بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل السادس


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5324 - 2016 / 10 / 25 - 17:42
المحور: الادب والفن     

كان المنشقون الأربعة في قفص الاتهام، بعد أن قررت هيئة الأركان، أن تفوض الأمر إلى محكمة مدنية، لأن هذه القضية لا تخص العسكريين فحسب، بل وكل الشعب، وليحضرها جمهور واسع، ويجعل من صوته مسموعًا. "يعيش المجندون الأحرار!"، هتف بعضهم. "يسقط الخونة!"، زعق معظم الحاضرين. الجبناء للواحدين، هم أكثرهم شجاعة للآخرين. العار من ناحية، الفخار من ناحية. رئيس المحكمة، القضاة، المحلفون، المحامون، المدعي العام، شعروا كلهم بعيش لحظة تاريخية، كانوا كلهم منفعلين.
بين المساندين لفلاديمير، عامي، دافي، وإيغور، كانت هناك بالطبع ليا، وكانت زميلتها زان، برفقتها، وهي تختبئ خلفها، بشفتين مرتجفتين من الخوف، ووجه شاحب. كانت ساندرا وسيمون وباقي أصدقائهما ضد عمل الشبان الأربعة، لكن غطت أصواتهم عاصفة المتطرفين الدينيين. "سفلة، جبناء، متواطئون، خَرَّاؤو الحرية! اسجنوهم! اسجنوهم! اسجنوهم! السجن مدى الحياة! اسجنوهم! السجن مدى الحياة! السجن مدى الحياة! السجن مدى الحياة!" وأيضًا: "اسجنوهم! اسجنوهم! اسجنوهم..." ألقت زان نظرة مرتاعة نحو الأفواه الباصقة للتهديدات، فلم تر سوى أنياب مشحوذة، وجلس شالوم بين الطرفين، بِتَبِعَة جسيمة، ولم يقدر على اتخاذ قرار في صالح هؤلاء أو أولئك. لم يقدر بعد على القطع بين وجهتي نظر المتخاصمين. أيد الحرية الفردية للمتمردين الأربعة، غير أنه لم يمكنه أن يتجاهل واجبات كل واحد نحو الجماعة التي تتوقف عليها الحرية المشتركة. كان ضد القمع، لكن هذا ضروري أحيانًا لحفظ تلك. "سفلة، جبناء، متواطئون! اسجنوهم! اسجنوهم! السجن مدى الحياة!" هذه الأفواه التي تزعق، هذه العيون التي تهدد، هذه القبضات التي تعتدي في مكان رفيع للعدالة، دفعته إلى التساؤل عما إذا كانت الحرية المشتركة تُختصر بهذا حقًا. وحرية الآخرين؟ وهؤلاء الفلسطينيون المطرودون، المطاردون، المقموعون، المعتقلون، المعذبون، المجوعون، المحتَقَرون، المتجاهَلُون، الذين يرمي الناس إلى الإنهاء عليهم فقط لأنهم يطالبون بدورهم في الحرية؟ لأنهم يريدون العيش على أرضهم؟ والعيش أحرارًا؟ كانت حياة الشعبين تتشابك تشابكًا دقيقًا إلى حد لا يمكن التمييز بين البداية والنهاية. الماء الذي لا غنى عنه للحياة، سنجد حلاً لاقتسامه. إنه الإنسان الذي بلا ذاكرة من يقول هذا. أما الكولونيل الذي كان... نظر إلى ليا، ثم إلى ساندرا. كانت كلتاهما تهتف مع أو ضد، وهو يبقى صامتًا، مغتمًا، ضائعًا مع أفكاره. بدا منعزلاً، منسيًا. لا أحد، غير زان، يعيره أدنى اهتمام. نظرت إليه فزعة، معتقدة أن تجد فيه من سينقذها من هذا الجو الشيطاني لمحكمة جنايات ليست كغيرها من المحاكم، من هذه الأنياب المشحوذة التي أخذت تدمى، جاهزة لعضها، هي.
مضت اللحظة التاريخية، وبدأت اللحظة التراجيدية، فَقُرِأَت النرفزة على وجه الرئيس. حاول بلا جدوى تهدئة جلسة المحكمة التي واصلت الهتاف:
"السجن مدى الحياة! السجن مدى الحياة! السجن مدى الحياة! السجن مدى الحياة! السجن مدى ال..."
"يحيا المجندون الأحرار! يحيا المجندون الأحرار! يحيا المجندون الأحرار!"
"السجن مدى الحياة! السجن مدى الحياة!"
"يحيا المجندون الأحرار!"
