مؤلف ومصادر القرآن 2


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5303 - 2016 / 10 / 3 - 12:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هذا المقال من سلسلة "مؤلف ومصادر القرآن" يتكلم عن الهوية الثقافية لمؤلف القرآن
يعتمد أساسا على مقدمة طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي المتوفرة مجانا من موقعي http://goo.gl/OOyQRD وورقيا من امازون https://goo.gl/nKsJT4).
ولا يسمح نظام موقع الحوار المتمدن بوضع هوامش، ولذلك من تهمه مراجعي يمكنه الرجوع لتلك الطبعة.
ومن يهمه الأمر يمكنه الإستماع لحلقتي عن هذا المضوع في قناة جسور يوم السبت 8 اكتوبر 2016 الساعة السادسة مساء بتوقيت القاهرة، الساعة 12 ظهرا بتوقيت نيويورك.
https://www.youtube.com/channel/UCBNdb6NVXLf9zUUqhAxfl4w
.
منع قراءة مصادر القرآن
----------------
جاء في فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز
أن العلماء العارفين بالشريعة المحمدية قد يحتاجون إلى الاطلاع على التوراة أو الإنجيل أو الزبور لقصد إسلامي، كالرد على أعداء الله، ولبيان فضل القرآن وما فيه من الحق والهدى، أما العامة وأشباه العامة فليس لهم شيء من هذا، بل متى وُجد عندهم شيء من التوراة أو الإنجيل أو الزبور، فالواجب دفنها في محل طيب أو إحراقها حتى لا يضل بها أحد.
ويذكر ابن باز أن محمد رأى في يد عمر شيئًا من التوراة فغضب، وقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ لقد جئتُكم بها بيضاء نقيةً، لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا إتباعي»
.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين «ما حكم قراءة الكتب السماوية مع علمنا بتحريفها؟» فأجاب:
أولًا يجب أن نعلم أنه ليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد لله بقراءته وليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد الإنسان لله تعالى بما شرع فيه إلا كتابًا واحدًا وهو القرآن. ولا يحل لأحدٍ أن يطالع في كتب الإنجيل ولا في كتب التوراة. وقد روي عن النبي [...] رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة فغضب وقال أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب؟ والحديث وإن كان في صحته نظر لكن الصحيح أنه لا اهتداء إلا بالقرآن. ثم هذه الكتب التي بأيدي النصارى الآن أو بأيدي اليهود هل هي المنزلة من السماء؟ إنهم قد حرفوا وبدلوا وغيروا فلا يوثق بأن ما في أيديهم هي الكتب التي نزلها الله عز وجل. ثم إن جميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن فلا حاجة لها إطلاقًا. نعم لو فرض أن هناك طالب علم ذا غيرةٍ في دينه وبصيرةٍ في علمه طالع كتب اليهود والنصارى من أجل أن يرد عليهم منها فهذا لا بأس أن يطالعها لهذه المصلحة، وأما عامة الناس فلا. وأرى من الواجب على كل من رأى من هذه الكتب شيئًا أن يحرقه.
.
وقد اشار محمد حميد الله في ترجمته الفرنسية للقرآن التي صدرت في باريس إلى بعض أوجه الشبه بين نصوص القرآن والنصوص اليهودية.
وعندما نشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ترجمة حميد الله قام بحذف كل إشارة إلى الكتب اليهودية والمسيحية.
وقد توسعت Denise Masson في هوامش ترجمتها الفرنسية في ذكر المصادر اليهودية والمسيحية التي اعتمد عليها القرآن
وعندما تم نشر ترجمتها الفرنسية في بيروت بإشراف الدكتور صبحي الصالح مع إذن الأزهر قام بحذف كل إشارة إلى تلك المصادر.
.
وقد تكون طبعتي العربية للقرآن وترجماتي اكثر الطبعات التي تحيل إلى مصادر القرآن. وبما أن المسلمين لا يحق لهم الرجوع للكتب المقدسة الأخرى، وضعت النصوص حرفيا على قدر الإمكان في هوامش الطبعة العربية.
