التغيير لن يأتي الا عن طريق المقاطعة الجماهيرية الحاسمة لانتخابات 7 أكتوبر !!!


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 5306 - 2016 / 10 / 6 - 21:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يوم الجمعة 07 أكتوبر 2016 هو موعد "مسرحية الانتخابات التشريعية" التي تنظم دوريا كل خمس سنوات لاختيار 395 نائبا برلمانيا في مجلس النواب 305 منهم ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحدثة و90 منهم ينتخبون على الصعيد الوطني. ورغم بعض ملامح التشابه في اللعبة الديموقراطية البرجوازية بين ما يحدث في المغرب وما يحدث في البلدان الأوروبية، الا أن الفارق كبير سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون.

فعلى مستوى الشكل تتحكم وزارة الداخلية المغربية في العملية الانتخابية، والفارق بين وزارة الداخلية المغربية ووزارات الداخلية في البلدان الأوروبية هو فرق شاسع، فبينما تخضع هذه الأخيرة في البلدان الأوروبية الى رئيس الحكومة الا ان وزارة الداخلية في المغرب تخضع لسلطة القصر، وحيث تصبح العملية الانتخابية في الواقع خاضعة الى إرادة القصر وتتجاوز إرادة الأحزاب السياسية.

على مستوى المضمون تتبارى الأحزاب السياسية على نفس البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي توهم من خلالها الطبقات الشعبية المسحوقة بإمكانية الحزب عند نجاحه في الانتخابات بالمرتبة الأولى ودخوله الى الحكومة، العمل على تغيير حياتهم اليومية رأسا على عقب نحو الاحسن فيقدم عدة اقتراحات وأرقام على شكل وعد رقمية بإمكانية تحقيقها مدة الانتداب البرلماني خلال الخمس سنوات اللاحقة للانتخابات. لكن الواقع والتجربة التاريخية لمدة ستين سنة في الانتخابات العشرة المنظمة تؤكد أن تلك الوعود الرقمية وتلك المضامين لا تتحقق بل تضل حبرا على ورق بل مجرد وعود تنسانها الجماهير بعد مرور خمس سنوات لكي يتم إعادة صياغة وعود جديدة، كما أن الأغلبية البرلمانية التي تنبثق عنها الحكومة فتتوفر على هامش ضيق لإنجاز بعض البرامج المحدودة ذات الطابع الشكلي وهي البرامج التي يستفيد منها الوزراء وأحزابهم في خدمة مصالح الحزب المادية والمعنوية. أما العمل الرئيسي التي تقوم به الأحزاب سواء في الأغلبية أو المعارضة وبدعم من المركزيات النقابية وتحت مراقبة واشراف الكومبرادور والتي على أساس هذا العمل يتم دعم سيرورة وصولها الى البرلمان أو الحكومة فهو تمرير املاءات الرأسمال المالي الدولي والاحتكارات العالمية اما بشكل مباشر أو عبر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية.

إن النظام الامبريالي الجديد والذي تطور عبر عدة مراحل أصبح منذ سنة 1991 أي عقب انهيار سور برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي كقوة امبرالية اجتماعية يقوم على التعددية القطبية بدلا من الثنائية القطبية عندما كان العالم منقسما الى معسكرين. فالاستقرار النسبي الذي كان سائدا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي ترك المكان للفوضى وتعدد استراتيجيات الامبرياليات عبر تكتلات بعضها قديم والآخر جديد. فمجوعتي البريكس والميست بالإضافة الى بعض القوى البترولية في الشرق الأوسط كاعربية السعودية وقطر والامارات العربية المتحدة أصبحت تلجأ الى تصدير رؤوس الأموال ومن خلال ذلك تحاول توسيع نفودها السياسي والاقتصادي لذلك بدأت تظهر كقوى امبريالية صاعدة حتى وان كانت لا تزال تخضع لنفوذ الامبرياليات التقليدية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. في ظل هذا الوضع الدولي الجديد المتسم بالتعددية القطبية والفوضى وعدم الاستقرار، تسارع الامبرياليات الى بمختلف الوسائل الأيديولوجية والاقتصادية والعسكرية الى السيطرة على البلدان التي كانت تخضع في السابق الى المعسكر الشرقي أو كانت متحالفة معها خصوصا تلك الدول ذات المواقع الاستراتيجية مثل أفغانستان والعراق وسوريا ... كما تسارع الى إعادة توزيع مناطق نفوذ هذه الامبرياليات في دول الجنوب بامريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا، وفي تسارعها هذا ينشب الصراع بين الشركات متعددة الاستيكان التابعة لهذه الامبريالية أو تلك مثل الصراع القوي الذي يحدث في افريقيا خاصة بين الشركات الصينية وشركات الامبرياليات الغربية.

