عرض كتاب الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية محاولة في نقد الخطاب والممارسة


لطفي حاتم
الحوار المتمدن - العدد: 5301 - 2016 / 10 / 1 - 15:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



صدر عن دار الرواد في بغداد لعام 2016 كتابا جديدا للباحث الاقتصادي الدكتور صالح ياسر حسن موسوما بـ (الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية بين خيبات العقيدة ورهانات الواقع محاولة في نقد الخطاب والممارسة ) يتعرض الكتاب الى الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية مجتهدا في مقارنة الشعارات الايديولوجية للاقتصاديين من ذوي المدارس الليبرالية الجديدة مع الوقائع التي نتجت عنها .
لسعة موضوعات الكتاب وتشابك مضامينها نحاول التوقف في عرضنا المكثف عند مفاصل الكتاب الاساسية.
المفصل الاول ــ بنية الكتاب الهيكلية ومنهجيته .
ــ تشكلت هيكلية الكتاب من عناصر البحث الاساسية ـ المقدمة ، أهمية الدراسة وأهدافها ، اشكالية الدراسة وفرضياتها ، منهج الدراسة اضافة الى تخومها الزمنية وهيكليتها ـ .وأكد الباحث الدكتور صالح حسن على ان دراسته والإشكاليات الواردة فيها تنطلق من (المنهج المادي التاريخي القادر لوحده على دراسة وتفكيك اشكالية الدراسة ) اضافة الى المنهج الوصفي لقدرته على وصف النتائج السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتجارب الواقعية قيد الدراسة .
ولإعطاء فترة زمنية لدراسته فقد حددها الباحث من ( بداية الثمانينيات من القرن العشرين الى عام 2015 ) .
ــ اعتمد الباحث الدكتور صالح حسن في بناء دراسته على مقدمة وثلاثة ابواب رئيسية وقد احتوى كل باب على عدة مباحث تضمنت بدورها فصول مقسمة الى مطالب .
ــ في مقدمة دراسته أكد الدكتور صالح حسن على ملاحظات تمهيدية تناولت موضوعة الاطاحة بالكينزية وأسباب صعود الليبرالية الجديدة وهيمنتها في الفكر الاقتصادي والسياسي وصولا الى فشلها بعد التحقق من نتائجها التخريبية الاقتصادية والاجتماعية .
في الباب الاول من دراسته الموسوم (الرأسمالية المعاصرة انتاج معرفة صحيحة ام حرب مصطلحات تناول الباحث العولمة وتناقضاتها . في المبحثين الثاني والثالث تطرق الباحث الى اشكال اقتصاد السوق الرأسمالي متوقفا عند السوق (الاشتراكي ) المعتمد صينيا .
الفصل الثالث من الباب الاول الذي جرت منهجيته بثلاث مباحث تناول الدكتور صالح حسن دور المؤسسات المالية وسياساتها في تخريب اقتصاديات البلدان النامية بعد اجبار الاخيرة على الاخذ بوصفات التكيف الهيكلي . وفي نهاية الفصل الثالث تعرض الباحث الى المديونية الخارجية وآثارها على اقتصادات البلدان الضعيفة فضلا عن كيفية معالجتها .
في الباب الثاني من الكتاب والذي جاء عنوانه ـ من المجرد الى الملموس ـ درس الباحث تجارب الخصخصة انطلاقا من الوقائع الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عنها ، وقد احتوى الباب الثاني على أربعة فصول تناول الباحث في الفصل الاول منها تجارب اسيا معنونا الفصل الثاني بآسيا قارة المعجزات والخيبات. وعند دراسة الباحث لتجارب اسيا تعرض الى الدولة ودورها في الاقتصاد الوطني ، متوقفا عند دول المعجزة الاسيوية ثم الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على اقتصادات هذه الدول وفي مبحث اخر من الفصل الاول تطرق الكاتب الى التجربة الصينية متفحصا اقتصاد السوق (الاشتراكي ) الذي ميز تجربة الانتقال من الاقتصاد المركزي الى اقتصاد السوق .
