لماذا انا شيوعية ستار – ترك*


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 5269 - 2016 / 8 / 29 - 22:10
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

من المفترض اني اعيش في زمن الألف امكانية. ولكني لا ارى سوى الخيار بين الألف السيء والألف الأسوء.

نعم أم لا للاتحاد الأوربي؟ ارغب في اوربا التضامن، وليس اوربا التي تغرق اسواق غانا بالدجاج الرخيص ، وتبني الاسوار والأسلاك الشائكة، عندما يهرب الفلاحون من الجوع نحو بلدان الشمال. ولكن هذا لا نجده على البطاقات الإنتخابية. واذا قدر لي اعطي جيلي تسميه، فستكون جيل الشاعرين بالعجز.

"لابديل" هي كلمة عصرنا. انها كلمة قبيحة. انا شيوعية، لاني اعتقد ببديل ما.

اعيش في المانيا، احد البلدان التي لا تزال الأكثر ربحا في الرأسمالية. وهناك ثلاثة مليون طفل، دون سن الخامسة، ماتوا في جميع انحاء العالم خلال هذا العام، انهم بعيدين جدا مني. وعلى الرغم من ذلك فانا اعرف الكثيرين من هم في سني ويؤمنون بنظرية مؤامرة الكيمتريل (نظرية لتفسير ظاهرة الغيوم البيضاء التي تشبه الدخان الذي تطلفه الطائرات بدعوى ان ذلك يمثل تجربة سرية تقوم بها جهات غير معروفة – المترجم) ، اكثر من قناعتهم بان سن الحد الأدنى للتقاعد سيصبح 70 عاما.

اصدقائي يقولون باني ساذجة، لاني أومن بشيوعية ممكنة. وانا اعتقد ان من السذاجة القناعة بان يمكن للرأسمالية ان تكون عادلة. في محاضراتي في الإقتصاد يجري الحديث دوما عن التنافس: تقوم الدول بتخفيض الحد الاعلى للضرائب، لانها تتنافس مع شركات متعددة الجنسية. الشركات تقوم بتسريح العمال، لانها تريد الحفاظ على قدرتها التنافسية في الأسواق. والعمال يقبلون باجور الجوع، لانهم يريدون رغم التنافس الحصول على فرصة عمل.

نظامنا الإقتصادي عبارة عن صيغة مضخمة من النموذج الالماني الاعلى المقبل (GNTM). ولكن GNTM هو سلة مهملات فارغة. وانا افضل مشاهدة الـStar Trek . ان في المستقبل الذي تجسده ستار تريك لا مكان للتنافس، وليس هناك نقود. وليس هناك من يملك اكثر من الاخرين والحكومة العالمية ترى الجميع بعين واحدة. وكل مايحتاجه الناس سيأتي من اللاشيء ، من الإستنساخ المتماثل، الذي يحول الطاقة الى مادة. ولهذا سيكون هناك ما يكفي للجميع، وسيتوجه الناس كليا الى العلوم والبحث. وسيكون هدفهم ليس مراكمة الاموال، بل تراكم المعرفة. وتبدو لي في ما تقدم يوتيبيا، واليوتوتيبيا الوحيدة هي الناسخ المتماثل. من حسن حظنا لا نحتاجه. فهناك فعلا ما يكفي للجميع.

ينتج حاليا ما يكفي من المواد الغذائية، لتغذية 12 – 14 مليار انسان. في وقت يبلغ تعدادنا سبعة مليارات فقط . يقف الألاف من العمال الزراعيين اثنا عشرة ساعة في الحقل ، لجني الطماطم مقابل ثلاثون سنتا في الساعة، وبعدها لايتم اكل ما ينتجون. اي زمن ضائع من حياتنا. ولو كنا ننتج فقط ما نحتاجه، ونوزع العمل ايضا بشكل عادل، سنكتشف فجأة حجم اوقات الفراغ التي نملكها. تقول صديقتي تينا "ان الأمر ليس عمليا" و"وانه ضد طبيعة البشر". ولكن اجد ان ما تقوله حماقة، ففي نهاية المطاف الإنسان ليس قردا.

