سوريا في قلب الاستقطاب الدولي


معتز حيسو
الحوار المتمدن - العدد: 5309 - 2016 / 10 / 9 - 11:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


جنون ليس له من قاع يهيمن على مجريات الحرب السورية وتحولاتها، ويأخذ السوريين رهائن له. فالمعارك المتنقلة إضافة إلى كونها تُدمِّر سوريا وتاريخها الحضاري، تؤسس لنظام آخر أكثر قهراً وبربرية.
فالعنف والعنف المضادّ دفنا سريعاً أهداف السوريين المشروعة، وأخرجا المتقاتلين عن سوريتهم. وفي سياق الحرب ضد «النظام القهري» واستئساد الأخير في الدفاع عن السلطة، يجري تدمير سوريا وإخراجها من تاريخها. أما توق السوريين للانتقال إلى نظام آخر ديموقراطي، فإنه يُدفن تحت أنهار من الدماء وأنقاض الدمار. والحقيقة الوحيدة هي أن رقاب السوريين باتت تحت مقصلة قتلة يتمظهرون في كل لحظة بوجوه أخرى مختلفة أكثر تعطشاً للدماء. وجميعهم يلهث خلف انتصارات تتحول إلى سراب. ومن ينتصر اليوم يتراجع غداً، في مشهد دموي لا ينفكّ فيه المهزوم وكذلك «المنتصر» يبحث عن انتصارات يكتبها بأحلامنا المهدورة على مذبح التطرف والإرهاب المعولم. يخوض السوريون بدمائهم، وكذلك المتدخلون في المشهد السوري. وحرب السوريين ومن يشترك معهم فيها ضد السوريين، ليست لها علاقة بالنضال من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة. والمشاركون فيها يهدرون حياتنا بذريعة الدفاع عن الوطن والديموقراطية والحرية والدين، وقضايا أخرى مثل محاربة التطرف والإرهاب المصنَّع لأغراض وظيفية. وجميعها قضايا تفضح حرب المصالح وتناقضات السياسة الدولية. ويكشف عن ذلك تحويل سوريا إلى مسرح لحروب الغير. وهؤلاء، يسهمون بأشكال وتسويات مختلفة في إعادة إنتاج نظام إقليمي جديد. فالصراع في إطاره العامّ في سوريا وباقي دول الإقليم، يهدف إلى إعادة ضبط العلاقات الإقليمية بعجلة نظام عالمي آخر أكثر قهراً، أي إننا نقف على عتبة تحولات دولية جديدة تميل إلى إعادة إنتاج التناقض والتعدد الاستقطابي على المستوى الدولي. ويبدو أن تحقيق ذلك سيكون في سياق تدمير بلداننا وتحطيم الكيانات الهيكلية للدول القائمة، وأيضاً تمكين تفتيت شعوبنا، وانقسامها على ذاتها.
وإذا سلَّمنا أنه لن يكون للرأسمالية من بديل في المدى المنظور، فهذا يعني أننا أمام كباش رأسمالي هدفه إعادة تقاسم مناطق النفوذ. فروسيا الآن ليست روسيا البلشفية، مع ذلك لن تقبل بانفراد واشنطن في الشرق الأوسط. ولذلك أسباب تاريخية وسياسية وأخرى اقتصادية. وعليه فإنها، ومن يصطف معها في سوريا، يواجهون واشنطن ومن يدور في فلكها. في المقابل فإن واشنطن لن تسمح بالهيمنة الروسية على سوريا ومحيطها الإقليمي. وكلتاهما تتصارعان في سوريا وعليها لإعادة توضيب التموضعات الجيوسياسية الإقليمية في سياق ينبئ بنشوء ما يشبه الحرب الباردة، بأشكال وتحالفات مختلفة. ويصبّ في السياق ذاته انقسام أطراف الصراع السوري على محوري الصراع العالمي، ما يدل على عدم إمكانية حسم الصراع عسكرياً. وذلك يعني بالضبط أننا سنبقى ضحية حرب المواقع، وأيضاً ضحية جولات أخرى من الصراع، أكثر دموية وأشد تدميراً. لكن الأكثر خطورة يتمثل في اتساع دائرة الصراع ومشاركة دول أخرى ما زالت حتى اللحظة تشارك بأشكال غير مباشرة.
هذا فيما يتأكد أنّ أطراف الصراع الرئيسة، وخاصّة الروس والأميركيين، يعملون على إدارة الصراع واستثماره. ولذلك علاقة باستمرار الخلافات والتناقضات على الأهداف والأولويات والمصالح الحيوية والاستراتيجية في سوريا وباقي دول الإقليم، ومناطق أخرى في المحيط الروسي كأوكرانيا ودول آسيا الوسطى. ما يعني إمكانية تفاقم حدة الصراع واتساع دوائره، تحديداً بعد توقف المسار الدبلوماسي واختيار الروس التصعيد العسكري، وما قابله مؤخراً من تصعيد سياسي وآخر غير دبلوماسي بقيادة دول أوروبية إضافة إلى واشنطن ودول أخرى إقليمية. أما خيار المفاوضات والتسويات السياسية، فإن العودة إليه تكتنفه صعوبات وإشكاليات متعددة. لكنه سيبقى مرتبطاً بتناقض المصالح الدولية وتحديداً السياسية، والأوضاع الميدانية الناجمة عن ذلك. وإذا تم التوافق على فدرلة سوريا أو تقسيمها إلى كيانات طائفية وعرقية، وكذلك العراق، فإن «إسرائيل» ستكون من أكثر المستفيدين من المنطق الجديد هذا في مأسسة الهويات الفرعية في المشرق.
وإذا كان للسوريين من دور في تجاوز أزمتهم بداية الصراع، فإن ذلك لم يعد متاحاً. ما يعني أنّ دماءنا المهدورة ستبقى تصبّ في طواحين الغرب الرأسمالي. ويؤكد ذلك تحوّل النظام و«قوى الثورة السورية» إضافة إلى أطراف أخرى مقاتلة، إلى مجرد أدوات وظيفية في صراع دولي أسهم أطرافه بأشكال مختلفة ومتعددة في تحويل سوريا إلى بؤر للتطرف الأصيل والمعولم.