"السجن مدى الحياة! مدى الحياة! مدى الحياة! مدى الحياة! مدى الحياة!"
"الأحرار! الأحرار! الأحرار! الأحرار! الأحرار!"
"مدى الحياة! مدى الحياة!"
"الأحرار!"
"مدى الحياة!"
- س-ك-و-ت! صاح الرئيس هذه المرة أقوى من الجميع.
سكتوا كلهم. قذفت الأفواه الأنياب الدامية التي قفزت على حلق زان، فأطلقت صرخة. ثم صوت: "مدى الحياة!" ثم صوت ثان: "الأحرار!" ثم صوت ثالث: "مدى الحياة!" ثم كلهم من جديد: "السجن مدى الحياة! يحيا المجندون الأحرار! مدى الحياة! الأحرار! مدى الحياة! الأحرار! مدى الحياة! الأحرار! مدى الحياة! الأحرار!"
- س-ك-و-ت! أو آمر بإخلاء القاعة فورًا، عاد الرئيس إلى الصياح.
سكتوا كلهم. لم تستطع زان منع الأنياب من الانغراز في عنقها، فكتمت صرختها، وهي تضع يدها على فمها. عرض المدعي العام الملف باقتضاب، وطالب بعقوبة مقدارها ستة شهور سجن مع التنفيذ، فصاح المتطرفون الدينيون ساخطين: "السجن مدى الحياة! مدى الحياة! مدى الحياة!" والمجموعة الصغيرة التي تساند المنشقين: "اطلقوا سراحهم حالاً! حالاً! حالاً!" كانت زان على وشك الانهيار.
- س-ك-و-ت! عوى الرئيس من جديد، أو آمر ب...
عادت القاعة إلى السقوط في السكوت قبل أن يُنهي رئيس المحكمة جملته.
- أُفَضِّلُ هذا، همهم.
أعطى الكلام لمحاميي الدفاع، لكن إيغور تدخل. أراد الدفاع عن نفسه بنفسه. تحت النظرة المشعة لنورة، أمه، شرع في مرافعته. أشار أول ما أشار إلى أنها المرة الثانية التي يحاكم فيها لنفس "الجنحة"! كانت المرة الأولى محكمة عسكرية، وكان الحكم ستة شهور حبس مع وقف التنفيذ. لكنها إسرائيل... تكلم عن حبه للحرية، وقال إنه لأجل هذا الحب يعيش في إسرائيل، لا للهيمنة، للإهانة، للتجويع، لتكون إسرائيل بالفعل نموذجًا للأمم الأخرى. قال إنه لأجل المساواة بين كل الشعوب. له، ليس هناك شعبٌ عالٍ وشعبٌ واطئ. له، هذا البلد الصغير جدًا هو في نفس الوقت كبير جدًا، يمكنه أن يحوي كل شعوب الكرة الأرضية، إن تخلصنا من أنانيته، من شوفينيته، من امتيازاته، إن كان الناس عادلين. لكن لن يتنازل أرباب الجيش ولا مجانين الأرباب، الأوائل لأن كل السلطة بين أيديهم، والأواخر لأنهم ما هم سوى أدوات حقد وقمع.
وصراخ الاستنكار هذا من الأنياب:
- العار! العار! العار!
وهذا التوسل لِزَان:
- ليا، أرجوك!
وهذا الصياح من رئيس المحكمة:
- س-ك-و-ت!
وهذا التعليق الأخير لإيغور:
- نعم، سيدي الرئيس، نحن الأربعة، نصر على رأينا، لن نقوم بخدمتنا العسكرية في الأراضي المحتلة، العار الحقيقي لإسرائيل. ربما تعيش إسرائيل في هذا الربع الأخير من القرن العشرين، لكن لأغلب سكانها ذهنية خليقة بالعصور الوسطى! إسرائيل الأمة الوحيدة المكونة من جنود احتياطيين. عملوا منا جنودًا احتياطيين، جاهزين للقيام بالحرب في كل لحظة، وهذا، نحن نرفضه. لهذا السبب علينا أن نكون فخر إسرائيل، لأننا لأجل السلام، نحن مسالمون لا خائنون!
أتى بعض التصفيق من الذين هم مع، فقفزت نورة على كتف ابنها، وقبلته، بينما سحبه الحراس خلف القضبان. طَنَّ الذين هم ضد، ساخطين:
- الخونة! الخونة! الخونة! الخونة!
- ليا، أرجوك، أتوسل إليك!
- الخونة! الخونة! الخونة! الْخَ...
- س-ك-و-ت!
