديريapproximation مقارنة بوصف موضوعي تامde-script-ion totalement objective والذي في شكله الحالي لا ينطوي على أي قياسmesure موضوعيobjective للزمن.
يبدو للعيان أن موضوعية الزمان الكوزمولوجي ليست دقيقة إذا ما اعترفنا بصحة وصلاحية نظرية النسبية، وبالتالي يترتب أو يتعين علينا أن نعود ولو جزئياً لمفهوم ما قبل كوبرنيكيpré copernicienne والذي يقول أن هناك في الفضاء أو المكان مركز خاص للكون المرئي وكذلك لحظة خاصة لبدايته وأصله. بمعنى أدق أن هناك أصل مطلق مكاني وزماني يمكن أن نتحدث عنه باعتباره حقيقة فيزيائية لها دلالاتها الخاصة بها، فوجود الكون المرئي فيزيائياً وبصورة مستقلة عن فهمنا وإرادتنا وإدراكنا، حقيقة وهو واقعي حسب الاستعمال اللغوي لوصفه، فكل مادة موجود فيه ومكونة له ـ بما في ذلك نحن البشر كجزء اساسي وجوهري منه ـ يعتبر تجلي للكون المرئي وجزء منه ومن هنا لا يحتل الإنسان موضعاً متميزاً لا في المكان ولا في الزمان وهو ليس سوى جانب أومظهر aspect خاص للكون الفيزيائي أي كينونة من نوع خاص إلى جانب عدد لا متناهي من الكينونات الأخرى.
السفر عبر الزمن:
هو مفهوم الانتقال إلى الوراء أو إلى الأمام من نقاط مختلفة في الزمان، بشكل يماثل الانتقال خلال المكان. إضافة إلى ذلك، بعض التفسيرات للسفر عبر الزمان توحي بأنه من الممكن الانتقال بين أكوان متوازية مثلت فكرة السفر عبر الزمان أداة مشتركة في القصص الخيالية في القرن التاسع عشر، وكان السفر عبر الزمان هو إلى المستقبل فقط تماشياُ مع ظاهرة التمدد الزمني في النظرية النسبية. وقد توصلت باحثة ألمانية حديثا في إثبات عدم إمكانية السفر عبر الزمان إلى الماض وذلك من خلال دراستها لنظرية أينشتاين يطلق على أي وسيلة تقنية سواءً كانت خيالية أم افتراضية تُستعمل للسفر عبر الزمان تسمى آلة الزمان.
نسبية الزمان:
النسبية وهي النظرية التي أضافت الزمن كبعد رابع بالإضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثه، تقول أن الزمان والمكان مرتبطان معاً ولا يمكن ان يوجد أحدهما بمعزل عن الاخر. نسبياً، نعلم أننا نستطيع أن نتحرك في هذه الأبعاد-المكانية- بكل حرية حيث نستطيع السير يمينا أو يسارا أو إلى الأمام أو الخلف أو إلى أعلى أو أسفل. ويمكننا ركوب آلات مثل الطائرة أو الصاروخ التي تنقلنا في البعد المكاني الثالث "الارتفاع" ومن هذه الفكرة البسيطة عن الأبعاد يتضح أنه بإمكاننا أن نتنقل عبر الزمان بهذه الصورة. لكن النظر إلى ما سبق يعد مفهوماً كلاسيكياً فحسب حيث يفترض أن الزمن مقياس مطلق لسرعة حركة هذه الأجسام. في النسبية يبدو الزمان نفسه على أنه دالة في السرعة النسبية بين الأجسام ويتباطأ أكثر فأكثر كلما كان الفرق في السرعة النسبية بين الأجسام أقرب إلى سرعة الضوء ويمكن أن يتوقف تماماً إذا ما وصلت هذه السرعة النسبية إلى سرعة الضوء.
مفارقة التوأمين:
لو افترضنا أن رائدا للفضاء غادر الأرض وعمره 25 سنة آنذاك، وترك أخاه الصغير البالغ من العمر 22 سنة وغاب في رحلته الفضائية مدة عشرة سنوات بحسب توقيته على الصاروخ المسافر بسرعة قريبة جداً من سرعة الضوء بحسب ما يرصد أخوه، فإنه يجد عند عودته من رحلته في سن 35 سنة أن أخاه الذي كان أصغر منه عمراً قد أصبح في سن الأربعين أو الخمسين على حسب سرعة الصاروخ التي تحرك بها.
تباطؤ الزمان بزيادة السرعة بين المراقبين:
يتبين من نظرية النسبية أن الساعة على الصاروخ تمشي ببطء. وتبلغ السرعات المعتادة على الأرض، حيث وهي سرعات صغيرة لا نستطيع من خلاله
ملاحظة تلك الفوارق. حتى بافتراض السفر بسرعة الصاروخ فتلك سرعات قليلة أيضا ولا تُحدث فرقا ملحوظا، وإنما نبدأ ملاحظة تلك الفروق الزمنية عند سرعة 30,000 كيلومتر /ثانية، أي عند 1/10 سرعة الضوء وهي سرعة كبيرة جدا.
تمدد أو تباطؤ الزمن:
“تمدد" الزمان في هذا السياق ليس مفهومًا فيزيائيًا نظريًا خاصة في الأجسام الدقيقة دون الذرية، وإنما هو تمدد حقيقي في الزمان الذي يحيا فيه الإنسان. وتبين المعادلة السابقة أن الزمان يتمدد بالنسبة للمشاهد على الأرض (طبقا لساعته) بينما يظل نفسه بالنسبة للمسافر في الصاروخ (طبقا لساعته). فلو زادت سرعة إنسان ما (في سفينة فضاء مثلا) إلى حوالي 87% من سرعة الضوء, فإن الزمان يبطئ لديه إلى الضعف.
مفارقة التوأم في النسبية:
ما سبق كان عبارة عن حديث بسيط لتقريب المفهوم ولكن الحقيقة أن هناك مفارقات عديدة تظهر أثناء نقاش مفهوم الحركة بين المراقبين. نتيجة لذلك تحدث بعض المفارقات المبهمة لدى البعض في تفسير ما يترتب عليه تمدد الزمان. من هذه المفارقات اشتهرت قصة مفارقة التوأم. تبدأ هذه المفارقة بقصة طريفة بأنه لو سافر أحد توأمين على سفينة لمدة عشرة أعوام بسرعة قريبة جدا من سرعة الضوء – مثلا – فسيجد ابنه المولود حديثًا قد أصبح عمره عشرين عامًا، أو أن أخيه التوأم يكبره بأقل من عشرة أعوام (اعتمادا على مدى قرابة سرعة المسافر من سرعة الضوء). تسببت هذه المسألة في تخبط الكثير من المقبلين على تقبل مفاهيم النسبية وظن البعض بأن هذه هي المفارقة. السبب في ذلك يعود إلى التفسير الخاطئ لها. في النسبية لا يستطيع أي من المراقبين تمييز المتحرك من الثابت سوى نسبيا. معنى ذلك أن المراقب على السفينة مثلا كان يبدو لأخيه التوأم متحركا مع السفينة بسرعة قريبة من سرعة الضوء بينما العكس تماما كان يظهر من وجهة نظر المسافر حيث أنه كان ينظر من خلال نافذة السفينة والتي تعتبر موطنا ساكنا بالنسبة له فيلاحظ أن أخاه التوأم على الأرض هو الذي كان يتحرك مع الأرض مبتعدا بسرعة قريبة من سرعة الضوء. هنا تكمن المفارقة الحقيقية للتوأم حيث أن كلا منهما يعتقد بأن الآخر هو من سيكبر في السن.
سبب هذه المفارقة نجم من الافتراض غير الواقعي للأحداث. عند نقاش السفر تم إهمال الأحداث الناجمة عن تسارع وتباطؤ الأجسام أي أننا افترضنا جدلا حركة المراقبين النسبية بسرعة (منتظمة) قريبة من سرعة الضوء دون الخوض في تفاصيل الزمن اللازم لتسارع المركبة من السكون وما يترتب عليه من حسابات جديدة. في النسبية الخاصة والتي تتعامل مع الأطر المرجعية العطالية تجعل التوأم الذي على الأرض قادرا على تطبيق معادلات النسبية الخاصة وتمدد الزمن وليس كليهما. هنا يصبح التوأم على الأرض هو من سيكبر في السن فعلياً أكثر من الآخر.
يعد السفر بسرعة تقترب من سرعة الضوء أمراً ممكن فيزيائيا وتكنولوجيا. وقد استطاع العلماء تسريع جسيمات أولية مثل الإلكترون والبروتون إلى سرعات تقترب من سرعة الضوء ولاحظوا زيادة في كتلتها، وأن تلك الزيادة تتفق تماما مع معادلات اينشتاين.
ويرى العالم كارل ساجان أن هذا يمكن أن الوصول إليه خلال عدة مئات من السنين. وبناء على ذلك شكلت مجموعة من العلماء يرأسها الأمريكي كيب ثورن والروسي إيجور نوفيكوف ما أسموه بـ(كونسورتيوم) روسي – أمريكي لتحقيق تقنية تسمح بابتكار آلة للسفر عبر الزمان.
انحناء الفضاء والنسبية العامة لأينشتاين:
نذكر مرة أخرى بأن الهندسة المستوية تعرف بالهندسة الإقليدية، نسبة إلى إقليدس الذي عاش حوالي عام 300 ق.م وبواسطة هذه الهندسة يمكن وصف أي شكل هندسي بواسطة نظام الإحداثيات الكارتيزية، أي استخدام الأسطح المستوية لوصف الخطوط المنحنية والمجسمات الفراغية. والفضاء طبقا لهذه الهندسة هو فضاء مستو. ولم تكن تلك هي الهندسة الوحيدة الممكنة، فقد طرح لوباتشفسكي عام 1828 هندسة لاإقليدية ذات أسطح منحنية مفتوحة معتمدة على منحنى القطع الزائد. ثم طرح برنارد ريمان عام 1850 هندسة لاإقليدية معتمدة على السطح الكروي المغلق، وطورها ويليام كليفورد عام 1870 وافترض احتمال أن يكون الفضاء الكوني رباعي الأبعاد ينطوي على منحنيات تشابه تضاريس سطح الأرض. ولم يكن ينقص تصور كليفورد سوى التفسير الفيزيائي الصحيح حتى يتطابق مع النظرية النسبية العامة، التي طرحت بعد 45 عاما. فالبعد الرابع في الفضاء لم يكن سوى الزمن وانحناء الفضاء يحدث بتأثير جاذبية الأجسام.
وبتقديم أينشتاين النظرية النسبية الخاصة عام 1905 والتي وضع فيها معادلات حركة الأجسام في فضاء مستوأو منبسط رباعي الأبعاد، وبوجود الهندسة اللاإقليدية وطرحه لفكرة انحناء الزمان والمكان بتأثير الجاذبية، تكونت لدى آينشتين المادة الخام لنظرية متكاملة للجاذبية يمكن أن تكون بديلاً لنظرية نيوتن. ولما كان آينشتاين غير بارع في الرياضيات فقد لجأ لصديقه في الدراسة مارسيل غروسمان، وكان قد أصبح آنذاك عميدا لمعهد البوليتكنيك بزيوريخ، وكان بارعا في الهندسة اللاإقليدية، ووجد الحل في هندسة ريمان للأسطح المنحنية المغلقة. وقدم أينشتاين الصيغة النهائية للنظرية في ثلاث جلسات في أكاديمية العلوم في برلين عام 1915م, وطبعت عام 1916م.
وكان من أهم نتائج النسبية العامة تغير نظرتنا إلى الكون، فالمكان والزمان ليسا خلفية ثابتة للأحداث، وإنما هما مساهمان نشيطان في ديناميكا الكون. والفكرة الأساسية هي أنها تضم "بعد" الزمان إلى أبعاد المكان الثلاثة لتشكّل ما يسمى (الزمكان). وتدمج النظرية تأثير الجاذبية بأنها "تحني" الزمكان بحيث لا يكون مسطحا. ولما كان الزمكان منحنيا فإن مسارات الأجسام تظهر منحنية، وتتحرك كما لو كانت متأثرة بمجال جاذبية. وانحناء الزمكان لا يؤدي فقط إلى انحناء مسار الأجسام ولكنه يؤدي أيضاً إلى انحناء الضوء نفسه. وقد وجد أول برهان تجريبي لذلك عام 1919 م حيث تم إثبات انحناء الضوء الصادر من أحد النجوم عند مرور الضوء بالقرب من الشمس بتأثير جاذبيتها. وتم ذلك بمراقبة الموقع الظاهري للنجم خلال كسوف الشمس ومقارنته بموقعه الحقيقي (خلف الشمس). فالزمكان ينحني بشدة في وجود الأجسام ذات الكتل الضخمة مثل النجوم والشمس، ويعني ذلك أن مسار الأجسام ينحرف في المكان أثناء الحركة وكذلك تنحني في الزمان بأن تبطئ زمنها الخاص نتيجة لتأثير الجاذبية الواقعة عليها. فإذا تصوّرنا فضاءا رباعي الأبعاد له ثلاثة أبعاد تمثل المكان وبعداَ رابعا للزمان ورسمنا خط الحركة المنحنية للجسم مع تباطؤ الزمن على المحور الرابع، لظهر لنا الزمكان منحنياَ بتأثير الكتلة الجاذبة.
