رسائل ماركس-انجلز: الرسالة 13،


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6341 - 2019 / 9 / 4 - 22:04
المحور: الارشيف الماركسي     


1852

-13-

ماركس إلى ج. ويدماير، نيويورك

لندن، 5 آذار/مارس 1852

عزيزي ويفي،



أخشى ان يكون قد حصل التباس، فنظرا إلى اني لم أفهم رسالتك الأخيرة، دونت على رسالتيّ الأخيرتين عنوانا غير صحيح: «مكتب الثورة، 7، شامبر ستريت، ص.ب 1817».

الالتباس يأتي من «ص.ب 1817» اللعينة هذه، نظرا إلى انك كتبت اليّ انه ينبغي ان اضيف هذا التوضيح «إلى العنوان القديم»، من دون ان تحدد هل المقصود الأول أو الثاني. لكني آمل ان تنجلي المسألة حتى قبل وصول هذه الرسالة، ولاسيما ان رسالة يوم الجمعة الماضي تحتوي على الفصل الخامس الكبير جدا في الحجم من كتابي (1). ولم استطع أن انهي هذا الاسبوع الفصل السادس والأخير (2). وإذا كانت صحيفتك قد عاودت الصدور من الآن، فان هذا البطء لن يسبب أي تأخير لأن لديك بدونه ما فيه الكفاية من المادة.

ان مقالك ضد هاينزن، الذي أوصله انجلز اليّ لسوء الحظ بعد فوات الأوان، جيدا جدا، عنيف وأريب في آن واحد، على وجه الدقة كما هو مطلوب في جدال حقيقي. وقد رأيته إ.جونز، وأرفق طيا الرسالة التي يبعث بها إليك بغاية النشر. ونظرا إلى ان جونز يكتب بطريقة غير مقروءة البتة، وباختصارات، ولما كنت اشك في أن تكون قد اصبحت بعد بريطانياً لا تشوبه شائبة، فإنني أضم إلى الأصل نسخة كتبتها زوجتي والترجمة الألمانية كذلك، حتى تنشر الأصل والترجمة معا. وفي وسعك أيضا أن تضيف هذه الحاشية إلى رسالة جونز: أما فيما يتعلق بجورج جوليان هارني، الذي هو حجة في نظر السيد هاينزن، فقد نشر في صحيفته «ريد ريبابليكن» (3) الترجمة الانكليزية «لبياننا الشيوعي»، مع التنويه بأنه «الوثيقة الاكثر ثورية التي لم يسبق قط نشرها» (4)، وترجم في مجلته «ديمقراتيك ريفيو» (5) الألغاز التي «دحضها» هاينزن –مقالاتي عن الثورة الفرنسية (6) في مجلة «نيون راينشن زايتونغ». فهو يرجع إلى هذه المقالات، في مقال له عن لوي بلان، باعتبارها «نقدا مطابقا للواقع» للأحداث الفرنسية (7). صحيح انه ليس من الضروري في انكلترا الرجوع إلى اهل «اليسار المتطرف» وحدهم. فهنا، حين يصبح عضو من اعضاء البرلمان وزيرا فلا بد من اعادة انتخابه، وهكذا نرى دزرائيلي، وزير الخزينة- اللورد الجديد، يكتب بتاريخ 1 آذار/مارس إلى ناخبيه:

«سنحاول أن نضع حدا لذلك الصراع الطبقي الذي كان له، طوال هذه السنوات، تأثير مؤسف للغاية على ازدهار مملكتنا».

وتلاحظ «التايمز» (8) الصادرة في 2 آذار/مارس بهذا الصدد:

«إذا كان هناك شيء في بلادنا يمكن ان يقسم الطبقات إلى درجة تمسي معها المصالحة مستحيلة وتضيع كل فرصة لسلام عادل ومشرف، فهو يتمثل في الضرائب على استيراد الخبز».