في الفصل الثاني من الباب الثاني تناول الباحث تجارب مختارة من الخصخصة والإصلاحات الهيكلية دارسا التجربتين التونسية والمصرية وبعض ملامح التجربة الجزائرية في الخصخصة.
الفصل الثالث جاء بعنوان التجارب الاوربية ـ الانتقال من الاشتراكية الى الرأسمالية عبر منهج العلاج بالصدمة ـ تدرج الباحث عبر مباحثه من التجربة الروسية الى التجربة البولونية وأخيرا توقف الباحث عند الحصيلة الاجمالية لهذه التجارب المتسمة بخراب اقتصادي ونتائج سلبية على التشكيلات الاجتماعية لتلك الدول .
تطرق الباحث في الفصل الرابع ومباحثه الاربعة الى مسيرة امريكا اللاتينية وانتقالها من الدكتاتورية الى الديمقراطية متوقفا عند التجربة الشيلية ونتائجها الاقتصادية المتسمة بالتمايزات الطبقية الحادة التي خلفتها وصفة العلاج بالصدمة وبذات السياق اوضح الباحث مسارات التجربة البرازيلية في الخصخصة ونتائجها المريرة وعلى ذات النهج العلمي تناول الباحث تجارب الخصخصة في المكسيك والأرجنتين مختتما الفصل الرابع برؤى ودروس فكرية وعملية.
في الباب الثالث والأخير والموسوم من العام الى الخاص تناول الباحث التجربة العراقية متعرضا لها بفصلين الفصل الاول كشف الباحث المراجع الفكرية والنظرية لخطاب الخصخصة في العراق بعد عام 2003 وفي الفصل الثاني حاول الباحث قراءة الخطابات الرسمية المعتمدة على برامج التكيف الهيكلي مقدما في هذا الفصل ملاحظات واقعية حول ــ اعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة ــ وملاحظات ــ حول استراتيجية التنمية الصناعية حتى عام 2030 ــ اضافة الى ملاحظات اخرى ــ حول مسودة قانون الاصلاح الاقتصادي في العراق ــ وأخيرا يطرح الباحث تساؤلا كبيرا حول مآل الدولة العراقية تحت عنوان ـ البلاد الى اين ـ
المفصل الثاني ـ قضايا تكميلية
يتكون الكتاب من 590 صفحة موزعة بين الفصول والمباحث وقد اعتمد الدكتور صالح حسن في سفره الاكاديمي على 450 مصدر ما بين كتاب ومقالة وبحث موزعة بين كتب ، مجلات علمية ومواقع الكترونية ولغرض اغناء وترصين مضامين دراسته استعان الباحث بمصادر من لغات عديدة منها العربية ،الانكليزية ،البولونية ،الفرنسية والسويدية .
المفصل الثالث ـ بنية الكتاب النظرية
أولا ــ خاض الباحث الدكتور صالح حسن كفاحا منهجيا ونظريا ضد ركائز الليبرالية الجديدة المستندة على ــ الخصخصة ، برامج التكيف الهيكلي فضلا عن اشتراطات المؤسسات المالية ـ من خلال كشف دورها في تخريب اقتصادات الدول الوطنية ودول الرأسمالية الناهضة.
ثانيا ــ ركز الباحث في تحليله المنهجي والفكري على قضايا الخصخصة وطبيعة الاسواق ونتائجها السياسية والاقتصادية الواقعية معريا بذلك زيف الشعارات الجذابة التي حملتها الليبرالية الجديدة المعبرة عن مصالح الرأسمال المعولم .
ثالثا ــ توقف الباحث وهو محق في ذلك عند دور الدولة وأهمية وظائفها الاقتصادية / الخدمية متعرضا للتجربة الصينية وسوقها (الاشتراكي ) المعتمد على تدخل الدولة في بناء اقتصادها الوطني الراعي لإدامة وتطور شبكة الضمانات الاجتماعية .
رابعا ـ فضحت دراسة الباحث الدكتور صالح حسن ياسر زيف الشعارات الصاخبة التي تربط بين الشرعية الديمقراطية للحكم وبين النتائج الفعلية لنهوج الليبرالية الجديدة الرامية الى بناء دول مغتربة عن اقتصادياتها الوطنية تنخرها التناقضات الوطنية والنزاعات الاجتماعية .
