مصر بعد ثورتين : الارهاب والكباب


هشام حتاته
الحوار المتمدن - العدد: 5307 - 2016 / 10 / 7 - 12:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الكاتب الحقيقى هو من يقرأ التاريخ جيدا ليستشرف منه آفاق المستقبل ، ومن اهم هؤلاء الكتاب هو الكاتب السينمائى والسيناريست وحيد حامد
وجدناه فى فيلم الارهاب والكباب يقدم ماساه المواطن المصرى الذى يطمح الى التغيير ولكنه لايعرف اى من آليات هذا التغيير ، فرأينا عادل ودون ان يدرى يجد نفسه بعد خناقة بسيطة ارهابى ويستولى على مجمع التحرير ـ ويحضر وزير الداخليه ويسأل عن مطالب المختطفين ـ ويسألهم عادل امام : ماذا تريدون ؟
فنجد من تريد دواء لاولادها ومن تريد نقل ابنها من المدرسة ، وفى النهاية اتفقوا جميعا على مطلب واحد : عايزن كباب
وفى عده دقائق اتحدوا جميعا ( الخاطفين والمخطوفين ) فى غناء سيمفونى ( الكباب .. الكباب يانخلى عيشتكوا هباب ) وفى النهاية يتعاطف المخطوفين مع الخاطف ويخرجوا من الجميع وهو معهم وفى حمايتهم
هذا ماحدث فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011
سبق لى وان كتبت ثلاثة مقالات بعنوان ( ثلاثية الثورة المصرية : امريكا – الاخوان – العسكرى ) فى شهر اغسطس عام 2012 عندما كان الاخوان على راس الحكم فى مصر ، خلصت فيها ان صانع القرار الامريكى توصل الى نتيجه مفادها ان التغيير لابد ان يكون من الداخل ، وان تكون الديمقراطية ذات مرجعية اسلامية ، وان الهدف الامريكى التقى مع تطلعات جماعة الاخوان المسلمين الى الحكم والذين قدموا انفسهم كجماعة اسلامية وسطية تؤمن بالديمقراطية وتداول السلطة ، وقلت ان الثورة لم تكن فى بدايتها ضد حسنى مبارك ، ولكنها كانت ثورة على انتهاكات جهاز الشرطه وايقونتها ( خالد سعيد ) ولكنها تطورت فيما بعد الى ثورة شعبية انضمت لها الجماهير لاسباب عديدة وضحتها فى هذه الدراسة المختصرة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=320692
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=321221
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=321978
ولكن مربط الفرس هنا هو نفس ماحدث فى فيلم الارهاب والكباب ، فالجماهير التى خرجت لم تكن لديها اى فكرة عن التغيير الذى ينشدونه ـ فكانت عبارات انشائية ( عيش ، حريه ، عداله اجتماعية ) مما مهد الطريق للاخوان المسلمين للوصول الى السلطه على اساس ان التغيير لن يتم الا بتنبى المشروع الاسلامى والخلافة الاسلامية تحت مزاعم العصر الذهبى للاسلام ، وسارت وراءه الجماهير
الا ان المجلس العسكرى اجبرته جماعه الاخوان على تحديد ميعاد محدد ونهائى لتسلم السلطة وروجت شعار ( لا لحكم العسكر ) وكان لمظاهرات محمد محمود الحاشدة اثرها فى اجبار المجلس العسكرى على اعلان موعد نهائى لتسليم السلطة لرئيس منتخب ، وكانوا يعرفون ان الثمرة ناضجه للوقوع بين ايديهم
وتسلم الاخوان السلطة رغم ماتؤكده بعض المصادر من فوز الفريق شفيق بعدد كبير من الاصوات ، واذا كان الجيش المصرى ممكن ان يتقبل بصعوبة رئيس مدنى من خارج المؤسسة العسكرية الا انه يرفض بالقطع تسليم السلطة فى مصر لاصحاب اللحى والعمائم ـ فبدا الاعلام الموالى للمجلس العسكرى والذى يراه افضل من اصحاب العمائم فى عزف سيمفونية ( الاخونه ) اخونه مفاصل الدولة لصالح جماعه الاخوان مما اثار حفيظة العديد من المصريين الواقفين على الحياد
وفى لقاء صحفى مع احدى الصحف سألونى : مارايك فى ثورة 30/6 فقلت ان المحرك الرئيسى لهذه الثورة هو المخزون الحضارى للشعب المصرى الذى رفض ( الاتونه ) التى فرضها عليه اخناتون لعبادة إلهه الاوحد (آتون ) ونفى التعديية الدينية التى عاش عليها المصريين لاكثر من الف عام فقد رفض ( الاخونه ) فى عهد الاخوان المسلمين
