دكتور منصور: هل تقبل لبشر أن يجلد أبناءك أو بناتك؟


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5255 - 2016 / 8 / 15 - 23:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تحت هذا العنوان جاءنى الايميل التالى :( قرأت لك مؤخرا مقالة بعنوان: " التوبة وزواج الجيرل فيرند" . واقتبس منها الأتي:
قال : إذن فعقوبة الزانى والزانية هى الجلد مائة جلدة فقط ؟
قلت : ليس فقط ، بل يضاف الى ذلك عقوبة أخرى ، وهى تحريم الزواج ، فالمؤمن لا يتزوج زانية ، والمؤمنة لا تتزوج زانيا . وهذا معنى قوله جل وعلا : ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) النور ).
قال : هذا يعنى قطع طريق التوبة ، بمعنى أن يقال طالما أنتم زناة فلا زواج لكم ، أى إستمروا فى الزنا .
قلت : بالعكس .. هذا التشريع للتشجيع على التوبة وبدء حياة عفيفة ، بل ولمنع تنفيذ عقوبة الجلد ..
قال : كيف ؟
قلت : كل العقوبات فى القرآن الكريم تسقط بالتوبة العلنية .
عن جريمة الزنا والقذف يقول جل وعلا : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) النور ) . فالذى يعلن توبته من الزنا ويعلن عزمه على الصلاح تسقط عنه العقوبة ، سواء عقوبة الجلد أو تحريم الزواج منه .
قال : ولماذا إذن قال جل وعلا : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) ؟
قلت : هذا يتعلق بالزانية والزانى المتمسك بالزنا بلا توبة بحيث تنطبق عليه صفة الزنا . هنا يكون تطبيق عقوبة الزنا .
قال : ماذا عن الاغتصاب ؟
قلت : ليس على الاغتصاب عقوبة .
قال : هل هذا يشمل الرجل والمرأة ؟
قلت : نعم . من الممكن أن تُجبر إمرأة رجلا على الزنا ، فليس عليه عقوبة ، والعكس هو الأكثر ، أى أن يغتصب رجل إمرأة . العقوبة تتعلق بالتعمد ، سواء كانت العقوبة فى الدنيا أو فى الآخرة . يقول جل وعلا : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) الاحزاب )، وبالنسبة لموضوع الزنا بالذات يقول جل وعلا : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور ).
قال : هل يسرى إسقاط العقوبة على الجرائم الأخرى غير الزنا ؟
قلت : نعم .
قال : مثل ؟
قلت : فى أفظع عقوبة وهى قطع الطريق ، والتى تتضمن القتل والصلب وتقطيع الأطراف فى قول رب العزة جل وعلا : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) المائدة ) يأتى الإستثناء بإسقاط هذه العقوبة بالتوبة ، يقول جل وعلا : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) المائدة )
قال : وما الهدف من هذا ؟
قلت : العقوبات فى الاسلام ليس للإنتقام ولكن للإصلاح فى الدنيا قبل أن يأتى اليوم الآخر بخلود المجرم العاصى فى عذاب الجحيم . أى إن هدف العقوبات هو التشجيع على التوبة وبدء حياة جديدة عمادها التقوى ، لذا يقول جل وعلا بعد الآية السابقة يحث على التقوى وإبتغاء الوسيلة بالعمل الصالح والايمان الخالص : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) المائدة ) ثم تأتى الآية التالية تذكّر بعذاب يوم القيامة الذى لا إفتداء ولا خروج منه ، يقول رب العزة جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) المائدة ) . ثم تأتى الآية التالية فى نفس السياق عن عقوبة السرقة ، وهى قطع اليد قطعا فعليا ، يقول جل وعلا : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) المائدة ) ثم تأتى الآية التالية بإسقاط العقوبة على الذى يتوب ويعلن صلاحه ، يقول رب العزة جل وعلا : ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) المائدة ).
ما ينكره عقلي:
كيف يعطي الله حق لبشري بأن "يجلد" بشري مثله لمجرد أنه مارس الجنس مع بشري آخر؟ كيف لرب عظيم خلق هذا الكون العظيم بمجراته وكواكبه وأرضه وسماه أن يطلب من عقل الإنسان -الذي يكتشف هذه الأشياء بالعلم والتجربة والمغامرة - أن يقبل أن يجلده شخص آخر؟ بأي حق؟ أنت تؤكد على أن هذه العقوبة ليست للإنتقام لكن للإصلاح. أي إصلاح هذا الذي يأتي بجلد شخص لم يؤذي أحد؟ ومن يكون الجلاد؟ وهل هذا الجلاد هو يد الله على الأرض أم أنه يجلد الزانية أو الزاني لأنه كان يريدهما لنفسه؟ بمعنى كيف للخالق -وهو يعلم مكر النفس البشرية ولؤمها- أن ينزل عقوبات أرضية يؤديها بشر لهم أغراضهم الدنيوية فيما يفعلون طالبا منهم أن يعذبوا وينتقموا من بشر لم يضروا أحد؟ أفهم أن تنزل عقوبات صريحة على من يقتل ويسرق ويهدد أمن الآمنيين.
