يجب دحر تجاوزات إردوغان على العراق


عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن - العدد: 5312 - 2016 / 10 / 12 - 23:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أفادت وكالات الأنباء عن تصريحات فجة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمام اجتماع لزعماء منظمة الدول الإسلامية في اسطنبول، متحدثا عن رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي: "إنه يسيئ لي، [وأقول له] أنت لست ندي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهماً بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدك أولا".

ويشار إلى أن العبادي قد رد على كلام اردوغان بالقول: "بالتأكيد لسنا نداً لك، سنحرر ارضنا بعزم الرجال وليس بالسكايب". في اشارته الى ظهور اردوغان عبر برنامج سكايب خلال كلمته الى الشعب التركي في الانقلاب العسكري "المزعوم" الذي شهدته تركيا في 15 تموز الماضي(1)

هذه التصريحات الإردوغانية، أقل ما يقال عنها، أنها صبيانية وعنجهية فارغة، لا يمكن أن تصدر إلا من إنسان مصاب بالغطرسة والغرور الفارغين. فمنذ مدة وهذا الحالم بإعادة سلطنة آل عثمان، لينصب نفسه خليفة على المسلمين، بدأ يخلق المشاكل لدول الجوار، فراح يتدخل في شؤون سوريا والعراق، مستغلاً التعددية المذهبية والسياسية والأثنية في هذين البلدين، معتمداً على الإرهاب المتمثل بداعش وجبهة النصرة وغيرهما، وصب المزيد من الوقود على نيران الفتن الطائفية المشتعلة أصلاً، بالتحالف مع أعداء الديمقراطية والوحدة الوطنية في الداخل، ودعم السعودية وقطر في الخارج.

وكانت تصريحات إردوغان رداً على ما صرح به رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي الذي قال ما يجب أن يقوله كل مسؤول في مثل هذه الظروف، أن "السيادة العراقية خط أحمر وعلى تركيا احترام سيادتنا"، لافتا إلى "أننا لا نريد الدخول في صراع مع تركيا، ولا يظن الأتراك أن تواجدهم في العراق نزهة لهم"(1).
ولا نرى أي خطأ في هذا الكلام ليستوجب من إردوغان إطلاق هذه التصريحات العدوانية التي من شأنها تهديد الأمن والسلام في المنطقة، وربما تؤدي إلى إشعال حروب إقليمية؟

بالتأكيد لهذه التصريحات العدوانية المسيئة للعراق ردود أفعال قوية ضد إردوغان نفسه، سواءً في داخل العراق أو خارجه. ففي الداخل، لا بد وأن يعرف العراقيون أن هذه التجاوزات هي إهانة، ليس لرئيس حكومة العراق فحسب، بل ولشعبه وسيادته الوطنية، لذلك فلا بد وأن تدعو جميع القوى السياسية ترك خلافاتها الثانوية جانباً، والوقوف صفاً واحداً وراء قيادته السياسية، للدفاع عن كرامة الشعب وسيادته الوطنية.
أما في الخارج، فقد أثارت هذه التصريحات استهجان العالم، وخاصة الدولة العظمى أمريكا، فقد أعربت واشنطن عن دعمها لموقف بغداد من وجود تركيا العسكري في شمال العراق. وأكدت الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها، جون كيربي، في بيان، الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، أن جميع القوات الأجنبية في العراق "يجب أن تكون هناك بعد موافقة حكومة البلاد، وبشرط التنسيق معها وتحت مظلة التحالف الدولي ضد الإرهاب"، وأن "الدول المجاورة للعراق عليها أن تحترم سيادته ووحدة أراضيه"، وأن "القوات التركية المنتشرة في العراق لا تدخل ضمن التحالف الدولي"، معتبرا أن "الوضع في قاعدة بعشيقة يجب أن يكون قيد دراسة حكومتي العراق وتركيا".(2)

أغراض إردوغان من هذه العنتريات
والسؤال هنا، لماذا أطلق السلطان الصغير إردوغان، هذه التصريحات السخيفة الاستفزازية ضد الرئيس العراقي؟
الأغراض متعددة، الأول، أنه يعاني من أزمة داخلية شديدة، واحتقار شديد في الخارج، الأمر الذي اضطره ليدفع تنازلات مهينة إلى روسيا، فذهب صاغراً إلى موسكو وينحني أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويستجيب لجميع مطالبه. أما في الداخل فقد هبطت شعبيته إلى الحضيض في الشعب والجيش، حيث قام الأخير بمحاولة إنقلاب عسكري ضده ولولا بعض الأخطاء من قادة الانقلاب لكان إردوغان وحكمه في خبر كان. وبرزت هذه الأزمة بكل وضوح من حجم الاعتقالات التي بلغت أكثر من مائة ألف من الضباط، والقوات الأمنية، والقضاة، وأساتذة الجامعات والمدرسين والمعلمين والموظفين الآخرين. (راجع مقالنا: المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان) (5)

