خاتمة كتاب ملخص رأس المال لكارل ماركس

كارلو كافيرو
2022 / 1 / 20 - 09:52     

ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو


خاتمة كتاب "ملخص رأس المال لكارل ماركس" للكاتب الإيطالي الأناركي كارلو كافيرو. كافيرو نشر الكتاب في حزيران عام 1879 باللغة الإيطالية، ومن ثم ترجمه إلى الفرنسية الكاتب جايمس غيللوم عام 1910. أبدى كارل ماركس، ضمن رسالة بريدية وجهها إلى كارلو كافيرو، إعجابه بالكتاب ورأى فيه أفضل ملخص شعبي لـ"رأس المال"، ومن ثم أعيد نشر الكتاب الصادر عام 2008 في دار نشر "الكلب الأحمر" (Le Chien Rouge)

--

الشر جذري. منذ فترة طويلة يعلم عمال العالم المتحضر ذلك، ليس كلهم، بكل تأكيد، ولكن عددا كبيرا منهم؛ والأخيرون يعدون وسائلهم الخاصة لتدميره.

وقد اعتبروا التالي: 1) المصدر الأول لكل ظلم واستغلال للإنسان هو الملكية الفردية؛ 2) تحرر العمال (التحرر الإنساني) لا يمكن أن يقوم على هيمنة طبقية جديدة، إنما عبر نهاية كل الامتيازات والاحتكارات الطبقية وعبر المساواة في الحقوق والواجبات؛ 3) أن قضية العمل، قضية الإنسانية، لا حدود له؛ 4) أن تحرر العمال يجب أن يكن فعل العمال أنفسهم. ومن ثم صاح صوت قوي قائلا: "يا عمال العالم، اتحدوا! لا للمزيد من الحقوق دون الواجبات، ولا للمزيد من الواجبات دون الحقوق! ثورة!"

لكن الثورة التي يرتكز عليها العمال ليست ذريعة، وليست وسيلة تحقق هدفا مضمرا. البرجوازية، هي أيضا، ككثيرين غيرها، ارتكزت ذات يوم على الثورة: لكن كانت فقط لتحل مكان طبقة النبلاء، واستبدال النظام الإقطاعي للقنانة بنظام العمل المأجور الأقسى. هذا ما نتجرأ على تسميته التقدم والحضارة! كل يوم نساهم، بفعالية، باحتفالية البرجوازي السخيفة الذي يمضي قدما مكررا كلمة الاستيلاء على السلطة. ثورة العمال، هي ثورة تقوم من أجل تحقيق محتوى الفكرة الثورية.

إذا أخذنا كلمة الثورة بمعناها الواسع، بمعناها الحقيقي، التي تعني العودة إلى نقطة البداية، التحويل والتغيير. بهذا المعنى، إن الثورة هي روح كل المادة الدائمة. في الواقع، كل شيء في الطبيعة، ينجز دورة أبدية، كل شيء يتحول. المادة، تبقى دائما بنفس الكمية، يمكن أن يتغير شكلها بطرق لا حصر لها. عندما تفقد المادة شكلا قديما وتأخذ شكلا جديدا، تكمل انتقالا من الحياة القديمة، التي تموت، إلى حياة جديدة، تولد فيها. عندما قام غزالنا، لنأخذ مثلا مألوفا، بتحويل 10 كيلو من القطن إلى 10 كيلو من الخيوط، ما الذي حصل؟ موت الـ 10 كيلو من مادة القطن الخام، وولادتها في شكل الخيوط. وعندما يحول النساج الخيوط إلى قماش، ما الذي يحصل؟ لا شيء سوى انتقالا للمادة، من شكل الخيوط، إلى حياة في شكل القماش، كما حصل منذ قليل عندما تحولت الحياة من شكل القطن الخام إلى شكل الخيوط. إذا المادة، تتغير من شكل حياة إلى آخر، وتعيش في تغير مستمر، متحولة، مثورة.

ولكن، إذا كانت الثورة هي قانون الطبيعة، التي هي كل شيء، يجب أن تكون أيضا قانونا للإنسانية، التي هي الجزء. ولكن على الأرض هناك حفنة من الرجال لا تفكر كذلك، إنما تغلق عيونها حتى لا ترى وتصم آذانها حتى لا تسمع.

هنا، أسمع برجوازيا يصرخ بوجهي: "نعم، صحيح، القانون الطبيعي، الثورة التي تطالبون بها، هي المنظم المطلق للأفعال الإنسانية. الخطأ بطرق القمع، وبكل الاستغلال، وبكل الدموع وبكل الدمار الناجمة عنها، يجب أن يتحملها هذا القانون الذي لا يرحم الذي تفرضه الثورة، التحويل المستمر: الصراع من أجل البقاء، امتصاص الأقوى للأضعف، تضحية الأقل كمالا لصالح ازدهار الأكثر كمالا. إذا ضحى مئات العمال لتحقيق رفاهية برجوازي واحد، فإن ذلك يحصل، ليس بسبب خطأ منه، الذي على العكس قد يشعر بالأسى والأسف، إنما عن طريق تطبيق القانون الطبيعي الوحيد، الثورة".

