اليسار ولعبة الانتخابات في ظل الديمقراطية المخزنية


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5319 - 2016 / 10 / 20 - 22:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     


استعرت الحملة الانتخابية وحضي موقف المقاطعة بالقسط الاوفر من الهجوم لاسيما من بعض أطراف اليسار. اعتبر موقفا عدميا فاقدا الصلة مع الفكر والأعراف الماركسية، يصب الماء في طاحونة الرجعية ويخدمها.
لكن ما يغيبه أصحابنا اليساريون عمدا، هو أن المسالة البرلمانية عندنا هي جزء لا يتجزأ من الديمقراطية المخزنية بل هي حجر الزاوية فيها. إنها ديمقراطية شكلية، وضعت لتغطي على واقع دولة ونظام مستبدين. إنها ديمقراطية المنح والعطاء يحقنها على شكل جرعات ليوهم بأنه يستجيب للمطالب والضغوط . وهي تعطي باليد اليمنى ما تسترده باليسرى. للبرلمان فيها وظيفة مضبوطة ليبدو كميدان تعبر فيه التعددية الحزبية عن تألقها بل فرادتها في المنطقة المغاربية. تعددية مستنبتة عبر صنع احزاب مضمونة القسط الوافر من مقاعد البرلمان، في نفس الوقت تم الفتك بالأحزاب الجماهيرية الحقيقية وعزلت عن قواعدها الشعبية ثم حولت الى وكر من محترفي السياسة قابلة بالتطبيع وراضية بما يوكل لها من خدمات. انه برلمان شكلي منزوع الصلاحيات يستقطب سخط الشعب وهو بذلك يؤدي وظيفة درع يختبأ وراءه المستبدون.
إنه برلمان الكتلة الطبقية السائدة ومجموع النخب الانتهازية والمستعدة لتصبح مرتزقة سياسية. غابت عنه التمثيلية الطبقية للعمال والفلاحين الفقراء، هذه الطبقات التي ينظر لها فقط كحطب وكأوراق تصويت ويمنع عليها الحضور في القبة. ولتمويه هذه المسالة تم خلق غرفة المستشارين وهي مصدر لهدر المال العام وجب الغاؤها.
إن من يريد المشاركة في الانتخابات البرلمانية خدمة للديمقراطية كمثل من يعالج النتائج ويقفز على الأسباب. هل حقا من السديد خرق مراحل النضال؟ وإلا كيف نفسر هذا القفز عن المرحلة التأسيسية للديمقراطية ببلادنا المجهضة عن عمد ونقبل تزكية الديمقراطية الحسنية والعهد الجديد بالمشاركة في الانتخابات الراهنة؟
فأي الموقفين - المشاركة أم المقاطعة – يا ترى ينسجم مع مهام المرحلة التأسيسية تلك؟ هل يحق لنا إغفال الموقف الحسي بل حتى الواعي للأغلبية المقاطعة والتي تلمست طبيعة النظام وزيف ديمقراطيته؟ أليس الموقف السليم هو تحويل هذا الوعي الى قوة مادية تأسس للديمقراطية الحقيقية؟
تلك هي الأسئلة التي يقفز عنها بعض اليسار، ويتغاضى عن المهمات الحقيقية التي تنتظره ويُسوٌق الوهم لنفسه ولغيره. ولذلك لن ينفعه التباكي في المستقبل إذا وجد أن الجماهير غير مبالية به وببرامجه.
إنهما إذا خطان للعمل السياسي لليسار ولفهم موقعه ومهامه. إنهما خطان اخترقا تاريخ اليسار منذ نهاية ستينيات القرن الماضي: إما خط استحضار القطيعة الشعبية العميقة مع النظام القائم، وإما خط التعاون من موقع التابع. إن مسؤولية اليسار المناضل وغيره من القوى الحية هي وقف هذا النزيف وإعادة الاعتبار لنضال الشعب من اجل استكمال معركة التحرر المجهضة والتأسيس لعهد جديد تكون فيه السلطة للشعب وحده.