سكتوا كلهم. ثم واحد: "الخونة!" أيد فلادمير وعامي ودافي كل ما قاله إيغور، قالوا إن الحياة قصيرة جدًا، إن من اللازم الاستمتاع بها إلى أقصى حد، والتسلي بعمل الحب بدلاً من عمل الحرب. "أرجوك، ليا، أتوسل إليك!" همهمت زان بين شفتيها المغلقتين، الميتتين، القتيلتين. بعد ذلك، تسارعت الأشياء، أعلن المحلفون بالإجماع أنهم مذنبون كلهم، فلم يتناقش الرئيس مع القاضيتين الممحوتين اللتين تساعدانه. أكد عقوبة ستة الشهور حبس مع التنفيذ التي طالب بها المدعي العام، وأُغلقت الجلسة.
برفقة سيمون وأصدقائها الآخرين، ذهبت ساندرا تتظاهر في شوارع تل أبيب للاحتجاج على قرار المحكمة، وليس للاحتجاج على واقع أن إيغور ورفاقه أُدينوا، لكن على واقع أن العقوبة كانت خفيفة، ستة أشهر "فقط" سجن مع التنفيذ. وجد المتطرفون ممن هب ودب والمتدينون أنها فرصة ذهبية ليبصقوا حقدهم ضد ا-ل-ع-ر-ب. "الموت للعرب! الموت للعرب! الموت للعرب! الموت للطابور الخامس! الموت للخونة! الموت للخونة! الموت للخونة! الموت، الموت، الموت! لنطردهم من الأرض التي تأتينا من السماء! لنطرهم، لنطردهم، لنطردهم!"
على عتبة قصر العدالة، أخذت زان نَفَسًا عميقًا. ولعزائها، عادت الأنياب إلى أماكنها في الأفواه. قالت مع السلامة لليا، ونادت تاكسي.
- لن أعمل غدًا، أخطرت وهي تصعد في التاكسي، ولا بعد غد، ولا بعد بعد غد. في الواقع، أنا لا أعرف كم من الوقت سأتغيب. سأسافر، سأغادر هذا البلد قليلاً.
- لتذهبي إلى أين؟ سألت ليا.
- إلى جحيمٍ خانقٍ أقل.
وجدت ليا نفسها وحيدة مع شالوم. منذ أن "نشلته" ساندرا منها، وهي تتجنب أن تجد نفسها وحيدة معه. كانت تخاف من خيانة عواطفها لها، لأنها لم تزل تحبه، المسكينة ليا. كانت تخاف أن تبدو ضعيفة أمام هواها لميمو، وهي تعرف الآن أن الحب هو الشعور الأقوى، وأننا لا ننساه بسهولة. فقدان الذاكرة، بالنسبة لها، هو فقدان الحب، وشالوم فَقَدَ الحب، ليجده في حب أختها الصغرى. كانت إذن على خطأ عندما حثته على أن يجد ماضيه، فكل الماضي لا يساوي شيئًا أمام حب صادق. بحبه لساندرا، استعاد شالوم ذاكرته. ساندرا "هي" ذاكرته. ساندرا، التي تُفَعِّل الآن حقدها ضد المجندين المتمردين، كانت قادرة على حب شالوم. ليس لأجل جمالها يحبها بمثل هذا الهوى، لكن لأن ساندرا عرفت كيف تعبر له عن حبها. تعرف ليا في الوقت الحاضر، تعرف أن الماضي ليس كل حياة الكائن الإنساني. سلطة الحب، سلطة قول لا في اللحظة التي تَخْرَب فيها الأشياء، سلطة العيش ستة شهور حبس مع التنفيذ بعيدًا عن الشمس، نعم.
كانت حال شالوم من نفس حالها، نظر في عينيها، نظر إليها بانتباه، كما لو كان يراها للمرة الأولى. ابتعدت ساندرا، وغرقت في شوارع تل أبيب. لم يعد صوتها يصله، وعلا شدوٌ لطائرٍ تحتَ شمسِ شتاءٍ مرهقة بشكل غير عادي. واصل النظر إلى ليا ليكتشف أنه يحبها بقدر ما يحب ساندرا، كان يحب الأختين، كلتيهما. قبل، كان يقولُهُ هكذا، دون أن يعلم أن الحب، ذاكرة كل إنسان، كان يقول إنه يحب ليا وساندرا، إنه يحب الاثنتين، لأنهما كانتا جميلتين. خفضت ليا عينيها، وقادته إلى البيت. خلال المسير، لم يقولا كلمة واحدة، لم يتبادلا نظرة واحدة، بقيا صامتين حتى وضعا القدم في الصالون. عندئذ، أخذ شالوم ليا من يدها، وجذبها إلى صدره.