الثقوب السوداء والسفر عبر الزمن:
في العام نفسه الذي ظهرت فيه النسبية العامة 1916م وطرح فكرة انحناء الزمكان، أثبت الفلكي الألماني كارل شفارتزشيلد أنه إذا ضغطت كتلة (ك) في حدود نصف قطر صغير بما فيه الكفاية، فإن انحراف الزمكان سيكون كبيرا بحيث لن تتمكن أي إشارة من أي نوع من الإفلات، بما في ذلك الضوء نفسه، مكونا حيّزا لا يمكن رؤيته، سمي فيما بعد (الثقب الأسود). ويحدث ذلك عند انهيار نجم تتجاوز كتلته ضعف كتلة الشمس، حيث ينضغط ويتداخل بفعل قوته الجاذبة حتى تكون كل مادة النجم قد انضغطت في نقطة ذات كثافة لامتناهية، تسمى نقطة التفرد الزمكاني. وأي شعاع ضوء (أو أي جسم) يرسل داخل حدود الثقب الأسود، ويسمى أفق الحدث، يسحب دون هوادة إلى مركز الثقب الأسود. ومن الناحية النظرية يبدو أنه عند الاقتراب من الثقب الأسود تتزايد انحناءة الزمكان حتى تبلغ أفق الحدث، الذي لا نستطيع أن نرى ما وراءه. ورغم أن فكرة وجود نجم بهذه المواصفات ترجع إلى العالم جون ميتشيل الذي قدمها في ورقة بحث عام 1783م، إلا أن مساهمة شفارتزشيلد تكمن في أنه قدم حلولا للمعادلات التي تصف انهيار النجم إلى ثقب أسود على أساس نظرية النسبية. واتضح لاحقًا أن شفارتزشيلد لم يصل إلى حل واحد للثقب الأسود، وإنما إلى حلين. وهو شيء يشابه الحل الموجب والحل السالب لالجذر التربيعي. فالمعادلات التي تصف الانهيار النهائي لجسم يقتحم الثقب الأسود تصف أيضا - كحل بديل - ما يحدث لجسم يخرج من الثقب الأسود (يطلق عليه في هذه الحال أحيانا (الثقب الأبيض)). وبذلك يبدو أننا إذا ما تابعنا انحناء الزمكان داخل الثقب الأسود يبدو لنا وكأنه ينفتح مرة أخرى على زمكان آخر، فكأنما الثقب الأسود يربط زمكان كوننا بزمكان مختلف، ربما زمكان كون آخر.
ولكن المشكلة كانت في أن أي مادة تدخل هذا الثقب الأسود ستسقط حتمًا في الفرادة المركزية لتنسحق بشكل يخرج عن فهمنا. ولكن مع تقدم الأبحاث وجدت هذه المشكلة حلا، فقد ثبت أن كل الأجسام المادية في الكون تدور سواء كانت مجرات أو نجوما أو كواكب، ومن ثم فإننا نتوقع أن تدور الثقوب السوداء بالمثل. وفي تلك الحال يمكن أن يدخل جسم ما إلى الثقب الأسود ويخرج من الناحية الأخرى دون أن يمر بالفرادة ويتحطم، وذلك بتأثير دوران الثقب الأسود. وفي عام 1963 م نشر روي كير حلولا لمعادلات آينشتاين المتعلقة بالثقوب السوداء الدوّارة. وبينت أنه ينبغي أن يكون من الممكن من حيث المبدأ الدخول إلى ثقب أسود دوار من خلال ممر يتجنب الفرادة المركزية (نقطة الانسحاق) ليظهر على ما يبدو في كون آخر، أو ربما في منطقة زمكان أخرى في كوننا ذاته، ويينبثق من الثقب الأسود ما يسمى بالثقب (الدودي). وبذلك تثير هذه النتيجة بشكل قوي إمكان استخدام الثقوب السوداء بوصفها وسيلة للسفر إلى الماضي بين أجزاء مختلفة من الكون والزمان. كما قال العالم rodward Alfred.
الوسائل المتوقعه للسفر عبر الزمان:
الثقوب السوداء:
إن فكرة استخدام الثقوب السوداء في السفر عبر الزمان تعتمد على أنه من الممكن عندما يحدث انحناء شديد للزمكان أن يحدث اتصال بين نقطتين متباعدتين في الزمكان. وبالتالي إذا تحقق مسار مغلق للزمكان يمكن العودة إلى نقطة البدء في الزمان والمكان. ويرى بعض العلماء أن السفر إلى الماضي لا يمكن أن يحدث، وإنما يكون باستمرار في اتجاه المستقبل. والعبرة هي اقتراب سرعة الحركة من سرعة الضوء. والنسبية معناها مقارنة زمن راكب الصاروخ وزمن صديقه الباقي على الأرض.
الأوتار الكونية:
هي أجسام يفترض أنها تخلفت عن الانفجار العظيم لها طول يقدر بمئات ءالسنين الضوئية، ولكنها دقيقة جدا إلى حد انحناء الزمكان بشدة حولها. فإذا تقابل وتران كونيان يسير أحدهما عبر الآخر بسرعة الضوء تقريبا لتكون منحنى مغلق للزمكان يستطيع المرء اتباعه للسفر إلى الماضي. وقدم فرانك تبلر عام 1974م فكرة للسفر عبر الزمن تعتمد على أن اسطوانة كثيفة الكتلة سريعة الدوران سوف تجر الزمكان حولها مكونة مسارات زمنية مغلقة. وفي عام 1949 م أثبت الرياضي الشهير كورت جودل أن الكون يمكن أن يكون دوارا بمعدل بطيء جدا، وأنه يمكن أن يترتب على ذلك مسار مغلق في الزمكان.
آلة السفر عبر الزمن:
كيب ثورن وزملاؤه وضعوا تصميمًا خياليا لآلة للسفر في الزمن تعتمد على تخليق ثقب دودي ميكروسكوبي في المعمل، وذلك من خلال تحطيم الذرة في معجل للجسيمات. ثم يلي ذلك التأثير على الثقب الدودي الناتج بواسطة نبضات من الطاقة حتى يستمر فترة مناسبة، ويلي ذلك خطوة تشكيله بواسطة شحنات كهربية تؤدي إلى تحديد مدخل ومخرج للثقب الدودي، وأخيرا تكبيره بحيث يناسب حجم رائد فضاء بواسطة إضافة طاقة سلبية ناتجة عن نبضات الليزر. ولكن لا يزال ذلك خيالا.
أختلاف الأراء بين العلماء:
لقد أدت تلك التصورات النظرية لإمكانية السفر عبر الزمن إلى مناقشة التناقضات الناتجة عن ذلك، كمثل أن يسافر المرء إلى الماضي ليقتل جدته قبل أن تحمل بأمه، أو أن يؤثر على مسار التاريخ فيمنع الحروب مثلا... إلخ. ورأى بعض العلماء أنه يمكن حل تلك التناقضات من خلال مفهوم المسارات المتوازية للتاريخ بحيث يكون لكل إمكان مسار مستقل للأحداث. فيكون العالم بعد تغيير أحداثه في الماضي عالما مستقلاً موازيا. وفي الوقت الحالي لا تمثل تلك المناقشات سوى أفكار تأملية فلسفية وليست علمية، فلم يسافر أحد إلى الماضي حتى الآن. ويؤيد ستيفن هوكينغ العالم المشهور بأبحاثه عن الثقوب السوداء ونشأة الكون فكرة حدوث السفر إلى الماضي على المستوى الميكروسكوبي، ولكنه يرى أن احتمال أن يكون هناك انحناء في الزمكان يكفي لوجود آلة للزمان هو صفر. ويرى أن هذا يدعم ما يسميه (حدس حماية التتابع الزمني) الذي يقول إن قوانين الفيزياء تتآمر لمنع الأشياء الميكروسكوبية من السفر في الزمان. ويرى بول ديفيز أن وجود جسر للزمان ما هو إلا مفهوم مثالي لا يضع في حسابه الموقف الفيزيائي اللاواقعي للثقب الأسود في الكون، وأنه على الأرجح أن هذا الجسر المثالي لابد أن يتحطم داخل الثقب الأسود. ومع ذلك فإن ما يجري داخل الثقب الأسود سيظل مثيرا للبحث العلمي والتأمل العقلي، وأنه يستطيع أن يكشف لنا عن مزيد من جوانب الطبيعة التي يتسم بها الزمن.
فالعلماء في واقع الأمر يختلفون في تقدير إمكان السفر عبر الزامن، وإن كانت الغالبية ترى أن هذا غير ممكن. ويذكر ستيفن هوكينغ أن كيب ثورن يعتبر أول عالم جاد يناقش السفر عبر الزمان كاحتمال عملي. وهو يرى أن ذلك له فائدة في كل الأحوال، فعلى الأقل سيمكننا من أن نعرف لم لا يمكن السفر عبر الزمان؟ وأن فهم ذلك لن يتأتى إلا بعد الوصول إلى نظرية موحدة للكم والجاذبية (النظرية الموحدة للقوى)، وسيظل تفسير ما يحدث للمادة داخل الثقب الأسود أو في مسار زمكاني مغلق مبهمًا بالنسبة إلينا.
السفر عبر الزمن في روايات الخيال العلمي:
كان السفر عبر الزمان من الأفكار الكلاسيكية التي طرحت في أدب الخيال العلمي. حيث تعرض لها الأديب الإنجليزي ج. ويلز عام1895 في (آلة الزمن) وجاك فيسني في (وجه في الصورة) ومن أجمل الروايات التي حولت إلى مسلسل تلفزيوني شيق رواية تدور حول وكالة سياحية من القرن القادم تنظم لعملائها رحلات سياحية إلى الماضي لمشاهدة الكوارث والأحداث العظيمة التي وقعت على الأرض.. وهكذا يتنقل السياح عبر الزمان لمراقبة الحرب الأهلية في أمريكا وسقوط القنبلة الذرية على هيروشيما ثم الانتقال إلى الستينيات لمشاهدة اغتيال الرئيس كينيدي على الطبيعة ثم العودة إلى سان فرانسيسكو لمعاينة زلزالها الشهير قبل وقوعه بدقائق!
وقد تحولت معظم هذه الروايات إلى أفلام سينمائية رائعة ـ بما في ذلك أول رواية لويلز "آلة الزمان".. ومن الأفلام التي جمعت بين الكوميديا والخيال فيلم "العودة إلى المستقبل" حيث يعود البطل إلى الزمان الماضي لمساعدة والده المراهق والتقريب بينه وبين والدته تمهيداً لإنجابه!
إدعاءات علمية:
انتشرت في الآونة الأخيرة إشاعات تتعلق بالسفر عبر الزمان وعن تجارب ناجحة أو شبه ناجحة أجراها العلماء مؤخرا. مفاد أحد هذه المواضيع أن العلماء استطاعوا نقل عملة نقدية آنيا من ناقوس إلى آخر ولكن بعد مرور زمان مقداره ساعة وست دقائق ولمسافة حوالي 90 سنتيمترا
ولكن يبدو أن السبب وراء هكذا أقاويل هو إما عدم تفهم العامة لمفهوم النسبية وقوانينها أو لأن مروجيها يفتقرون للمصادر في كثير من الكتب والمقالات العلمية. ربما كان السبب الآخر هو موضوع الانتقال الفوري أو النقل الكمومي quantum téléportassions والذي يعنى بنقل المعلومات الكمية من نظام كمي إلى نظام كمي آخر.
أسباب معارضة الفكرة لو سافر شخص إلى الماضي فكيف يتواجد في زمان قبل أن يوجد أباه وهذا منطقياً وفلسفياً أمر غير مقبول أي أن يسبق المعلول العلة كما يسبق الابن أباه؟؟ أنه لو استطاع أحد السفر عبر الزمان لماذا لم يأتي إلينا من هم في المستقبل؟؟ حيث أنهم وصلوا إلى أرقى المستويات في التقنية...؟؟
هل يمكن أن أعيش في زمان أحفاد أحفادي وهم لم يأتوا بعد؟؟ أو أن أعيش في زمان أباء أبائي وأنا لم أولد بعد؟ كيف تكون البيئة التي أعيش فيها وهي متغيره الآن؟؟
هل من الممكن أن توجد كتلة في مكانين مختلفين في نفس الوقت؟؟
ماذا لو التقى الشخص بنفسه عندما كان صغيرا؟ هذه مفارقات لم يتمكن العلم بعد من تقديم إجابات علمية عنها.
الزمن المتخيل والضوء المتحجر و لغز الفرادة الكونية؟
