لما تصير الدعوشة رأيا والتعبير عنها حرية.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 5256 - 2016 / 8 / 16 - 21:45
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

الدعوشة عقائد وقناعات قبل أن تكون عدوانا وقتلا وتخريبا . فالدواعش ليسوا فقط أولائك المتمنطقين بالأحزمة الناسفة أو جزاري داعش أو خزنة محارقه التي التهمت آلاف الأبرياء من العراقيين والسوريين والليبيين . هؤلاء الدواعش تكشف عنهم مظاهرهم الهمجية (ألبسة وسيوف مخضبة بالدماء وعيون متعطشة للقتل وأنياب مهووسة بافتراس القلوب والأكباد ونفوس مزهوة بجز الرقاب ) ، فيكون للشعوب وأجهزتها الأمنية والعسكرية كل الوقت للترصد لها وتفكيك مخططاتها الإجرامية . أما أخطر الدواعش فهم الذين يرتدون البدلات الأنيقة بربطات العنق البراقة ويلبسون في أيديهم ساعات أشهر الماركات العالمية ويختارون للتسوق أرقى المحلات التجارية ؛إنهم يعيشون بيننا وينافسوننا على العضوية في المجالس المنتخبة ويتنطعون بدفاعهم عن الديمقراطية ، بل ويشرّعون لنا أمور دنيانا وحتى ديننا . لطالما اغتر المواطنون بشعارات الاعتدال وخطاب الوسطية ومزاعم الانفتاح والحوار والاختلاف ، حتى أسقطت عنهم الأحداث التركية ونزوعات الاستبداد الأردوغانية . حينها سقط القناع عن القناعة الراسخة والاقتناع الأعمى والعقيدة المتطرفة الثاوية خلف المظاهر أو"الأعراض" بلغة أرسطو .فالأمر لا يقتصر على فئة من المواطنين البسطاء فكريا والمتواضعين اجتماعيا ، فهؤلاء عذرهم في قابلية بعضهم للتغرير به واستمراء الوصاية على عقله وتفكيره ؛ وإنما يهم علية القوم وأطر وبرلمانيين/ات المفروض فيهم إعادة بناء ذواتهم وفق مبادئ وثقافة حقوق الإنسان تجعل منهم مواطنين يتقاسمون مع بقية أفراد الشعب الشعور بالانتماء إلى الأرض والوطن والحضارة والعصر والمدنية . إنهم أعضاء قياديون في حزب العدالة والتنمية وممثلوه في المؤسسة التشريعية عز عليهم ما تعرض له عضو هيئتهم إثر تدوينة حرض فيها على قطع رؤوس كل من يخالف حزب العدالة والتنمية وتعليقها في الساحات العمومية لترهيب المواطنين وبث الرعب في نفوسهم إن هي ساورتهم بانتقاد الحزب أو مناهضة سياسته في تدبير الشأن العام (الذين يكتبون الهراء ويظنون أنه يحقق ذواتهم ويميزهم في الفيسبوك أو المجتمع …هذه نماذج لأشخاص يتوجب قتلهم بلا رحمة. وفصل رؤوسهم عن أجسادهم، وتعليقها بأحد الأماكن المشهورة كنوع من التهديد والترهيب للجميع لكي لا يسيروا على خطاهم). إنها دعوة صريحة إلى القتل والتمثيل بالقتلى على طريقة داعش . دعوة لم تأت في نقاش/جدال يمكن التماس العذر له بفعل الانفعال والتوتر ، بل تدوينة تحتاج قدرا من التركيز والهدوء واستحضار العواقب . لهذا كانت التدوينة مستفزة للمواطنين من خارج الحزب إياه وصادمة للذين ظلوا يعتقدون أن حزب العدالة والتنمية قطع فكريا وعقائديا مع فقه الغلو وثقافة الكراهية وعقائد القتل حين قبل العمل السياسي/ المدني وقبل بالمشاركة في المؤسسات الدستورية وفق الإطار المرجعي الذي يحدده الدستور . وما زاد من حدة الصدمة أن انضم أعضاء آخرون من الحزب والبرلمان يناصرون داعشية زميلهم وينافحون عنه بناء على ما يقتضيه مبدأهم "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" . فها هم يناصرونه محرضا على القتل ويسوغون ميولاته المتطرفة بأن أقحموها ضمن "حرية الرأي" مثلما فعلت البرلمانية أمينة ماء العينين التي أعلنت تضامنها مع صاحب التدوينة الداعشية كالتالي "كل التضامن مع عمر الصنهاجي، الذين يسعون لترهيبه، لا لشيء إلا لأنه حر مستقل في التعبير عن رأيه، مؤسف ما آلت إليه الأوضاع في بلدي". إن كانت حرية الرأي هي التحريض على القتل وجز الرقاب فماذا ستكون عليه حرية الضمير والاعتقاد ؟أليس الحرق والسلق والشي وتذويب المخالفين في أحواض الأسيد كما تفعل داعش ؟ ليس حالة شاذة أن يدعو عضو في الحزب الحاكم بقتل المعارضين ، بل تواتُرُها يبين أنها عقيدة مضمرة سرعان ما تنفلت من الرقابة الحزبية أو الذاتية لتفصح عن نفسها كما هو الحال في تدوينة ‘عبد الحكيم البياري’ المنتمي لحزب رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران حين خٓيٓر أتباع حزبه بين الساطور والسيف والسكين والهراوة والشاقور لتنفيذ جريمة القتل في حق إلياس العماري أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة . والخطير أن المدون نشر صورا لكل هذه الأسلحة التي يدعو أعضاء حزبه لاستعمالها ،ما يعني أنه كان في كل هدوئه النفسي وصفائه الفكري .
أمام الكشف عن هذه الميولات الداعشية لدى أعضاء الحزب ، والتي لم تدفع قيادته إلى التنديد بها أو التبرؤ منها أو استنكارها ، وجب على وزير العدل والحريات أن يفتح تحقيقا قضائيا في الأمر ويتابع المحرضين على القتل بما يقتضيه قانون الإرهاب في حق المحرضين على العنف أو المشيدين به .
ولا بد من تذكير السيد وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، بما سبق وأكد عليه أمام لجنة العدل والحريات وحقوق الإنسان بمجلس النواب مِن أن مَن وضع علامة "جيم" على مادة إرهابية في الانترنت يجب محاكمته". وما فعله المدونان ومعهما ماء العينين ليس فقط "تجمجيم" بل تحريض على الإرهاب والعنف وإشادة بهما . ومادام السيد الوزير سبق وأبرز أن "المادة الإرهابية تنتشر بسرعة، ما يخلق جوا من عدم الاطمئنان" ، فقد وجب عليه أن ينضبط لوعيده التالي "لا يمكن التساهل مع الترويج والدعاية للإرهاب". فهل سيجعل الوزير "الإجراءات في محاربة الإرهاب ستشمل الناشرين له عبر الشبكة العنكبوتية"؟. نأمل أن تكون مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب ،وأن يتخلص الحزب من داعشيته ما ظهر منها وما بطن ،لأن الدولة المدنية لا تبنيها العقائد ولكن تؤسس لها المبادئ .