وواضح ان منع قراءة مصادر القرآن هو لإبقاء المسلمين في الجهل. وأنت لا تجد في أي مكتبة مدرسية عامة عربية واسلامية الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية. والجهل أسهل الطرق للسيطرة على الناس وأسهل الطرق للتفريق بينهم وخلق نزاعات طائفية. ويقول المثل الروماني فرق تسد Divide et impera. ونحن هدفنا هنا هو: ثقف توحد. فالإنسان عدو ما يجهل.
.
القرآن يعتمد على المصادر الثانوية
----------------------
يقوله القرآن في آيات عدة بأنه جاء مصدقًا بما في التوراة (انظر مثلًا الآية 89-3: 50). ولكن في الحقيقة جاء مصدقًا لما في الكتب المنتحلة والقصص «الهاجادية» غير القانونية التي وردت في التلمود وغيره. وقد يكون سبب اتهام القرآن اليهود والمسيحيين بتحريف التوراة والإنجيل هو عدم التطابق بينهما وبين ما جاء في القرآن (أنظر الآيات 87-2: 75 و79 و174 و89-3: 199 و92-4: 46 و112-5: 13 و41 و44). وقد اثبت في هوامش طبعتي العربية اختلاف القرآن مع نص العهد القديم والعهد الجديد واتفاقه مع الكتب اليهودية والمسيحية المنتحلة وكتب أخرى حيكت حول أحكام وشخصيات وأحداث وأساطير نجدها في العهدين القديم والجديد.
.
فعلى سبيل المثال، يتكلم القرآن عن صحف إبراهيم وموسى (انظر خاصة الآية 8-87: 19) ولكن ليس هناك ذكر لمثل تلك الصحف في العهد القديم، بينما نجد كتبًا يهودية منتحلة تنسب إلى إبراهيم وموسى.
.
كما أنه يتكلم عن معجزة نفخ المسيح في طير صنعه من الطين فأصبح طيرًا حيًا (انظر الآية 89-3: 49 والآية 112-5: 110)، وهذه المعجزة لا ذكر لها في العهد الجديد بينما تذكرها كتب مسيحية منتحلة. وسوف نعود إلى ذلك في مقالات لاحقة.
.
ويلاحظ هنا ان «عيسى» لم يذكر في القرآن إلا بداية من السورة 44-19: 34، ثم في السورة 55-6: 85، ثم في السورة 62-42: 13، ثم في السورة 63-43: 63، ثم في السورة 87-2: 87. مما يعني ان عيسى لم يذكر إلا أربع مرات في قرآن مكة. وأما «المسيح» فلم يذكر إلا بداية من السورة 89-3: 45. مما يعني سيطرة التأثير اليهودي على القرآن المكي، إن صح ترتيب القرآن المكي والمدني.
.
كما يلاحظ أن أول استعمال لكلمة «القرآن» في الآية 3-73: 4، ولم يكن قد نزل منه إلا بعض الآيات. ثم جاء ذكر القرآن في الآية 34-50: 1. وقد يكون القرآن في الآية الأولى إشارة إلى التوراة التي كان محمد ينقل مضمونها لمستمعيه، أو كتاب آخر لم يصلنا. ونفس المشكلة تعترضنا في الآية 54-15: 9 «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ». الفعل «نَزَّلْنَا» في صيغة الماضي. فعن أي ذكر يتكلم مع العلم انه لم يكن قد نزل من القرآن إلا قرابة ثلثه وفقًا للتسلسل التاريخي.
.
القرآن يختزل قصص اليهود
------------------
يلجأ القرآن كثيرًا إلى الاقتضاب في سرده للروايات اليهودية والمسيحية، يأخذ بعضًا منها ويترك الباقي. وقد يكون سبب هذا الانتقاء تجنيد القرآن للنصوص التي يعتمد عليها لصالح ما يريد أن يثبته. وقد ذكرنا على سبيل المثال كيف تم اختزال رواية يوسف (أنظر هوامش الآيات 53-12: 5 و12 و25) والنبي يونس - يونان (أنظر هامش الآية 2-68: 48) والنبي إلياس - أيليا (أنظر هامش الآية 56-37: 123) والنبي يحيى - يوحنا (أنظر هامش الآية 44-19: 2).
.
وقد تغاضى تمامًا عن ذكر تفاصيل كثيرة في قصة موسى مثل موت ابكار المصريين وبهائمهم وطلاء العتبة بالدم وقصة خبز الفطير كما جاءت في الفصلين 11 و12 من سفر الخروج. كما أن القرآن تغاضى عن أخطاء الأنبياء ويمر عليها مرورًا سريعًا كما هو الأمر مع داؤود فيما يخص سطوه على زوجة اوريا (أنظر هامش الآية 38-38: 21).