غالباً ما كان العلماء المتخصصون بالفلك والفيزياء الكونية وعلم الكون، يركزون أبحاثهم على المكان بأبعاده الثلاثة لا سيما في القرون الماضية، إلى أن جاء آينشتين ومنح الزمن قيمة جوهرية عندما اعتبره البعد الرابع للكون. وفي العقد الأخير من القرن العشرين كرس العالم الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 2006 ، جورج سموت George Smoot وقته وريشته لتأليف كتابه الجميل والممتع تجاعيد الزمن Les Rides du Temps حيث صدرت ترجمته الفرنسية سنة 1994 . وكان جورج سموت هو الذي أطلق جملته الشهيرة أمام حشد من العلماء والجمهور والإعلاميين المجتمعين في مقر الجمعية الأمريكية للفيزياء Société Américaine de physique في 23 نيسان 1992، وأثارت ضده الوسط العلمي إبان تعليقه على صور الكون التي أرسلها التلسكوب الفضائي كوب COBE- Cosmic Background Explorer ومن بينها أقدم أشعة قادمة من أعماق الكون، التي يعود تاريخها لأكثر من 13 مليار سنة، عندما عبر جورج سموت عن فرحته ودهشته قائلاً:" كأنني أرى فيها "وجه الله"، مما دفع نصف الحاضرين إلى مغادرة الصالة احتجاجاً على إقحام إسم الله في وثيقة علمية. وبهذه المناسبة علق العالم الحائز على جائزة نوبل للفيزياء روببرت ويلسون Robert Wilson كنت أفضل سماع العبارة البديلة التالية:" كأننا بصدد التأمل في عملية الخلق وولادة الكون"، علماً أن عبارة جورج سموت كانت مجازية ولا تتضمن أي فحوى دينية أو أية إشارة عقائدية أو إيمانية. وفي كتاب "الله والعلم" قال الفيلسوف الفرنسي جون غيتون jean Guiton :"إن من الممكن مقاربة الكون باعتباره رسالة مشفرة أو رسالة ذات شفرة سرية أو نوع من الهيروغليفيا الكونية حيث بالكاد بدأنا بفك طلاسمها. وتتضمن في طياتها جميع القوانين الفيزيائية الجوهرية الأربعة المسيرة للكون" . في حين أشار عالم الفيزياء الأمريكي بول ديفيز Paul Davise سنة 2001 بهذا الصدد إلى :"أن القوانين الفيزيائية لا توجد مطلقاً في المكان و لا في الزمن ، مثلها مثل الرياضيات، بل لديها وجود تجريدي abstraite ، وهي تصف العالم بيد أنها ليست في داخله وهذا لا يعني البتة أن القوانين الفيزيائية ولدت مع الكون أو في لحظة ولادته و لو وجدت القوانين مع الكون في نفس الوقت لما لجأنا إليها لشرح وتوضيح وتفسير أصل الكون ومنشأه، وبالتالي، ولكي تتكون لدينا فرصة لنفهم وندرك علمياً كيف ظهر الكون، يتعين علينا تقبل فكرة أن القوانين نفسها تتمتع بخصائص مجردة وتجريدية لا زمنية و لا أزلية". جاء هذا الطرح في كتاب بول دافيز الذي يحمل عنوان "عقل الرب The Mind of God" الصادر سنة 1992 وأضاف في نفس الكتاب قائلاً :"إنني واحد من بين العديد من الباحثين الذين لا ينتسبون لأي دين تقليدي لكني أرفض الاعتقاد بأن الكون كان حادثاً عفوياً وقع بمحض الصدفة. فالكون الفيزيائي المادي المرئي مرتب Agencé بطريقة محكمة ومبهرة ومنظمة جداً ingéniosité إلى درجة تجعلني أرفض فكرة أن الكون مجرد عملية خلق création آلية mécanique تبدو كأنها حدث محض Fait Brut لذلك لا بد من وجود مستوى أرفع من الشرح والتوضيح وأكثر عمقاً، مهما أعطيناه من تسمية، وإن توصيفة الله ما هي إلا مسألة ذوق وتعريف gout et définition. ولكن هل يمكن للإله أن يظهر في هذا الكون بهيئة ما داخل الزمان والمكان الماديين؟ الجواب يوجد في طيات الميتافيزيقيا وليس العلم.
كانت مسألة الأصل تؤرق بال العلماء خاصة بسبب اتصالها بأطروحة الخلق وحساسيتها عند مليارات البشر. ففي سنة 1929 تسلم آينشتين رسالة غريبة من نوعها أرسله له حاخام نيويورك هربرت غولدشتين Herber Goldstein يسأله فيها، بأسلوب يشوبه القلق، سؤلاً محرجاً ودقيقاً ومباشراً :"هل تؤمن بالله؟" وكان الحاخام المذكور قد تسلم بدوره رسالة من الكاردينال عن مدينة بوسطن الواسع النفوذ أوكونيل O’Connell هدد فيها باللجوء إلى الفاتيكان لإصدار تحريم ضد آينشتين باعتبار أن نظريته النسبية تنشر الشك بين الناس بأن وجود الله الخالق للكون لا لزوم له، وتساهم في انتشار الإلحاد. وسرعان ما رد آينشتين بعبارته الشهيرة التي قال فيها:" أؤمن بإله سبينوزا الذي تجلى من خلال الهارمونية السائدة في العالم وليس بالإله الذي يتدخل في شؤون وتحركات وتصرفات وأذواق كل فرد". فارتاح الحاخام لهذا الرد وأشاع بين الناس أن آينشتين ليس ملحداً وإن نظريته النسبية، لو دفعت نحو الاستنتاج المنطقي لنتائجها فإنها يمكن أن تعطي للبشرية صيغة علمية ستقف بلا شك لصالح الرسالات السماوية والأديان التوحيدية الثلاثة. ومن داخل الكنيسة الكاثوليكية، نشر الراهب والعالم الفيزيائي لوميتر Lemaitre نظريته عن الكون والتي قال فيها :"إن المكان والزمن، والمادة والطاقة، بدأت كلها في وقت واحد. وقد سبق لأحد أعمدة الكنيسة قد أعلن قبل قرون وبالتحديد سنة 354 ، أي في بداية القرون الوسطى، وهو القديس أوغسطين saint Augustin معبراً عن إلهامه، :"إن الكون لم ينشأ داخل الزمن بل نشأ مع الزمن". وهو نفس الشيء الذي ردده آينشتين بعد ألف وخمسمائة سنة من ذلك التاريخ. من هنا برزت فكرة وجود عصر أو حقبة لا أحد يعرف مداها، قبل خلق أو انبثاق المكان والزمن، والمادة والطاقة، أي فترة ما قبل الانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang . يعلم العديد من العلماء أن العالم الفيزيائي والفلكي الروسي الشهير جورج غاموف George Gamow كان أول من تجرأ في الحديث عن العهد ما قبل المادي époque pré matérielle للكون الذي هو عبارة عن حقبة غامضة ولغزية سبقت المكان والزمن الطبيعيين الماديين اللذين نعرفهما اليوم، وهي طريقة ذكية للقول أن المقصود من ذلك هو التعامل مع لغز مطلق ومغلق تماماً عن الإدراك لا يملك سره إلا الله أو العقل الأول على حد تعبير جورج غاموف. وفي سنة 1948 نشر هذا العالم الفذ مقالين قال فيهما :"إن الحدث العظيم أي الانفجار الأساسي الذي أدى ربما إلى ظهور الكون المرئي ، لا يمكن إلا أن يترك ورائه آثاراً وبصمات تدل عليه على شكل إشعاعات منخفضة الحرارة ـ بضعة درجات فوق الصفر المطلقZéro absolu تنتقل كالصدى لتلك البدايات الساحقة وتسبح في أرجاء الكون والتي صارت تعرف علمياً بالأشعة المتحجرة le rayonnement fossile . "
بدأت نظرية الإنفجار العظيم تشق طريقها منذ سنة 1948 وظهرت التسمية في 28 آذار / مارس 1949 في برنامج إذاعي لمحطة البي بي سي البريطانية على لسان العالم فريد هويل Fred Hoyle متهكماً وساخراً من فكرة ونظرية غاموف، وكان هذا الأخير قد صرح مداعباً ومازحاً :"أن الله يسكن على بعد 9 سنوات ضوئية عن الأرض" مما أثار حفيظة زملائه في الوسط العلمي. وكان من الصعب تقبل فكرة أن هذا الكون المرئي الشاسع بما يحتويه من مئات المليارات من المجرات وحشود المجرات ومئات الآلاف من المليارات من النجوم والكواكب، حيث تقاس المسافات فيه بمليارات السنوات الضوئية، كان مضغوطاً في نقطة غاية في الصغر أو اللاتمناهية في الصغر، ضائعة في العدم، فهذا أمر يستحيل تصوره ناهيك عن إدراكه أو تقبله والتصديق به، وأكثر العلماء كانوا يرفضون حتى مجرد التفكير فيه ومنهم فريد هويل المتحصن في قلعته المنيعة في كامبردج العريقة.
وبالرغم من ردود الفعل العنيفة ضد نظرية البيغ بانغ أي الانفجار العظيم، كانت هناك شلة صغيرة من العلماء تثابر في البحث عن شبح ذلك الانفجار أمثال بونزياس Penzias و ويلسون wilson اللذين اكتشفا سنة 1964 الإشعاع المتحجر rayonnement fossile وكان العالم الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1979 ستيفن وينبيرغ steven weinberg مقتنعاً أن هذا الاكتشاف للشعاع المتحجر يعتبر واحداً من أهم الاكتشافات العلمية التي حدثت في القرن العشرين كما ورد في كتابه الرائع المعنون "الدقائق الثلاثة الأولى من عمر الكون" الصادر سنة 1988 les trois première minutes de l’univers . وهناك إسم أخر لذلك الشعاع وهو العمق الكوني المنتشر fond diffus cosmologique وهو عبارة عن موجة باردة تتراوح درجة حرارتها بين 2 و7 درجات فوق الصفر المطلق، وقادمة من أعمق أعماق الفضاء ، أي من أقصى حدود الكون المرئي L’Univers Visible، وتسير تلك الموجة بسرعة الضوء ، أي 300000 كلم/ثانية، كشاهد ملموس على عملية الخلق أو البدء الكوني . الأمر الغريب اليوم هو أن الأشعة المتحجرة صارت موجودة في كل مكان وليس فقط في أماكن بعيدة في الكون. فهي موجودة في حديقة المنزل وفي داخل السيارة وفي الغرفة التي تجلس فيها وتصطدم في جسدك في كل لحظة دون أن تشعر بشبح الأشعة المتحجرة غير المرئية، وهناك مليارات الفوتونات الخفية غير المرئية، تخترق الكون برمته كالريح التي تلامس الوجه وتداعب الشعر في كل سنتمتر مكعب في المكان يوجد ما لا يقل عن 400 فوتون من الشعاع المتحجر. بعبارة أخرى هناك تحت اليد في هذه اللحظة حوالي المليار فوتون كوزمولوجي تتأرجح في كل الاتجاهات ولو قررنا تعدادها واحداً بعد الآخر فسوف نحتاج إلى 80 عاماً.
إن الاكتشاف الأهم الذي توصل إليه آينشتين في نظريته النسبية هو أن الزمن، بالنسبة لجسم يسير بسرعة الضوء، يعادل صفر، بمعنى آخر لا وجود للزمن بالنسبة للأشعة المتحجرة القادمة من أعماق الكون منذ الانفجار العظيم قبل 13750 مليار سنة، لأنها تنتقل بسرعة الضوء. ففي الفراغ لا يحدث شيء وإن الزمن يتغير ويختلف باختلاف السرعة فكلما زادت سرعة الجسم كلما تباطأ الزمن بالنسبة لذلك الجسم، حسب مبدأ تباطؤ الزمن مع السرعة. نفس الأمر ينطبق على فوتونات الضوء التي تسير بسرعة 300000 كلم/ثانية حيث الزمن بالنسبة لها شبه متوقف إن لم نقل منعدم. فبالنسبة لنا، مر حوالي 14 مليار سنة على حدث البيغ بانغ الانفجار العظيم وانطلاق الضوء منه، في حين لم تمس الشيخوخة الفوتونات المهاجرة منذ تلك اللحظة الغارقة في القدم ولم تشخ ولا ثانية واحدة، وهذا ما يصعب تصديقه أو استيعابه وفهمه من قبل العامة من غير العلماء والمتخصصين. وليس فقط أننا نلمس توقف الزمن بالنسبة لفوتونات الضوء فحسب، بل إن المكان والفضاء نفسه لا يعني شيئاً بالنسبة لنفس الفوتونات الضوئية رغم ما يتمتع به المكان من مسافات وأبعاد مكانية. فالامتداد المكاني والفضائي غير موجود ومنعدم أيضاً منذ اللحظة التي غادر فيها شعاع الضوء العمق المنتشر للكون fond diffus على الطرف الآخر للكون المرئي، إلا أنه، من وجهة نظر الفوتون الضوئي، فإنه بلغ أو وصل للأرض في نفس لحظة الانطلاق لأنه لا توجد مسافة مكانية بالنسبة له ولا حتى جزء من مليار من الملليمتر.وهذا يعني نظرياً أننا يمكن أن نراقب ونرصد حدث الانفجار العظيم بصورة مباشرة بفضل اكتشاف وجود الإشعاعات المتحجرة ، وذلك وبفضل هذه الظاهرة العلمية الخارقة التي اكتشفها عبقري القرن العشرين آينشتين .
