بحث حول أخطر أمراض العصر

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 5300 - 2016 / 9 / 30 - 01:07
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية     

هناك مثل انجليزي يقول:
It is not the load, which brings us down, it is the way we carry it.

بمعنى ان ما يسقطنا ليس الحمل الثقيل ولكن طريقة حملنا أو تعاملنا معه. وفي هذا فقد نشرت مجلة الإيكونومست الانجليزية مؤخرا مقالا عن مرض العصر وهو الإجهاد والضغوط النفسية تعرضت فيه لأبحاث عديدة قامت بها مراكز طبية وجامعات كبرى مثل اكسفورد وستانفورد والاتحاد الأمريكي للطب النفسي.
وقد خلصت هذه الأبحاث إلى أن ال Stress أو الضغوط هي السبب الرئيسي لأمراض القلب والسرطان والسكر والإدمان والاكتئاب. ..الخ
وكما نعلم جميعا فإن هذه الضغوط ترجع لأسباب عديدة مثل ظروف العمل أو الظروف المالية أو العائلية أو كل هذه العوامل معا، ولكن أحد هذه الدراسات أضافت أسبابا أخرى منها العولمة وشبكات التواصل الاجتماعي لما نتج عنهما من متطلبات جديدة في العمل والحياة الاجتماعية لم تكن موجودة من قبل وأدت إلى تقلص شديد في الوقت الذي كان كل منا يقضيه مع نفسه ومع أسرته وأصدقائه. ومن عندي أضيف أن حكامنا والأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية في عالمنا العربي هي أكبر مصدر للضغط النفسي للمواطن العربي المسكين.
كما تشير الأبحاث السابقة إلى أن معظم الضغوط النفسية يمكن ان تكون مفيدة للصحة النفسية والجسدية وتجعلنا أكثر قوة لو تم التعامل معها بشكل سليم. وعلى سبيل المثال فإننا نقع تحت ضغط شديد عندما نشعر بأننا متأخرين في الانتهاء من أي مهمة في وقتها المحدد، ولكن لو نظرنا قليلا لوجدنا أن هذا الضغط يجعلنا نركز أكثر ونسرع في عملنا فوق المعتاد وغالبا ما ننتهي من مهمتنا في الوقت المحدد. أي ان الضغوط تجعلنا ننجز وبعدها نشعر بسعادة غامرة ونشوة الانتصار على الظروف الصعبة ويكون لهذا الاحساس مردود جيد على صحتنا النفسية والجسدية بشكل ملموس. ولذلك ينبغي التعامل مع الضغوط بشكل إيجابي قدر الإمكان.
ويمكن أن نرى هذا بشكل واضح في الرياضيين المحترفين الذين يخضعون طوال الوقت لضغوط هائلة للفوز في المسابقات التي يخوضونها وبالرغم من هذا فإنهم يتمتعون بصحة جيدة لأنه عندما يفوز أحدهم بمدالية ذهبية فإن الدنيا كلها لا تسع فرحته. وكما قلت من قبل في أحد مقالاتي فإن السعادة الحقيقية هي النجاح بجدارة بعد عمل شاق وهذا هو شأن كل الحاصلين على جائزة نوبل كمثال آخر. هؤلاء لا يمكن أن يعانون من أي ضغوط نفسية.
وهناك مثل انجليزي يقول ان البحر الهادئ لا يخرج بحارة مهرة.
A smooth sea never made a skilled sailor.

بمعنى ان الحياة دون ضغوط ومصاعب تكون حياة رتيبة ولا معنى لها. ولذلك فعلينا ان ندرك ان النجاح والسعادة في الحياة لا يأتيان لشخص مسترخ في سريره.
وعودة لمقال الإيكونومست حيث توصي الدراسات التي عرضتها المجلة بأهمية ممارسة الرياضة الخفيفة للتخفيف من حدة الضغوط وحماية أجسادنا منها مثل المشي أو السباحة كما ان الاستماع إلى الموسيقى التي تحبها يحسن المزاج العام للإنسان ولكن يفضل أن يصاحب الاستماع أي نوع من الحركة.
وإذا لم تراودك رغبة في المشي أو الحركة، فعليك ان تقوم بعمل مساج لأطرافك ورأسك ومنطقة الرقبة وانت تتنفس بعمق أثناء هذا وان تشد عضلات الجسم أثناء الجلوس.
وهناك دراسات تنصح بمصادقة الحيوانات والطيور باعتبارها أطيب وأكثر اخلاصا من الانسان وهو ما ذكرني بمقولة برنارد شو" كلما زادت معرفتي بالناس زاد احترامي للكلب"
وأود ان أشرك القراء في خبرتي الشخصية مع الضغوط حيث لاحظت انها تأتي دائما من خلال الاحتكاك بالآخر خاصة في مكان العمل والاجتماعات حيث لا يحترم بعض الناس مشاعرنا أمام الآخرين ويلجؤون للاستفزاز والمغالطات كأسلوب للتعامل. وقد تعلمت اننا نعرض أنفسنا لضغوط شديدة عندما نلتزم بالصمت امام استفزازاتهم كنوع من الادب والترفع من جانبنا، لأننا سنندم على سكوتنا بعد ذلك عندما نخلد لأنفسنا وغالبا ما يهجرنا النوم ونصاب بحالة من الاكتئاب والغم كلما تذكرنا هذا الموقف.
ونصيحتي لك هي عدم السكوت والرد على هذا الآخر المستفز بأن تسعى لفضح سوء خلقه بأدب ودبلوماسية أمام الآخرين، وأؤكد لك أنك ستنام ليلتها بعمق ولن تشعر بأي ضغوط.
تعلمت ايضا ان أهرب من الهم والقلق بمشاهدة أي فيلم كوميدي هايف وهو ما يمكنني إلى حد ما من خداع عقلي وإيهامه بأنني سعيد ولا أبالي كثيرا بالمشكلة التي أوجهها وقد تعلمت هذا من أحد فروع علم الاقتصاد الذي ندرسه والذي نشأت على أساسه كل العاب الواقع الافتراضي Virtual Reality”
أما بالنسبة للسيدات فإنهم أفضل حالا من الرجال في التعامل مع الضغوط لأنهم يلجؤون للبكاء عادة وقد ثبت أن البكاء أفضل وسيلة لتفريغ أكبر شحنة من الأحزان والضغوط وحماية أجسادنا عكس ما هو شائع بإن البكاء من علامات الضعف.
وأخيراً فإن من أفضل من وصف الضغوط التي نتعرض لها كان أمير الشعراء أحمد شوقي عندما كتب قصيدة قصيرة لتهنئة بطل العالم في رفع الأثقال المصري سيد نصير في القرن المنصرم. فبعد أن انتهى من ابيات التهاني الحارة لنصير كتب ما يلي:

قـل لي نصـير وأنت بـر صـادق........ أحمـلت إنسانـا عليك ثقيـلا
أحمـلت دنـيـا في حياتـك مـرة........ أحملت يوما في الضلوع غليـلا
أحمـلت ظـلما من قريـب غـادر...... أو كـاشـح بالأمس كان خليـلا
أحملت طغيان اللئيم إذا اغتنى... .... أو نال من جاه الأمور قليلا
تـلك الحيـاة وهـذه اثقـالهـا............. وُزن الحديـد بهـا فعاد ضئيلا

رحم الله شوقي الذي لم يكن شاعرا عظيما فقط ولكنه كان فيلسوفا رائعا أيضا.
ودمتم بصحة وسعادة.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي