بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل التاسع


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5247 - 2016 / 8 / 7 - 14:15
المحور: الادب والفن     

أراد عبد السلام أن يعرف ماذا كان أبو المشارق يفبرك خلال كل ذلك الوقت. أشعل النار في مشغل الخياطة وأغرقه في الدم، مبررًا فعله بنظرية كبرى. لكسب الحرب كان على المعارك أن تدمر كل شيء، حتى المناطق الأكثر سلامًا. كان قد تعرَّف هناك على سعد الله وعلى عباس وعلى زكريا وأخت زكريا، وكلفهم بالدفاع عن المشغل.
مرة أخرى، رفض بطرس الانتقام لأطفالنا، "العين بالعين والسن بالسن"، لم تكن هذه له شريعة، ففاجأ أبو المشارق الجميع بالموقف نفسه.
- المجزرة حركت شعور الرأي العام العالمي، برر.
- تريد أمهاتنا الانتقام من أطفال أبي أرز.
- أنت تعرفني جيدًا. أنا بعيد عن كوني أخلاقي النزعة. أطفال أبي أرز سأذبحهم بيديّ هاتين، لكن ليس الآن.
جاء الأبيض، وهمس في أذن عبد السلام:
- المدمنون يطالبون بجرعتهم ليقاتلوا.
كنا نسمعهم يصرخون من العذاب. في الماضي، كانت مهنتهم السأم، والمهارة في قتل الوقت بأية وسيلة. كانت المخدرات تشكل جزءًا من هذه الوسائل. طلب عبد السلام من أبي المشارق رفع الحظر عن المخدرات لخيرهم، فسبهم أبو المشارق، واعتبرهم "نفايات المجتمع الرأسمالي".
- لن أقاتل، قذف الأبيض حادجًا إياه بحقد، إذا لم تحلوا مسألة الحياة أو الموت هذه لرفاقي.
- لا حل آخر هناك إلا بقتلهم كلهم عن بكرة أبيهم، بصق أبو المشارق.
- لا يمكننا أن نفعل هذا دون موافقة قيادة القوات المشتركة، قال القائد الفلسطيني.
انسحب القيادي اليساروي، وهو يتظاهر بالغضب ضد العالم أجمع. رأيناه يختفي وراء خط النار، عندما سمعنا فجأة الطائرات المروحية، وهي تقطع سماء تل الزعتر. ظننا في البداية أنها مروحيات الجيش، أو سوريا، لكننا فهمنا بسرعة خطأنا، ونحن نرى النجمة السداسية تلمع في الليل الأسود لبيروت. دفع الأبيض عبد السلام. كان انفجار قد وقع، وغدا المكان الذي كنا فيه مع عبد السلام قد أصبح أثرًا بعد عين.
في الغد، وقع نفس الحادث حالاً بعد موعد مع أبي المشارق. لو لم تطلب أم الأبيض من عبد السلام مرافقتها إلى مشغل الخياطة لسقط قتيلاً. شك القيادي الفلسطيني في بطرس الأحمر، هذا "الجاسوس"! قال لأبي المشارق الذي أكد شكوكه وحذره منه.
- أحمر أو أصفر، أحمر أو أصفر، صفر كالأفعى، سيبقى ابن عم برناديت، مسيحي وابن عم مسيحية! إنه أقرب إلى أبي أرز منا. وأبو أرز الطفل المدلل للإسرائيليين. اسأل العمة مريم تخبرك.
- لكن أين ذهبت العمة مريم؟ هتف عبد السلام.
قنبلت مروحيات نجمة داوود للمرة الثالثة المكان الذي كان عبد السلام يوجد فيه. حسبما بدا أكثر ما يكون وضوحًا، كان الإسرائيليون يسعون إلى قتله. كان مخبأ لا يعرفه أحد سوى أبي المشارق وبطرس الأحمر. إذن، فهو بطرس، الخائن.
