للدبلوماسية حكمتها.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 5235 - 2016 / 7 / 26 - 19:25
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

تفاجأ خصوم الوحدة الترابية للمغرب بالرسالة التي بعثها الملك إلى رئاسة المؤتمر 27 للاتحاد الإفريقي ، يدعو فيها القادة الأفارقة إلى تصحيح خطئهم بطرد جمهورية الوهم واستعداد المغرب لاسترجاع عضويته بالاتحاد التي تخلى عنها مضطرا، قبل 32 سنة، حفاظا على وحدة الأفارقة من الانقسام .ومن شدة الغيظ خرج وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل، عن جادة الصواب ، منصبا نفسه وصيا على الأفارقة ومقررا نيابة عنهم "أنه لا يمكن لأي بلد إفريقي يرغب في الانضمام للاتحاد الإفريقي أن يقيد انضمامه بشروط" ، علما أن المغرب يدعو القادة الأفارقة إلى تصحيح خطأ قبول عضوية دولة وهمية لا تمتلك أي مقوم من مقومات الدولة ، وليس إلى طرد دولة ذات سيادة .ومبادرة المغرب هذه يمكن وضعها في سياقها السياسي والدبلوماسي العام . فعلى المستوى الدبلوماسي ، راهن المغرب طويلا على الأمم المتحدة من أجل إيجاد حل سلمي وسياسي للنزاع حول الأقاليم الصحراوية المسترجعة ، ولم يزد هذا الرهان موقفه إلا ضعفا بسبب أساليب الابتزاز والمتاجرة بالمواقف التي سلكتها الجزائر منذ 75 . فوضعية المغرب الدفاعية يسرت للخصوم مهامهم وفتحت لهم منافذ هجومية عدة (حقوقية عبر المطالبة بتوسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان ، دبلوماسية عبر تبني الأمين العام الأممي لأطروحة الانفصاليين ،الأمر الذي فجر الصراع بين المغرب والأمم المتحدة ، تجارية بإلغاء المحكمة الأوربية الاتفاق التجاري بين المغرب والاتحاد الأوربي ) .وأكيد أن موقف الدفاع يكلف صاحبه جهودا أكثر ويستنزف طاقاته ، بل يشغله عن التخطيط لكسب معارك التنمية والدبلوماسية معا .ومن مكر التاريخ أن المغرب نقل ملف الوحدة الترابية من الإشراف الإفريقي بسبب الانحياز الفاضح لمنظمة الوحدة الإفريقية لأطروحة الانفصال وقبولها بعضوية البوليساريو ، إلى الإشراف الأممي الذي فشل لحد الآن في إيجاد مخرج سياسي متوافق عليه ، ثم العودة بإستراتيجية أرقى إلى الاتحاد الإفريقي بهدف تصحيح الخطأ وقلب المعادلة بحيث يصير المغرب في موقف الهجوم فيما الخصوم يصبحون في وضع الدفاع . لا شك أن ممارسة الضغط على أي طرف تزيده ارتباكا وتخبطا.
هكذا ينجح المغرب في نقل معركته الدبلوماسية إلى داخل أروقة المؤتمر 27 للاتحاد الإفريقي ،أي أرجع المشكلة إلى أصلها وقدم فرصة مواتية للقادة الفارقة كي يتداركوا خطأهم ويصححوا مسار هيأتهم التي تسقط في تناقض صارخ من حيث كونها ترفض عضوية دولة "أرض الصومال" التي تمارس سيادتها على جزء مهم من أراضي الصومال وشعبه ، بينما تقبل بعضوية دويلة وهمية تحتجز اللاجئين الصحراويين وتتاجر بمعاناتهم عقودا عديدة .
أما على المستوى السياسي ،فقد استطاع المغرب أن يؤسس لمرحلة جديدة في علاقته بالقارة الإفريقية أساسها الانفتاح السياسي والاقتصادي والإعلامي والروحي والعسكري على الشعوب الإفريقية جنوب الصحراء . فالمغرب يقدم نموذجا للتعاون جنوب ـ جنوب تكون كل أطرافه رابحة ومستفيدة بعيدا عن الاستغلال أيا كان شكله . واستطاع المغرب أن يثبت للشعوب الإفريقية ولحكوماتها انخراطه الجدي في المساهمة ،بما يملك من إمكانات مالية وخبرات اقتصادية وفلاحية ،من أجل النهوض بالأوضاع العامة وكسر طوق الاستغلال الذي تعاني منه منذ قرون .ولا تخرج الإجراءات الإدارية لتمكين المهاجرين الأفارقة من الإقامة القانونية وتيسير اندماجهم في المجتمع المغربي عن هذا الانفتاح الذي يضمن لشجرة المغرب أن تتمدد جذورها في أدغال إفريقيا ضمانا لوحدة شعوبها وسيادة دولها . والمغرب ، بخبراته الأمنية التي راكمها على مدى عقود في مواجهة التنظيمات الإرهابية ، مؤهل لتقديم مساعداته لدول الساحل والصحراء التي تتهدد أمنها ووحدة أراضيها مخططات الإرهاب وعصاباته . ولا شك أن الدول المعنية بمحاربة الإرهاب تدرك جيدا أن الإطارات العسكرية التي تشكلت تحت إشراف الجزائر كلها عجزت عن حماية أمن الدول وحدودها (القمم العسكرية لقادة الجيوش بدول الميدان في تمنراست)، ولعل مثال مالي أكثر دلالة على هذا العجز ما اضطر التحالف الدولي بقيادة فرنسا إلى التدخل عسكريا لطرد التنظيمات الإرهابية التي استولت على إقليم أزواد.
إن النموذج الذي يقدمه المغرب للأفارقة أبعد ما يكون عن استغلال الصراعات بين الدول وتغذية الفتن بين الطوائف وتأجيج المواجهات المسلحة بين الفصائل كما هو دأب دول إقليمية ترصد مواردها المالية والعسكرية لدعم الانفصال والحروب الأهلية ؛ إنه نموذج تنموي داعم للسلم والاستقرار . فالمغرب يعي جيدا أن مجاله الحيوي هو إفريقيا التي يقدم لها تجاربه التنموية كدولة إقليمية صاعدة هدفها البناء لا التدمير. من هنا ، على المغرب ألا يستعجل قطف ثمار انفتاحه هذا ، وإنما يراهن على المكاسب التي تحققها الشعوب والدول من تعاونها مع المغرب لتشكيل رأي عام وطني يقنع غالبية الحكومات الإفريقية بالانتصار لقضايا المغرب والاصطفاف إلى جانبه في دعم جهود التنمية ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة داخل إفريقيا. ومعركة العودة إلى الاتحاد الإفريقي وطرد البوليساريو هي في بدايتها وتقتضي نهج الدبلوماسية الحكيمة لإقناع الدول الصديقة بجدية الطرح المغربي قصد تبني موقفه والالتحاق بلائحة الموقعين على ملتمس إلغاء عضوية البوليساريو من الاتحاد قبل قمة أديس أبابا التي تنعقد شهر يناير 2017 . أمام المغرب متسع من الوقت لاستثمار علاقاته وإقناع أصدقائه بضرورة مواجهة خطر الانفصال والإرهاب الذي يهدد القارة الإفريقية وشعوبها .