الحلقة الثالثة - ما هو السبب في ضعف و أنهيار الحركة الشيوعية و اليسار السياسي بوجه عام في العراق


بهاءالدين نوري
الحوار المتمدن - العدد: 5317 - 2016 / 10 / 18 - 18:21
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تكملة الحلقة الثانية

ورغم انني لم اطلع عن كثب على ماطرا على الحركة الشيوعية في روسيا وبقية بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة منذ ان سقط النظام السوفيتي و حتى اليوم – وهذه مشكلة بالنسبة الي لم استطع التغلب عليها – الا انني أشك فيما اذا وفرت دراسة وافية لظاهرة الستالينية في تلك البلدان بعد السقوط . والشيوعيون ، الذين فكروا في كل شيء الا سقوط النظام الاشتراكي ، وقعوا في ارتباك شديد و أصبحوا في تشتت و حيرة من امرهم . وأظن ان الكثيرين منهم لم ينتبهوا الى الصلات بين ماكتبه لنين من قوانين عامة للثورة الاشتراكية و مافعله ستالين على أرض الواقع ومانتح عن كل ذلك . ان الشيوعيين في مختلف بلدان العالم دفعوا غاليا جدا ، ولايزالون يدفعون حتى الآن ، ثمن هذه الاخطاء و الانحرافات . وهم متلهفون الى دراسة توضح لهم هذه الأمور . ولا استثنى من ذلك امثال الرفيق زيكانوف ، الذي يقود الشيوعيين في التكتل الرئيسي لهم هناك منذ سقوط كربجوف ، اي منذ 25 سنة .
* * *
- الحلقة الثالثة -
لم يكن سقوط النظام السوفيتي آخر كلمة للتأريخ . فالنظام الاشتراكي السوفيتي ولد و عاش حوالي سبعين عاما و حقق منجزات كثيرة و لم يسقط في صراع مسلح مع البرجوازية ، التي لها تجارب مئات السنين من ممارسة الحكم و العمل السياسي ، بل سقط جراء خلل ذاتي فيه . وهو سيعود حتما، عاجلا ام آجلا .
قد تتباين الطرق للوصول الى الاشتراكية من بلد لآخر . والارجح بعد اليوم ان تكون عبر صناديق الاقتراع ، أو بسبل اخرى سيوفرها التطور الحضاري اللاحق في ظروف العولمة المتقدمة .. سوف تتغير الرأسمالية حتما الى الاشتراكية ، كما تغير النظام العبودي الى الاقطاعية وكما تغيرت الاقطاعية الى الرأسمالية . سوف ترفض البشرية كل شكل من الظلم والاستغلال والاضطهاد . قد يطول الوقت حتى يحل ذلك اليوم ، لكنه آت ولامفرمنه . والعولمة تسرع بتقدمه وتوفر سبلا مؤدية للوصول اليه . أن منظمة الامم المتحدة قد تلعب في مجرى التطور الحضاري ، دورا جديدا على الصعيد العالمي ، ولو بشكل بدائي ، لاعادة تنظيم العلاقات الانسانية – الاممية ، التي ستحل كعلاقات بين الشعوب والافراد . أو لاتهب UN اليوم لمساعدة شعب منكوب بكوارث الزلزال أو العواصف أو الوباء أو المجاعة أو النزوح والتشرد والتعرض لاضطهاد حكام مستبدين ؟ صحيح ان العالم لايزال مليئا بالظلم والجوع والعنف والاصطهاد وحتى بخطر الحروب ، بما فيها الحرب العالمية او خطر تفجير السلاح النووي من قبل ارهابيين ، سواء كان المنفذ من عصابات داعش و القاعدة او من دول ارهابية كالحاكم المجنون في كوريا الشمالية او من حاكم تربى في ظل الستالينية سابقا ولايزال محتفظا با ساليب العمل الستالينية ، رغم انه اليوم رئيس دولة برجوازية من الدول العظمى ، دفاعا عن حاكم دمشق الارهابي المعزول و المكروه من شعبه و شعوب العالم .
