كيف نواجه المافيا المخزنية؟


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 5335 - 2016 / 11 / 6 - 04:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     




المافيا المخزنية لا يمكن أن تترعرع إلا في ظل نظام استبدادي وفاسد لأنه الضامن لاستمرارها واستمرار اضطهادها وقمعها للشعب وافتراسها للخيرات الوطنية واستغلالها المكثف للطبقة العاملة وعموم الكادحين. لذلك تواجه بقوة أية محاولة جدية لبناء نظام ديمقراطي حقيقي وتستعيض عنه بديمقراطية مزيفة وصورية تشرعن للاستبداد والحكم الفردي المطلق.
فالديمقراطية الحقيقية تعني من بين ما تعني:
–السلطة والسيادة للشعب بينما تسعى المافيا المخزنية للحفاظ على جوهر السلطة في يدها، وذلك بواسطة دستور لا ديمقراطي يشرعن لاحتكارها لكافة السلط العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية ولعبة سياسية لا رهان ولا طعم ولا جدوى لها ومؤسسات “ديمقراطية” شكلية لا تمثل الشعب المغربي بل تكرس الاستبداد والقهر.
–ربط المسئولية بالمحاسبة وهو ما ترفضه وتواجهه المافيا المخزنية: عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها وهو ما حاربته المافيا المخزنية بكل ما أوتيت من قوة. وكمثال مناهضتها الشرسة للمحاسبة على جرائمها السياسية وفرضها، عمليا، اقتصار مقاربة جبر الضرر بالنسبة لضحايا الانتهاكات الجسيمة على الجانب المادي في إطار “هيئة الإنصاف والمصالحة”. وفيما يخص الجرائم الاقتصادية، اختزال المسئولية عن الاختلاسات الهائلة التي أوصلت العديد من المؤسسات العمومية إلى حافة الإفلاس في بعض المدراء المرتشين والسكوت عن كون الوضع الكارثي لهذه المؤسسات ناتج عن كون المافيا المخزنية تعتبرها صناديق سوداء تتصرف فيها كما تشاء. وذهب بن كيران في نفس الاتجاه حين قال “عفا الله عما سلف” في حق مهربي الأموال للخارج وحين اقتصرت مواجهته لاقتصاد الريع على نشر أسماء بعض الحاصلين على كريمات النقل بينما ظل المستفيدون الكبار من الريع( رخص الصيد في أعالي البحار مثلا) ينعمون بمأذونياتهم.
–احترام حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية بينما المافيا المخزنية تمتهن كرامة الإنسان وتدوس على حقوقه، بما في ذلك حقه المقدس في الحياة، وتقمع و تضيق على أبسط الحريات، إما بواسطة القوانين الرجعية أو القوة العمومية، كحرية التعبير( استعمال كل الوسائل لتدجين الصحافة الورقية والإلكترونية، احتكار الإعلام السمعي-البصري العمومي الممول بأموال الشعب أو الخاص بواسطة التحكم في الإشهار) والتنظيم والتظاهر. والأمثلة لا تعد ولا تحصى في هذا المجال. أما انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فحدث ولا حرج.
إن المافيا المخزنية أسست وكرست استبدادها وتغولها بواسطة احتكارها للسلطة التأسيسية مما مكنها من وضع دساتير لا تمت للديمقراطية بصلة. وتجربة الدساتير الممنوحة منذ 1962 خير برهان على ما نطرح. كما أنها مارست استبدادها واضطهادها للشعب بواسطة هيمنتها على الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية والسياسية والاقتصادية والحزبية والدينية والإعلامية المخزنية.
إن أمضى سلاح في مواجهة المافيا المخزنية هو النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية. الشيء الذي يتطلب:
–نزع السلطة التأسيسية من المافيا المخزنية: السلطة التأسيسية في يد الشعب.
–تفكيك الأجهزة المخزنية الحالية: ولعل أول خطوه في هذا الاتجاه هي إخضاع المسئولين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان للمحاسبة. ولذلك يكتسي شعار عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها أهمية وراهنية كبيرتين.
–الدفاع المستميت على حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، وخاصة حرية التنظيم والتعبير والتظاهر والاحتجاج. لقد انتزع شعبنا بنضاله حقه في الاحتجاج في الشارع وتوفر له أدوات التواصل الاجتماعي إمكانيات هامة للتعبير عن همومه ومطالبه ومطامحه وللتواصل. ويجب الدفاع على هذه الحقوق والحريات والسعي إلى توسيعها في مواجهة محاولات النظام التراجع أو الالتفاف عليها.
لقد أظهرت التجربة استحالة هزم هذه المافيا بواسطة العمل في المؤسسات التمثيلية وبينت، في المقابل، إمكانية تحقيق بعض الانتصارات بالنضال من خارجها. لذلك من واجب كل الديمقراطيين وكل الغيورين على مصلحة الشعب الانخراط، بقوة وحماس، في الانتفاضة الشعبية ضد الحكرة والمخزن ومن أجل الحرية والكرامة والديمقراطية التي فجرها استشهاد محسن فكري وبلورة الخطط الكفيلة بالحفاظ على جذوتها وتوسعها وتطورها.