بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الثالث1


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5235 - 2016 / 7 / 26 - 14:26
المحور: الادب والفن     

لم يحرك أبو أرز ساكنًا، لأن القتلى كانوا قتلانا، والهولد-أب كان نتيجة لهولد-أب آخر. لستر الفضيحة، شاركنا كلنا في التحضير لإضراب معمل البسكوت المزمع شنه، وأقنعنا العمال أن كرامتهم وأجورهم معرضة للخطر. قرر رب العمل، السني علاوة على ذلك، أن يفصلهم كلهم، ويطلب من أبي أرز نجدته. هرع أبو أرز طالبًا مساعدة أبي مزة، فأشرق وجه أبي مزة عند هذا الطلب. كان يتخيل كيف سيضرب، وفي حالة ما ستتعقد الأمور، بأية مذبحة سيكلف نفسه دون ما عقاب. كانت العمة مريم تجهل كل شيء عن هذه الناحية الدموية في شخصيته. في نهاية الأمر، كانت العمة مريم هي أيضًا من السذاجة بما فيه الكفاية، رغم حِذْقِها. كانت تخطئ في كل شيء في موضوع أبي مزة الذي لم يكن يطلب شيئًا أفضل من تكليفه بالأعمال القذرة. كشف عن ذراعه الموشومة بعظمتين وجمجمة، وأطلق في الهواء رشقة من الطلقات. كان أبو أرز يعرف جيدًا ما يجيش في صدره من رغبات، فقال له مهلاً، لكن الآخر فهم بالإشارة كل شيء. أولاً وقبل كل شيء كان يلزم حل مسألة الأمن. كان وجه أبي مزة يعكس فرحًا يزداد شراسة، فالمهمة التي كُلِّفَ بها كانت أهم من قمع العمال، قمع آه ما أسهله! أومأ أبو أرز برأسه في اتجاه عبد السلام.
- إنه بيت داء المسلمين، قال بصوته الأخن. اطرده أولاً، ثم اهجم على المضربين!
نزل أبو مزة إلى الشارع الممتلئ بالمتظاهرين. كنا مُهَيَّجِين كلنا، عبد السلام، كمال الدرزي، أبو المشارق، تقي الدين، بطرس الأحمر الحزين، وأنا. كنا نريد أن ينجح الإضراب لنقنع الناس أن الهولد-أب لم يكن من فعلنا. كنا نريد كذلك أن يقرع دعمنا للمضربين جرس التحدي في آذان أبي أرز وأبي مزة. الشيء الذي ارتعدت له فرائص الأول وعمل على تراجع الثاني.
- سأسمح لكم بالعودة إلى أعمالكم، قال رب العمل للعمال، على أن تعودوا عن مطالبكم. سأمنح كل واحد علبة كبيرة من البسكوت المملح، هذا كل ما أقدر عليه، ويا لكم من محظوظين!
- لا! صرخ العمال التعسون بصوت واحد.
ولم يتوقف الإضراب. تلفن أبو أرز لفرنسا ليخبر أنه يخشى العمال في سعيهم إلى قتله. بعد عدة أيام، ذهب أبو أرز إلى جُونْيِه. كنا نعلم أن شحنة هامة من الأسلحة ستصل، وأن برناديت ستكون في تلك النواحي.
- برناديت في خطر، ابنة عمي، أختي أملي، أملي، قال بطرس الأحمر لعبد السلام بنبرة قلقة وهو يلدغ. هل نسيت برناديت؟
- أعرف أنها في خطر، أجاب عبد السلام، وأنا لم أنسها.
- من واجبك إطلاق سراحها.
- مستحيل.
- ماذا تقول!؟
- في الظروف الراهنة، مستحيل إنقاذها.
غضب بطرس الأحمر. إن لم نفعل شيئًا لتحرير ابنة عمه، تَرَكَنا، وأبلغَ عن القائد الفلسطيني الذي نحبه كلنا. أخذنا نفكر في أحسن طريقة لاختراق الباخرة الفرنسية لنحرر برناديت.
ذهب عبد السلام ليرى قائده "أبو الدميم" الذي كان اسمه على شكله. وجده على البلكون، يهدد الجيران. كان دميمًا بالفعل، وكريهًا بلا نزاع.
- أنا أجمل الثوريين، أنا أجمل الثوريين، كان يصرخ بصوته الأبح. أنا رب بيروت! أنا رب كل لبنان! كلكم على قدميّ! أنتم، نساؤكم، بناتكم! كلكم على قدميّ، يلعن دين! على قفاي! علىىىىىىى، قفااااااااااااااااااااي!
أخذ يطلق الرصاص على غير هدى، والصرخات تصل من البلاكين الأخرى. أمسكنا أبا الدميم من ذراعه، وأدخلناه، وهو يواصل سب الجيران. كان مخدرًا. كانت ثلاث عاهرات من أجمل عاهرات بيروت عنده. اعترف بكونه صار يسأم من مضاجعة عاهرات العمة مريم. يريد عذراوات يزيل بكارتهن بنفسه.
- العاهرات كالعذراوات اللاتي تتمنى إزالة بكارتهن، كل هذه البنات مُلْكٌ للعمة مريم، إذا كنت تريد أن تعلم، رد عليه عبد السلام.
- إذن ماذا تنتظر لتنيك رب العمة مريم، وترضيني؟ صاح قائد المقاومين الفلسطينيين.
- أريد أن تعيرني عاهراتك لهذه الليلة، وأنا، سأحضر لك كل عذراوات بيروت دون اللجوء إلى تلك القذرة التي هي العمة مريم.

يتبع...