ببساطة لو آمنت بهذا الحديث تحديداً سأكون مؤيداً لجرائم الإرهاب التي تقتل وتسفك دماء الأبرياء (هؤلاء الأبرياء بالمناسبة منهم من يزني ومنهم من هو كافر بوجود الله من الأساس وبناء عليه طبقا للنص القرآني فوقوع عقوبة الجلد عليهم واجبة من قبل الإرهابيين" .
دكتور منصور: أنك تؤكد مرارً وتكراراً في كتاباتك أن المسلم هو من سلم الإنسان من آذاه وشروره وعاش مسالما يسعى للإصلاح في الأرض. أليس جلد إنسان آخر هو عمل وحشي فيه كل الشرور والآذى للإنسان؟ فما تفسيرك لهذا التناقض؟ ).
وأقول :
أولا :
1 ـ الله جل وعلا خلق هذا الكون لكى يختبر الانسان : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )(7) هود ) ، وخلق الموت والحياة فى إطار هذا الاختبار : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك ) وكل نفس بشرية يأتى موعدها فى الاختبار ، تولد وتعيش الفترة المحددة لها فى هذه الحياة الدنيا ثم تموت ، وتعود الى البرزخ الذى جاءت منه وهى تحمل معها عملها إن خيرا وإن شرا . وبانتهاء إختبار كل البشرية سيتم تدمير العالم ومجىء اليوم الآخر ولقاء الرحمن جل وعلا ، حيث يبرز الخلق جميعا له يوم التلاق : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ).
2 ـ يأتى الله جل وعلا والملائكة صفا صفا وتأتى الجنة والنار: (كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر).إنتهى اليوم ( الأول ) يوم الدنيا القصير ، وحلّ اليوم الآخر الخالد الذى لا نهاية له ، ويبدا بأن تشرق الأرض بنور ربها ، ويوضع كتاب الأعمال ، ويؤتى بالنبيين والشهداء وبكل فرد للحساب : (وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)الزمر) . كل فرد سيؤتى به للحساب:(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم ) ولا يمكن أن يتغيب فرد عن هذا الحساب : ( وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) وبعد الحساب يدخل المتقون الجنة خالدين فيها ويدخل الكافرون النار خالدين فيها : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) .
3 ـ فى إختبار هذه الحياة الدنيا أنزل الله جل وعلا شريعته ، وفيها تقرير الحرية المطلقة للبشر فى الطاعة أو المعصية فى الايمان أو الكفر : ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) ، وما يترتب على ذلك من خلود فى النار أو خلود فى الجنة : ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف ).
4 ـ وفى شريعة الرحمن عقوبات ليست للإنتقام ولكن للإصلاح ، والدعوة للتوبة ، وبالتوبة الظاهرية تسقط العقوبة ، ولكن بالتوبة القلبية الحقيقية تكون النجاة من الخلود فى النار . وكل آلام الدنيا فى كل العالم وفى كل وقت لو إجتمعت على فرد واحد طيلة حياته فهى لا تساوى لحظة عذاب فى جحيم الآخرة !. فمابالك بالخلود فى العذاب حيث لا خروج منه ولا تخفيف فيه ولا إمهال ولا تأجيل ؟.!! وكل نعيم الدنيا فى كل عصر ولكل الناس لو حظى به شخص واحد طيلة حياته فليس هذا مساويا للحظة نعيم فى الجنة ، فما بالك بالخلود فى الجنة .؟!!
ثانيا :
مشكلة البشر العُصاة أنهم :
1 : لا يتفكرون فى سبب خلق السماوات والأرض ، وأنه لأجل إختبارهم .
يفعل ذلك أولو الألباب المؤمنون المتقون العقلاء الذين يؤمنون أن الله جل وعلا لم يخلق هذا الكون باطلا ، بل لاختبارهم ، لذا يدعون ربهم أن يقيهم عذاب النار : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران ) .
البشر العاديون حين يقرأون عن الارض والمحيطات وما فيهما ينبهرون ، وينبهرون اكثر عندما يقرآون عن النجوم والمجرات ، والثقوب السوداء وبلايين السنوات الضوئية ، وينبهرون أكثر وأكثر عندما يعلمون أن هذا الكون كونان نقيضان متباعدان منطلقان فى مدار مقوس وعندما يلتقيان سيفنيان وتكون الساعة ، وأنهما ــ الآن ــ معا مجرد ( ما بين السماوات والأرض ) يجب التفكير بشأنهما : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم ) (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا )(4) السجدة ). لا يعلمون أن الأرض سبعة مستويات تتداخل فى بعضها وهى تتداخل فيها السماوات السبع بعضها فوق بعض.