فالشعب المصرى الذى استعاض عن آلهه الاقاليم والمدن بالقديسين فى العصر الممسيحى ـ فقد فعلها ايضا مع العصر الاسلامى ومازالت حتى اليوم متمثلة فى اولياء الله الصالحين وآل البيت ـ فالمصرى يؤمن بالتعددية الدينية تحت إله واحد للدولة المركزية ويرفض ان تفرض عليه صورة واحده للدين ، رفضها ايام اخناتون ورفضها ايام الاخوان – وكانت هذه المقارنه هى التى جعلتنى اتنبأ بزوال حكم الاخوان فى وقت لزم الجميع الصمت وجلسوا يلعنوا الزمن والظروف ـ واحد الزملاء من كتاب هذا الموقع سخر مما كتبته وقتها
وانتهى عصر الاخوان وجاء السيسى من داخل المؤسسة العسكرية
الرجل كان صريحا ... مصر فى ازمه بعد ثلاثة سنوات من الفوضى التى اعقبت الثوره
رصيد البنك المركزى انخفض من اكثر من ثلاثين مليار دولار الى مادون الخمسة مليار دولار
توقف السياحه كمصدر رئيسى للعمله الصعبه فى مصر
المصانع متوقفة
جهاز الشرطة منهار ماديا ونفسيا و التكلفة المالية لعودته و تسليحة باسلحة احدث من ذى قبل لمواجهه عمليات الارهاب وزادة رواتبهم تعويضا لهم عن المخاطر والجهد المبذول فى مقاومة الارهاب تكلفة باهظة

مكافحة الارهاب فى سيناء تحتاج الى اسلحة وذخائرومستلزمات تحرك الجيوش على الارض من وقود وخلافه
تكلفة قيام القوات المسلحة بحمايه العمليات الانتخابيه المتعاقبة ، والاستفتاء على الدستور مرتين وحماية ممتلكات الدولة
تعيين اكثر من مليون مواطن فى جهاز الدولة المتخم اصلا سواء فى عهد مرسى او عهد المستشار عدلى منصور كنوع من الترضية للجماهير الثائرة
رفع الحد الادنى للرواتب الى 1200 جنيه شهريا ممازاد ببند الاجور من 90 مليار جنيه الى 225 مليار
فاتورة الدعم لايمكن ان تستمر فى ظل الاوضاع المتردية
كل هذا لم يحسب له الشعب اى حساب ، لدينا فى الريف المصرى مثل يقول ( كل عتبه جديده لها رزق جديد ) وهذا ماحدث للمصريين ، كل آماله تغيير الحاكم ربما ياتى الافضل دون ان يكون لدية اى فكرة عن اى آليه من آليات التغيير
ولهذا نجد انفسنا بعد ثورتين فى وضع صعب بل ان الاحتقان تزايد بعد البدء فى رفع بعض الدعم عن اسعار الوقود والكهرباء والغاز والمياه
كان رفع الدعم ضرورة ملحة منذ ان فعلها السادات وقامت على اثراها ماسمى بثورة 17 و 18 ينير عام 1977 والتى ظلت تداعياتها مستمرة طوال عهدة وطوال عهد مبارك ثم الاخوان وعدلى منصورحتى وصلت تكلفة الدعم الى مايقارب نصف ميزانية الدولة حتى جاء السيسى
لانريد ان نعرف ان الثورة يعقبها الفوضى ، والفوضى يعقبها تاثر الحالة الاقتصادية للدولة ، وغالبية الشعب لاتعرف حتى الان ماهى آليات الغيير لان كل امانينا كانت عباره عن ( أكلة كباب )
ولاول مرة نرى السبيكة المتماسكه للشعب المصرى فى حالة ذوبان ـ الثوريين من الشباب والاخوان والماركسين والعروبيين والاقباط والعلمانيين والعمال والفلاحين ، الكل يرى ان التغيير لابد وان يكون من وجهه نظره هو فقط ولا اى اعتبار للآخرين كأن كل منهم يعتقد يحمل الحقيقة المطلقة ، حتى ان شعبية السيسى آخذه فى التدنى
واصبح الفيس بوك متنفسا للذين عانوا من القهر السلطوى فرءوا فيه تعويض نفسى متمثلا فى انتقاد الدولة وهم جالسين وراء الشاشات
ومتنفسا للذين يعانون من غلاء الاسعار
ومتنفسا لكل ماذكرناهم ممن يعتقدوا انهم يحملون الحقيقة المطلقة
نظرة واحده على الفيس بوك ترى جميع تناقضات المصريين ، والاخوا يستغلون مهارتهم فى تسويق الشائعات ضد الدولة المصرية ويتناقلها المغيبون على انها حرية رأى واثبات وجود ( فانا اعارض .. اذن انا موجود )
مصر فى ازمة حقيقية حتى من ابنائها المخلصين
ثورة بلا فكر هى ثورة بلاعقل
وهذا سيكون موضوع كتابى القادم بعنوان ( الجيتو الاسلامى والخروج الى النهار ) لرصد الحالة المصرية وتحليل اسبابها ثم وصفة الخروج الى النهار ، سيشترك معى فيه استاذ علم اجتماع واستاذ علم نفس فى الجامعات المصرية
والى اللقاء فى مقال آخر