حاليا اقرأ كتاب مثير للمؤرخ الإسرائيلي يوفال نوح هراري. يصف فيه ما يميز القردة عن البشر: القدرة على خوض حوارات تجريدية. يمكننا خلق افكارا تنظم حياتنا المشتركة: الآلهة، والدول والقوانين. وبهذا نستطيع تنظيم الآلاف من الناسن في حين ان الشمبازي لا يستطيع ان يرعى خمسين قردا. ميزتنا المتطورة هي قدرتنا على تغيير هذه التراكيب ومعها "طبيعتنا". وهذا يجعل البشر قادرين على التغيير. ولهذا يجلس القرد في قفص في حديقة الحيوان وانا اقف واكل الآيس كريم قباله.

عندما كانت جدتي شابة كان الزواج لمرة واحدة ولسنوات طويلة، وحفلات الزفاف من طبيعة الإنسان. اليوم يضع كل صديقاتي تقريبا اشارة Tinder على الهاتف النقال، ويعيش بعضهن ثلاث علاقات في وقت واحد. قبل ثلاثمئة عام كانت العبودية والإيمان امر طبيعي. واليوم لا اجد الكثير من الزيارات المنتظمة الى الكنسية، ولا اجد العبودية مطلقا.

المال والملكية الخاصة تراكيب. كان لنا معهما وقتا جميلا، او على الأقل لبعضنا. ولكن حان الوقت لتوديعهما. وبدلا من السعي الى المكافأة الإلهية أوالإمتلاك، يمكن للناس ان تسعى في الشيوعية الى المعرفة والإدراك.

واعترف ان الإقتصاد المخطط يبدو بشكل وىآخر ضبابي. و أظن أن الاقتصاد المخطط في البلدان الاشتراكية كان ايضا ضبابيا. اتصور المئات من الموظفين الضجرين، الذين يحصون حاجة البلاد من سيارات "ترابي" (سياره صغيره كانت تنتج في المانيا الديمقراطية السابقة – المترجم)، وعندما يخطأ احدهم اوينام على كدس اوراقه، عندها يجب على العم نوربت ان ينتظر ثلاث سنوات اخرى، ، ليحصل على سيارته. انه لامر محبط.

ولكننا نعيش اليوم عصر الإنترنيت. عالم الكمبيوتر بول كوكشوت، المحاضر في جامعة غلاسكو، كتب في عام 1993 كتابا، حدد الفرص الجديدة التي يتيحها علم الحاسوب للاقتصاد المخطط. ويقول ان باستخدام جداول Input-Output- يمكن للمرء صياغة مجمل الإقتصاد وحسابه. ويمكن للمرء أن يحسب بالضبط "قيمة العمل" ، أي مقدار وقت العمل الذي يتطلبه منتوج واحد. فاذا عملت لمدة خمس ساعات، سيكون بمستطاعي، وفق نموذج كوكشوت، شراء كل منتج ، احتاج لانتاجه خمس ساعات عمل.

ولكي لا يتحول الناس الى كسالى يقترح كوكشوت تقسيم العمال الى ثلاثة مجموعات. المجموعة (أ): فائقة الإنتاجية. المجموعة الثانية: متوسط إنتاجية. والمجموعة الثالثة: ضعيفة الإنتاجية. ولأن قيمة عمل النجارة فائقة الإنتاج اعلى من قيمة زميلتها ضعيفة الإنتاج، تسطيع الأولى غالبا الذهاب الى السينما . ويمكن طبعا مع الوقت تغيير هذه المعادلة: اذا كنت في هذا العام كسولة، استطيع المرابطة خلال اوقات العمل امام الفيسبووك، ولهذا سيكون لدي هاتف ذكي متواضع الحال. واذا اصبحت في العام المقبل اكثر نشاطا، واقدم عمل منتج ، استطيع انتقاء هاتف ذكي من جيل ارقى. ولهذا يسمح للمرء ان يملك كرسيه الخاص، ولكن مصنع الكراسي يجب ان يعود للجميع. وهنا لم يعد الأمر ضبابيا، بل يبدو حديث ومستقبلي. اجهزة كومبيوتر عالية التطور تحاكي الاقتصاد بأكمله. تقسيم عمل بدلا من المنافسة. العمل فقط لبضعة ساعات في اليوم. ستار- تريك، هنا نحن مقبلون!