إذن فقد تزايد معدل تدخل الامبرياليات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لدول الجنوب ومن خلال هذا التدخل تحدث الحروب والفوضى ويصيب الساكنة بعدم الاستقرار فعدد اللاجئين في العالم بلغ سنة 2016 60 مليون نسمة منها 40 مليون خارج بلد الإقامة الاعتيادية و20 مليون داخل نفس البلد. فعدم الاستقرار الاجتماعي الكبير هو نتيجة هذا الصراع بين الامبرياليات داخل كل بلد على حدة. وفي هذا الاطار تعمقت تبعية المغرب للسياسات المتضاربة للقوى الامبريالية القديمة والجديدة فخضوع السياسات الاقتصادية والاجتماعية للمغرب الى املاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يجعل العملية الانتخابية التشريعية في المغرب تحت اشراف ومراقبة الكومبرادور شكلية محضة يتم خلالها اختيار الأحزاب التي ستخضع لمصالح رأس المال المالي العالمي، وتتداخل الهيمنة الاقتصادية الخارجية مع الهيمنة السياسية والأيديولوجية الأجنبية فعلى سبيل المثال نجد أن نفوذ العربية السعودية وخطها الديني الوهابي قويا في المغرب فالعربية السعودية تمارس توسيع نفوذها السياسي عبر قروضها واعاناتها المالية وأيضا عبر دعم التيارات الدينية والإسلام السياسي كما هو الشأن بالنسبة لدعم حزب العدالة التنمية الذي يلعب على الواجهتين فهو يلبي املاءات المؤسسات المالية الدولية بحدافرها حتى وان كانت تتسبب في افقار شعبي لا مثيل له كما يحاول نشر النفوذ الديني والأيديولوجية الدينية عبر تحالفه ودعم العربية السعودية والاخوان المسلمين عالميا.

فالوضع السياسي المغربي المحكوم بواسطة دستور يغيب فيه الفصل بين السلطات وتتركز فيه السلطة في يد الملك وتمارس فيه وزارة الداخلية وظيفة فرز النخب الحزبية والنقابية التي ستخدم مصالح التحالف الطبقي الحاكم وأيضا مصالح الاحتكارات الدولية، يعتبر وضعا لا يسمح بلعبة انتخابوية سليمة بل أن كل مشاركة في الانتخابات الدورية هي مشاركة من موقع الكومبارس الذي يزكي النظام ويحاول منحه الطابع الديموقراطي بينما هو حكم فردي استبدادي لا مجال فيه للاختيارات الشعبية.

لقد فهم المغاربة هذه المعادلة التي لا خير فيها في المشاركة في الانتخابات والتي اصبح يقاطعها اليوم أزيد من 70 في المائة، فما الغاية من هذه المقاطعة؟ والى أي طريق تؤدي؟

الجواب سهل وهو على كل لسان، فالجماهير الشعبية المغربية بمقاطعتها الواسعة لمسرحية الانتخابات انما تساهم في توسيع قاعدة الجماهير الغاضبة من هذا النظام والتواقة للتحرر والحرية والديموقراطية الشعبية شكلا ومضمونا. فسيرورة مقاطعة الانتخابات التشريعية الدورية تتقدم من انتخابات الى أخرى في عملية تراكمية وهذا التراكم من شأنه ان يؤدي الى تغير نوعي للنظام القائم أمام ضغط الأغلبية الجماهيرية الحاسمة الغاضبة وهي مرحلة سياسية أصبحت في حكم المؤكد نظرا لطول انتظار الجماهير الشعبية المسحوقة الجائعة والمشردة والتي لا تملك أي معبر سياسي يمثلها فيما بين هذه الكائنات الحزبية والنقابية الانتهازية اللهم عاملاتها وعمالها وشبابها الثوري المحترف.

التغيير اذن لن يتأتى عبر صناديق الاقتراع والمشاركة في مهزلة تصويت يوم 7 أكتوبر 2016 بل عبر المقاطعة الجماهيرية العارمة، التي ستشكل قوة مادية حقيقية باستطاعها بلوغ التغيير الحقيقي المنشود. ومن هنا نفهم القمع الذي تمارسه السلطات والتحالف الطبقي الحاكم على المقاطعين، فالمقاطعة ترفع مستوى الوعي الطبقي وتدعوا الى خوض صراع طبقي مرير بين المسحوقين من الطبقة العاملة وحلفائها والتحالف الطبقي الحاكم وقواها البرجوازية الصغرى داخل الأحزاب والمركزيات النقابية.