وحتى لا يتصور شخص جاهل مثل هاينزن ان الارستقراطيين هم مع قانون الخبز وأن البرجوازيون ضده، لأن الأوائل يناضلون في سبيل الاحتكار والآخيرين في سبيل الحرية –على اعتبار ان التناقضات لا وجود لها في نظر الضيق الافق، المحترم، الا في هذا الشكل الايديولوجي- فلا بد من ان نلاحظ ان ارستقراطيي انكلترا كانوا في القرن الثامن عشر مع «حرية» التجارة وأن البورجوازيين كانوا مع «الاحتكار»، وبعبارة أخرى، كانوا يقفون موقفا شبيها بذاك الذي تقفه هاتان الطبقتان في الوقت الراهن «في بروسيا» من مسألة «قوانين الخبز». و«النيو بروسيش زايتونغ» (9) هي أعظم نصير للتبادل الحر. واخيرا، لو كنت مكانك، للفتّ انتباه السادة الديمقراطيين بوجه عام* إلى انه أخلق بهم ان يطلعوا هم انفسهم على الأدب البورجوازي قبل ان يسمحوا لأنفسهم بالنباح ضد ما هو مناقض له. ان على هؤلاء السادة ان يدرسوا، على سبيل المثال، مؤلفات تييري، غيزو، جون ويد، الخ، وأن يكون لهم بعض الالمام بـ«تاريخ الطبقات» في الماضي. عليهم ان يطلعوا على المبادئ الاولية لاقتصاد السياسي. حسبهم، على سبيل المثال، ان يفتحوا مؤلف ريكاردو الكبير (10) حتى تقع أعينهم من الصفحة الاولى على السطور التي تبدأ بها المقدمة:

«يتوزع ناتج الأرض، كل الربح الذي يمكن استخلاصه من مساحتها عن طريق التطبيق المتضافر للعمل والآلات والرأسمال، يتوزع بين ثلاث طبقات من المجتمع، وهي: مالك الأرض، ومالك الرساميل التي يقتضيها زرعها، والشغيلة الذين يزرعونها بمهارتهم».

أما إلى أي حد ما يزال المجتمع البورجوازي في الولايات المتحدة يفتقر إلى النضج اللازم حتى يمسي صراع الطبقات محسوسا ومفهوما، فهذا ما يوضحه بأتم جلاء ت. ه. كاري (11) (من فيلادلفيا)، وهو الاقتصادي الوحيد ذو الشأن في أمريكيا الشمالية. انه يهاجم ريكاردو –الممثل الكلاسيكي للبورجوازية وأشد خصوم البروليتاريا رباطة جأش- بوصفه شخصا يجد الفوضويون والاشتراكيون وجميع أعداء النظام البورجوازي في مؤلفاته ترسانة أسلحتهم. وهو لا ينحي باللوم عليه وحده، وانما أيضا على مالتوس، مل، ساي، تورنس، وكفيلد، ماك كولوخ، سنيور، واتلي، ر.جونس، الخ، على جميع أئمة العلم الاقتصادي في أوروبا هؤلاء، لأنهم مزقوا المجتمع وأعدوا العدة للحرب الأهلية ببيانهم أن الأسس الاقتصادية لمختلف الطبقات الاجتماعية لا يمكن إلا أن تشعل فيما بينها نار تناحر حتمي ومتعاظم الحدة باستمرار. وهو يحاول أن يفند حججهم، لا على طريقة ذلك الأحمق هاينزن بالطبع، بربطه وجود الطبقات بوجود امتيازات سياسية واحتكارات، لكن برغبته في ان يبين أن الشروط الاقتصادية: الريع (الملكية العقارية)، الربح (الرأسمال)، والأجر (العمل المأجور)، هي شروط للتآلف والتضافر أكثر منها شروطا للصراع والتناحر. وطبيعي انه لا ينجح إلا في اقامة البرهان على أن علاقات الولايات المتحدة، تلك العلاقات «التي لم تتطور بعد ملء التطور»، تمثل في نظره «العلاقات السوية».