الغرض الثاني من مناورات إردوغان في مشاركته لـ"تحرير الموصل"، أنه يريد أن يخلق ممراً آمناً للإرهابيين إلى تركيا، ليستخدمهم فيما بعد كهراوة ضد دول الجوار في المستقبل.
الغرض الثالث، هو أطماعه في الموصل وكركوك، وتوظيف مسعود بارزاني والأخوين النجيفي لتقسيم العراق إلى كيانات ضعيفة يسهل عليه بلع شمال العراق.

فإردوغان يقوم بهذه العنتريات ضد العراق من أجل ترحيل أزماته الداخلية، وحرف أنظار شعبه إلى خارج تركيا واختلاق صراعات مع دول الجوار ليقول للشعب التركي أن تركيا مهددة بالإرهاب والعدوان من العراق، فما عليكم إلا أن تقفوا معي!!

والجدير بالذكر أن إردوغان عُرِفَ بعدائه العنصري الفاشي ضد الكرد، سواءً في بلاده، أو في سوريا والعراق. ففي تركيا، الأكراد مضطهدون وممنوع عليهم حتى تسمية أنفسهم بالكرد، إذ يطلق عليهم أتراك الجبال ويواجهون حرب إبادة الجنس. فهو في الوقت الذي يشن فيه حرب الإبادة على أكراد تركيا وسوريا، راح يذرف دموع التماسيح على كرد العراق، وأدعى أن قواته العسكرية في بعشيقة جاءت بناءً على دعوة رئيس الإقليم الكردستاني، مسعود بارزاني، لتدريب قوات البيشمركة، ودعوة من أسامة النجيفي زعيم كتلة (متحدون للإصلاح)، لتدريب مليشيات (الحرس الوطني)، من أجل شن الحرب على داعش!!. ومن هذه التسميات يمكن قراءة أغراض إردوغان. فقد استخدم بارزاني والنجيفي المعروفين بعدائهما للعراق و وحدته الوطنية، فغايته فرق تسد، وتوظيف هذين القائدين لأغراضه في زعزعة العراق وحرمانه من الأمن الاستقرار والإزدهار.

هناك بعض الأصوات النشاز في الداخل، بدلاً من أن يدينوا العدوان الأثيم المتمثل في الإرهاب الداعشي التركي السعودي القطري، يلقون باللوم على الحكومة العراقية بأنها ضعيفة، وأن رئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي ضعيف..الخ. نسي هؤلاء "المخلصون جداً"، أن قوة الحكومة ورئيسها تأتي من قوة الشعب، وقواته العسكرية والأمنية، ووحدة الصف، والشعور بالمسؤولية، والذود عن حياض الوطن ضد أي عدوان أثيم.

لذلك، نهيب بأبناء شعبنا وقواه السياسية الواعية، وشريحة المثقفين، أن تتحلى بأقصى درجات الحيطة واليقظة والحذر، وأن تعي خطورة هذه الأزمة التي افتعلها المغرور المتغطرس إردوغان، نهيب بهم جميعاً أن يتركوا خلافاتهم الثانوية جانباً، ويرصوا صفوفهم وراء قيادتهم السياسية في وحدة وطنية صلبة شامخة، فقوة الحكومة من قوة شعبها وقواتها المسلحة. وهذه ليست المرة الأولى التي يمر بها العراق في هذه الأزمات، فالشعب العراق معروف عبر التاريخ بقدراته على دحر أعدائه والتغلب على الأزمات، ومهما كانت شديدة، فدحر أعداء العراق مسؤولية جميع العراقيين.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــ
روابط ذات صلة
1- مكتب العبادي يرد على أردوغان: خطابه إنفعالي غير مسؤول ويهدد أمن المنطقة
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218694.html

2- واشنطن تدعم بغداد في تصعيد أنقرة الأخير معها
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218721.html

3- الحل النيابية : الدولة العراقية مستقلة ﻻ تحتاج وصاية السلطان العثماني
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218695.html

4- فاضل بولا: العنجهية والتسويقات العدائية
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218719.html

5- عبدالخالق حسين: المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=852