غادر الضوء موقع الانفجار العظيم واكتشفناه اليوم وكأنه في عمر يقل عن جزء من مليار من الثانية . في 14 آيار / مايو 2009 أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية التلسكوب الفضائي في الفضاء الخارجي بلانك Planck ولكن بقدرة تفوق ألف مرة قدرة سلفه التلسكوب الفضائي الأمريكي كوب COBE المذكور أعلاه، وقد قدم تلسكوب بلانك لغاية نهاية سنة 2010 تقريباً معلومات علمية غاية في الأهمية والدقة العلمية وسيستمر في العطاء لعقدين قادمين، حيث بدأت الدراسات والتحليلات للصور المذهلة التي أرسلها تلسكوب بلانك لحد الآن وستظهر النتائج النهائية بعد عام 2012 . كان أول استنتاج علمي ثبتت صحته هو أن لكوننا المرئي الحالي، بداية يعود تاريخها إلى 13 مليار و 750 مليون سنة أرضية وربما يكون التاريخ أقدم من ذلك بكثير. والحال أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل ظهر الكون هكذا فجأة وبالصدفة أم نتيجة لطبخة معدة سلفاً؟ وعندما يشاع أن مغامرة الحياة تنجم كما يبدو من توجه طبيعي للمادة نحو التنظيم الذاتي العفوي لتتحول إلى نظام أكثر تجانساً hétérogène وأكثر تعقيداً plus complexe يحق لنا أن نتساءل لأي سبب يحدث ذلك؟ هل هناك قانون أو عدة قوانين ماتزال مجهولة، تقوم، بفعل بعض الظروف الخاصة للطاقة، بدفع المادة إلى تنظيم نفسها لكي تصبح حية vivante ؟ مما لا شك فيه أن هناك نسيج ما يتكفل بالربط بين الجماد والمادة العضوية السابقة للحياة pré vivante ومن هذه الأخيرة إلى المادة الحية، وهذه الأخيرة تبدو كأنها التعبير الضروري لكون مرئي ينطوي تنظيمه الدقيق والممنهج والتراتبي،على نزوع الجزيئات الأكثر بساطة إلى تنظيم نفسها على شكل أنظمة أكثر تعقيداً إلى حد ولادة الحياة . وقد صرح عالم الفيزياء الأمريكي فريمان دايزون Freemen Dyson بهذا الخصوص " كلما حللت الكون أكثر فأكثر ودرست تفاصيل معماريته، كلما التقيت بأدلة وبراهين توحي لي بوجود معنى ما، حيث بت أشعر وكأن الكون " يعرف أو يعي" أننا سنظهر وسنولد على سطح عدد كبير من كواكبه أو مكوناته " فالكائنات الحية والمجرات والنجوم والكواكب مكونة من نفس المادة سواء أكانت حية أو جماد، وهذا يعني أن الكون "كائن حي" وهو في عملية خلق مستمرة منذ الأزل إلى الأبد، وننتمي نحن للمكونات الحية فيه . فهنالك أمثلة مثيرة ومدهشة عديدة داخل قوانين الفيزياء الذرية وعدد من الحوادث Accidents بصيغة رقمية numériques تبدو وكأنها تتواطأ لجعل الكون قابلاً للحياة . وفي مؤتمر علمي عقد في باريس بدا فريمان دايزون Freemen Dyson حائراً بشأن سؤال محرج وجهه إليه أحد المشاركين بشأن سر النظام الغامض الذي يتحلى به الكون ويبسط ويفرض حضوره على الواقع، وكانت إجابته علمية معقدة وتخصصية وكأنه يريد أن يتهرب من الرد حين قال :" إن القوة التي تتحلى بها قوى الجاذبية أو الثقالة الذرية تكاد تكون غير كافية لتعارض قوى الطرد الكهربائية التي تتفاعل بين الشحنات الموجبة للنوى في الذرات العادية كذرات الحديد والأوكسجين، كما توجد حوادث accidents محظوظة جداً في الفيزياء النووية physique atomique، وبدون تلك الحوادث والخروقات لن يكون بوسع الماء أن يوجد بهيئته السائلة ولن يكون بوسع حلقات ذرات الكربون أن تتحد وتتركب se combiner على شكل جزيئات أو خلايا molécules organiques عضوية معقدة ومركبة complexes ، ولن يكون بإمكان ذرات الأوكسجين أن تعمل كجسر بين الخلايا لذلك يمكن القول أنه بفضل تلك الخروقات والحوادث الفيزيائية والفلكية accidents physiques et astronomiques بات ممكناً توفر أمكنة حاضنة hospitalier للكائنات الحية . وبصفتي عالماً متعلماً ومشبعاً بنمط تفكير القرن العشرين وليس القرن الثامن عشر، لا أدعي أن معمارية الكون ، رغم عظمتها وهارمونيتها، يمكن أن تثبت وحدها وجود الله، بل يمكنني القول فقط بأن هذه المعمارية تتماشى وتتوافق مع الأطروحة القائلة بأن الروح L’esprit المجهولة الماهية ، تلعب دوراً أساسياً في طريقة عمل الكون ونظامه، وأعتقد أن الكون يميل بطبيعته وتكوينه نحو الحياة والوعي والذكاء وإن هناك معنى لوجوده والدليل أننا هنا موجودون لنراقب ونرصد وندرس ونحلل ونتأمل بجماله وهارمونيته، لكنني أشدد أن المقصود بهذا الكلام هو مجرد رهان ميتافيزيقي enjeu métaphysique وليس تفكيراً عقلانياً وعلمياً قحاً".
وفي نفس السياق صرح العالم جورج سموت :"أن كوننا المرئي هذا، وقبل بدء التوسع والتمدد، كان في حالة توازن حراري équilibre thermique في مستوى اللامتناهي في الصغر، والمعروف أيضاً بمستوى بلانك échelle de Planck، رغم مروره بعدة تحولات قبل بلوغه التوازن الذي نراه اليوم. وبفضل رصد واكتشاف وتحليل الشعاع أو الضوء المتحجر rayonnement fossile أصبح بالإمكان رؤية أن الكون كان في حالة توازن، على الأقل بعد ساعة من بدء الانفجار العظيم البيغ بانغ ، والأكثر من ذلك أن التركيبة الذرية nucléosynthèse المرتبطة بالانفجار العظيم توفر دليلاً إضافياً مثبتاً على أن التوازن كان موجوداً حتى قبل ذلك الحدث المؤسس وبالتأكيد منذ الثانية الأولى للانفجار العظيم أو حتى جزء منها" ، وهو الموقف النظري الذي تبناه وأيده وأكده العالم البريطاني العبقري ستيفن هاوكنغ Stephen Hawking.
وبعد أن ثبت علمياً ومختبرياً أن الكون كان في حالة توازن حراري على مستوى بلانك، فإنه بالضرورة كان في وضع خاص جداً وفريد من نوعه أسماه علماء الفيزياء والرياضيون physiciens et mathématiiens بحالة الـ " ك م س K ,M,S, " وهي نظرية كونية تحمل نفس الإسم وتحتاج لمئات الصفحات لشرحها وتوضيحها لكنني سأحاول تلخيصها قدر الإمكان في بضعة سطور لتقريب الصورة لأذهان القراء على أن نعود لها فيما بعد في بحوث قادمة بالتفصيل اللازم :" ففي عالم اللامتناهي في الصغر infiniment petit ، وعندما يكون النظام في حالة توازن حراري équilibre thérmique ، فإنه من البديهي بالضرورة سيكون النظام في حالة ك م س K ,M,S, وهناك عدد قليل جداً من العلماء من أطلع بالتفصيل على هذه النظرية النادرة والغريبة والمدهشة في آن واحد . وقد أتاحت هذه النظرية الفرصة لبعض العلماء والباحثين، ومن بينهم الأخوة التوأمين إيغور وغريشكا بوغدانوف IGOR et GRIHKA BOGDANOV التطرق لهذه النظرية والاستفادة منها وتطويرها عبر أطروحتيهما لنيل الدكتوراه في علم الكونيات cosmologie والقيام بمقاربة شجاعة وجريئة عن حالة الكون قبل ولادته أي قبل الانفجار العظيم البيغ بانغ وأثبت الأخوة بوغدانوف بأن الكون، على مستوى بلانك، أي في المستوى اللامتناهي في الصغر، كان في حالة ك م س K ,M,S, ، وهي الحالة التي كانت سائدة وتهيمن على الوجود الافتراضي للكون قبل نشأته المادية ـ الطاقوية أي قبل الانفجار العظيم. ولكن ما المقصود بحالة ك م س K ,M,S, بالضبط؟ إنها الحروف الأولى لأسماء ثلاثة علماء فيزياء هم أصحاب هذه النظرية التي تبلورت بين 1957 و 1959 وهم علماء فيزياء ورياضيات في نفس الوقت وهم كوبو KUBO وهو عالم ياباني حائز على جائزة بولتزمان prix Boltzmann ، و مارتان Martin وهو عالم رياضيات ضائع في بحر الحسابات والأرقام التي لاتنتهي، و شوينغر Schwinger الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1965 ، ووضع العلماء الثلاثة نظرية الـ ك م س K ,M,S, بعد أن توصلوا إلى حقيقة أنه في مستوى اللامتناهي في الصغر تربط حالة الـ ك م س K ,M,S, التوازن الحراري équilibre thermique لنظام ما بتطوره son évolution . وعندما يكون نظام كمي أو كوانتي système quantique في حالة ك م س K ,M,S, ، أي عندما يجتمع توازنه الحراري مع تطوره ، عند ذلك يتوقف زمنه الخاص به عن الوجود، بالمعنى الدقيق لكلمة الوجود، ويغدو زمناً مركباً complex بالمعنى الذي يضفيه الرياضيون على مصطلح مركب. أي أن الزمن في حالة الـ ك م س K ,M,S, غير محدد فهو متشوه déformé ويغدو مضبباً flou ويمكن ان يتباطأ وتصبح الثانية ساعة أو يتسارع فجأة brutalement ويمر يوم كامل في خمس دقائق أو يقفز sauter التوقيت الزمني فجأة من منتصف النهار إلى منتصف الليل ــ على سبيل التشبيه لتقريب الصورة والتبسيط فقط ــ ويمكن تطبيق ذلك على الكون لأن لديه شرطين متوفرين ـ وهما كون الكون في مستوى بلانك، أي اللامتناهي في الصغر، أي كونه نظام كوانتي أو كمي، وأيضاً كونه في حالة توازن حراري في نفس الوقت . وهذا يعني أن التحديد الزمني للكون قبل الانفجار العظيم لم يثبت fixé ولم يحدد défini بل يكون خاضعاً لتباينات وتحولات وتأرجحات وتقلبات fluctuations بين الاتجاه الواقعي والاتجاه الخيالي -dir-ection réelle et -dir-ection imaginaire للزمن، وهذا الأخير، أي الزمن المتخيل، يقاس بالأعداد الخيالية nombres imaginaires . وقد أكد العالم البريطاني الفذ ستيفن هاوكينغ بأن الزمن المتخيل أو الخيالي كان هو الشكل الجوهري للزمن قبل ولادته، بعبارة أخرى إن الزمن قبل أن يصبح واقعياً être réel كان موجوداً قبل الانفجار العظيم على شكل تخيلي أو صيغة خيالية وفق تعبير الفيلسوف والعالم الرياضي ديكارت Descartes الذي ابتكر تسمية الزمن الخيالي أو المتخيل رغم إنه لم يعتقد بوجود الأعداد الخيالية حيث يؤكد علماء الرياضيات المعاصرين أن مربع عدد خيالي يكون دائماً سلبي négatif وهذه الأعداد لا تشبه غيرها وهي التي تستخدم لقياس الاتجاه الخيالي للزمن -dir-ection imaginaire du temps وهذا ما كان يقصده العالم جورج سموت عندما أطلق تعبير تجاعيد الزمن rides du temps وهو عنوان كتابه الجميل المشار إليه أعلاه.