كيف تبدو الشيوعية عندما تكتمل، انا لا اعلم ذلك. وحتى كارل ماركس لم يصفها تفصيليا. لقد كان معنيا في المقام الأول بالتمايز عن الرأسمالية: ينبغي ان لا تعود ملكية وسائل الإنتاج لفرد، بل للجميع. حاجج ماركس: في الوقت الراهن يعمل العامل مدة من الزمن لتحقيق الربح لفرد آخر. اذا كان صاحب الجريدة يقبض من مقالة لي بقدر ما يعطيني فمن غير المفيد له تعييني. اي اني اعمل بضع ساعات لصالحه وليس لصالحي. وهذا ما نريد انهائه ، ماركس وأنا. ولذلك يسمح للمرء ان يدفع ثمن كرسيه، ولكن مصنع الكراسي يجب يعود للجميع. كيف ستبدو اللوحة –يمكننا ان نتحدث حول ذلك, ايتها البلدان المبدعة استمعي النداء (اشارة الى جمله في النص الالماني لنشيد الاممية مع تحوير بسيط- المترجم). انا لا ادري لماذا يرمقني الناس دائما بنظرة، عندما ابدو مزهوة بمثل هذا النظام (الشيوعية)، وكأني اريد اعادة بناء الجدار بيدي (اشارة الى جدار برلين الشهير الذي تم هدمه في عام 1989 - المترجم).

لماذا ينبغي علينا دائما فقط ابراز الإبداعات الجديدة في العلوم الطبيعية؟ لقد تطورت البشرية في كل مكان:. زملائي يشتغلون على البيلوجيا الجزئية للتاثير في الجينات، وفي الفيزياء اثبتت ، في الأونة الأخيرة، موجات الجاذبية، واذا رغبت بامكاني عبر الإنترنيت، شراء طابعة 3D!

في اختصاص دراستي، علوم السياسة والإقتصاد لوحدها، ماتزال معلقة بقوة في مكان ما من القرون الوسطى. عالم وهبه المال، بدلا من عالم وهبه الله. قد يبدو الامر ، بشكل ما، اكثر حداثة، ولكنه لا يزال أقل بكثير من إمكانياتنا. انا لا ادري لماذا يرمقني الناس دائما بنظرة، عندما ابدو مزهوة بمثل هذا النظام ، وكأني اريد اعادة بناء الجدار بيدي. ربما يعود ذلك الى ما نتعلمه حول الشيوعية في المدارس: انها ضد الديمقراطية، ومرتبطة بمعسكرات النفي والإعتقال وتميل الى قتل اصحاب الراي الآخر. في كتبي المدرسية كانت الشيوعية دوما مرتبطة بستالين. وفي الغالب مع نظرة مخيفة الى جانب صورة صغيرة لهتلر.

وبغض النظر عن حقيقة أن الاتحاد السوفياتي كان بلدا اشتراكيا، وليس شيوعيا: وهنا الربط يفقد معناه الإشتراكية في المقام الاول نموذجا اقتصاديا. والديمقراطية شكلا للسلطة. وفي اي نموذج اقتصادي ، قد يكون هناك أشكال جيدة وسيئة للسلطة السياسية. تركيا مثلا بلد راسمالي، ولكن الحجة القائلة يمكن ان نفقد حرية الرأي في ظل الراسمالية، لان اوردوغان مستبد، لم تمر ابدا على مسامعي.

ان نظاما اقتصاديا اشتراكيا لا يشكل ضمانه لمشاركة الشعب السياسية. ولكن هذا لا تفعله الراسمالية ايضا. ولكن على الاقل ليس هناك في الإشتراكية ابناء صناعيين أثرياء يعومون بواسطة اللوبي الديمقراطي القرارات السياسية.

انا شيوعية، لان ارغب في ممارسة تأثير اكبر في القرارات السياسية. ان نسبة المشاركة في انتخابات البرلمان الإتحادي في تناقص مستمر، وخصوصا بين الشباب. ولكن الإنزواء لا يساعد على مواجهة الشعور بالعجز. واذا ما اردنا بديل ما علينا ان نتحدث عن طبيعته وكيف يبدو. ويمكن للشيوعية ان تقدم لنا آفاقا. علينا مناقشتها قبل فوات الأوان.

*- نشرت هذه المقالة في جريدة "دي تسايت" (الوقت) الليبرالية، واعاد موقع شيوعيون نشرها