ماذا بعد هزيمة الدواعش المسلحة ؟


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 5325 - 2016 / 10 / 26 - 00:07
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

(( ماذا بعد الهزيمة العسكرية لعصابات الإرهاب الديني ؟ ))

بعد أن تسكت الطلقات الموجهة لعصابات الإرهاب الديني المسلحة في عالمنا العربي وبعد أن تهزم هذه العصابات هزيمة - نتمناها - نهائيةً

سنكتشف حينها أن طريق القضاء علي الإرهاب الديني لايزال طويلاً
بل أن بعض البلاد العربية مثل سوريا والعراق وليبيا ومعهم لبنان بالضرورة ستعاني آثار انتهاء الحرب مع داعش من جراء ابتزاز الميلشيات الحليفة التي كانت تقاتل داعش إلي جوار بقايا الجيوش النظامية وهي في نفس الوقت ذات الصبغة مذهبية أو عرقية أو يغلب علي تكوينها ذلك
ستحاول هذه الميلشيات المتخلفة عن تلك الحرب الدولة المركزية التي ستكون وقتها مالبثت أن تدخل حالة التعافي كبقايا دولة أو شبه دولة لانتزاع مكاسب وحصص سياسية واجتماعية طالما كانت الأولوية الطائفية أو القبلية هي التي حركت قتالها ضد داعش متقدمةً علي الأولوية الوطنية

فضلاً عن أنه في كل البلاد العربية علي العموم بعد أن تضع الحرب علي عصابات الإرهابيين أوزارها سنجد أنفسنا أمام انكشاف واقعنا العربي المفعم بالثقافة الطائفية التي تم تكريسها منذ بدايات اجتياح الإستعمار الأوربي للعالم العربي
سواء عبر طرحها من قبل العمائم العثمانية كثقافة مقاومة ( للكفار) المستعمرين أو توظيفها كثقافة لتكريس الإنقسام وتفتيت دول المستعمرات وإجهاض مشاريع النهوض الوطني وإحلال مشاريع التخلف بدلاً منها وتفريغ مشروع التحرر الوطني من محتواه التقدمي ليظل عالم المستعمرات علي ارتباطه بمراكز الإستعمار العالمي

سنكتشف بعد اندحار العصابات الإرهابية المسلحة أن هناك عصابات إرهابية غير مسلحة ستعمل كخلايا مجتمعية سرطانية علي إعادة انتاج الإرهاب المسلح عبر التغذية المستمرة لأفكار التطرف وعبر إرهاب المبدعين والمفكرين المدافعين عن التقدم والإستنارة

سنكتشف أن الطريق مازال طويلاً
لأننا لم نواجه موضوع التطرف الديني والمذهبي مواجهة حقيقية شاملة
ولإن معظم محاولات التنوير قد أجهضت كما أجهضت كافة محاولات التنمية الإقتصادية

وأن المواجهة الحقيقية الشاملة للإرهاب تقتضي أن تكون بتضافر مشروعين في تزامن واحد

أولهما هو مكافحة التخلف والفقر عبر التنمية الإقتصادية الشاملة التي تعني تأسيس وتوسيع قاعدة انتاج الثروة الوطنية مع تأسيس طريقة لتوزيع عائدات الإنتاج بطريقة أكثر عدلاً

وثانيهما من جهة أخري هو العمل بجد علي انجاز مهمة التنوير والتحديث الثقافي التي تعني إعادة النظر في كافة هياكل العملية التعليمية وموضوعاتها،
وكذلك إعادة النظر فيما يتعلق بوضعية كافة المؤسسات الدينية وعلاقتها بالمجتمع وابعادها عن صلب العملية التعليمية وبحيث لاتصبح هذه المؤسسات عائقاً أمام عملية التحديث العلمي والثقافي وبشكل يضمن عدم انتاج العمامات المتطرفة وتمكينها من الفعل الثقافي العام
وكذلك علي صعيد الثقافة يتطلب الأمر ليس فقط إطلاق حرية الفكر والإبداع بل دعمه مادياً وخلق المنابر والأدوات والمؤسسات الحاملة للإبداع والثقافة وتحديث القائم منها بحيث تصبح الثقافة الوطنية المعاصرة والجادة والمتواصلة مع الثقافات الإنسانية المتنوعة وجوداً فعلياً فاعلاً علي أرض الواقع اليومي المعاش للشعوب
ووضع مناخ تشريعي صارم يضمن عدم التمييز علي أي من الفوارق الدينية أو المذهبية وإطلاق حرية الفكر والعقيدة ووضع سياق قانوني كفيل بحماية وصيانة تلك الحرية وضمان التجسد الفعلي لدولة المواطنة

حمدي عبدالعزيز
22 أكتوبر 2016