إذا أردنا الحديث بهذه الطريقة، لن يطالب العمال بالأفضل: لأنه، في ظل القانون الطبيعي نفسه الذي يريد التحويل، الصراع من البقاء، الثورة، فإنهم يتحضرون ليكونوا الأقوى، للتضحية بكل النباتات البرية والطفيلية المعيقة لنمو النبتة الجميلة والقوية والكاملة التي يجب أن تكون الإنسان، الكامل والتام، بكامل طابعه الإنساني.

لكن البرجوازيين كثيرو الخجل والورع حتى يكونوا قادرين على المطالبة بالقانون العام للثورة. قد يكونون قادرين على ذلك في حالة السكر؛ ولكن في قرارة أنفسهم، وبعد أن أجروا حساباتهم، يجدون أن الأمور جيدة كما كانت، فيبدأون بالصراخ بصوت عالٍ: "النظام، الدين، العائلة، المحافظة!" وذلك بعد وصولهم، بواسطة المجازر والحرق والسرقة، للسيطرة على مواقع الهيمنة والاستغلال للبشرية، يعتقدون أنهم يستطيعون إيقاف مسار الثورة؛ لا يرون، بسبب غبائهم، أن جهودهم لن تؤدي إلا التحضير للإنسانية، وبالتالي لهم أيضا، مصائبا مخيفة، عبر الانفجارات الفجائية، للقوة الثورية المضغوطة بجنون.

الثورة- ما إن هدمت الحواجز المادية التي تعترضها، ومضت حرة في طريقها- ستكون كافية، وحدها، لتحقيق التوازن بين الرجال الأكثر كمالا، النظام والسلام والسعادة الأكمل، لأن الرجال، في تطورهم الحر، لا يسيرون كالبهائم، إنما ككائنات حية، العقلانيين على أعلى المستويات والاجتماعيين، الذين يفهمون أنه لا يمكن للإنسان أن يكون حرا حقا وسعيدا من دون الحرية والسعادة المشتركة لكل الإنسانية. لا للمزيد من الحقوق دون الواجبات، ولا للمزيد من الواجبات دون الحقوق. لذلك، لا للصراع بين رجل وآخر، إنما نعم للنضال من أجل بقاء كل الرجال ضد الطبيعة (1)، من أجل الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من القوى الطبيعية لتحقيق منفعة البشرية جمعاء (2).

متى عرفنا الشر، فمن السهل تصور علاجه: الثورة من أجل الثورة، أي ثورة تحقق محتوى الفكرة الثورية.

ولكن ماذا يفعل العمال لاستعادة مسار الثورة؟

هذا الكتاب ليس المكان المناسب لصياغة برنامج ثوري، وقد جرى بلورته ونشره في وقت سابق في كتب أخرى؛ سنكتفي في الختام، للإجابة عن السؤال، بذكر كلمات سمعناها من عامل، والتي سبق وأوردناها في بداية هذا الكتاب: "العامل قام بكل شيء، ويمكنه تدمير كل شيء، لأنه يمكنه بناء كل شيء".

الهوامش:

(1). نفضل استبدال جملة كافيرو الخرقاء بشكل مأساوي بعبارة أخرى لصديقه إليزيه ركلوس: "الإنسان الذي أصبح "وعي الأرض" الجدير بمهمته يقوم بذلك كجزء من المسؤولية لتحقيق التناغم والجمال في الطبيعة المحيطة". [الملاحظة من المحرر]

(2). المفهوم نفسه للتنظيم العفوي والحر للمجتمع الإنساني المتحرر بواسطة الثورة عرضه إريكو مالاتيستا أمام المؤتمر العام الثامن للأممية في برن (اجتماع 28 تشرين الأول/أكتوبر عام 1876): "المجتمع ليس تجميعا اصطناعيا، يدار بالقوة، أو بواسطة عقد، بيد أفراد متمردين بطبيعتهم. إنما على العكس من ذلك، هو جسم عضوي حي، يكون الرجال فيه الخلايا المساهمة معا في الحياة وتطور الجميع. يحكمه قوانينا أساسية، ضرورية وغير قابلة للتغيير تماما ككل القوانين الطبيعية. ليس هناك عقدا اجتماعيا، إنما يوجد قانون اجتماعي… . من خلال العادة، التي تتناسب، مع تطور البشرية، مع ما نسميه، في علم الميكانيك، قوة القصور الذاتي، تميل الأشكال الاجتماعية إلى تأبيد ذاتها؛ واجب الثوري هو بذل كل جهد ممكن لتحويل هذه الأشكال باستمرار وللحفاظ بشكل دائم على مستوى التقدم الأخلاقي والفكري للإنسانية. إذا كان هناك من يحاول وقف وإبطاء الحركة الاجتماعية، علينا المضي بالإنسانية قدما في طريقنا التي تبدو محفوفة بالمخاطر تماما كما هي الطريق إلى النجوم". [الملاحظة من جايمس غيللوم]