إلى الشقيقة مصر: قبل التفكير بفوضى جديدة !


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5326 - 2016 / 10 / 28 - 22:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

إلى الشقيقة مصر: قبل التفكير بفوضى جديدة !
عندما يقف المثقف العربي الى جانب العوام ضد الحقيقة، يخون..
عندما يتطابق رأي المثقف العربي مع ضمير السياسي الخرب، يخون..
عندما يتبنّى المثقف العربي الشعار الشوفيني "أمتي دائماً على حق"، يخون !
-------------------------------------------------

الهزيمة الحضارية لمصر والعرب لم يتسبب بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتخلف والانحطاط الثقافي والاجتماعي والسياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا له أسباب بضمنها تخلف مناهج التعليم وتردي نوعية التعليم، وأيضاً بلا شك، التكاثر المنفلت من عقاله. السيسي ليس هو من زاد تعداد السكان في مصر من 16 مليون في الأربعينات إلى 100 مليون في 2016 .. قطعا السيسي ليس سبباً في انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الصعبة. أما فوضى 11 – 11 المحتملة فلن تزيد الأوضاع إلا سوءاً وتعقيداً، فهل يمتلك الإخوان المحرضون للخروج أي خطة لإنقاذ مصر من الفقر والجوع وهم من كانوا في طليعة من نشروا حديث البخاري " تناكحوا تناسلوا تكاثروا .. ".

قبل أن يتسرع بعض الإعلاميين في نشر أخبار الاقتصاد المصري الذي يعاني منذ ثورة يناير بهدف تحشيد الناس للنزول في 11 – 11، يجب التفكير في إجابة على السؤال، ماذا بعد النزول والفوضى ؟؟! ماذا بعد اغتيال المخابرات السعودية لضباط كبار في الجيش المصري لو حدث لا قدر الله ؟! هل سيتحسن وضع الجنيه ؟! وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟؟!

إن الحري بالإعلاميين في مصر الشقيقة أن يصوبوا سهامهم من أجل الصدام مع عامة الناس لا منافقتهم. يجب أن نجد حلاً لكارثة التكاثر غير المحدود. يجب تخليص مصر والعرب من أدران الخطاب الديني الديماغوجي الذي سلب عقول الناس وأقعدهم في المساجد طلباً للغفران، علماً بأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة كما قال يوماً الخليفة عمر بن الخطاب.

للإعلام دور مهم في دراسة وتحليل مناهج التلاميذ في مراحل الدراسة المختلفة وبالذات مناهج التربية الدينية التي تحرض الأبناء ضد آبائهم إن كانوا شاربين للخمر وضد أمهاتهم إن كن متبرجات وكلها قضايا حريات شخصية !
في أحد كتب القراءة للصف الخامس الابتدائي في غزة والضفة، درس عن أم المؤمنين أم حبيبة زوجة النبي – ص – حيث يرد في الدرس السؤال التالي ( لماذا رفضت أم حبيبة رضي الله عنها أن تجلس أباها على فراش رسول الله ؟؟! ) والإجابة التي تفرض على عقول الأطفال الغضة هي ( لأنه كان كافراً ) .. الآن نتساءل، ماذا أراد الغبي واضع الرواية من الأطفال أن يفهموا من سلوك أم حبيبة " لو صحت الرواية " ؟؟ ولماذا نستغرب إقبال عدد غير قليل من الشبان على تنظيم داعش التكفيري ؟؟! ألا نرى بأننا كلنا تكفيريون عندما سمحنا للأغبياء والدهماء بكتابة مناهج بلا رقابة من المفكرين والمثقفين والفلاسفة ؟؟!

رواية أخرى توردها المناهج على شكل سؤال ( من هو الصحابي الجليل الذي قتل أباه لأنه كافر ؟؟! والإجابة أنه الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح ) !!
كنت قد أوردت هذين المثالين في مقالي السابق بعنوان ( نعم نحن بحاجة إلى غزو فكري )، لكي نتوجه للسيد إبراهيم عيسى وأمثاله، أيهما أولى .. حشد العامة والدهماء في تظاهرات تنشر الفوضى والخراب وعدم الاستقرار تناغماً مع إرهاب سيناء، أم دراسة وتحليل مناهج الطلبة والأطفال بصورة علمية لتنقيتها من التكفير ودعمها بآيات الصفح الجميل والعفو وهي كثيرة ؟؟!

ليس الرئيس السيسي هو من كتب مناهج التكفير والقتل التي تدفع بعض شبان السعودية لنحر آبائهم وأمهاتهم. الخطر داهم والفاجعة محققة، لكن الدعوة للنزول إلى الشارع في ظل التحول المصري النوعي نحو التحالف الروسي والصيني بدلاً من الحلف الصهيو أمريكي هي دعوة مشبوهة، لا سيما وأن النزول لن يأتي ببديل اقتصادي فوري للناس أو ببديل أمني عسكري لمكافحة الإرهاب في سيناء.

قبل التفكير في فوضى جديدة، لا مناص من العمل على تقليل الجرعة الدينية في مناهج الأطفال والإعلام وتقنينها بما يخدم منظومة الأخلاق الحميدة القائمة على الحب والتسامح والتعاون الخلاق. لابد من إصلاح نوعية التعليم فما نشهده من تنطع وحماقة وغباء إنما هو نتاج ما يلقن للطلاب صباح مساء. يجب الشروع في حملة قومية من أجل مكافحة الانفجار السكاني المريع الذي أتى على موارد البلاد وأضر بالعباد.

ما سبق لم يقتصر على مجرد النقد والتحليل والرصد، بل لقد جاء المقال على اقتراح بعض الحلول الاستراتيجية للقضاء على أسباب التخلف والجهل من جذورها، والواقع أن التخلف هو ما أدى تلقائياً إلى انتشار الفقر واستعصاء المرض وانهيار العملات المحلية بسبب قلة التصدير وزيادة الاستيراد، ليس في مصر وحدها، بل في جميع بلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا !