منظمات المجتمع المدني وانتخابات البلديات


محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5249 - 2016 / 8 / 9 - 00:38
المحور: القضية الفلسطينية     



تنظر منظمات المجتمع المدني باهتمام بالغ لإجراء انتخابات البلديات ، ليس فقد لأنها اتت بعد العديد من سنوات الانقسام التي تعطلت بها المؤسسات التمثيلية المشتركة ، بل لأنها اعادة الاعتبار إلى رأي وإرادة المواطن بتحديد من يمثله بما يشمل العودة إلى آليات المشاركة والمسائلة وكذلك لتجديد الشرعيات ، وبما يتضمن العودة إلى المسار الديمقراطي المفقود خلال الفترة السابقة .
العودة إلى صندوق الاقتراع يشكل تحول نوعي هام ، خاصة إذا أدركنا ان الانتخابات البلدية ستتم بكل من الضفة والقطاع بما يعيد الاعتبار للترابط بينهما ويفتح افقاً محدوداً لإمكانية انهاء الانقسام واستعادة الوحدة .
يتلخص دور منظمات المجتمع المدني بالانتخابات بالتوعية وحث الناخبين على التوجه إلى صندوق الاقتراع وعدم التردد في ذلك لممارسة الحق الديمقراطي لكل مواطن باختيار ممثليه ، والعمل على تحقيق نزاهة الانتخابات وشفافيتها عبر مراقبة العملية الانتخابية ابتداءً من التسجيل مروراً بتحديد القوائم ومتابعة الحملة الانتخابية وصولاً ليوم الانتخابات عبر الرقابة المباشرة على قيام الناخبين بالإدلاء بأصواتهم .
إن نجاح العملية الانتخابية مسألة مهمة ويعتبر انجازاً بحد ذاته بعد سنوات الانقسام المرير لأن ذلك قد يؤسس إذا ما استحسن استثماره لصالح اجراء الانتخابات العامة لكل من المجلس الوطني والتشريعي والرئاسة ، بما يتيح المجال لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة الشراكة وليس الاقصاء .
لا تكمن أهمية الانتخابات بالتوجه إلى صناديق الاقتراع فقط بل تكمن بالمناخ العام الذي تخلقه بما يعنى اعطاء المجال للتعددية والمنافسة واشاعة الحريات العامة ووقف الانتهاكات وصيانة حقوق الانسان.
لقد كان احد ابرز المتضررين من الانقسام هو منظمات المجتمع المدني من نقابات ومنظمات أهلية وغيرها ، ولأن هذه المنظمات بحاجة إلى بيئة ديمقراطية تراجعت كثيراً بسبب سنوات الانقسام فقد تعرضت هذه المنظمات إلى سلسلة من الاجراءات والقيود على عملها ، مما ساهم في اضعاف دورها الرقابي وكذلك دورها بالضغط والتأثير بالحيز العام وبالتشريعات والقوانين والسياسات ، وذلك بسبب غياب المؤسسة التمثيلية الجامعة .
لقد اصدر الرئيس أكثر من 130 قراراً بقوة القانون وأصدرت كتلة الاصلاح والتغيير التابعة لحركة حماس اكثر من 58 قانوناً ، وتم اتخاذ سلسلة من القرارات والاجراءات تجاه المنظمات الأهلية في كل من غزة والضفة اتسمت بالتوجه نحو الادارة المركزية ومحاولة تقليص مساحة استقلاليتها .
لقد اضعفت تلك الاجراءات من دو ومكانة العمل الاهلي بصورة عامة وذلك في مجال تقديم الخدمات الاغاثية والتنموية وكذلك بالمجال الديمقراطي والحقوقي ، وقد عمق من حالة الاضعاف وجود اكثر من 100 منظمة غير حكومية تعمل بصورة مباشرة دون الشراكة مع المنظمات الأهلية ذاتها .
وعليه فإن تأييد منظمات المجتمع المدني للانتخابات يأتي في سياق العمل على استعادة واستنهاض دورها والذي سيعزز بالضرورة إذا ما تم بناء النظام السياسي ومؤسساته التمثيلية بصورة ديمقراطية وجماعية .
لا ندعى هنا ان الانتخابات وحدها هي المخرج والعلاج لأزمة النظام السياسي ، حيث ان المعالجة تتطلب الاتفاق على رؤية سياسية واجتماعية مشتركة لإدارة الصراع بصورة موحدة في مواجهة الاحتلال وأيضاً لإدارة الخلافات الداخلية بصورة عصرية بعيداً عن آليات العزل والالغاء والاقصاء من جهة وآليات العنف واخذ القانون باليد من جهة ثانية .
إن تشكيل كتلة التحالف الديمقراطي المكون من بعض القوى السياسية والمجتمعية يشكل خطوة هامة على طريق استكمال اللوحة والخارطة السياسية بالمجتمع الفلسطيني ، وذلك في محاولة لتجاوز الابقاء في دائرة الاستقطاب بين كل من حركتي فتح وحماس، فوجود تيار ديمقراطي ثالث ربما يساهم في اختطاط منهج جديد ويعطى المجال للمواطن لتوسيع خيارته بدلاً من ابقائها محصورة بين الحزبين الكبيرين ، الأمر الذي سيكون مفيداً لبنية النظام السياسي ذاته وذلك باتجاه ينحو نحو مزيداً من التوازن بدلاً من الاستقطاب الحاد .
ورغم الطابع الخدماتي للانتخابات المحلية فإن لها مضمون سياسي وعليه فإن أحد انجازاتها إذا ما نجحت تكمن باستعادة الحق بالعمل السياسي المشروع والذي تعرض إلى تقليص وتراجع بسبب حالة الانقسام .
من مصلحة شعبنا كما منظمات المجتمع المدني الدفع باتجاه انجاح الانتخابات والتجربة الديمقراطية لأن ذلك يعنى نجاحاً لقيم الحرية والمساواة والعدالة .