الزمن المتخيل هل نحن على مشارف الأفق الكوني؟
هل سيصدق الناس أن العلماء على الأرض سيتوصلون خلال بضعة عقود، تعد على أصابع اليدين، إلى النظرية الفيزيائية ـ الكوزمولوجية الشاملة، الموحدة والجامعة والوحيدة، التي ستقدم لهم الأجوبة على كافة التساؤلات التي يطرحونها على أنفسهم فيما يتعلق بأصل الكون ومصيره؟ هذا ما يتمناه ويسعى إليه لفيف من العلماء المتخصصين في مختلف العلوم لتحقيق هذه الغاية ومن بينهم العالم الفذ في الرياضيات والفيزياء النظرية والخبير بالثقوب السوداء ستيفن هوكينغ Stephen Hawking والذي أثار الدنيا بكتابه الأخير " التصميم العظيم" عن الكون والذي أصدره في أيلول 2010 وقال فيه "أن الكون بدأ عفوياً تماشياً مع قوانين الطبيعة الفيزيائية ولم يكن بحاجة إلى خالق وبالتالي لم تكن هناك عملية خلق" بالرغم من الانتظام والتناسق المذهل الذي يوسم هذا الكون المرئي حسبما نراه ونرصده اليوم بوسائلنا البدائية قياساً لما يحتاجه من أجهزة متطورة تسبر أغواره وتفك أسراره والتي لن نتوصل إلى صنعها قبل مئات القرون. فالفيزياء هي دراسة الكون الذي نعيش فيه، والفيزيائيون يدرسون آخر ما وصلت إليه البراهين والأدلة العلمية فيما يتعلق بهذا الكون.. لذلك فالفيزيائيون هم من يستطيعون أن يجيبوننا عن الأسئلة التي تتعلق بمنشأ الكون، ولن يأتي الجواب من الموروث الديني الذي تلقيناه من آبائنا وأجدادنا منذ آلاف السنين أومن العصور الساحقة. لذلك فإن كلام ستيفن هوكينغ عن الكون له وزنه لأنه عالم فيزياء قدير ومشهود له بالكفاءة والدقة العلمية ولا يقوده شيء سوى البرهان العلمي، ولا تهمه الاعتبارات الدينية وردود الفعل الشعبوية والموروثات الخرافية. وكان هوكينغ قد صرح بعد اكتشاف كواكب أخرى تشبه كوكب الأرض وتدور حول شموس أخرى تشبه شمسنا، بأنه قد تكون هناك حضارات كونية ذكية ومتطورة تكنولوجياً وتفوقنا بآلاف السنين، إلا أنه نصح بعدم التعاطي معها والاتصال بها لأنها قد تتعامل معنا كما تعاملنا نحن مع الأقوام التي وصفناها بأنها بدائية وغير متحضرة وقمنا بإبادتها. ومن المعروف أن هذا العالم كرس سنوات طويلة من عمره العلمي وهو يبحث عن النظرية الجامعة والموحدة لكافة النظريات الفيزيائية والكوزمولوجية ـ الكونية لاسيما الربط بين نظرية النسبية لاينشتين ونظرية الكم أو الكوانتا حيث تبحث النظريتان باللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر. وهي النظرية التي أتفق العلماء على تسميتها بالثقالة الكوانتية La gravité quantique لكنه لم ينجح كلياً بعد، لا هو ولا غيره من العلماء العباقرة الذين يجاهدون للإجابة على هذا السؤال المفتوح، والتحدي المرفوع أمامهم: هل الكون مخلوق أم أزلي؟
تتفق الآراء اليوم على أن كوننا المرئي، نشأ قبل 13،7 ثلاثة عشر مليار وسبعمائة مليون سنة ، وربما أكثر من ذلك بكثير، وهو في حالة تطور بطيء عبر عملية تطور مرحلي تراكمي ونمو مركب ، واستمر في عملية التطور منذ لحظة النشوء الأولية بفضل الييغ بانغ الانفجار العظيم إلى أن تمكن من خلق الحياة والوعي بداخله والسؤال هو: هل إن هذا الحدث مسجل ومدرج في قلب المادة وجوهرها وشيفرتها النووية كما يعتقد العالمان الفيزيائيان جورج سموت George Smoot و زميله فريمان ديزون Freeman Dyson ؟ وإذا كان ما يعتقدانه صحيحاً فإن الكون المرئي لن يكون فقط نظاماً زمكانياً لاحتواء المجرات والنجوم والكواكب والغازات الكونية فحسب، بل هو أيضاً، تنظيم تراتبي دقيق ، بل غاية في الدقة، يقود بالضرورة الجسيمات المادية الجامدة نحو الحياة العضوية والخلايا الحية. بعبارة أخرى إن الحياة هي التعبير العفوي عن كون مرئي يكون منحاه الطبيعي هو تكوين وتنظيم الخلايا والذرات والجزيئاتmolécules من أبسطها إلى أعقدها، والتي تجتمع في أنظمة أكثر تعقيداً وتركيباً إلى أن تنجب الحياة والكائنات الحية engendrer du vivant وتوفر ظروف وشروط تطورها .
ولكن ما سر هذا التوجه العفوي أو الواعي الذي تقوم به المادة نحو الحياة؟ ولماذا تبدو العملية، أكثر فأكثر، كنتيجة حتمية للخصائص الجوهرية للمادة؟ والحال أن كل الموجودات الحية تجد جذرها وأصلها في ذرة الكاربون، وهكذا نعود مرغمين إلى الماضي البعيد للكون المرئي ومكوناته من النجوم التي من دونها ما كان بإمكان مادة الكاربون " أصل الحياة" أن توجد. وكما نوهنا في مقالات سابقة ، فإن أي تغيير أو تعديل modification في السلسلة السببية الكوزمولوجية chaine causale cosmologique ، أو في أي ثابت من الثوابت الفيزيائية المعروفة constantes physiques التي ينبني عليها واقعنا الذي يحيط بنا، تجعل من المستحيل نشوء الحياة. وهذا ما يؤدي بنا حتماً إلى حلول ناقصة وغير مضبوطة أو غير دقيقة وغير ملائمة أو غير موائمة لمواصفات وخصائص الكون المرئي الذي نعرفه أو نعتقد أننا نعرفه. ولو عدنا إلى الماضي السحيق للكون المرئي، إلى اللحظة الصفر، أو النقطة الواقعة على حدود مستوى بلانك والتي تمثل الأصل للكون المرئي الحالي لأمكننا ربما العثور على شفرة الوجود السابقة للحظة النشوء والواقعة تحت مستوى بلانك حيث تم فيها تشفير كافة القوانين الفيزيائية التي يستند إليها الواقع المرئي المحيط بنا مثلما هو حال المعلومة الجينية عند البشر information génétique التي تشفر خصائصهم وموروثهم وسماتهم وطباعهم وصفاتهم الجسدية caractères physiques . أي أن الكون المرئي يتصرف كالكائن الحي ولديه معلومة جينية كوزمولوجية تشبه ما هو موجود عند الكائن الحي ( إنسان وحيوان ونبات)، وإن هذه المعلومة الرياضية ـ الحسابية الافتراضية هي التي تشفر القوانين الفيزيائية الجوهرية للكون المرئي. وكأي شيفرة code ، فإن هذا البرنامج الكوزمولوجي الأولي والجوهري يختزل بمنظومة تعليمات instructions ومعطيات رقمية Données numériques . وفي حالة تواجد هذا اللغز الكوزمولوجي المشفر في ما قبل اللحظة صفر من عمر الكون المرئي، فإنه والحالة هذه سيكون بالضرورة غارقاً في الزمن المتخيل أو الخيالي le temps imaginaire. وبما أن مرور الزمن مرتبط دائماً بالطاقة فإن الكود أو الشفرة الكوزمولوجية لا تنتقل من الزمن المتخيل ـ على هيئة معلومة ـ إلى الزمن الواقعي إلا في حال انبثاق طاقة كبيرة مثلما هو الحال عند مشاهدة فيلم على ديسك أو اسطوانة د ف د DVD حيث لايمكن مشاهدة الفيلم وعرضه إلا في حالة صرف طاقة ـ كهربائية وضوئية وميكانيكية ـ قابلة للقياس والحساب وموزعة في الزمن ـ زمن العرض ـ . وما أن نخرج الديسك من آلة العرض أو قاريء الـ DVD عند ذلك يغادر الفيلم عالم الزمن الواقعي ( أي عالم الطاقة المصروفة عليه في آلة العرض ) ليدخل إلى عالم الزمن المتخيل ( أي عالم المعلومة الحاسوبية information informatique. فقصة الفيلم وأحداثه وشخصياته موجودة أو مخزونة على شكل شفرات وكودات من صفر 0 وواحد 1 ومخفية داخل الاسطوانة بعيداً عن أي فترة زمنية وربما إلى الأبد مالم يتم تشغيل قاريء الديسك وبذل الطاقة لذلك. فلا يوجد ماضي ولا مستقبل للفيلم الموجود على الديسك بل فقط معلومة مشفرة تختزن محتويات وتفاصيل الفيلم على شكل رموز . من هنا بوسعنا القول أن الكون المرئي في حالته ما قبل البيغ بانغ، الانفجار العظيم، لم يستند إلى طاقة بل فقط إلى معلومة رقمية مشفرة . بعبارة أخرى يمكننا أن نتخيل القوانين الفيزيائية الجوهرية المسيرة للكون المرئي وكأنها محفورة على ما يشبه الاسطوانة الكونية الـ cosmique DVD وإذا لم يوضع الديسك الكوني موضع قراءة وتفعيل بواسطة الطاقة فلن يوجد كون مادي مرئي وتبقى المعلومة الكونية المشفرة محفوظة داخل الزمن المتخيل temps imaginaire إلى الأبد وما أن يتم تشغيل الاسطوانة الكونية بما تختزنه من قوانين فيزيائية جوهرية وثوابت فيزيائية أساسية ينتقل الكون من العالم الافتراضي monde virtuelle إلى عالم الطاقة والزمن الواقعي. وهذا هو ملخص أحدث نظرية في الفيزياء النظرية تقدم بها التوأمان الفرنسيان إيغور وغريشكا بوغدانوف Igor et Grichka Bogdanov وأثارت ضجة وجدال كبيرين في الأوساط العلمية في السنوات العشرة المنصرمة.وهما آخر من تجرأ على الخوض في تلك المرحلة اللغزية السحيقة للكون والتعمق في سره في لحظة ولادته وهي من أصعب المواضيع وأكثرها صعوبة وحساسية في الفيزياء النظرية ورأس الحربة في الصراع الدائر بين المؤسسة الدينية والمؤسسة العلمية بشأن اصل الكون وولادته وإن معرفة حقيقة ماجرى سيكون بمثابة المفتاح الذي سيحل التنافس الدائم والصراع القائم منذ قرون بين مختلف المدارس العلمية لإثبات صحة طروحاتها والإجابة على العديد من الأسئلة العسيرة والمعلقة وتقديم الأجوبة الشافية والناجعة، ومن بين تلك الأسئلة العويصة على سبيل المثال لا الحصر:
1) هل كان الكون المرئي الذي نعرفه في وقت ما حقاً لا متناهي في الصغر infiniment petit ؟
2) وهل ما يزال هناك معنى للمفاهيم الهندسية conceptions de la géométrie مثل المسافات distances في لحظة ولادة أو بدء الكون؟
3) وإذا لم يكن هذا هو واقع الحال فكيف يمكننا تعميم الأدوات الهندسية les outils de la géométrie على نحو يمنع انهيارنا في ظروف متشددة للغاية؟
4) بعبارة أخرى، ماهي الكميات والمسائل الجديدة التي سنضعها محل المفاهيم المعتادة للهندسة الإقليدية في المكان " espace" بغية استكشاف اللحظات الأولى للكون بصورة مرضية؟
5) هل كانت قواعد اللعبة أسهل في الأصل أو البداية، وهل كان الكون المرئي، كوليد جديد، قابلاً للمقارنة بحاسوب ordinateur؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف كان يعمل بالضبط؟
6) ولو حاولنا مضاعفة " الكميات ـ بالمفهوم العلمي والفيزيائي للمصطلح ـ les quantités، التي تصف الكون، فهل إن نظام المعاملات والوسائط les facteurs مهماً في هذه الحالة؟ وفي أية لحظة كان ذلك النظام مهماً؟