المفصل الرابع ـ رؤية نقدية
يشد الدراسة الهامة التي تضمنها كتاب الباحث الدكتور صالح حسن نهجا فكريا يتمحور حول دور الدولة في التحولات الاقتصادية والتنمية الوطنية وعلاقتها بالشرعية الديمقراطية للحكم وهنا بودي ابداء بعض الملاحظات استنادا على تحليل الباحث والذي نتفق معه في مفاصل اساسية وربما نفترق في قضايا أخرى نوردها بالموضوعات التالية ـ
الموضوعة الاولى ـ الليبرالية الجديدة والشرعية الديمقراطية
بداية اود التأكيد على أن الدعوة الى بناء نظم ديمقراطية هو خطاب ايديولوجي موجه الى الدول الوطنية تسعى الليبرالية الجديدة من خلاله الى تمرير موديلاتها الاقتصادية العلاج بالصدمة ،الخصخصة وإعادة هيكلة الاقتصاد هادفة بذلك الى ابعاد الدولة الوطنية عن وظائفها الاقتصادية والخدمية وما يعنيه ذلك من حدوث تمايزات طبقية حادة وتراجعات داخل التشكيلات الاجتماعية وما ينتجه ذلك من انهيار النظم السياسية للدول الوطنية وإعادة بناء نظم سياسية استبدادية ديكتاتورية .
تكثيفا يمكن القول ان الليبرالية الجديدة وفكرها الايديولوجي المعبر عن مصالح الرأسمال الدولي وشركاته الدولية يسعى الى تفكيك الدول الوطنية وإدماج ثرواتها الوطنية في حركة راس المال التوسعية.
الموضوعة الثانية ـ اقتصاد السوق (الاشتراكي )
يشكل نموذج اقتصاد السوق (الاشتراكي )الصيني نموذجا خاصا انتجته مرحلة الانتقال من الاقتصاد الأوامري الى نموذج التطور الرأسمالي . وبهذا المعنى فان خاصية النموذج الصيني ومرحلته الانتقالية ترتكز على ثلاث مساند رئيسية أولهما قيادة الحزب الشيوعي الصيني للدولة والمجتمع بعد تحوله الى حزب سياسي يضم كافة طبقات المجتمع الصيني . ثانيهما هيمنة قوية للدولة على قطاعات كثيرة من اقتصادها الوطني وتعاون بين القطاعين العام والخاص تحت اشراف الدولة ورعايتها. ثالثهما استكمال بناء ايديولوجيا وطنية تعكس مصالح الطبقة البرجوازية الوطنية الصينية الناهضة والهادفة الى بناء هيمنتها السياسية .
الموضوعة الثالثة ـ الدول الريعية والشرعية الديمقراطية
نتفق مع الباحث الدكتور صالح حسن ياسر حول استحالة بناء نظم سياسية ديمقراطية في الدول الريعية وذلك لأسباب كثيرة منها هيمنة الدولة على الثروات الوطنية . ومنها اعتماد اقتصادها الوطني على تصدير النفط ومنها ارتباط القوى المنتجة بالدولة باعتبارها المالك ورب العمل الامر الذي لا يساعد على تنمية الكفاح الوطني . ومنها افتقار الدولة الى تشكيلة اجتماعية قوية تتنازع فيها مصالح طبقاتها الاجتماعية حيث يسود النظام الديكتاتوري الكابح للتغير الاجتماعي .
استنادا الى العرض المكثف يمكننا التأكيد ان كتاب الدكتور صالح حسن ياسر الذي تشد فصوله ركائز الدحض الايديولوجي لخطاب الليبرالية الجديدة ،ركائزها الاقتصادية ووصفاتها المالية فضلا عن فحص نتائج تجاربها الاجتماعية والاقتصادية المتحققة نقول هذا البحث العلمي يشكل اغناء للمكتبة العربية ومرجعا اكاديميا لأساتذة وطلبة الدراسات العليا ناهيك عن الكتلة المثقفة لما يتضمنه من تاريخ اقتصادي ونقد علمي ودحض فكري متوازن لتجارب الخصخصة والعلاج بالصدمة والتكيف الهيكلي .