.
وبدلًا من اتهام هارون بصنع العجل الذي عبده اليهود، نسب ذلك إلى السامري (أنظر هامش الآية 39-7: 148).
.
ويكتفي القرآن في بعض آياته بذكر اسم شخصيات دون إعطاء أية تفاصيل مثل النبي أليسع - اليشاع والنبي ذي الكفل (أنظر هامش الآية 38-38: 48). والسؤال المطروح هو: هل مؤلف القرآن كان يوجه كلامه عن هؤلاء الأشخاص إلى افراد يفترض أنهم يعرفون رواياتهم فلم يكن هناك حاجة للدخول في التفاصيل؟ إن كان الجواب إيجابًا، فهذا يعني انهم كانوا ينتمون إلى مجموعة على معرفة بالثقافة اليهودية المسيحية (التي يسميها النصرانية). فمن غير المعقول أن يكون العرب الأميون من غير اليهود مطلعين على تلك الروايات. والمفسرون المسلمون أنفسهم لجأوا إلى الأساطير اليهودية لفهم القرآن. وكلمة القرآن ذاتها مأخوذة من السريانية قريانه، وتشير إلى القراءات التي تتم في الشعائر الدينية. وهناك حديث يقول بأن النبي محمد ذاته قرأ كلمة قرآن دون المدة (أو الهمزة قبل الألف)، مما يقربها من الكلمة السريانية قريانه.
.
تكرار القصص في القرآن
----------------
يكرر القرآن روايات يهودية ومسيحية كثيرة كما سبق وذكرنا، ولكن مع اختلافات بينها. فعلى سبيل المثال يُلاحظ أن الله قد استعمل عبارة مختلفة في تعريف موسى بنفسه من وسط النار. ففي الآية 48-27: 9 يقول عن نفسه «أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». وفي الآية 49-28: 30 يقول عن نفسه «أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (أنظر هامش الآية 45-20: 14). وفي رواية قوم لوط يقول القرآن ان الله أنزل عليهم حَاصِبًا (37-54: 34)؛ مطرًا (39-7: 84)؛ مطر السوء (42-25: 40)؛ حجارة من سجيل منضود (52-11: 82)؛ حجارة من سجيل (54-15: 74)؛ رجزًا من السماء (85-29: 34) (أنظر هامش الآية 37-54: 34). هناك إذن تناقض داخل الروايات المختلفة.
.
وتكرار القصص في القرآن يوحي بوجود عدة مخطوطات للقرآن تم خلطها معا. وسوف نتكلم عن هذه الظاهرة في مقالات لاحقة, وإذا حدفنا المكررات في القرآن سيتم حذف ثلث القرآن على الأقل فنوفر الورق ووقت القارئ في لغو لا فائدة منه.
.
القرآن يخلط بين الروايات
-----------------
يخلط القرآن بين بعض الروايات اليهودية والمسيحية. ولا يُعْرَف بالضبط سبب هذا الخلط.
.
فمثلًا تذكر الآية 39-7: 160 «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا». وهذه الفقرة تخلط بين روايتين مختلفتين من سفر الخروج (انظر هامش هذه الآية).
.
وتذكر الآية 49-28: 23 عن موسى: «وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ». وهذه الآية هي خليط بين تفاصيل روايتين واحدة تخص موسى والأخرى تخص يعقوب (انظر هامش هذه الآية).
.
وتقول الآية 49-28: 38 «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ». ولا علاقة بين قصة موسى ورواية بناء الصرح التي قد تكون مأخوذة من بناء برج بابل (أنظر هامش هذه الآية)، كما لا علاقة بين هامان وموسى (أنظر هامش الآية 49-28: 6) حيث أن هامان حسبما تورده التوراة في سفر إستير كان وزير أحشوريش الفارسي.
.
وهناك جدل واسع حول مريم (أم المسيح) التي يلقبها القرآن بأخت هارون (44-19: 28) وأن امها امرأة عمران (89-3: 35) حيث يظهر أن القرآن يخلط بين مريم أم المسيح ومريم أخت موسى وهارون ووالدهما عمران (انظر هامش الآية 44-19: 28).