7) هل كان للكون حقاً بداية أم أن ظهوره المفاجئ والمباغت ينتهك ويخرق بعض القوانين؟ وهل كانت هناك عملية خلق للمعلومة الرقمية ـ الرياضية التجريدية création d’information عندما ولد الكون؟ وإذا كان هذا هو الحال فما هي القوانين التي كانت فاعلة ومؤثرة آنذاك؟
8) هل للكون ثلاثة أبعاد مكانية فقط أم يمكن أن يكون له أبعاد أخرى أو أن يكون له اقل من ثلاثة أبعاد؟
9) هل يمكن أن توجد حالة لا يقين أو لا حتمية incertitude فيما يخص العدد الحقيقي لأبعاد المكان؟
10) هل بالإمكان خلق ثقوب في الكون أو بالإمكان تعديل أو تغيير شكله بصورة متواصلة؟
11) هل يمكن أن توجد فرصة، ولو ضئيلة جداً جداً فيما يتعلق بإمكانية وجود مراقب داخل ثقب أسود ـ وهي عملية مستحيلة بمعاييرنا وحسب قوانيننا الفيزيائية المعروفة ـ يكون بإمكانه إرسال المعلومات لشخص آخر موجود خارج الثقب السود في حين أن النسبية العامة تمنع كلياً وبصورة مطلقة مثل هذه الإمكانية؟وهل ستضيع المعلومة المرسلة من الشخص داخل الثقب الأسود مرة وإلى الأبد، وهو التساؤل المطروح كأساس لمفارقة فقد المعلومة paradox de la pert d’information المتداول في أروقة العلوم الفيزيائية؟
12) أين تختزن الثقوب السوداء المعلومة المتعلقة بالمادة التي أنجبتها engendré أو أوجدتها؟
13) هل يمكن لمراقب ما أن يرصد حالة تخطي لسطح الثقب الأسود المعروف بإسم الأفق horizon أم سيكون ذلك مستحيلاً كما تنبأت نظرية النسبية العامة؟ وماذا لو كانت النسبية العامة قد أخطأت بهذا الصدد؟
14) هل من الممكن أن يتعرض الثقب الأسود باستمرار لعمليات تحول وتبدل transformations إلى حد أن يختزل ويتقلص إلى مجرد جسيم أولي particule élémentaire والعكس بالعكس وبماذا يمكن تشبيه مثل هذا التحول؟
15) ماذا سيحدث لو تسببنا بتصادم جسمين تكون طاقتهما الكلية وكتلتيهما الكلية كافيتين بحيث تتسببان بتوليد ثقب اسود؟ هل يمكن لهذا الأخير أن يبتلع كل شيء حوله بما فيه كرتنا الأرضية؟
16) هل كان للكون درجة حرارة مقاسة ومحددة بدقة عند لحظة الأصل أو الولادة à l’origine وما هي قيمتها، وهل هناك حد أعلى كوني لدرجة الحرارة وماذا يحدث بجوار ذلك الحد؟
17) من المعروف أن نظرية النسبية الخاصة توحد المكان بالزمن وتتيح لنا أيضاً التمييز بين كون الحدث événement من نوع الزمن أو من نوع المكان، فهل يمكن إلغاء هذا التمييز بين الزمن والمكان من الناحية التقنية البحتة، والمعروف بلغة الفيزياء علمياً بإمضاء أو علامة الزمكان La signature de l’éspace-temps
18) هل يتوجب التعبير عن المسافات والمديات الزمنية بالأعداد الواقعية nombres réels التي نعرفها أم أن هناك اتجاه أو منحى ما يمكن تخيله ويمكن قراءته بأعداد أكثر قدرة وقابلية وكفاءة واتقاناً ودقة تسمى الأعداد المركبة nombres complexes، وإذا كان ذلك ممكنناً فلماذا لا نعرف لحد الآن سوى المسافات والمديات أو الآجال الزمنية les durées الواقعية فقط؟
19) هل يمكن أن تكون كافة القوى الكونية الفيزيائية والعائلات أو الجماعات الجسيمية الأولية منبثقة من شيء أكثر جوهرية ومن ماذا صنع ذلك الواقع الجوهري الأصلي أو الأولي التأسيسي réalité primordiale ، وأي نوع من الرياضيات والفيزياء يتعين علينا أن نتعلم ونتوسل بغية أن يكون لدينا فهم أفضل؟
20) هل بوسعنا تصور أكوان متميزة بخاصية المكان المنحني أو المحدب، أي بطغيان قوة الثقالة أو الجاذبية في حين تكون فيها بقية القوى الأخرى والجسيمات الأولية مختلفة عما هو موجود في كوننا المرئي وماهي الإمكانيات المتوفرة لمثل هذا التطور؟ بعبارة أخرى هل يوجد نموذج شبيه بكوننا المرئي لكنه خارجاً عنه؟
21) إذا لم يوجد ما يمنع افتراض وجود أكوان أخرى مختلفة أو مشابهة لكوننا المرئي فكيف نفسر حقيقة أننا نعيش في هذا الكون المرئي بالذات وليس في غيره؟ وهل وجود حضارة أو حياة ذكية وعاقلة ومفكرة هو الشرط الوحيد الذي يتماشى مع أطروحة " الكون الأنسب"؟
22) هل هناك اختلاف جوهري بين الماضي والمستقبل أم أن هذا الاختلاف ليس سوى قضية عرف اصطلاحي متفق عليه أو وجهة نظر ليس إلا؟
هذه عينة لعدد لا متناهي من التساؤلات والأفكار والتحديات التي تطرح أمام العلم والعلماء فيما يخص حقيقة الكون وأصله ومصيره حيث تتغير الأجوبة والأطروحات والنظرية من عقد لآخر بل من سنة لأخرى حسب التقدم العلمي والتكنولوجي وما تقدمه لنا عمليات الرصد والمراقبة والدراسة والتحليل للطيف الكوني والتجارب المختبرية والاكتشافات التي لا تتوقف في هذا المضمار. ففي فترة ما ليست بالبعيدة اتفقت آراء معظم العلماء والباحثين على حقيقة أن الكون لم يكن ابداً في مستوى اللامتناهي في الصغر وإن أصغر مستوى يمكن بلوغه هو مستوى طول بلانك longueur de Planck في لحظة ولادته أي إبان البيغ بانغ أو الانفجار العظيم Big Bang والمعروف أن مستوى بلانك échelle de Planck هو أصغر مستوى قابلا للإدراك لأي جسيم فيزيائي مادي ويقدر بـ 35-10 أس 35 سلباً من البوصة حيث تتفاعل قوانين ميكانيك الكم أو الكوانتا mécanique quantique مع الذرات وليس مع أجسام بحجم التفاحات. ولو كان لدينا ميكروسكوب عملاق لمراقبة الجسيمات على مستوى بلانك لأمكننا كشف سر الكثير من ألغاز الثقالة الكوانتية أو الكمية la gravité quantique ووجدنا لها الحلول اللازمة ولكن وللأسف لايوجد مثل هذا الميكروسكوب العجيب وربما لن يوجد مثيله أبداً على الأرض وبالتالي علينا اللجوء لطرق غير مباشرة للتدقيق والقياس من أجل اكتشاف الحقيقة بواسطة أداة رياضية outil mathématique مثالية قادرة على إعطاء جواب وحيد وعلمي لجميع تلك الأسئلة الجوهرية التي تبحث في عملية الخلق الكوني إن وجدت وثبت حدوثها علمياً، ولفك ألغاز الكون من خلال تحليل الطيف الضوئي القادم من الأعماق السحيقة وسبر أغوار المادة السوداء أو المعتمة الغامضة المجهولة الكنهة والماهية وكذلك الطاقة الداكنة أو السوداء المجهولة الكنهة والماهية هي أيضاً والتي تتسبب في تمدد وتوسع الكون وتسارع هذه العملية. ومن هناك المضي قدماً لمعرفة سر النظام الكوني ودقة تنظيمه وهارمونيته وتناسقه وبالتالي محاولة معرفة شكل الكون ومعماريته أو هندسته المكانية. وتأسيساً على ذلك نجد أنفسنا أمام فرضيتين أو نظريتين متباينتين وليستا بالضرورة متناقضتين عن النشأة الأولى والأصل المفترض للكون المرئي، الأولى تصدت لها الفلسفات القديمة والأديان السماوية والوضعية منذ فجر الإنسانية، منذ أن بدأ الوعي البشري يفكر ويتساءل ويبحث، وتبلورت بسيناريو الخلق الرباني المباشر على يد خالق مبدع يمتلك القدرة المطلقة بخلق الأشياء بالإرادة الربانية والكلمة الإلهية حيث يقول للشيء كن فيكون، وهو كائن لم يلد ولم يولد كما ورد في كتاب الإسلام المقدس ، وهو أزلي وأبدي خالد وحي لا يموت بيده الملك وهو على كل شيء قدير، خالق الزمان والمكان. وهذه صفات عمومية لانعرف مداها وحقيقتها فلا أحد يعرف ماهية هذا الخالق ولا الغاية من خلقه للكون وموجوداته وما علينا سوى الطاعة العمياء والعبادة وكل ما يتعلق به هو من اختلاق وتأليف الأديان والمؤسسات الدينية ورجال الدين والكهنة للسيطرة على الشعوب وقيادتها عبر التاريخ وتوعدها بالعقاب والثواب الأبديين. الفرضية الثانية وهي فرضية " الخلق التلقائي أو الذاتي" جاءت بناءاً على معطيات ونظريات علمية وتقول أن الكون المرئي وجد بذاته ولم يكن بحاجة إلى عملية خلق أو لخالق، بل نشأ بصورة عفوية، وأنه ليست هناك ضرورة لوجود خالق لإطلاق شرارة نشأة الكون المرئي، وبفضل قانون الجاذبية الكونية يمكن للكون أن يخلق نفسه من العدم كما قال ستيفن هوكينغ في كتابه الأخير " التصميم العظيم" أو " المشروع العظيم" ويشاطره رأيه عدد كبير من العلماء الماديين والعلمانيين، ولكن دون أن يقدم أي من الفريقين الأدلة القاطعة والبراهين المثبتة والتي لا تقبل الدحض، على صحة ما يقولون ويفترضون. وهناك نظرية هامشية عمرها آلاف السنين وتطرق إليها الفلاسفة الإغريق القدماء وبعض الفلاسفة المحدثين والمعاصرين ولم يتمعن بها العلماء بجدية خوفاً من فقدان المصداقية والتعرض للسخرية لأنها فرضية قد تكون مقبولة لكنها تفتقد للبراهين العملية والمختبرية وملخصها أن الكون الذي نعيش فيه ونعرفه وهو كوننا المرئي ليس سوى جسيم لامتناهي في الصغر رغم كبره وشساعته بالنسبة لنا مثلما هو حال أصغر مكونات الذرة في كوننا المادي المرئي، أي أنه جزء تافه وصغير لاقيمة له بالنسبة لوجود أكبر منه هو الكون " المطلق" الذي يتكون من عدد لا متناهي من الأكوان المماثلة لكوننا المرئي أو المختلفة عنه وتتكون بدورها إما من نفس المادة والطاقة التي نعرفها أو من مواد ومحتويات وماهيات مجهولة لايمكننا تصورها وليس لها مثيل في كوننا المرئي وبعض تلك الأكوان الموازية أو المتداخلة تتمتع بمزايا وخصائص ومكونات جوهرية لا علاقة لها بمكونات كوننا المرئي بما فيه من مادة ومادة مضادة، وطاقة وطاقة مضادة ، بشقيهما المرئي والخفي أو المعتم والداكن والمعروفة بالمادة السوداء والطاقة السوداء، وإن هذا الكون المطلق اللامتناهي الأبعاد مايزال في عملية خلق مستمرة منذ الأزل وإلى الأبد فلا بداية له ولا نهاية كأنه كائن حي وعاقل يقوم بعملية خلق مستمرة لمكوناته وتجديدها وترميمها للبقاء في الوجود ويمكنه أن يحل محل الكائن الديني المسمى الله وقد يكون هو الله أما باقي ما نعرفه عن المصدر الأول فهو ليس سوى شعوذات وطقوس وشعائر فلكلورية وتعاليم ووصايا وأوامر غيبية تهدف إلى تخدير البشر وغسل أدمغتهم وضمان طاعتهم عن طريق الترغيب والترهيب وإقناعهم بمقولات الحلال والحرام والعقاب والثواب في الدنيا والآخرة وبيوم الحساب ويوم القيامة ولا يتجرأ أحد على قبول فكرة أن الكون هو الله والله هو الكون، ولكن ليس المقصود به كوننا المرئي الخاضع للرصد والقياس والمراقبة والدرس والتحليل وإنما هو أكبر بما لا يتصوره عقل إنسان .