أما في يتعلق بي الآن،ـ فليس اليّ يعود الفضل في اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع الحديث، ولا الفضل في اكتشاف الصراع فيما بينها. فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون بورجوازيون إلى عرض التطور التاريخي لصراع الطبقات هذا، واقتصاديون بورجوازيون إلى تشريحه اقتصاديا. أما الجديد الذي اتيت به فهو: 1-اقامة البرهان على أن وجود الطبقات لا يرتبط إلا بمراحل تاريخية محددة من تطور الانتاج؛ 2-على أن صراع الطبقات يفضي بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا؛ 3-على ان هذه الدكتاتورية لا تمثل هي نفسها سوى انتقال نحو الغاء الطبقات كافة ونحو مجتمع بلا طبقات. أما الحمقى الجاهلون، من أمثال هيانزن، الذين لا ينفون صراع الطبقات فحسب بل وجود هذه الطبقات بالذات، فانهم إنما يدللون، بالرغم من كل كلامهم الجارح ومن عوائهم الذي يريد أن يُنزل منزلة الاعلان ذي النزعة الانسانية، على أنهم يرون في الشروط الاجتماعية التي تصون البورجوازية في ظلها سيطرتها، النتيجة النهائية، الحدود التي لا يمكن تجاوزها للتاريخ. يدللون على انهم مجرد عملاء للبورجوازية، وهذه عبودية تبعث على المزيد من النفور كلما كان هؤلاء الأغبياء أقل فهما لعظمة هذا النظام البورجوازي نفسه ولضرورته العابرة…

في وسعك أن تختار من ملاحظاتي السابقة ما يبدو لك مفيدا. ولقد أخذ عنا هاينزن بالأصل «المركزة» بديلا عن «جمهوريته الاتحادية». ويوم تصبح التصورات الطبقية التي نروج لها الآن عادية، مجرد أداة للاستعمال من قبل «عقلية بشرية متوسطة»، سيعلن هذا الأبله أنها أحدث نتاج لـ«جهبذته الذاتية» وسيأخذ بالنباح ضد تطورنا اللاحق لها. كذلك كان هاينزن، بالاستناد إلى «جهبذته الذاتية» وحدها؛ يهاجم فلسفة هيغل ما لبثت تقدمية. وها هوذا يقتات بفتاته غير الشهي الذي بصقه روجه بعد أن عجز عن هضمه.

أرسل اليك ضمنا نهاية المراسلة المجرية. إذا كانت صحيفتك ما تزال تصدر، فحاول أن تستخدمها، ولاسيما أن سزمير، وهو من رؤساء الوزراء السابقين في المجر، وعدني بأن يكتب لك من باريس مقالا مفصلا يحمل توقيعه.

إذا كانت صحيفتك قد استأنفت صدورها، فأرسل اليّ أكبر عدد ممكن من النسخ حتى نوفر لها أفضل رواج ممكن.

المخلص لك

ك.ماركس
—-

احالات عام 1852

1-«18 برومير لوي بونابرت».

2-يبدو أن ماركس عدل بعض الشيء في مخطط كتابه، فهذا الأخير يشتمل على سبعة فصول بدلا من ستة.

3-«الجمهوري الأحمر».

4-بالانكليزية في النص.

5-«المجلة الديمقراطية».

6-«صراعات الطبقات في فرنسا من 1848 إلى 1850».

7-نشرت صحيفة «ريد ريبابليكن» الناطقة بلسان الحركة الميثاقية في تشرين الثاني/نوفمبر الثاني 1850 نص «بيان الحزب الشيوعي». وكانت هذه أول ترجمة للبيان إلى اللغة الانكليزية. والمقدمة التي كتبها رئيس تحرير المجلة، هارني، كانت أول إشارة إلى أن ماركس وانجلز هما محررا «البيان». كذلك نشرت مجلة «ديموقراتيك ريفيو» التي كان يصدرها هارني، في نيسان/أبريل-حزيران/يونيو 1850، مقتطفات من «صراعات الطبقات في فرنسا». وحاشية هارني على هذه المقتطفات تتضمن عرضه لكتاب لوي بلان، «صفحات من تاريخ ثورة شباط/فبراير 1848 في فرنسا»، الذي نشر في «ديموقراتيك ريفيو» في أيار/مايو 1850.

8-كبرى الصحف اليومية الانكليزية، محافظة، تصدر في لندن منذ عام 1785.

9-«الصحيفة البروسية الجديدة» صحيفة يومية ألمانية، مغالية في رجعيتها، بدأت بالصدور في برلين في حزيران/يونيو 1848، وهي تعرف أيضا باسم «كروز زايتونغ» (جريدة الصليب) لأن ترويستها كانت عبارة عن صليب.

رقن الموقع الالكتروني الطلبة الثوريون أنصار تيار المناضل-ة

10-دافيد ريكاردو: «في مبادئ الاقتصاد السياسي والضريبة».

11-ت. ه. كاري: «مقالة في معدلات الأجور».