.
مؤلف القرآن ذو ثقافة يهودية واسعة
-----------------------
الوصول للمراجع اليهودية والمسيحية لم يكن متوفرًا للجميع بل كان مقتصرًا عامة على أتباع ملة هذه الكتب. وإذا أخذنا بالحسبان كل المراجع التي نُقِل عنها القرآن يمكن القول بأن مؤلفه كان ذا ثقافة دينية يهودية واسعة. وقد يكون عالمًا يهوديًا ممن ينتمون إلى فرقة الأبيونيين (الفقراء) ويطلق عليهم أيضًا لقب «النصارى» والذي يثور جدل حول معناه.
.
فإن كانت صفة انتماء للناصرة، فكان من المفروض أن نقول ناصريين وليس نصارى. وهذه الكلمة الأخيرة قد تعني في حقيقتها ليس من هو من الناصرة، بل النذيرين (وتلفظ بحرف الزين)، أي المكرسين لله الذين يخضعون لأحكام خاصة كما ذكروا في الفصل السادس من سفر العدد. فهم طوال مدة نذرهم يمتنعون عن الخمر والمسكر، ولا تمر الموسى برأس أحدهم، ولا يدخلون على جثة ميت. ومن بين المنذرين شمشون (سفر القضاة 13: 5-7) ويوحنا المعمدان (لوقا 1: 15). وقد عرف المجتمع اليهودي طائفة النصارى (أو النذارى، وتلفظ بحرف الزين) قبل ميلاد المسيح، واعتبروا هراطقة من قِبَل اليهود ويجب الدعاء عليهم، وهناك رأي باحتمالية أن يكونوا متفرعين عن الأسينيين والمندنائيين. وفي الإنجيل نجد تعبير «يسوع الناصري» عند متى 2: 23 و26: 71 ومرقس 1: 24 و10: 47 و14: 67 و16: 6 ولوقا 4: 34 و18: 37 و24: 19 ويوحنا 18: 5 و18: 7 و19: 19 والأعمال 2: 22 و3: 6 و4: 10 و6: 14 و22: 8 و24: 5 و26: 9.
.
ونجد لقب مسيحي في الأعمال 11: 26 و26: 28 وبطرس الأولى 4: 16. ورغم أن اسم الناصرة تم ذكره في الإنجيل (متى 2: 23 و21: 11؛ مرقس 1: 9؛ لوقا 1: 26 و2: 4 و39 و51؛ يوحنا 1: 45-46؛ الأعمال 10: 37)، فهناك من يرى أن مدينة الناصرة لم تكن موجودة في زمن المسيح. فلوقا 4: 29 يقول إن المدينة التي اراد اليهود أن يلقوه منها كانت على حرف الجبل، بينما الناصرة المعروفة اليوم هي في قعر واد محاط بتلال صغيرة. ونصوص الإنجيل لا تتكلم عن يسوع من الناصرة بل يسوع الناصري، باستثناء الأعمال 10: 37 في أقدم مخطوطة من القرن الرابع.
.
ويطلق تعبير النصارى عامة على أتباع يسوع من أصل يهودي، أما تعبير المسيحيون فيطلق على أتباع المسيح من أصل وثني. وبعض النصارى آمن بيسوع ولكن ليس بلاهوته ولا بصلبه، وحرم شرب الخمر. وقد يكون ورقة بن نوفل من قرابة محمد أو أن محمدًا كان أحد أتباعهم، ومن هنا جاءت كلمة نصارى في القرآن وليس ناصريون مع أن الكلمة مستخدمة منذ أيام المسيحية الأولى. والقرآن يكفر النصارى لأنهم يؤمنون أن المسيح ابن الله (113-9: 30)، وهو معتقد مسيحي نجران لا نصارى ورقة بن نوفل الذين عاش محمد معهم. مما يدل أن محمد في بدايات دعوته لم يكن على اضطلاع كافٍ على كافة المذاهب المسيحية وأنه قد جمعهم كلهم تحت نفس الاسم «نصارى»، وهذا يفسر سبب انقلاب محمد على النصارى بعد أن عرف ما تؤمن به المذاهب الأخرى من ألوهية المسيح.
.