تطور النظريات الكونية

رؤية بانورامية موجزة لتطور النظريات الكونية من بداية القرن العشرين إلى أواسط العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

انقضى قرن ونيف على تبلور التصور العلمي للكوزمولوجيا cosmologie, علم الكونيات الحديث، ويعيش هذا العلم اليوم مخاضاً عسيراً على تخوم العلم الطبيعي لا سيما الفيزياء النظرية ومعضلة الأصل الحقيقي للكون المرئي وما رافقها من أفكار جديدة وجريئة بخصوص بداية الكون المرئي وما قبله وما سيؤول إليه مصيره. وماذا لو كان الكون أزلياً وأبدياً، أي هل الكون المرئي مخلوق أم أزلي؟

إن مسألة الأصل والبداية في علم الكون أو الكوزمولوجيا العلمية، ليس جديداً فمنذ أكثر من قرن وهي تؤرق أذهان وتفكير العلماء والفيزيائيين. فما أن انتهى آينشتين من صياغة نظريته الجديدة عن الثقالة أو الجاذبية سنة 1916 والمعروفة بنظرية النسبية العامة، قرر تعميمها وتطبيق معدلاتها على الكون المرئي برمته وكان يأمل بأنه سوف يتكهن أو يتنبأ ويتوقع مصير هذا الكون المرئي المادي الذي نعيش فيه. ومن بين الصيغ والحلول العديدة لمعادلاته كانت هناك واحدة تقول بأن هذا الكون المرئي ساكن وثابت أولا متغير وأزلي univers inchangeable et éternel. فهناك حسب بعض تلك المعدلات، قوة طاردة أو نابذة répulsive ناجمة عن الفراغ عبر عنها آينشتين آنذاك بالثابت الكوني constante cosmologique ليوازن بها أو يعادل النزوع الطبيعي للكون للتقلص والانكماش تحت تأثير ثقل محتوياته. فآينشتين كان في ذلك الوقت مقتنع تماماً بأن الكون ساكن وثابت statique وليس له لا بداية ولا نهاية. وكان يميل بالفعل لهذه الصيغة ولذلك اختار هذا الحل.

ولكن، وبعد فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز بضعة أعوام، دفعته مجموعة من المشاهدات الرصدية إلى التنكر لذلك الخيار. وفي سنة 1929 لاحظ عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل Edwine Huble بأن المجرات السابحة في الفضاء، تهرب وتبتعد عن بعضها البعض، والتفسير الوحيدة الممكن لهذه الظاهرة هو أن الكون المرئي في حالة توسع l’univers est en expansion، أي أنه ليس كوناً ساكناً وثابتاً كما تصور آينشتين. فالفضاء أو المكان الكوني يتمدد وتتباعد المسافات الكائنة فيه. وهذا يعني أنه إذا كان الكون المرئي اليوم في حالة توسع فهو حتماً كان في الماضي أصغر حجماً ولو تتبعنا الزمان نزولاً إلى الخلف فسوف نصل إلى اللحظة التي كان فيها الكون المرئي مضغوطاً في حجم ميكروسكوبي متناهي في الصغر أية لحظة حدوث الانفجار الكبير البغ بانغ Big Bang.

وتصور العلماء أن ذلك يمثل بداية الطبيعة وربما نقطة انطلاق الكون المرئي وأصله. ثم بنيت نظريات عديدة حول اللحظة البدئية أو الأولية والتأسيسية التي عرفت بإسم الفرادة الكونية la singularité cosmique. وبالتالي حدد له عمر وتاريخ منذ لحظة الظهور وقدرت بـــ 13.7 مليار سنة عندما كان في حالة شديدة الكثافة وشديدة الحرارة، وبعدها بدأ بالبرودة والتمدد ومر بمرحلة تضخم وتوسع إلى الحدود التي نعرفها اليوم واتخذ هيئته الحالية physionomie actuelle.

قدمت هذه الرؤية العلمية الأولية بعض الإجابات على بعض الأسئلة لكنها، وفي نفس الوقت، ساهمت بطرح العديد من الأسئلة الأخرى التي لا تقل أهمية أو جوهرية عما ردت عليه من أسئلة كانت مطروحة سابقاً، من قبيل مالذي جعل الكون موجوداً ولماذا هذا الوجود المادي ومتى وهل كان هناك شيء ما سبق وجوده؟

دفعت هذه التساؤلات وغيرها العديد من العلماء إلى دحض فرضية الرؤية الساكنة أو التحفظ على هذه الرؤية غير الكاملة للعالم فبعضهم يفضل رؤية أبسط لكون بلا بداية ولا نهاية وهي رؤية تحظى بقبول أكبر في نظرهم. ففي سنة 1948 تخيل علماء كبار من أمثال فريد هويل Fred Hoyle وهيرمان بوندي Hermann Bondi و تومي غولد Tommy Gold نظرية جديدة أسموها نظرية الخلق المستمر théorie de la création continue وبالتالي استبدلوا تأثيرات التوسع التي تزيد مساحة الفضاء الفارغ بين المجرات بفرضية الخلق المستمر للمادة من قبل الكون الدائم ذاته. بمعنى آخر فإن الكون يبدو ومنذ الأزل وإلى الأبد على ما هو عليه اليوم. بيد أن نتائج عمليات الرصد والمشاهدة العلمية والفلكية والأبحاث النظرية الجريئة وضعت نهاية لهذا النموذج الكوني وفضلت عليه نموذج الانفجار الكبير البغ بانغ Big Bang. وقد أثبت العالمان ستيفن هوكينغ Stephen Hawking وروجر بينروس Roger Penrose، وكانا في شبابهما باحثين في جامعة كمبردج،أنه عندما نعرض فيلم حدث التوسع بالمقلوب ونعود القهقري إلى الوراء فسيكون من المستحيل تفادي نقطة قصوى تتوقف عندها عن العمل كافة المعادلات الفيزيائية. ولا يمكن لتلك النقطة اللحظة إلا أن تكون البداية المفترضة للكون المرئي والمرصود. وفي نفس الوقت جاء إكتشاف الأشعة الكونية الخلفية الميكرو موجية fond diffus cosmologique، وهي أشعة كهرومغناطيسية أطلقها الكون بعد مرور 380000 سنة من حدث الانفجار الكبير والتي وصلت إلينا اليوم مشعشعة وضعيفة وباردة وأخف حدة بكثير عما كانت عليه بسبب التوسع والتمدد الكونيين حسب ما تنبأت به نظرية الانفجار الكبير لكون في حالة أولية أساسية لا متناهي في كثافته وسخونته مما رفع نظرية الانفجار الكبير إلى مصاف النظريات العلمية الرصينة ولكن غير الكاملة. هيمنت هذه النظرية وما تبعها من نظريات فرعية تدور في فلكها وجمدت النقاش بين المؤيدين والمعترضين بالرغم من استمرار التساؤلات الجوهرية المذكورة أعلاه بلا إجابات مما حدا بالكثير من العلماء والباحثين إلى البحث عن بدائل لذلك عادت اليوم من جديد فكرة الكون الأزلي والأبدي للظهور ولكن بصورة أعقد وأكثر تماسكاً ولا تخص الكون المرئي بل تخص الكون الكلي المطلق الحي الذي لا يشكل الكون المرئي منه سوى جسيم مجهري لا أكثر رغم سعته وشساعته الهائلة. كانت نظرية ولادة ما للكون قد صيغت دون أن تأخذ في الحسبان تأثيرات الفراغ على الفضاء أو المكان الكوني ولكن في الفيزياء المعاصرة فإن كل فراغ هو بالضرورة ليس بفراغ تام وحقيقي، فالفراغ يوجد في حالة تقلبات وترجرجات وتموجات وبالتالي فإن مؤثرات كمومية أو كوانتية des effets quantiques تجعل الجسيمات الأولية تظهر وتختفي بلا توقف وباستمرار مما يقود إلى تمدد المكان أو الفضاء قليلاً في كل مرة. فبعد ثواني من الانفجار الكبير امتلأ الفضاء أو المكان بمائع كوانتي أو كمومي أي ببيئة كمومية أو كوانتية وفجأة بدأت إحدى تلك التموجات والتقلبات الكوانتية بالتنامي، وكلما انتفخت كلما ظهر فراغ يقوم بدوره بزيادة الانتفاخ أكثر فأكثر، وخلال جزء لا متناهي من الثانية انتفخت تلك النقطة التي احتوت كوننا المرئي والمرصود notre univers observable بصورة خارقة خارجة عن التصور وانتقلت، من بعد صغير ما دون ذري، إلى حجم هائل، وهي المرحلة التي عرفت في الفيزياء بمرحلة التضخم inflation ولكن هل التضخم حالة فريدة؟ لا يوجد سبب يقول بأن نقطة واحدة فقط من المائع الكمومي أو الكوانتي الأولي هي التي انتفخت بهذه الصورة. وكما هو الحال على سبيل المثال ما يحدث على سطح ماء يغلي يوجد عدد لا نهائي من الأكوان الفقاعات infinité d’univers-bulles قد ظهرت من التقلبات والتموجات الكوانتية أو الكمومية وكل واحد منها له أصله الخاص به وتضخمه الخاص به أما الفضاء بمجمله، الذي تظهر فيه بلا توقف تلك الأكوان الفقاعات، فإنه يبدو بلا بداية ولا نهاية مما يعني في هذه النظرية عن التضخم الدائم أو الأبدي فإن الكون لا زمني atemporel. وبالرغم من هذه التخريج لم يستطع هذا النموذج تخطي مشاكل البداية المفترضة للكون المرئي. أثبت ثلاثة علماء للكونيات هم الكسندر فيلينكين Alexander Vilenkin من جامعة توفت و آرفين بورد Arvine Borde من جامعة جنوب نيويورك و آلان غوث Alan Guth من معهد ماسوشوسيت للتكنولوجيا أن للكون المرئي بداية زمنية. وإذا رغب علماء الكونيات تفادي المشاكل التي يطرحها الأصل الكوني فعليهم اللجوء إلى نظريات أخرى. من بين الصيغ الأخرى للكون الأبدي والأزلي نجد صيغة الكون الدوري أو التعاقبي الحلقي univers cycliques وإحدى سيناريوهات هذا النموذج الناجم عن نظريات الأوتار قد رسمه العالم نيل توروك Neil Turok أستاذ الفيزياء النظرية في معهد بريميتر الكندي، والعالم بول ستينهارد Paul Steinhardt من جامعة برينستون، يقولان فيه أن كوننا المرئي له أربعة أبعاد وموجود على طوية feuillet تسمى البران brane غارقة في كون كلي super univers ذو أبعاد أكبر وبالتالي فهو ليس وحيد بل محاط بعدد لا متناهي من البرانات – الأكوان الحرة في حركتها ومن هنا إمكانية حصول تصادم بين برانين أو أكثر وربما بصورة منتظمة، وبالتالي فإن الطاقة الناجمة من جراء التصادم تحول إلى مادة وأشعة مما يعطي انطباع أن انفجاراً كبيراً قد وقع، وتتكرر الحالة دورياً وعلى نحو متعاقب، ومن هنا ستختفي قضية الأصل الكوني ومشاكله، وقد أظهر فيلينكين ومساعدته أودري ميثاني Audrey Mithani أن المادة في هذا النوع من السيناريوهات والموجودة على البران تتمدد أكثر فأكثر عند كل تصادم أو انفجار كبير، ولو عدنا في الزمن إلى الوراء فلن يكون بمقدورنا تفادي وجود الفرادة الأصلية singularité originelle. ولم يصب الاحباط كل علماء الفلك والكونيات، بل حاول آخرون صياغة سيناريو ثالث وهم جورج إيلي Georges Ellis من جامعة كاب تاون في أفريقيا الجنوبية، و روي ماارتين Roy Maartens من جامعة بورتسموث في بريطانيا، وهو سيناريو خرج ايضاً من ثنايا أو من صلب نظرية الأوتار الفائقة théorie des supercordes حيث يبدأ كل شيء من كون غاية في الصغر وساكن غارق في سبات من الأزل، وفجأة يحدث تضخم يقوده إلى حجمه الحالي وهيئته أو هيكيليته الحالية.