اندهش عبد السلام عندما رآه يحضر، وأكثر عندما كشف عن سر أبي المشارق. أراه وثائق تثبت أنه عميل إسرائيلي، فكاد يُجَنُّ. أتيناه بالخائن مكبلاً. اعترف بكل شيء. كان يحمل جهازًا يسمح للطائرات الإسرائيلية باستبيان المكان الذي يوجد فيه قائدنا. أمر بإعدامه فورًا دون أي شكل آخر من أشكال المحاكمة، ودون أن يبالي بردود فعل ميليشياه. عندما علم ممثلو حزبه بالأمر، قدموا اعتذاراتهم لعبد السلام، وأسخطهم أن يكون أبو المشارق عميلاً لحساب إسرائيل على مقاتليه أنفسهم. أرسلوا في مكانه شابًا اسمه ضوء الليل. أبدى عبد السلام منه حذرًا، لكنه بدا صادقًا. كان شابًا مفعمًا بالحماس، يتقن العزف على الجيتار كالعميل "المرحوم"، ويغني أغاني ثورية. غالبًا ما كان يذهب إلى مشغل الخياطة، ويقضي معظم وقته مع سعد الله وعباس وزكريا وأخت زكريا. كانت أم الأبيض تتمنى تزويجه أَبِية، ابنتها. خلال ذلك، وقع ماجد في فخ نصبوه له في القاهرة. قتلوه في فندقه، ولم يعلق الإسرائيليون أي تعليق. رَوَّج أبو الدميم ما مفاده أنه جواب الصهاينة على إعدام عميلهم، القيادي المتطرف، فجعل من عبد السلام المسئول جزئيًا، وبكى ماجدًا.
اختطف أبو مزة بعض الرهبان، وذبحهم، فاتهمنا أبو أرز، نحن رجال عبد السلام، ليحرض الرأي العام العالمي علينا. منذ الجريمة التي اقترفها بحق أطفالنا، كانت ردود الفعل الدولية تعيقه عن تطبيق خطته الجهنمية. أيده كل أبناء طائفته، وكذلك العمة مريم. هذا ما افترضناه، بما أنها لم تكن تظهر. وعدهم بمحو الجريمة بالجريمة، خير طريقة للدفاع عن وجودهم! ولن تهددهم البربرية!
اختطف أبو مزة أَبِية، اختطف كذلك سعد الله وعباس وزكريا وأخت زكريا، وذبحهم كلهم دون أن يتأكد من هوياتهم، مع أن زكريا وأخته كانا مسيحيين. بعد ذلك، ذهب ليصلي مع رجاله، وأجراس الكنيسة تقرع، فلمن تقرع الأجراس؟
راحت أم الأبيض تبكي ابنتها في الملاجئ، بينما اتهم الأبيض ضوء الليل، كان كالثور الهائج.
- ضوء الليل مكلف بمهمة، قال له عبد السلام، فلا تتشاطر يا الأبيض، من فضلك!
ألزمه الهدوء، لأن هذا لن يخدم قضيتنا. على العكس، سيتهموننا بسكب الزيت على النار. لم يكن أبو أرز وحلفاؤه ينتظرون إلا هذا، ولم تكن اللحظة لإثارتهم، فما ندخره من ذخائر كان ينقص يومًا عن يوم. كان عبد السلام يأمل في عودة ضوء الليل مع الأسلحة الألمانية. بانتظار ذلك، وليجامل الأبيض، سمح لرفاقه بالتعاطي، وهم على وشك التفجر.
في اليوم التالي، علمنا أن هؤلاء الرفاق قد اختطفوا بعض سكان بيروت الشرقية، وقتلوهم، حتى دون أن يعرفوا هوياتهم. كان مسلمون بينهم. جردهم قائدنا من أسلحتهم، ورماهم بين القضبان. كان على بطرس وضوء وعبد أن يجتمعوا ليحاكموهم، ففعل كهذا يهدد ببدء الأعمال الحربية ثانية، ولم يكن ذلك يوافقنا طالما أننا لم نستلم بعد الشحنة المنتظرة.
حضرت فاتنة وسيطًا بين أبي أرز وعبد السلام، لكن رفض رئيسنا من جديد شروطها. كان عناد عبد السلام ما أزعجها ودفعها إلى دعم أبي أرز في حربه أقصى ما يكون عليه الدعم، حتى أنها قاتلت معه، وأبوها يصرخ: "هذه ليست ابنتي! أنا لا أعرفها! ليشهد الله على ما أقول!" ولم يتوقف لحظة واحدة عن قصف خطوط الأعداء.

يتبع الفصل العاشر...