فيمكن القول إن مؤلف القرآن كان يهوديًا متنصرًا، ولكن ليس من المستبعد أن يكون القرآن تراكم لقصص تم تجميعها خلال عدة قرون كما هو الحال مع ألف ليلة وليلة. وهذا التراكم واضح من خلال تكرار كثير من قصص القرآن واختلاف الأساليب. مما يعني أنه من تأليف عدة أشخاص مطلعين على اليهودية، علمًا بأن زيد بن ثابت كاتب الوحي والقائم على لجنة جمع القرآن في صورته الحالية كان يهوديًا وفقًا لشهادة ابن مسعوده. وتنقصنا حتى اليوم معلومات عن أقدم مخطوطة للقرآن تتفق مع القرآن الحالي المتفق عليه في السعودية ومصر على سبيل المثال في المضمون وتقسيم الآيات.
.
الإسرائيليات متفشية في القرآن وكتب التفسير وغيرها
---------------------------------
إن كان مؤلف القرآن قد استقى معلوماته من الكتابات اليهودية والمسيحية، فإن كتب تفسير القرآن وأسباب النزول والسنة والسيرة والتاريخ تعتمد أيضًا بصورة كبيرة على تلك الكتابات. وهو ما تنبه له كثير من الكتاب المسلمين قديمًا وحديثًا ويسمونه بالإسرائيليات، أي الآثار التي تُروى عن المصادر الإسرائيلية في كتب التراث الإسلامي، مع أن المصادر المسيحية قد تركت أيضًا بصماتها على تلك الكتب ولو بدرجة أقل. وقد طالب البعض بتنقية كتب التراث الإسلامي من الإسرائيليات، أو على الأقل أخذ الحذر منها.
.
يذكر محمد أبو شهبة المواقف المتباينة من هذه الإسرائيليات:
منهم من يرى الاستغناء عن كتب التفسير التي اشتملت على الموضوعات والإسرائيليات التي جنت على الإسلام والمسلمين وجرت عليهم كل هذه الطعون والهجمات من أعداء الإسلام، وذلك بإبادتها أو حرقها، حتى يحال بين الناس، وبين قراءتها، والاكتفاء بالكتب الخالية أو المقلة منها، وتأليف تفاسير أخرى خالية من هذه الشوائب والمناكير [...]. وهناك فريق آخر يرى أن نجمع ما طبع من هذه الكتب ونخفيها عن أعين الناس، ثم نعيد طبعها بعد تنقيتها من الإسرائيليات والموضوعات.
وبعد رفضه لهذين الاتجاهين يضيف:
لم يبقَ إلا الطريق الثالث: وهو رأي القائلين بالتنصيص على هذه الإسرائيليات والموضوعات وردها من جهة العقل والنقل وبيان أنها دخيلة على الإسلام، ومدسوسة على الرواية الإسلامية وبيان من أين دخلت عليه، وذلك بتأليف كتاب، أو كتب في هذا ونشرها نشرًا موسعًا، بحيث يستفيد منها كل مثقف، وكل متعلم، بل وكل من يحسن القراءة، وبذلك نقضي على ما في بعض كتب التفسير من شرور الإسرائيليات وسمومها التي أفسدت عقول كثير من الناس، ولا سيما العامة، وصاروا يتناقلونها على أن لها أصلًا في الرواية الإسلامية، وما هي منها في شيء.
.
وفيما يخص تأثير الكتب المسيحية، يضيف:
أن ما في كتب التفسير من المسيحيات أو من النصرانيات هو شيء قليل بالنسبة إلى ما فيها من الإسرائيليات، ولا يكاد يذكر بجانبها، وليس لها من الآثار السيئة ما للإسرائيليات؛ إذ معظمها في الأخلاق، والمواعظ، وتهذيب النفوس، وترقيق القلوب.
والغريب في الأمر أن موقف المسلمين هذا من الإسرائيليات في كتب التفسير والحديث لا يمتد إلى الإسرائيليات التي جاءت في القرآن ذاته. فلو فعلوا ذلك لكان اعترافًا منهم بأن القرآن ليس منزلًا من عند الله بل منقولًا عن مصادر بشرية. ولو تم تصفية كل ما أخذه مؤلف أو مؤلفو القرآن من الإسرائيليين والنصارى، لبقي القليل في هذا الكتاب، علمًا بأن فكرتي الوحي والنبوة ذاتهما إسرائيليتان أخذهما المسيحيون عن بني اسرائيل وامتدتا إلى القرآن وغيره من الكتب الإسلامية.