- لا، يا حبي، ابتهلت ليا، لا تفعل هذا!
قبلته باندفاع.
- عليك أن تبقى وفيًا لساندرا، لذاكرتك الجديدة، همهمت وهي تواصل تقبيله من خده، من عنقه، من ثغره. ساندرا من تحب.
- هذا أقوى مني، همهم شالوم وهو يستسلم لقبلاتها، أحبكما أنتما الاثنتين.
- نعم، ميمو، يا حبي، أحبنا نحن الاثنتين، لكن كن وفيًا لساندرا. ساندرا في حاجة إليك. سأكون صديقتك، ميمو، يا حبي. سأكون حبك المحرم، كحب هؤلاء المجندين المدانين بستة شهور سجن مع التنفيذ لأنهم يحبون الحرية ولأن هذا الحب ممنوع عليهم.
قبلته بقوة أكثر، وجرته إلى كنبة.
- تذكر هذا: ساندرا حبك الحلال، قالت لاهثة خالعة ثيابها. لا تتذكر سوى هذا، ميمو، هي حياتك الجديدة، وهي في حاجة إليك، تابعت القول لاهثة خالعة له ثيابه. ستعود تعبة لكثرة ما صرخت في شوارع تل أبيب، وستكون في حاجة إليك. هي حبك الحلال، وأنا حبك الحرام، قالت، وهي تقبله، وهي تمنعه من اختراقها، كما لو كانت تريد إثبات أنها محرمة. أنا حبك المحرم.
- أجمل حب، قال شالوم، وهو يلهث بدوره، وهو يخترقها أخيرًا.
- نعم، ميمو، يا حبي، صرخت من المتعة.
- أجمل حب، أعاد شالوم بصوت مختنق، فهو في صدد القذف.
- نعم، نعم، نعم، صرخت ليا في قمة متعتها.
ثم، بهدوء، بكل هدوء، عادت إلى نفسها: لم يكن هناك غير فعل الحب اللذيذ هذا في رأسها، يسري في عروقها كإشارة وحيدة للذاكرة وللحياة. داعبت له شعره، ابتسمت له، ابتسامة رقيقة وحزينة معًا.
- هذا لتتذكر أن لك حبًا محرمًا، همهمت ليا، حبًا عليك أن تكون لك الشجاعة لتحفظه وتدافع عنه.
وصلت سيارة جيب جوردان، فعجل شالوم وليا في إعادة ارتداء ثيابهما. لاحظ جوردان مناورتهم، فانفجر ضاحكًا.
- كنت أعتقد أنك مع ساندرا، قال لشالوم.
- هو دائمًا مع ساندرا، ردت ليا التي راحت بخطوات لدنة تغلق عليها باب غرفتها.
- هل عليّ أن أفهم أنك...
- لا، ليس ما تعتقد، قال شالوم. أنا دومًا مع ساندرا. أنا دومًا وفي لها.
- وما رأيته؟
- هذا لأتذكر فقط أن لي حبًا محرمًا، حبًا يمنعونه عني، وعليّ الدفاع عنه.
- لا تقل لي إنك استعدت ذاكرتك، ميمو.
- لا، لم أستعدها، لكني أعرف الآن أشياء، أشياء كثيرة، وأنا نفسي في الوقت الحاضر.
- أنت نفسك في الوقت الحاضر! قل لي تحت أي معنى، هل تريد؟
- منشقو الخدمة العسكرية، أنا معهم. أستطيع اتخاذ قرار في الوقت الحاضر، ورؤية أن من حقهم رفض القمع.
- ربما كان هذا موقف الإنسان الذي اكتشفتَهُ فيك، لكن ليس موقف العسكري، الكولونيل الذي هو أنت. أنت لست مجندًا، ميمو، أنت كولونيل في الجيش، مع ماضٍ...
- مع ماضٍ؟ أي ماضٍ؟ فاقد الذاكرة لا ماضيَ له.
- ماضٍ، ماضٍ، أنت لك ماضٍ رغم كل شيء، مجد وهيبة.
- أنا لا ماضيَ لي. مات ماضيّ، ومضى إلى غير رجعة. ليس لي لا مجد ولا هيبة.
- لك المجدُ هذا شئت أم أبيت، مكتوبٌ على وجهك، ولأجل هذا المجد، فخر الأمة هذا، قررت هيئة أركان الحرب أن تقوم بتنظيف قطاع غزة.
لم يفه شالوم بكلمة واحدة، نظر إلى باب ليا المغلق، وشيء ما يعقد حنجرته، ويمنعه من قول لا بصوت عال.