. لكن هناك من يسعى للإصلاح ومن يريد الخير وينشر التفاؤل ويسعى لتوجيه السفينة نحو شاطئ الامان .
* * *
حل الوقت لدفع ضريبة اخطاء لنين في صياغة القوانين العامة لثورة الاشتراكية ، بعد ان اختفت لعلعة الرصاص وحلت المنافسة السلمية في ميادين الانتاج محل الحروب والصراعات المسلحة . اصبح الحسم في المباراة السلمية بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي ، في الاقتصاد ، في ميدان الانتاج . وكان الحكام البرجوازيون مرتعبين من تنامى الحركة الشيوعيه وتمددها السريع ، الامر الذي حملهم على السعي لتطوير وتكثير اسلحة جيوشهم . وكان ذلك ينسجم مع رغبات ومصالح اصحاب الصناعات الحربية والعمل على توسيع سباق التسلح وتشديد الحرب الباردة . وعندما بدأت الدول الرأسمالية بالعمل على اعادة بناء مؤسساتها الصناعية – الزراعية – العمرانية فانها انطلقت من عقلية التجديد والتطوير وقدمت جيلا جديدا من المصانع والمشاريع تديرها ادارات كفوءة تزكي نفسها في ميادين العمل ، في حين كان الجمود العقائدي في الحزب الشيوعي السوفيتي يتحكم بكل شئي ، ويعجز عن تجديد الادارة لأن كثرة من الكوادر الحزبية غدت ترعى مصالحها الخاصة التي أمنها الفساد المالي – الاداري ، وتقرب المحسوبين والمنسوبين . فالصناعة السوفيتية ، المتخلفة أصلا عن صناعة الدول الرأسمالية ( باستثناء قطاع الاسلحة ) والمراوحة في مكانها ، ظلت عاجزة عن اللحاق بالصناعة الغربية . وظلت مفتقرة الى عنصر التحفيز المادي ، وظلت ميزانية التسلح – في سني الحرب الباردة وسباق التسلح – ترهق كاهل النظام وتؤثر على مستوى معيشة المواطنين ، في حين كانت الصناعة الرأسمالية في اوروبا و أمريكا واليابان تتقدم بوثائر سريعة ويرتفع مستوى معيشة العمال في لندن و واشنطن و باريس و برلين ، بدلا من ان يكون العكس . فلماذا يتمسك العمال بنظام لايوفر لهم الحرية والرفاه ؟ في السنين الأوائل من تأسيس النظام السوفيتي كان العمال و الكادحون ينتظرون من روسيا الاشتراكية ان تصبح جنة احلامهم . ولهذا حملوا البندقية و استبسلوا في الدفاع عن ثورتهم ضد ثورة الردة و التدخل العسكري الامبريالي . وانتفض عمال اوروبا هاتفين بصوت واحد : ( كفوا عن التدخل في روسيا السوفيتية و اسحبوا جيوشكم ) . لكن ( الاشتراكية ) التي وجدوها اخيرا بعد انقضاء عشرات السنين على انتصار ثورة اكتوبر كانت شيآ آخر يحسدون في ظلها حياة زملائهم العمال في الدول الراسمالية ..

* * *

ملحوظة الى القارئ الكريم
---------------------------
كاتب هذا البحث هو العراقي بهاء الدين نوري ( من مدينة السليمانية في اقليم كردستان ) المبالغ من العمر 90 عاما و سكرتير حشع لاربعة اعوام و عضو في قيادته 36 عاما . وخرج من ضفوفه عام 1984 ، بعد احتدام الخلافات بينه و بين القيادة حول قضيتي التحالف مع صدام و حزب البعث + زج الشيوعيين في اقتتال الحزبين القوميين في اقليم كردستان العراق .