الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 7)


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5259 - 2016 / 8 / 19 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الديمقراطية وبيئتها المفهومية( الحلقة7)
منذر خدام
الديمقراطية وبيئتها المفهومية في الوعي السياسي العربي.
لقد انشغل العرب بقضية الديمقراطية منذ فجر النهضة الحديثة فاستحضروها في خطابهم الثقافي والسياسي ودعوا إليها تحت مسميات عديدة مثل الشورى أو أهل الحل والعقد وغيرها.غير أن الجيل الأول من مفكري عصر النهضة لم يتعاملوا مع الديمقراطية باعتبارها تكثيفا لنمط حياة اجتماعية لها بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخاصة ، بل تعاملوا معها بصورة انتقائية فأخذوا منها بعض العناصر ورفضوا بعضها الآخر.هذا ما يمكن تلمسه عند الكواكبي والطهطاوي وخير الدين التونسي وغيرهم [1]. واستمر الحال في التعامل مع الديمقراطية بصورة انتقائية خلال فترة ما بعد الحربين العالميتين وكان لا بد من الانتظار حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية و خصوصا بعد إنجاز الاستقلال السياسي حتى يشيع استخدام مصطلح الديمقراطية في الأدب السياسي وتحاول بعض الدول العربية إقامة نوع من أنظمة الحكم الديمقراطية التي لم تدم طويلا لأسباب عديدة منها التدخلات الاستعمارية وتفاعلات الغزو الصهيوني لفلسطين وضعف نضج البنى الاجتماعية الداخلية وخاصة عدم جاهزية النخب العربية.وقد تراجع الحديث عن الديمقراطية مع صعود القوى القومية واستلامها للسلطة في العديد من الدول العربية، واكتسبت في الخطاب الرسمي قيمة انفعالية سلبية وأحيلت إلى القوى الصهيونية والاستعمار.غير أن هزيمة حزيران في عام 1967 التي طالت جميع مقومات النظام العربي ،وضعتها تحت المساءلة ، ليس فقط في الجانب العسكري بل وفي الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي. وبالتوازي مع ذلك أخذ الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وضرورة المشاركة في إدارة الشؤون العامة يتسع اكثر فاكثر وبدأت تنشط في سبيل ذلك العديد من المنظمات المطالبة بالحقوق المدنية والمدافعة عن الحريات العامة في مختلف الدول العربية [2] . وفي البحث عن أسباب اتساع الاهتمام العربي بالديمقراطية جرت نقاشات فكرية عربية واسعة في العديد من الندوات التي عقدت لهذا الغرض وعلى صفحات الدوريات العلمية بعضهم يحيلها على نمو الطبقة الوسطى، وغياب العدالة في توزيع الثروة[3] ، والبعض الآخر يحيلها على فشل المشروع القومي العربي[4] ، في حين يرى فريق ثالث استحالة قيام الديمقراطية في الوطن العرب بسبب عدم توافر الشروط اللازمة لذلك.فحسب سمير أمين ينتمي الوطن العربي إلى أطراف النظام
الرأسمالي العالمي وان الاستقطاب على الصعيد العالمي يخلق بالضرورة استقطابا داخليا تهمش بنتيجته اغلب فئات المجتمع مما يستحيل معه ضبط المجتمع والمحافظة على الاستقرار بالأساليب الديمقراطية ،لذلك القاعدة هنا هي قيام نظام حكم دكتاتوري أو في أحسن حال نظام ديمقراطي في ظل أحكام عرفية.[5]
وبالفعل فرغم شيوع مفهوم الديمقراطية وغيرها من المفاهيم المصاحبة لها في الدول العربية ،بقراءتها المحلية، فهي لا تزال تتحرك في حدود مستوى النخب السياسية والثقافية العربية.ما نود التوقف عنده في هذا المبحث مسألتان :مسالة حقوق الإنسان ومسألة العلمانية . بقية المفاهيم بما فيها مفهوم الديمقراطية ذاته سوف تمر معنا كثيرا في الفصول القادمة.
على مستوى الأنظمة العربية لم يجر الاهتمام بحقوق الإنسان كقضية سياسية ومدنية إلا في عام 1967 وتحديدا بعد أن وجه الأمين العام للأمم المتحدة مذكرته المشهورة المتعلقة بالموضوع[6]، مع أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان قد صدر في عام 1948. وبناء على مذكرة الأمين العام للأمم المتحدة قامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بعرض مذكرة خاصة بحقوق الإنسان العربي[7] على مجلس جامعة الدول العربية في دورته الخمسين حيث اتخذ قرارا بإنشاء لجنة إقليمية عربية دائمة لحقوق الإنسان في إطار الجامعة العربية[8].
ومن الطريف أن المداولات التي جرت بين مندوبي الدول العربية في الاجتماع الذي تم في أوائل تشرين الثاني/أكتوبر عام 1982 لمناقشة مشروع ميثاق حقوق الإنسان العربي تبين كم هي بعيدة المواقف الرسمية عن حقوق الإنسان العربي.لقد جاء في المواقف:
-اعتراض على تسمية الوطن العربي والأمة العربية.
-الاعتراض على أي فقرة ترد فيها عبارة حقوق" لا يجوز المساس بها" والإصرار على حذف هذه العبارة.
-الاعتراض على الحق بحرية الانتقال.