- أنت تحتفظ بالصمت، ميمو، ابن عمي، ومع ذلك، أسمَعُ الإنسان فيك يقول لا. كما ترى، عندما نكون في الجيش، ولدينا رتبة الضابط التي لك، لا خيار لنا، نقول دومًا نعم للأوامر، حتى ولو بقينا صامتين. زد على ذلك، "السكوت علامة الرضى"، أليس كذلك؟
لم يفه شالوم بكلمة واحدة دائمًا.
- اسماااااااع، ليس مكانك، أعرف. أنت، القناصل العسكريون. لكننا قلنا، بمواجهة واضعي القنابل في المقاهي وكل الإرهابيين الباقين، ستسترد ذاكرتك، وستكشف الأسرار العسكرية المتعلقة بقنبلتنا النووية التي لا يعرفها أحد سواك، كَذَبَ.
- قنبلة نووية، تعجب شالوم. لدينا قنبلة نووية!
- ينقصنا اليورانيوم، وأنت الذي...
- لدينا قنبلة نووية!
- نعم، وماذا بعد؟
- تقول إن لدينا قنبلة نووية.
- أُنعش ذاكرتك كما أرى.
- على الإطلاق.
- إذن لماذا أنت مرتعب؟
- هل تُقَدِّر ما يعني هذا إذا كان بلد صغير كبلدنا يمكنه أن تكون لديه ق-ن-ب-ل-ة ن-و-و-ي-ة؟ مجنون، أي مجنون، يمكنه أن يشعل عود ثقاب صغير وَبُمْ! إنها نهاية كل شعبنا.
- قنبلة نووية، ليست على مثل هذه الخطورة. نحن نعرف التحكم بالتكنولوجيا، ونحن...
- إنها نهاية كل شعوب المنطقة.
- تَبًا للشيطان، ميمو! أقول لك إننا نعرف التحكم بالتكنولوجيا، ، وهذا يجعلنا لا نُقهر مضاعفةً، لا نُمس مضاعفةً، هذا يجعلنا لا نُهزم مضاعفةً، ولن يجرؤ أحد على مهاجمتنا. نحن الأقوى، ميمو، ولا شيء كارثي سيقع لنا، لا شيء، هل تعرف؟ مطمئن؟
- لا.
- هل هم مباعيص المجندين الذين علموا "الإنسان الذي فيك" أن يقول لا.
- لا.
- هذا أفضل.
- متى عليّ الذهاب إلى غزة؟ سأل شالوم ضد إرادته.
في تلك اللحظة، وصلت ساندرا كالإعصار، وأخذت شالوم في أحضانها.
- ستذهب إلى غزة، يا حبيبي؟ ستذهب لقمع الإرهابيين هناك؟
اخترق سيمون الصالون بدوره، وقال لجوردان:
- أنا كذلك، أريد الذهاب لقتال الإرهابيين أينما كانوا. هكذا، ألقن درسًا لا يُنسى للمجندين المتمردين الخراء، وفي نفس الوقت أثأر لكل موتانا.
- موتانا! اندهش شالوم. أي موتى؟ لم يعمل حادث الملك سليمان غير ضحية واحدة، عاهرة، وفلسطينية فضلاً عن ذلك!
- وجامعتك، سيمون؟ تدخلت ساندرا. أنت تنسى أنك تُحَضِّر سنتك الأخيرة في الصيدلة؟
- مهما يكن من أمر، في يوم أو في آخر، يجب عليّ أن أقوم بها، الخدمة العسكرية. حصلت على تأجيلها بسبب دروسي الجامعية، لكن مع الأحداث الجاربة، لا بأس! سنتي الخامسة، سأعيدها عندما أكمل واجبي نحو بلدي، والعار للقذرين المجندين الخراء. نحن لا حاجة لنا إليهم.
خرجت ليا، وسألت عما يجري. فأخبرتها ساندرا بالذهاب المداهم لشالوم وسيمون إلى غزة بحماية التوراة، وزرعت وجه خطيبها بالقبلات.
- للدفاع عنا، ميمو، هتفت ساندرا. أليس كذلك، يا حبيبي؟
- للدفاع عنا؟ دَهِشَت ليا، متهكمة. هل نحن في حاجة إليه ليدافع عنا، هو المصاب بالنسيان، الهش، الأقل قوة بيننا؟
ثم، لنفسها، مضنية من الحزن:
- مرة أخرى، نسي حبه! ممنوع أم لا، محرم أم لا، لواحد بلا ذاكرة، الأمر سواء!

يتبع القسم الثاني الفصل السابع