حقيقة موقف كل من أمريكا وروسا تجاه الأزمة السورية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5325 - 2016 / 10 / 27 - 14:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حقيقة موقف كل من أمريكا وروسيا تجاه الأزمة السورية
منذر خدام
جرت مياه كثيرة في مجرى الأزمة السورية منذ أن تدخل الروس فيها بصورة مباشرة بقوى عسكرية جوية ضاربة في نهاية شهر أيلول من عام 2015، غيرت من اتجاه المجرى، وكشفت هول العوالق فيها على شكل تدخلات دولية وإقليمية كانت سببا في زيادة عكرها. لكن اللافت في الأمر على السطح وفي العمق هو ثبات الموقف الروسي من الأزمة السورية، خصوصا وأنه صار يستند إلى "عاصفة السوخوي" التي لم تترك أي لبس في أنها سائرة إلى نهاية المطاف في اتخاذ جانب النظام السوري من الأزمة، على الأقل في المسائل الأساسية. فمنذ بداية الأزمة في سورية في عام 2011، والروس يرددون بأنهم يقفون ضد الإرهاب في سورية، ومن ثم صاروا في طليعة من يحاربه بصورة مباشرة بعد تدخلهم العسكري فيها خشية أن تصل نيرانه إلى بلدهم، بحسب زعمهم.وكنوع من التورية السياسية قالوا أيضا، وبثبات طيلة مدة الأزمة، أنهم يدعمون التغيير في سورية شريطة أن يقوم به السوريون بأنفسهم لكن في إطار النظام القائم وبالتفاهم مع السلطة السورية. أما فيما يخص الموقف من رأس النظام السوري فكانوا يحيلون القرار بذلك إلى الشعب السوري بذريعة أن هذه مسألة تتعلق بالسيادة التي يغطيها القانون الدولي في تطابق لافت مع موقف النظام السوري منها. وما كانوا يقولونه على هذا الصعيد بشيء من الدبلوماسية صاروا اليوم، بعد عام من تدخلهم المباشر في الحرب الدائرة على الأرض السورية، يصرحون به بصورة خالية من أية دبلوماسية. " الأسد باق ومن يريد إزاحته عن السلطة عليه أن يتحداه في الانتخابات، وأن كل من حمل السلاح في وجه النظام السوري هو إرهابي.." لا فرق بين مقاتل محلي دفعه عنف النظام إلى حمل السلاح، وبين جهادي قادم من خارج الحدود...
على الجانب الآخر لم تكن المواقف الأمريكية الظاهرة والمعلنة من الأزمة السورية ثابتة، بل متغيرة ومتناقضة بصورة تدعوا، للوهلة الأولى، للاستغراب والعجب، لكنها في المخفي هي الأخرى كانت ثابتة أيضاً. لقد مارست أمريكا التقية في سياستها تجاه الأزمة السورية ففي العلن كانت تردد دائما أن النظام السوري فقد شرعيته، وأنه ينبغي إزاحته عن السلطة لكونه سببا رئيسا للإرهاب ليس في سورية فحسب، بل في عموم المنطقة كلها. ولوحت مرارا باستخدام القوة ضده في حال تجاوز "خطوطها الحمراء"، لكنها سرعان ما كانت تتراجع عن تهديدها. في حقيقة الأمر لم تكن أمريكا تريد إسقاط النظام بل تدمير سورية، كدرس مستفاد، ربما، من تجربة العراق وليبيا من جهة، لكن من جهة ثانية لأنها لم تكن تريد خلق فوضى يصعب السيطرة عليها على حدود إسرائيل وهو الأهم. وفي هذا السياق أيضا كان لأمريكا هدف أخر مهم وهو جر روسيا وإيران وحزب الله، وهي قوى مصنفة عدوة لها، إضافة إلى جذب المتطرفين من كل أنحاء العالم إلى هذا المستنقع لاستنزافها فيه، وقد حققت نجاحات ملحوظة على هذا الصعيد. لقد نقلت وسائل إعلام عديدة عن أوباما، عقب قصة الكيماوي السوري قوله " يريد بعض أصدقائنا المتطرفين في أوربا وفي الشرق الأوسط أن نرسل جنودنا إلى سوريا للقتال نيابة عنهم...لكن الذين يتقاتلون في سورية هم أعداؤنا: من جهة النظام وحلفاؤه ومن جهة ثانية المجموعات المسلحة المتطرفة..فلماذا نتدخل؟!! لندعهم يتقاتلون، وفي النهاية لا حل سياسي للأزمة السورية بدون مشاركتنا.." . وجاء مؤخرا في التسريبات عن لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع بعض المعارضين السوريين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قوله لهم: النظام السوري شرعي، وان روسيا تستند إلى القانون في تدخلها في سورية، في حين لا تملك أمريكا هذا الأساس، وان على المعارضة أن تقبل المشاركة في حكومة وحدة وطنية مع النظام، وان تستعد لمنافسته في الانتخابات.أمريكا لن تتدخل عسكريا في سورية، فقط "ثلاثة أو أربعة أشخاص " في الإدارة الأمريكية يؤيدون التدخل العسكري الأمريكي في سورية، كما أن الكونغرس ذاته لا يؤيد ذلك.إن ما صرح به كيري لمعارضين سوريين في نيويورك يبدو لي هو محتوى الوثيقة الخامسة من التفاهمات الروسية الأمريكية التي لم تنشر.
إن التراشق بالقذائف الدبلوماسية بين أمريكا وروسيا لم يعد يخفي هذه الحقائق، فروسيا ماضية في خيارها العسكري حتى القضاء على المجموعات المسلحة تحت يافطة محاربة الإرهاب متهمة أمريكا بعدم الوفاء بالتزاماتها خصوصا لجهة فصل المعارضة المعتدلة عن تلك المصنفة إرهابية، وهي تدرك جيدا أن ذلك غير ممكن عمليا. من جهة أخرى تتهم أمريكا روسيا بإفشالها الاتفاقات الأخيرة معها، إذ لم ترفع الحصار عن حلب، ولم تسمح لقوافل الإغاثة بالوصول إلى حلب الشرقية، بل واتهمتها بالهجوم على قوافل الإغاثة في جنوب حلب وتدميرها. وفي مناخ التراشق الدبلوماسي هذا بين روسيا وأمريكا تجري على الأرض حرب طاحنة سوف تزداد ضراوة خلال الأشهر القادمة، خصوصا إذا نفذت أمريكا تهديداتها بتزويد المعارضة المسلحة بأسلحة نوعية. ويبقى الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن من ذاته، ومن عمرانه، ومن مصادر رزقه، ففي ميزان المصالح الدولية لا قيمة له للأسف.