مع اللحظات الأولي لفوز ترامب


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5339 - 2016 / 11 / 10 - 09:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


لم أكن (كشخص فقير إلي العلم والتجربة) مهتماً بمن يكسب الإنتخابات الأمريكية ليس ذلك فقط لأنها بين مرشحين يشبهان بعضهما كما كتب الكثيرون علي العكس فبينهما عدة فروقات ملحوظة فيما يتعلق بالداخل الأمريكي وأهمه مايتعلق ببروز الصراع في المجتمع الأمريكي مابين فكرة العودة لعنصرية الرجل الأمريكي الأبيض كما يتبناها ترامب في خطابه الشعبوي ومابين موقف آخر يري أن قوة أمريكا في استيعابها للتنوعات العرقية المختلفة وهو ماتتبناه هلاري كيلنتون

ولكن لم أهتم لأن أحدهما - كما الحال فيما سبق من كل المنافسات الأمريكية علي الرئاسة وعضوية مجلسي الشيوخ والكونجرس - لايحمل امكانية تغيير جوهري ذو قيمة كيفية للسياسة الإستعمارية الأمريكية تجاه منطقتنا وربما العالم

فهي سياسات لم توضع لتتغير بقناعات فرد مهما بلغ تأثيره مثلما الحال في منطقتنا البائسة ومناطق العالم التي لم تشف بعد من آثار الحقب الإستعمارية وانما هي سياسات تتعلق بالمصالح القومية العليا لدولة بني تموضعها الدولي بل وأمنها القومي علي أساس استلام راية الأمبراطورية الإستعمارية من أوربا العجوز واستبدالها بحلم الأمبراطورية الأمريكية الذي أعلن عنه جيفيرسون وهو ماتبلورت معالمه وتدشنت أدوات تحقيقه بانتهاء المنتصف الأول من القرن الماضي وظلت جميع المؤسسات الأمريكية الحاكمة علي تنوعها وتبدل اشخاصها ممسكين بحجر الزاوية نحو تحقيق حلم جيفيرسون الإمبراطوري وهو التمسك بكل مايمكن من شراسة ومن قوة غاشمة وناعمة في فرض الهيمنة الإقتصادية والسياسية والعسكرية وقيادة العالم الاستعماري الأوربي القديم نحو تكريس تبعية باقي دول العالم لهذا المعسكر منذ انجاز اتفاق (بيرتون وودز) الذي كان بمثابة عملية تسليم وتسلم لراية القيادة للهيمنة الإستعمارية علي العالم

ومنذ تسعينيات القرن الماضي وتحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وماسمي بمنظومة الدول الاشتراكية تم تحديد مهام الاستراتيجية الأمريكية باعتبارها تتلخص في أنه قرن الإنتقال إلي تحقيق حلم الإمبراطورية الأمريكية الكبري
في حين أن هذا القرن يشهد نزوعاً كبيراً سواء من القوي الدولية الناهضة ( الصين العملاقة) أو ( روسيا الصاعدة) أو تلك التجمعات الإقتصادية الدولية ومن التنوعات النضالية لشعوب العالم وكذلك لإنهاء عصر الهيمنة الأمريكية لدرجة أنه قد قد بات من المحتمل أيضاً أن يصبح القرن الحالي هو قرن السقوط للحلم الإمبراطوري الأمريكي ولذلك فهو يشهد معركة أمريكية شرسة ومتوحشة من اجل التشبس بالهيمنة الأمريكية علي العالم وهذا له علاقة بالمعركة الشرسة التي تدور رحاها في منطقتنا وله علاقة أيضاً بالتأكيد المستمر علي إحدي نقاط الاستراتيجية الأمريكية الغير قابلة للتغيير أو التخفيف وهي الضمان المطلق لأمن الدولة الصهيونية كصمام أمن في معركة بسط الهيمنة علي وسط العالم ومنطقة مناوراته التاريخية ومنصة السيطرة علي العالم منذ بدايات تاريخ الهجرات والغزوات التي كانت الحلقة الجنينية للاستعمار وصعود الإمبراطوريات وسقوطها ومن هذه الزاوية نستطيع أن نؤكد أن الأمر يتخطي تأثير أي من الرؤساء القادمين وأي من اشكال المؤسسات السياسية التي تقود الولايات المتحدة الأمريكية لأن تلك هي فلسفة وصميم مايتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية وإن تبدلت اشكال الإدارة والقيادة

نعود إلي الحالة الإنتخابية لأسجل أنه منذ التصويت البريطاني للخروج من الإتحاد الأوربي وقبله فوز اليمين العنصري الفرنسي الساحق في الجولة الأولي من الانتخابات المحلية الفرنسية بدا أن هناك توقع باجتياح الشعبوية اليمينية ذات الطابع العنصري بلدان المركز الرأسمالي وأطرافه كتجل من تجليات أزمة العالم الرأسمالي التي وصلت إلي إحدي أهم ذراها تاريخياً في 2008

ولذلك فقد صعد ترامب تعبيراً عن ذلك وكان الرد المنطقي علي هذا الصعود هو ساندورز وليست هلاري كلينتون ولكن الماكينة الانتخابية اختارات كلينتون التي تعبر أكثر عن النظام السياسي التقليدي في مواجهة ترامب الصاعد كتعبير عن النزوع الشعبوي اليميني

وخفت ذلك التوقع نتيجة للصوت الزاعق للمؤسسة الأعلامية الأمريكية التي كانت تميل وتنحاز إلي كلينتون

وخلال متابعتي في الفترة الأخيرة للأراء التي تحلل هذه الإنتخابات وتكتب عنها فقد كانت هناك توقعات للكثيرين باحتمالية فوز ترامب علي خلفية احتمالية حضور البريكست البريطاني وتحقيق مفاجأة حتي في ظل تفوق هيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي ودعم البعض رأيه هذا بتوقعات حول فتور التصويت في المعسكر الرافض لترامب سواء ضجراً بفضائح الديمقراطيين أو اطمئناناً لحتمية تفوق كلينتون

علي كل الأحوال فالمسألة بالنسبة لمنطقتنا لن يحدث عنها تغيرات ذات قيمة كيفية ملحوظة تغير مسارات السياسة الأمريكية ذات الطابع الإستعماري للأسباب التي ذكرت سالفاً في حال فاز ترامب وهو مااصبح الأقرب للتحقق بقوة في تلك اللحظة