وفى كل هذا الانبهار بعظمة الكون ينسون أن رب العزة جل وعلا خلقه وأبدعه لكى يختبر الله جل وعلا البشر ، الذين هم أنا ونحن وأنت وانتما وانتم ، وهى وهو وهما وهم وهن . العقلاء المؤمنون فقط هم الذين يؤمنون بهذا ويتحسبون لهذا ، ويعملون عملا صالحا من أجل هذا ، حتى لا يكونون من الذين سيقال لهم يوم القيامة وهم فى النار : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون )
2 : لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره ، وسفاجأون بملكوته يوم القيامة حين تشرق الأرض بنور ربها : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر )
3 : إتخذوا آيات الله جل وعلا ورسله هزوا : (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) الكهف ) ، أنزل رب العزة لهم بلاغا إنذارا لهم : ( هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52) ابراهيم ) ولكنهم إتخذوا هذا الانذار الالهى هزوا : (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً (56) الكهف ). لقد أكثرنا من الاستشهاد بكل هذه الآيات القرآنية الكريمة لتكون حجة يوم القيامة علي من يستثقلها ولا يؤمن بها .
4 : يمارسون حريتهم فى الكفر والعصيان ثم يستثقلون مسئوليتهم على إختيارهم . يتناسون أنه على قدر هذه الحرية الممنوحة لهم تكون مسئوليتهم عليها ، بل إنه على قدر أهميتهم العظمى تكون مسئوليتهم العظمى ، ألا يكفى أن الله جل وعلا قد خلق هذا الكون لاختبارهم ؟!! . هم ينسون هذه المسئولية العظيمة والأهمية الكبرى فى خلقهم ويخسرون فى إختبار هذه الحياة الممنوحة لهم .
5 : فى تركيزهم على الدنيا ينسون الموت ، وأنهم فى (إيمانهم ) بهذه الدنيا ( يكفرون ) باليوم الآخر ، وفى إنشغالهم ببريق الدنيا والتكالب عليها لا يؤمنون بعذاب أفظع قادم يوم القيامة لمن يستحقه ، ونعيم رائع يوم القيامة لمن يعمل له .
6 : فى إنشغالهم بهذه الحياة الدنيا وإغترارهم بها ينسون حقيقة كبرى : أنهم لا يمكنهم الفرار من رب العزة... رغما عنهم يمرضون ، ورغما عنهم سيموتون ، ورغما عنهم سيُبعثون ، ورغما عنهم سيحاسبون ، والكفرة بعد الحساب رغما عنهم الى جهنم داخلون ! . من يعترض على هذا تكفيه حتمية الموت التى يراها فيمن حوله وفيمن سبقه ، وأنه رغما عنه مصيره ومسيره الى الموت ؟ هل يستطيع منه فرارا ؟
7 : لا يعرفون أن الله جل وعلا الخالق لهذه الكون هو وحده الذى لا يُسأل عما يفعل : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الانبياء ) . وهؤلاء البشر يهابون أن يسألوا حكامهم المستبدين وأن يُسائلوا حكامهم المستبدين ، ولكن يجدون فى أنفسهم قدرا من الجرأة والبجاحة ليُسائلوا الخالق جل وعلا وهو العزيز الجبار ، وأولئك يوم القيامة سيرون من رب العزة ما لم يكونوا يحتسبون .: (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) الزمر ).
8 : أن رب العزة جل وعلا هو ( الغفور الرحيم الحليم الرءوف الطيف التواب ) وهو أيضا جل وعلا ( العزيز الجبار الشديد العقاب ) : (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) غافر ) (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) المائدة ) (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)الانعام ) (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) الاعراف ) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) الرعد ).
رحمته جل وعلا لمن يستحق ، وعذابه لمن يستحق ، وفى كل هذا فهو جل وعلا لا يظلم أحدا . (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الانبياء ) ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) النساء )، وان من يجتنب الكبائر يكفّر رب العزة عنه سيئاته ويدخله الجنة : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) النساء )، وأن من يرتكب الكبائر ثم يتوب توبة صادقة يبدل الله جل وعلا سيئاته حسنات : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) الفرقان ) وأنه جل وعلا لا يؤاخذ على الخطأ والنسيان بل على التعمد : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) الاحزاب )
4 ـ نعم :
نعم : إن مائة جلدة أهون بكثير من خلود فى النار .
نعم : أرضى لبشر أن يجلدنى وأن يجلد ابنائى مائة جلدة حال الوقوع فى الزنا .. والتوبة هى الحل . وعن قريب جدا سيأتى الموت ـ ولا مفرّ من الموت ، وكل منا محكوم عليه بالموت ـ أى محكوم عليه بالاعدام ، وعند الموت سيعرف يقينا الحق ، وسيتمنى لو يعود ليتوب ويعمل صالحا : . (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ) (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون )
5 : وانتظروا إنا معكم منتظرون . : (قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) الانعام ) (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود )
ودائما : صدق الله العظيم