-الاعتراض على الحق بالعمل.
-الاعتراض على إلغاء عقوبة الإعدام.
-رفض حق اللجوء لمرتكبي الجرائم السياسية.
-الرفض المطلق لمبدأ عدم جواز الإعدام في الجرائم السياسية.
-رفض مبدأ عدم جواز محاكمة الشخص مرتين بسبب جريمة واحدة أو بعد إثبات براءته.
-الإصرار على إضافة عبارة " بما لا يتعارض مع الأحكام المقررة في الشريعة الإسلامية"، وهناك العديد من المواقف الأخرى التي لا تتفق مع شرعة حقوق الإنسان العالمية بل ولا مع العديد من الاجتهادات الدينية .[9]
هذا هو الوضع العام السائد في الدول العربية،مع انه في العقد الأخير من القرن العشرين بدأت بعض الدول العربية تجري بعض التحولات الديمقراطية وتسمح بتشكيل لجان لمراقبة مدى احترام حقوق الإنسان فيها من الأفراد والمنظمات والهيئات غير الرسمية،لكن ذلك لا يزال في البداية فحساسية الدول العربية تجاه هذا الموضوع لا تزال عالية.
على الصعيد الشعبي تتركز المطالب على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لما لها من تأثير مباشر على حياة الجماهير الشعبية،ومن المشكوك فيه أن تكون قضايا الحريات المدنية والسياسية تحتل موقعا متقدما لديها لأسباب عديدة لا مجال لتكرار ذكرها.
من جهة أخرى وفيما يتعلق بموضوع العلمانية فإن المواقف الرسمية للدول العربية منها هي الرفض، مع أن هذه الدول سواء من حيث بنائها أم من حيث طريقة الحكم فيها هي أقرب إلى الدولة العلمانية. ولا يغير من حقيقة ذلك كونها تؤكد في دساتيرها على أنها دول عربية إسلامية، الشريعة فيها مصدر رئيس للتشريع..الخ.الدولة العربية ليست دولة دينية مع أنها توظف الدين والمؤسسات الدينية الرسمية في سياساتها،فهي تؤمن لها الغطاء الأيديولوجي في العديد من المناسبات السياسية وغير السياسية.
أما بالنسبة إلى المواقف غير الرسمية فإن حضور العلماني في الخطاب السياسي يكاد يقتصر على الحركات السياسية الليبرالية واليسارية،في حين موقف الحركات القومية منها لا يزال تلفيقيا وغير محسوم.أما الحركات الدينية على اختلافها وتنوعها فإنها ترفض العلمانية وتعتبرها موجهة إليها قبل أن تكون موجهة إلى الأنظمة العربية الحاكمة.
وبالنظر إلى حساسية هذا الموضوع بالنسبة إلى الجماهير العربية فقد يكون من المناسب في الحقل السياسي التركيز على مبدأ العقلانية بدلا من مبدأ العلمانية كشعار تعبوي لما لقوة خطاب العقلانية من قيمة انفعالية إيجابية هذا من جهة ،ومن جهة ثانية لكون هذا المبدأ يمكن طرحه في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية وليس فقط في المجال السياسي كخطاب موجه نحو الدولة.
قد يعتبر البعض مفهوم العقلانية مفهوما إشكاليا، لما يكتنفه من غموض وملابسات.وبالفعل هو كذلك في الحقل النظري ،لكن في حقل الممارسة فثمة العديد من المؤشرات التي تضبط المصطلح وتعايره في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . فكما أن هناك عقلانية اقتصادية يمكن قياسها بواسطة مؤشرات الكفاءة،هناك أيضا، في الحقل السياسي والإداري ،عقلانية سياسية وادارية، يمكن قياسها بواسطة مؤشرات الأداء التي تعبر عن حجم المشاركة في رسم السياسات المختلفة ،وكيفية اتخاذ القرارات، ودور المؤسسات وفعاليتها ، ومدى سيادة القانون واحترام الناس له ،ومدى انتشار الفساد والبيروقراطية … الخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 -الدجاني، أحمد صدقي " تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث " في (( أزمة الديمقراطية في الوطن العربي: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية)) ، (بيروت ، المركز ،1984 ) ص 115
2-جقمان ،جورج ، " الديمقراطية في نهابة القرن العشرين:نحو خارطة فكرية " في "حول الخيار الديمقراطي :دراسات نقدية " ، مجموعة من المؤلفين ،( بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية، 1994)
3-سعد الدين ،إبراهيم، "مقدمة في أزمة الديمقراطية في الوطن العربي " بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية،(بيروت،المركز ، 1984 ) ص12-13.
4-غليون،برهان " الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي: مشاكل الانتقال وصعوبات المشاركة " ( بيروت ،المستقبل العربي ،السنة 13، العدد 135، أيار1990) ،ص 23.
5- أمين ، سمير (1991) " قضية الديمقراطية في العالم الثالث " في بعض قضايا المستقبل ، ( القاهرة ، مكتبة مدبولي ،1991 ) ص 49.
6-مذكرة رقم 234(15) تاريخ 15/2/1967.
7-مذكرة رقم1510 تاريخ 5/2/1968.
8-قرار رقم 2343 تاريخ 3/9/1968.
9- مطر، جميل ،في ندوة " أزمة الديمقراطية في الوطن العربي" مرجع سبق ذكره ص 562