هناك نقطة ضعف في هذا السيناريو تتمثل في عدم وجود أية ضمانات لثبات واستقرارية هذا النموذج الكوني إذا أخذنا بالاعتبار ظاهرة التأثيرات الكمومية أو الكوانتية، فيمكن أن ينهار على نفسه في أية لحظة كما أظهرت ذلك المعادلات الرياضياتية المتعلقة به وبالنظر للكمية اللانهائية للزمن المتوفرة فإنهم يعتقدون أن عملية الانهيار سوف تحصل لا محالة. وبالتالي فإن كوناً منبثق univers émmergent لا يمكن أن يكون موجوداً على نحو دائم.

وهكذا رغم جميع المحاولات يجد العلماء أنفسهم دائماً وجهاً لوجه مع معضلة الأصل الكوني مما يعني أنه يوجد على نحو ما مرحلة أولية أساسية أو تأسيسية وإنه يمكن العثور على الإجابات من النظرية الكمومية أو الكوانتية فهي الوحيدة القادرة، من خلال التقلبات والتحولات أو التموجات الكمومية أو الكوانتية، أن تظهر شيئاً من اللاشيء ومن غير المنطقي والحالة هذه التفكير ببداية ما للكون المرئي. وقد ساهم العالم ليونارد سيسكند Leonard Susskind من جامعة ستانفورد في هذا المضمار وألقى بعض الضوء على هذه المسألة، من خلال التصور الذهني البحت حيث افترض صورة خيالية غير ممكنة عن مدينة مشيدة على خط مستقيم لا نهائي في جهته اليمنى وله حافة في جهته اليسرى وتخيل أن هذه المدينة الخيالية تضم سكان موزعين على نحو منتظم على الخط وكل واحد منهم يمتلك تلسكوب متطابق مع بقية التلسكوبات أي كلها من نوع واحد. ويحاولون مراقبة أو مشاهدة الحافة اليسرى للمدينة. فمن البديهي أن جزء صغير منهم سيتمكن من مشاهدة الحافة وهم الذين يتواجدون بالقرب منها أما الغالبية الساحقة منهم، أي المتوجدون بعيداً عن الحافة فلن يتمكنوا من ذلك وهم ينظرون ناحية اليسار ولن يرصدوا سوى لانهائية المدينة. ونفس الشيء ينطبق على الكون المرئي حسب سيسكند فحتى لو كانت للكون بداية فإنها تعود بلا شك إلى حقبة زمنية بعيدة جداً بحيث لا يوجد اليوم أية مؤشرات أو آثار باقية عنها لتدلنا عليها وبالتالي لن نتمكن مطلقاً من معرفة ما هو شكل هذه البداية اي لو كانت البداية موجودة فإنها ضائعة في ضبابية الزمان، في البعد الرابع للوجود.

البعد الرابع , هل هو حقيقة ام خيال ؟

نحن نعرف أن في الكون ثلاثة أبعاد مكانية هي الطول والعرض والارتفاع أو العمق ولكن هل هناك أبعاد أكثر من هذه الثلاثة التي تعودنا عليها بحواسنا وأدركناها؟ ولكن هناك بعد رابع كما تقول النسبية العامة لآينشتين وهذا البعد قد يكون زماني وقد يكون مكاني.

إذا سلمنا أن البعد الرابع زماني, فإننا نستطيع أن نتخيل الوضع كأنه سلسلة أحداث أو فلم سينمائي. فإن شكل الجسم في لحظة معينة قد يتغير في اللحظة التي تليها. وهذا البعد هو الذي تطرق إليه آينشتاين في نظريته النسبية و أدمجه في المكان في وحدة واحدة متداخلة أسماها الزمكان éspace-temps.

لا شيء يمنع أن يكون البعد الرابع الذي نتحدث عنه بعداً مكانياً ولكن كيف يمكن أن يكون البعد الرابع مكاني؟ وكيف يمكننا أن نتخيل الأجسام فيه؟ فالقطعة المستقيمة هي عبارة عن مجموعة نقاط مصفوفة على بعد واحد. والأجسام الثنائية الأبعاد كالمثلث والمربع والدائرة تتألف من مجموعة قطع مستقيمة وكل هذه الأجسام تعيش في عالم ثنائي الأبعاد وترى بعضها البعض كخطوط مستقيمة. فالكائنات البسيطة تألف وتدرك بعدي الطول والعرض وتبرمج عقلها على أن الكون مؤلف من بعدين فقط. وتستطيع التحرك يميناً ويساراً, وشمالاً وجنوباً. لكنها لا تستطيع أن تتحرك, ولا أن تتخيل, الاتجاه الأعلى والأسفل أي البعد الثالث.فالمرء الذي يعيش في مكان ذو بعدين فقط لا يستطيع أن يتخيل البعد الثالث ولا يستطيع أن يراه, رغم كونه موجودا. ولا يسعه تخيل الأجسام ذات الثلاثة أبعاد مثل المكعبات والأهرام والكرات, ولا يستطيع أن يراها. والمكعبات والأهرام والكرات عبارة عن أجسام تتكون من عدة شرائح ثنائية الأبعاد.

وإذا زار الجسم الثلاثي الأبعاد العالم الثنائي الأبعاد, فإن الأجسام ثنائية الأبعاد لا تستطيع أن تراه ولا حتى أن تتخيله على حقيقته الثلاثية الأبعاد. وإذا مر جسم ثلاثي أبعاد واخترق المستوي الذي يعيشون فيه فإنهم فقط سيرون شريحة واحدة فقط من الشرائح المكونة له وهي انعكاس الجسم ثلاثي الأبعاد على العالم ثنائي الأبعاد وهذا الانعكاس هو أيضاً ثنائي الأبعاد وتراه الأجسام الأخرى الثنائية الأبعاد كخط مستقيم.

والشيء نفسه ينطبق علينا, نحن أجسام مكونة من ثلاثة أبعاد ونألف الأبعاد المكانية الثلاثة. ونرى انعكاسات الأجسام الثلاثية الأبعاد والتي هي ثنائية أبعاد. ولكننا لا نألف أو ندرك ونستوعب هيئة وماهية البعد الرابع. ولا نستطيع أن نتخيل الأجسام ذات الأربعة أبعاد لكننا نستطيع أن نرى انعكاسها على عالمنا الثلاثي الأبعاد. وكما أن العالم الثلاثي الأبعاد عبارة عن مجموعة عوالم ثنائية الأبعاد (مستويات) متراصة فوق بعضها البعض, فإن العالم الرباعي الأبعاد عبارة عن مجموعة عوالم ثلاثية الأبعاد متداخلة فوق وجنب وخلف بعضها البعض. وهذه أشكال انعكاسات الجسيم الرباعي الأبعاد في العالم ثلاثي الأبعاد. فالحديث عن مفهوم البعد الرابع إنما هو حديث ميتافيزيقي وليس علمي صرف, وإن كان منطقياً. فلا يوجد أي إسناد علمي أو معادلات رياضية جبرية تؤيد أو تثبت مفهوم البعد الرابع.

لكن نظرية الأوتار, التي تقول أن المادة مكونة من أوتار صغيرة من الطاقة, والتي تعتبر القوى الكهرومغناطيسية والجاذبية كقوى واحدة, تنطوي على وجود أحد عشر بعداً (الأبعاد المكانية الثلاثة إضافة إلى الزمن وسبعة أبعاد أخرى). هذه النظرية لا زالت تحت التطوير ولم تثبت صحتها العلمية بصورة نهائية بعد. كما تقول نظرية الأوتار أن عالمنا المكون من ثلاثة أبعاد متجاور مع عوالم مشابهة أخرى وهذا ما يكون البعد الرابع, كما أنا عالمنا ثلاثي الأبعاد يتكون من عوالم لا نهائية ثنائية الأبعاد.

يأمل القائمون على نظرية الأوتار أن يتوصل تقدم العلم إلى إثبات النظرية. تثبت النظرية عن طريق تسريع جزيئين صغيرين (بروتونين) وعند تصادمهما ببعضهما سينتج عن هذا الاصطدام جزيئات أصغر من ضمنها الجسيم الافتراضي الذي أطلق عليه اسم غرافيتون, Graviton. والغرافيتون هو عبارة عن جسيم افتراضي يتأثر بالجاذبية أو هو الجسيم الحامل أو الناقل للجاذبية أو الثقالة، وله خاصية وهو التنقل بين العوالم ثلاثية الأبعاد. فإذا اصطدم بروتونين ونتج عن الاصطدام خروج الغرافيتون فإن ذلك سوف يثبت وجود البعد الرابع، كما يفترض العلماء أيضاً وجود نوع من أنواع الحياة مختلف عن حياتنا يمكن أن تنشأ في كون مؤلف من عدة ابعاد مكانية وزمانية لايمكننا معرفتها في الوقت الحاضر.













بعض الهوامش:
• بول ديفيز
بول ديفيز، هو عالم الفيزياء النّظرية والكونيّات في جامعة ولاية أريزونا ومدير BEYOND "مركز المفاهيم الأساسية في العلوم". وقد عمل في عددٍ من المجالات المختلفة، ومنها أبحاث السّرطان وبيولوجيا الفضاء. وقد سبق لـ Plus أن قابلته في البيولوجيا الفلكيّة في الماضي. إضافةً إلى أنّه كتب عددًا كبيرًا من الكتب العلميّة المبسّطة، من بينها "عن الوقت: ثورة أينشتاين غير المكتمِلة" و "كيف تُبنى آلة الزمن".
• بيّن أينشتاين في نظريته النسبية أن الزمن نسبي بالنسبة للمراقب، ويتغير بناء على سرعة الحركة في المكان.
• في ورقة بحثية جديدة، تم التوسع في هذا الموضوع، ومناقشة فكرة أن الزمن ينشأ من المراقب نفسه.
تم قبول الورقة البحثية للنشر في أحد الأعداد من مجلة Annalen der physik، ولكن يمكنك الاطلاع عليه الآن في موقع النشر المسبق arXiv.org .