.
وإن أردنا أن نكون منصفين لقلنا إن الثقافة اليهودية والمسيحية والإسلامية مرتبطة بصورة وثيقة بالثقافات الدينية الشرقية التي سبقتها مثل الفرعونية والزردشتية والبابلية والأشورية والسومرية والمندنائية والمانوية، ناهيك عن المعتقدات والطقوس الوثنية التي كان يتبعها العرب قبل الإسلام، نذكر منها على سبيل المثال طقس الحج والطواف حول الكعبة. فلا بد من معرفة كل تلك الروافد الشرقية حتى نفهم القرآن حق فهمه، بعيدين عن الهواجس الدينية. وأهم تلك الهواجس فكرة أن الكتاب منزل من عند الله وأن الدين عند الله هو الإسلام، مما يعني أنه لا دخل للبشر في صياغته. فالمؤمن يتعامل مع التوراة والإنجيل والقرآن على أساس أنها كتب مقدسة منزلة. بينما يرى الباحث فيها مجرد كتب بشرية مكدسة (بمعنى أن كل دين يكدس أي يضع ويجمع المفاهيم والمعتقدات الخاصة به فوق ما يسبقها من معتقدات الأديان الأخرى ويبني نفسه). فيحكم الباحث ليس على ما يعتقد المؤمن من غيبيات، بل على ما يرى بأم عينيه. والباحث يحترم موقف المؤمن، لا بل يغبطه عليه لأنه لا يتعب العقل. ولكن في نفس الوقت على المؤمن أن يحترم موقف الباحث. وعلى هذا الأساس يمكن القول ان الإسلام هو خليط من المعتقدات التي سبقته، ويكاد لا يأتي بجديد من عنده، ومشكلته انه خلط بين الدين والدولة وميز بين الناس على أساس الدين كما ميز بين الرجل والمرأة وسن عقوبات تعتبر اليوم مخالفة لحقوق الإنسان وسن معاداة الفن وشرع ملك اليمين والرق. وبنسبة هذه النظم لله جعلها متحجرة في عقول أتباعه.
.
مراجعنا
------
ركزت في طبعتي العربية وترجماتي على المصادر اليهودية والمسيحية المباشرة للقرآن دون التعرض لما سبقها من المصادر إلا نادرًا، ودون استكشاف أثر تلك المصادر على السنة والكتب الإسلامية الأخرى وهي كثيرة جدًا. ونشير هنا إلى أننا نذكر في الهوامش أولًا المصادر اليهودية والمسيحية المعترف بها، ثم المصادر الأخرى بقصد فهم الآيات ذات الصلة وفهم العلاقة بين تلك المصادر وتلك الآيات. وقد أعطينا فيما يخص المصادر اليهودية أهمية خاصة لكتاب لويس جينزبرج: «أساطير اليهود» (Louis Ginzberg: The Legends of the Jews) وهو كتاب شامل بالإنكليزية يسهل الوصول إليه وتحميله، يجمع الأساطير التي أتت في كتب غير كتب العهد القديم مثل التلمود والمدراشيم، أي التفاسير.
.
وقد استفدنا من ترجمة بعض فقراته في كتاب مرشد إلى الإلحاد وكتاب ابن المقفّع: الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم. ويجد القاريء في آخر طبعتي العربية للقرآن وترجماتي قائمة بعناوين الكتب اليهودية والمسيحية المعترف بها والمنتحلة والمراجع الأخرى التي اعتمدنا عليها في الهوامش. وقد ذكرنا رابط المرجع على الإنترنت إذا وجد لتسهيل تحميله والرجوع إليه لمن يهمه الأمر، مع التنبيه بأن الرابط قد لا يعمل بسبب تغييره. وقد يوفق القاريء في العثور على المصدر من خلال العنوان.
.
وسوف نعود في مقال قادم إلى أساطير الأولين والشعر الجاهلي وسجع الكهان كمصدر للقرآن
.
تصبحون على (ا)سلام.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي مجانا من موقعي http://goo.gl/OOyQRD وورقيا من امازون https://goo.gl/nKsJT4
ترجمتي الفرنسية من امازون https://goo.gl/wIXhhN
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb